حكماوي
24-02-2006, 12:22 PM
3 الاجتماع
ما أصعب أن تجد نفسك غريبا وحيدا في شبه مدينة، لا تجد من يشاركك كلامك وضحكك لا سيما على بعض المواقف التي تثير قيك الضحك أو تذكرك بمواقف مضحكة، تخيط الدروب وتقص الأزقة، مهموما مهما حاولت أن ترفه عن نفسك، تمثل السائح الذي يبحث عن متعته في المغرب غير النافع.
قضى ليلته بأحد الفنادق الرخيصة، ليس من قلة ذات اليد، فثمن القرطين مازال يسخن جيبه، ولكن لوجود هذا النوع من الأماكن. خرج ليلا يستطلع المدينة؛ فقطعها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب في أقل من نصف ساعة، تسكع خلال الدروب. في الصباح قصد محطة الطاكسيات؛ يسأل عن الدوار.
- ستأخذ الطاكسي وتنزل عند القنطرة المحادية للصفصافة.
- وهل يوجد الدوار عند الصفصافة؟
- لا يا ولدي، ستأخذ المسلك الثاني عن اليمين لبضعة كيلومترات حتى تصل، وإن كنت محظوظا ستجد أحد الخطافة أو أصحاب الفحم!
- أين أنا من الحظ الحسن؟ لقد هجرني كما هجر أبي من قبل.
- في هذه الحالة ستقطع المسافة راجلا!
نزل عند الشجرة الضخمة المحادية للقنطرة، وضع حمله في الظل ومد رجليه ينتظر ما يخبؤه حظه العاثر. شرع يعد المسالك المتشابهة والمتشابكةمثل الثعابين. أين المسلك الثاني عن اليمين؟ من أيها يبدأ العد؟ من هذا الصاعد بمحاداة النهر إلى منبعه؟ أم من هذا الذي يلتف يلتف حول هذا الجبل الأجرد؟ ربما من من هذا الذي يسير مع النهر ثم لا يلبث أن يبتعد عنه قليلا قليلا حتى يصبح متعامدا معه؛ مخترقا السهول الضيقة بين الجبال؟
- دعني من التعامد والتوازي ؛ فدروس الهندسة لا تنفع في هذه القفار. ألا يوجد بشر هنا؟ كيف استوطن هؤلاء الناس هذه الغابات والجبال؟
بعد ساعات من الانتظار؛ علم من بعض المارة أن عليه أن يسلك الطريق السهلي. حمل حقيبته على ظهره وانطلق يمني نفسه بمرور أحد الطافة وإن كان على يقين أن النحس الذي ورثه من أبيه لن يسعفه في هذه المواقف.
لاحت له بعض البنايات؛ ولمح جدرانا بيضاء تكاد تحجبها أشجار الكلبتوس الشاهقة، أحس بفرحة من أعماق لا توازيها لا إلا فرحة طفل أتم صيام يومه الأول. علم من لون العلم الباهت المنتصب فوق البناية أنها المدرسة، قطع الساحة المقفرة صوب الأقسام، فالاجتماع لا يتم إلا في الأقسام. لم يجد بشرا تساءل:
- أليس هذا يوم الدخول المدرسي؟ أين المعلمون؟ أين المدير؟ أين التلاميذ؟ هل ابتلعتهم الأرض؟
رفع عينيه إلى الجدران فقرأ:.فرعية الشانطي، بخط يكاد ينمحي بفعل عوادي الأيام. صاح عليه أحد السكان من فوق سطح منزله، يصلحه تحسبا لأمطار الخريف الأولى:
- إنهم مجتمعون عند المدير، اتبع المسلك الأيسر.................................
رمى بحمله على باب الإدارة، ودلف إلى الداخل يتصبب عرقا، سلم بخجل وجلس على أقرب كرسي وجده شاغرا. كان النقاش ساخنا، أخبرهم المدير بتعيين معلمة جديدة بالمجموعة، وبناء على تعليمات القائد سوف يتم تعيينها بفرعية الشانطي القريبة من الطريق، حتى لا تتكرر مأساة صديقتهم التي نهشتها الكلاب.
