تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من أجل أمُة لا تعرف اليأس



صلاح الدين 583
09-03-2006, 03:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


((((( منقول بتصرف )))))




إن من أخطر وأشر الأدواء التي تعاني منها الأمُة الإسلامية في حاضرها هو اليأس
وقد عُلم بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن أمُة تملّك اليأس من نفوس أبنائها
هي أمُة مجكوم عليها بالبقاء في حضيض الإهمال أبد الآبدين
ومن نعم الله تعالى علينا أنه سبحانه لم يخلق داءً إلا وخلق له الدواء
ومن أنجح الوسائل وأكثرها فاعلية في القضاء على اليأس وإحياء الأمل في النفوس
هي قراءة التاريخ بتدبر واعتبار .
إن قراءة متأنية لتاريخ الصليبيين وبيت المقدس لتُعطي الأمل بأن الواقع سيتغيرفاسمع إلى بن كثير
وغيره من أهل السير وهم يسردون لك هذا الحدث
في ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة 492هجريا دخل ألف ألف مقاتل بيت المقدس وصنعوا فيه ما لا تصنعه وحوش الغاب وارتكبوا فيه ما لا ترتكبه الشياطين لبثوا فيه أسبوعا يقتلون المسلمين حتى بلغ عدد القتلى أكثر من 60 ألفا منهم الأئمة والعلماء والمتعبدون والمجاورون وكانوا يجبرون المسلمين على إلقاء أنفسهم من أعالي البيوت بأنهم يشعلون النار عليهم وهم فيها فلا يجدون مخرجا إلا أن يلقوا بأنفسهم من فوق السطوح . جاسوا خلال الديار وتبروا ما علوا تتبيرا وأخذوا أطنان الذهب والفضة والدراهم والدنانير ثم وضعت الصلبان على بيت المقدس وأدخلت فيه الخنازير ونودي من على مآذن لطالما أطلق التوحيد من عليها أن الله ثالث ثلاثة جل الله وتعالى الله . فذهب الناس على وجوههم مستغيثين إلى العراق وتباكى المسلمون في كل مكان لهذا الحدث .
و ظن اليائسون وقتها ألا عودة لبيت المقدس أبدا إلى المسلمين وأن أمّة النصر قد حقت عليها الهزيمة فهيهات أن تعود إلى الميدان من جديد

فكم طوى اليأس نفوسا لورعت ....... منبتا خصبا لكانت جوهرا

ويمضي الزمن ويعد الرجال وفي سنة 583 هجريا أعد " صلاح الدين " جيشا لاسترداد بيت المقدس وتأديب الصليبيين على مبدأهم هم " إن القوي بكل أرض يتقى " وفي وقت الإعداد تأتيه رسالة على لسان المسجد الأقصى تعجل له هذه المكرمة فإذا بالرسالة على لسان المسجد الأقصى تقول :



يا أيها الملك الذي ....... لمعالم الصلبان نكس


جاءت إليك ظلامة ...... تسعى من البيت المقدس


كل المساجد طُهرت ...... وأنا على شرفي أنجس
فانتخى وصاح واسلاماه وامتنع عن الضحك وسارع في الإعداد ولم يقارب بعدها ما يوجب الغسل . وعندها علم الصليبيون أن هذا من جنود " محمد " صلى الله عليه وسلم فتحالف ملوك النصارى وجاءوا بحدهم وحديدهم وكانوا ثلاثة وستين ألفا فتقدم " صلاح الدين " إلى طبرية ففتحها . فصارت البحيرة في حوزته ثم استدرجهم إلى الموضع الذي يريده هو ثم لم يصل إلى المشركين بعدها قطرة ماء فصاروا في عطش عظيم وعندها تقابل الجيشان وتواجه الفريقان ودارت دائرة السوء على عبدة الصلبان عشية يوم الجمعة واستمرت إلى يوم السبت الذي كان عسيرا على أهل الأحد . إذ طلعت عليهم الشمس واشتد الحر وقوي العطش وأضرمت النيران من قبل المسلمين في الحشيش الذي كان تحت سنابك خيل الكفار فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال وحر مقابلة أهل الإيمان . ثم صاح المسلمون وكبروا تكبيرة اهتز لها السهل والجبل ثم هجموا كالسيل الدفاع لينهزم الكفار ويؤسر ملوكهم ويقتل منهم ثلاثون ألفا حتى قيل لم يؤسر أحد ويؤسر منهم ثلاثون ألفا حتى قيل لم يقتل أحد . فلم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله إلا في عهد الصحابة .

ثم أمر السلطان جيوشه أن تستريح لتتقدم لفتح بيت المقدس . ففي هذه الاستراحة كيف كانت النفوس المؤمنة التي لا تيأس ؟ . الرؤوس لم ترفع من سجودها والدموع لم تمسح من خدودها يوم عاد المكان الذي يقال فيه أن الله ثالث ثلاثة صار يشهد فيه أن لا اله إلا الله . ثم صار السلطان إلى بيت المقدس ليفتحه من الجهة الشرقية ويخرجهم منه فكان له ذلك .

ودخل المسلمون بيت المقدس وطهروه من الصليب وطهروه من الخنزير ونادى المسلمون بالآذان ووحدوا الرحمن وجاء الحق وبطلت الأباطيل وكثرت السجدات وتنوعت العبادات وارتفعت الدعوات وتنزلت البركات وتجلت الكربات وأقيمت الصلوات وأذن المؤذنون وخرس القسيسون وأحضر منبر " نور الدين الشهيد " عليه رحمة الله الذي كان يأمل أن يكون الفتح على يديه فكان على يدي تلميذه . ورقى الخطيب المنبر في أول جمعة بعد تعطل للجمعة والجماعة في المسجد الأقصى دام واحدا وتسعين عاما فكان مما بدأ به الخطيب خطبته بعد أن حمد الله أن قال : " فقطع دابرُ القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين "


معاشر المؤمنين إن الأقصى لم تعطل فيه الجمعة ولا الجماعة ولم يمضي عليه في الأسر واحد وتسعون عاما ومع ذا يأست أنفس ونامت عيون . إن المؤمن لا يعرف اليأس إذ هو واثق بربه ثم هو واثق بحق نفسه ثم واثق بوعد الله له . إن مرت به محنة اعتبرها دليل حياة وحركة فان الميت الهامد لا يضرب ولا يؤذى إنما يضرب ويؤذى المتحرك الحي المقاوم . بهذه الموازين وبتلك القيم يمكن أن نشق طريقنا بعزم وجد نحو الإرتقاء بأمتنا من حضيض الإهمال إلى قمم الجبال لتكون بحق أمة لا تعرف اليأس

.