المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فـــصـــــل في الحيــــــــرة و الاضطـــراب



moKatel
10-03-2006, 03:01 PM
لقد صدئ القلم , لم يجف مداده في أسلته , لم يدعه ما يقيم قيمته في الوجود, بل جف ما يُمد به من نفسي , نفِد مداده منها و انقطع , لابد من مدخل لمحنتي التي أسعى لأنقه منها , مذ ارتد لنفسي الوعي بالحياة و ما عليها وما أريد أن أراه منها وآخذه , وأنا أقيمها لتكون على فوهة بركان من الطاقة والتوقد , من نيران الحياة التي تجرف كل سكون وعجز يهوي بها إلى حضيض الضعف وبلادة الحس , ثم أقبلت على امتحانات نصف العام ونفسي على تمامها من التوقد والاشتعال الحي ، فقطعتها برهة طالت ، و تركتْ نفسي وراءها بلقعا خواء ، هبط علي بلاء ثقيل يمحق نسفها نسفا فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، كان لزاما علي أن أفرِّغ نفسي من كل ما ملأتها به من حياة وقوة وأفكار وتيارات من الإحساس والانفعال بالحياة تجري بنفسي كالشلال وتهدر ، أبددها كي أجوز " امتحان الجامعة " ، فأفرغتها ورميت بكل ما بها على كره مني وحسرة ، وعلى اعتساف منهم وظفر ، لذا جف مداد قلمي من نفسي وانقطع .
مداد القلم من النفس ، أجل ، من النفس ، فبالقلم تضع النفس ثوائرها وتخضعها لقالب الكلام ، بكل ما يموج فيها ويهزم تنظم أنماط كلامها على الورق ، فعلى ما يملأها ، على ما تراه على الورق ، ولكل من بني آدم حظه وقسمته ، وعلي أن أكتب لأبتعث كوامن نفسي من وبيء سباتها الذي رمتني فيه مؤسستنا التعليمية ، علي أن أثوِّرها وإن كانت نافرا تفزع من هذا القسر الذي آخذها به ، وإني لعالم أنها لو لم تُقسر على العود كما قسرت على الفراغ لظلت تأسن في همودها وركودها ، لظل السقم يمتص منها ما بقي من ضرام النار التي بها تفور وتفز حية متوقدة ، هي تخشى سواقط الكلم وقد يجيء ما سترمي به على الورق ساقطا ، لكن سقوط كلم خير من خبو روح ، وكل ذا من بلاء مبير يسمونه في بلادنا " الجامعة " .

وبعدُ ، فإني قد تركت ورائي من الدنيا أوهاما وظنونا ، وتركتُ من نفسي همودا ووهيا عقيما ، و أخذت بوسعي أفهم بادئا ما تصخب به الدنيا حولي وما أنا فيه وما أنا عليه مقبل ولاق ، لكن غموضا تكثفت مع الأيام قتامته يلف جل ما حولي و يحضنه من أشياء في السياسة ، في الفكر ، في الفن والأدب ، في الدين ، كأن دنيانا تتأبّى أن تعطينا حتى من الحقائق نصيبا فلا تستقيم لنا حقائقها ، ومهما حاولت نسأ الغوامض هاته وإجلاء ما تلفه ضاع جهدي بددا مع الأيام ولحقني الخور . حياتنا الثقافية ، لا أفهم ما تؤم ولا إلى ما تسير ، هاملة هائمة على وجهها ركبت لكل نزوة رأسها ، قد فتحنا أعيننا وقلوبنا وعقولنا شبابا على اضطرابها وتناقضها ، وليس هو بالتناقض المائز الذي يبعث في العقول و النفوس ما تجلّي به الحقائق وتقيمها هدىً للناس ، إنما هو تناقض الضياع والشتات ، وشطح الرؤوس ، وهوى النفوس ، إنما هو رعي لمصلحة الحزب و الجماعة ، و سير حثيث تلقاء انتصار لرأي بحجة ، ودحض لآخر بلا رحمة ولا شفقة ، ولا رغبة لأن يهدي أخ منهم أخاه بله حضارة أخرى سطت عليهم وقامت على أطلال قواعدهم ، إني أراها قد بلغ بها المسخ مبلغا لم يدع لمتأمل طيبا يستسيغها به ، اتصلت هذه الحياة بماضٍ ، بجذور بعيدة في التاريخ والحضارة العربية والإسلامية ، وهذا مبين ، لا نكران له ، ثم أتتبعها حتى يصل بي التتبع إلى عصرنا ، فإذا بتر ، فضباب وحياة غائمة لا ينشق لك منها معنى.