اشتد النقاش حول آخر من التحق، وتغيير الأماكن، والتنازلات بين المذكرات وتعليمات القائد. تدخل المدير بعد أن هدأ الجو بعض الشيء:
- هذا إن جاءت فعلا، أما إذا تم تنقيلها من فوق قبل أن تطأ قدماها المدرسة كما حدث لعدة تعيينات وصلت ولم يصل أصحابها، فسيبقى الوضع على ماهو عليه، وسيعين المعلم الجديد بفرعية العزيب.
التفت المدير صوب القادم قائلا:
- هل أنت معلم جديد المعلة صباح؟
- لا يا أستاذ، أنا هو صباح منير( وضغط على الباء ليظهر الشدة).
تعالت قهقهات المعلمين، وسرت همهمات من هنا وهناك.
- اسمح لنا يا أستاذ لقد أخذت منا هذه الشدة وقتا طويلا وجدالا حارا كاد ينقلب إلى عراك؛ حول تعيينك.
شعر بغصة في حلقه وتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته؛ ولعن في نفسه هذا الاسم المشؤوم. وقال موجها الكلام لنفسه:
- أنتم أخذت منكم هذه الشدة اللعينة نقاش ساعات، أما أنا فقد غيرت مجرى حياتي، ولولاها لما رأيت وجوهكم.
- بما أنك آخر من التحق بهذه المجموعة وحسب التنظيم التربوي الذي أقره السيد المفتش، وبناء على الخريطة المدرسية التي قررت فتح حجرة جديدة بفرعية العزيب، ستكون من نصيبك، إنها تبعد بمسافة لا بأس بها، وأهلها كرماء لن يبخلوا عنك بشيء.
ظل ينصت إلى تبريرات المدير وحيثياته ساهما، تذكر جملة آخر من التحق، في الحافلة كان آخرمن صعد؛ وكان نصيبه مقعد فوق العجلات، مازالت معدته تشكو من آثاره، وهاهي اللعنة تحل به من جديد، وسيكون وحيدا في فرعية لا يعلم إلا الله الوصول إليها.......
يتبع
ما أصعب أن تجد نفسك غريبا وحيدا في شبه مدينة، لا تجد من يشاركك كلامك وضحكك لا سيما على بعض المواقف التي تثير قيك الضحك أو تذكرك بمواقف مضحكة، تخيط الدروب وتقص الأزقة، مهموما مهما حاولت أن ترفه عن نفسك، تمثل السائح الذي يبحث عن متعته في المغرب غير النافع.
قضى ليلته بأحد الفنادق الرخيصة، ليس من قلة ذات اليد، فثمن القرطين مازال يسخن جيبه، ولكن لوجود هذا النوع من الأماكن. خرج ليلا يستطلع المدينة؛ فقطعها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب في أقل من نصف ساعة، تسكع خلال الدروب. في الصباح قصد محطة الطاكسيات؛ يسأل عن الدوار.
- ستأخذ الطاكسي وتنزل عند القنطرة المحادية للصفصافة.
- وهل يوجد الدوار عند الصفصافة؟
- لا يا ولدي، ستأخذ المسلك الثاني عن اليمين لبضعة كيلومترات حتى تصل، وإن كنت محظوظا ستجد أحد الخطافة أو أصحاب الفحم!
- أين أنا من الحظ الحسن؟ لقد هجرني كما هجر أبي من قبل.
- في هذه الحالة ستقطع المسافة راجلا!
نزل عند الشجرة الضخمة المحادية للقنطرة، وضع حمله في الظل ومد رجليه ينتظر ما يخبؤه حظه العاثر. شرع يعد المسالك المتشابهة والمتشابكةمثل الثعابين. أين المسلك الثاني عن اليمين؟ من أيها يبدأ العد؟ من هذا الصاعد بمحاداة النهر إلى منبعه؟ أم من هذا الذي يلتف يلتف حول هذا الجبل الأجرد؟ ربما من من هذا الذي يسير مع النهر ثم لا يلبث أن يبتعد عنه قليلا قليلا حتى يصبح متعامدا معه؛ مخترقا السهول الضيقة بين الجبال؟
- دعني من التعامد والتوازي ؛ فدروس الهندسة لا تنفع في هذه القفار. ألا يوجد بشر هنا؟ كيف استوطن هؤلاء الناس هذه الغابات والجبال؟
بعد ساعات من الانتظار؛ علم من بعض المارة أن عليه أن يسلك الطريق السهلي. حمل حقيبته على ظهره وانطلق يمني نفسه بمرور أحد الطافة وإن كان على يقين أن النحس الذي ورثه من أبيه لن يسعفه في هذه المواقف.
لاحت له بعض البنايات؛ ولمح جدرانا بيضاء تكاد تحجبها أشجار الكلبتوس الشاهقة، أحس بفرحة من أعماق لا توازيها لا إلا فرحة طفل أتم صيام يومه الأول. علم من لون العلم الباهت المنتصب فوق البناية أنها المدرسة، قطع الساحة المقفرة صوب الأقسام، فالاجتماع لا يتم إلا في الأقسام. لم يجد بشرا تساءل:
- أليس هذا يوم الدخول المدرسي؟ أين المعلمون؟ أين المدير؟ أين التلاميذ؟ هل ابتلعتهم الأرض؟
رفع عينيه إلى الجدران فقرأ:.فرعية الشانطي، بخط يكاد ينمحي بفعل عوادي الأيام. صاح عليه أحد السكان من فوق سطح منزله، يصلحه تحسبا لأمطار الخريف الأولى:
- إنهم مجتمعون عند المدير، اتبع المسلك الأيسر.................................
رمى بحمله على باب الإدارة، ودلف إلى الداخل يتصبب عرقا، سلم بخجل وجلس على أقرب كرسي وجده شاغرا. كان النقاش ساخنا، أخبرهم المدير بتعيين معلمة جديدة بالمجموعة، وبناء على تعليمات القائد سوف يتم تعيينها بفرعية الشانطي القريبة من الطريق، حتى لا تتكرر مأساة صديقتهم التي نهشتها الكلاب.
اشتد النقاش حول آخر من التحق، وتغيير الأماكن، والتنازلات بين المذكرات وتعليمات القائد. تدخل المدير بعد أن هدأ الجو بعض الشيء:
- هذا إن جاءت فعلا، أما إذا تم تنقيلها من فوق قبل أن تطأ قدماها المدرسة كما حدث لعدة تعيينات وصلت ولم يصل أصحابها، فسيبقى الوضع على ماهو عليه، وسيعين المعلم الجديد بفرعية العزيب.
التفت المدير صوب القادم قائلا:
- هل أنت معلم جديد المعلة صباح؟
- لا يا أستاذ، أنا هو صباح منير( وضغط على الباء ليظهر الشدة).
تعالت قهقهات المعلمين، وسرت همهمات من هنا وهناك.
- اسمح لنا يا أستاذ لقد أخذت منا هذه الشدة وقتا طويلا وجدالا حارا كاد ينقلب إلى عراك؛ حول تعيينك.
شعر بغصة في حلقه وتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته؛ ولعن في نفسه هذا الاسم المشؤوم. وقال موجها الكلام لنفسه:
- أنتم أخذت منكم هذه الشدة اللعينة نقاش ساعات، أما أنا فقد غيرت مجرى حياتي، ولولاها لما رأيت وجوهكم.
- بما أنك آخر من التحق بهذه المجموعة وحسب التنظيم التربوي الذي أقره السيد المفتش، وبناء على الخريطة المدرسية التي قررت فتح حجرة جديدة بفرعية العزيب، ستكون من نصيبك، إنها تبعد بمسافة لا بأس بها، وأهلها كرماء لن يبخلوا عنك بشيء.
ظل ينصت إلى تبريرات المدير وحيثياته ساهما، تذكر جملة آخر من التحق، في الحافلة كان آخرمن صعد؛ وكان نصيبه مقعد فوق العجلات، مازالت معدته تشكو من آثاره، وهاهي اللعنة تحل به من جديد، وسيكون وحيدا في فرعية لا يعلم إلا الله الوصول إليها.......
يتبع