فترتد فازعةً إلى هذه الجذور وهذا الماضي مذاهب ، وتضرب أخر آبادًا لمجهول أمامها يشكل عليها تشابه إنارته وإظلامه ، وتختلط بهذا وذاك ثالثة ، وتروم أخرى التفرد والاستقلال ، ثم لو قلبت طرفك في الدنيا ، لوجدت عجاجة قتالٍ و عراك ، لم تخلف أمنا لطالب أمن ، بل هي فتك فاتك ، من عزَّ بزَّ ، من قهر سلب ، ونحن بعدُ نفوس غضة ، لا نبغي الحياة على ما تركها لنا الآباء ، ولا نعلم ما نريد ، فلنا الإرادة التي يخلقها في دمنا الشبابُ بفورته طبيعة ، ولكنَّ المراد تحجبه خطايا الآباء وغرارتُنا ، فإني كلما انجذبت نفسي إلى شيء ظننته حقًا- وقد ضاع الدليل – لقيت ألف داعٍ ينقضه فإذا هو باطل ، وهذه داهية ، وإذا تركت نفسي وارتضيت أن تصرفها الأيام كيف شاءت ، استفزني تقاتل المذاهب والآراء وتناحر رؤسائها ، ومنهم من أجل ومنهم من أشنأ ، فلست بسالم من الهوى ، فثارت بنفسي آراء وبديت مقاتلا دون رأي شاكيا سلاحي مقبلا غير مدبر ، بيد أنه لا سلاح لي ، ولا لدي ما أقبل به وأدبر ، وهذه ثانية ، ثم إني حي لي عقل ، شككنا بعض أئمة مذاهبنا الفكرية في قيمته ، فأسأت به ظنا ، ورفعه آخرون إلى السماء و كذبوا ما سواه وارتضوه إماما ، فآمنت به وصدقته ، فإذا الأولون – ولهم سَورة – يخرجونا بموازينهم عن القيمة ، وأما الآخرون فسرت إلينا عدوى من لم يرضوا بالعقل فظننا وفاءهم وقيمتهم ، ثم إني حي لي عقل لا أعلم أصالحا هو أم غويا مبينا ، ولدي إحساس أخوض بحدته الحياة وأغزو به مجاهلها ، فبعد أن كذبت بالعقل أو إن شئت الصدق ، لم أعد أحتمل لجاجته ، ركنت نفسي إلى الإحساس ، ومن الناس من يقول ليس مثله مسبارا صادقا "حساسا" ، بيد أنه خليط مقدَّد من متناثِر ما نحياه ونراه كلَّ صباح ومساء ، فتارة يسخو فيصدق ، وتارات متتابعات يتجمد فيبلُد ، فلا أتبين به شيئا ، ولا غنى لي بعدُ من العقل والإحساس ولا محيص ، فالعقل يعطي برزانته الأشياء تريثا و اتساقا ، و الإحساس روح الحياة وجوهرها ولولاه لكان ألم مثل ضحك وابتسام . وأنا بعد كل هذا مرمٍ تحت ظلال سيوف الآباء و المحدثين ، أتفادى وقعها ، لأبقى حيا ، لأبقى نفسي دون تقيل ماسخ لشيء هو أنا ، وهذا الصراع الأحمق ينهض أمامي في مجلى الحياة إزجاءَ أوقات لأناس فارغين ، وأحيانا كثيرة صراعًا بين قادة مصائر أممٍ ، وراغبي إصلاحٍ وقور ، لكنهم نسوا بين أيديهم أجيالا آتية ستحمل إصرَ ما خلفوا وجنوا واجترحوا ، جمجموا ولم يبينوا ، تصايحوا واعتركوا ، ومن أبان منهم – غفر الله لهم – طمست حدتهم حقَّ ما أبانوا ، فاختلط الأمر وانبهم انبهاما ازداد غموضا والتباسا بكثرة الآراء ، وتعاقب الردود بين الخصوم والأنصار ، بين أعمال هذا يدلس فيها لرأيه ، وذاك يمخر فيها لنقض غيره ، ليسوا يدا واحدة ، كلا ، وبين المحللين وأصوات الراصدين ، وهمسات الباقين من الآباء الذين أضغف الدهر بسطوته أصواتهم ، وبين تزييف المتربصين من أعداء هذه الأمة ، وبين فتنة الحداثة ، وتبرج اللذائذ ، وبين وساوسنا ، وبين إرادتنا...........اكفلوا لنا حق الحياة والفهمَ – رحمكم الله – ولا تذرونا خطايا وآثاما لا تجد ملجأ تُقضِّي فيه بائسَ أيامها ، سمعتُ لهذا ، وآمنت بذا ، وكفرت بذاك ، ثم يستوي لي من كل هذا الهياج رأي أو بذرة فكرة ، ثم يأتي أتيُّ العجاجة الجائحة من تناقض الحياة الثقافية واضطرابها وسوء تعلمنا وموت معلمينا فيجُبُّ في جريانه ما استوى وقام ، وقد تصلبت محنتي فلا أستطيع لها نقبا ، ولا جاءني وعد أنها ستصير يوما ما دكّاء ، فتنبلج أيامنا السود عن حق مضيء يكون منارا يهتدى به السائرون ، وعن جمال زانه هدوء الجمال وبهجتُه يخلق من الدنيا فنا رفيعا ، أو عن أي شيء ينبيء أننا صائرون إلى عدم وفناء فلا خير في عنت البقاء ، أو عن أي شيء اسمه حقيقة نؤمن بها وتطمئن إليها قلوبنا ، أنا في حيرة ، يصرخ بها قلبي بعد همود الحياة فيه وفتورها عاصفا ، قذفني فيها كل ما أرى وأسمع ، قلَبَ حقائقي صراع إثره صراع ، قديم وجديد ، أبي و جدي وأيامي ومقبلها ، سلَّتْ مني السلاحَ غرارةُ شبابي ، وقلة ما خبرتُ من الأيام ، وأوهى ثقتي بما أعلمه كفن لف عقلي وهو في مهده فحيَّ تحت سلطانه الكئيب ، والكفن أنهم لم يكترثوا ، ولم يحترموا ، ولم يقيموا آيات تهدي عقولا ستأخذ الزمام وتمضي .

فإمّا لاحت من وراء حجبها الحقيقة أو فلتسترح نفوسنا وتهجع في سباتها السقيم .
وبعدُ ، لقد كذبتُكَ إن لم أقُلْ إنَّ هذه الكلمة تثوير لنفس نامت وانحطت عليها أسراب من الثقل أعجزتها أن تقوم ، وإن لم أُفضِ بما تصطرخ به نفسي من وصف لحيرتي وضلالي مع معنى هذه الحياة ، وإن لم أسمها " فصل في الحيرة و الاضطراب " ..أليست بهذا الاسم جديرة ؟.

(كتبت إبان أزمة نفسية و فكرية )

alamid
10-03-2006, 11:03 PM
أخي الحبيب مُقاتِل ،أثلجَتْ صدري طلَّتك هذه ،واسعدتني رؤيةُ اسمِك مرَّةً أُخرى في هذا المُنتدى .
أخي الفَاضِلْ،لستَ وحدَك منْ يُعاني "الحيرةَ" والإضطراب ،فالأُمَّةُ بِأسرِها باتتْ تُعاني مِنَ الحيرةِ والإضطراب خاصَّةً في القِضايا الفِكرية والسياسية .
وهذا التخبُّط ،وتِلكَ الحيرة ،باتت سِمةً مِنْ سِماتِ واقِعِ أُمَّتِنا المُعاصِر،والسبب هو ما نُعانيه مِنَ الضياعِ والشتات ،والهزائمِ المُتلاحِقة في سائرِ المجالاتْ ،فما عُدنا ندري أينَ الصواب؟،وكيفَ السبيل إلى النجَاةِ والخُروجِ مِنْ الأزمات التي أورثتنا تِلكَ التخبُّطاتْ وتِلكَ الحيرة ؟.

وإني لأرجوا لي و لَكَ ولِسائرِ منْ حارَ واضطرب أنْ يهدينا الله إلى سواءِ السبيلْ .

دُمتَ بِأفضلِ حالٍ أخي مُقاتِلْ .

moKatel
10-03-2006, 11:30 PM
أشكرك أخي الفاضل العميد ........

قال شيخ المعرة : إنما نحن في ضلال وتعليل **** فإن كنت ذا يقين فهاته

سهم الاسلام
14-03-2006, 12:19 AM
جزاك الله خيراً ,,
أخي الحبيب moKatel ..
نورت المنتدى بوجودك هنا ,,
بارك الله فيك و في أهلك ,,
وشكراً على الموضوع العميق ,

لا تنسانا من طلاتك الطيبة ,
في أمان الله و السلام

الطــائي
25-05-2006, 08:27 AM
moKatel



كل الشكر لك اخي على هذا الموضوع القيم

احياناً اقف عند فكره ومؤمن بها واقول لما هي صحيحه
لما ولما ولما ولما . . . ايكون انا الذي على خطأ ولماذا غيري يكون صواب

الحيره من الصدمه عندما نرى شخوص نحترمهم ونجلهم ينقادون الى غير ما نادوا به

عندما نشكك في المبدء في حالة الخساره الا والانهزام
عندما نسير مغمضين الاعين
عندما تصطدم مبادئنا مع عاداتنا وتقاليدنا

وعندما لانهيء للمتغريات ننصدم بالاوقع ونشك فيه وننخدع ونبات في حيره


كان تعقيبي على عجل قد يكون لي عوده

TheCAge
27-05-2006, 02:59 AM
الله يعين ...