المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار اقتصادية شركات المساهمة حرام عقدها والاشتراك بها



rajaab
10-03-2006, 09:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



شركات المساهمة حرام مباشرة عقدها والاشتراك بها



الشركة معاملة من المعاملات، سواء أسارت حسب النظام الرأسمالي أم سارت حسب نظام الإسلام؛ أي حسب الأحكام الشرعية. وشركات المساهمة معاملة من المعاملات الرأسمالية، وواقعها في المعاملات أو في الشركات واقع جديد، فلِكي يُعرَف الحكم الشرعي بشأنها لا بد أن يُفهم واقعها أولاً فهماً صحيحاً لأنه مناط الحكم، وفهمه ليس حسب تصورنا أو حسب تأويلاتنا، بل حسب النظام الرأسمالي الذي هي معاملة من معاملاته وحكم من أحكامه، فأول خطوة لمعرفة الحكم الشرعي في الواقع الجديد هو فهم هذا الواقع والفقه فيه، فلا بد أن نفهم أولاً واقع شركات المساهمة، ثم بعد فهم هذا الواقع نفهم الواجب في معالجة الواقع المذكور من الدليل الشرعي، وهو خطاب الشارع؛ أي فهم حكم الله الذي حكم به في هذا الواقع، فنتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه بتطبيق خطاب الشارع عليه إلى معرفة حكم الله في هذا الواقع.



وشركات المساهمة هي نوع من أنواع الشركات الرأسمالية. والشركة في النظام الرأسمالي لها واقع حسب أحكام النظام الرأسمالي، وواقعها هو أنها ليست كالبيع والإجارة تتم بين الطرفين، بل هي كالوقف والوصية تتم من طرف واحد، فهي التزام من جانب واحد، لا تجاه شخص آخر أو تجاه شريك، بل التزام مطلق، التزام فردي من شخص حسب الشروط المسجلة في ورقة الاتفاقية المسماة عقداً بأن يساهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة، فهي عندهم تصرف من طرف واحد؛ أي هي حسب تعبيرهم أرادة منفردة. هذا هو واقع الشركة، فهي لا يوجد فيها إيجاب وقبول ولا طرفا عقد، فهي ليست اتفاقاً بين اثنين أو أكثر، بل اتفاقية معينة بشروط معينة تُكتَب وتُعرَض، فالفرد الواحد بغض النظر عن أي شخص آخر يلتزم بما في هذه الاتفاقية أن يُلزِم نفسه بما فيها، فيصبح بهذا الالتزام شريكاً في هذه الشركة.



هذا هو واقع الشركة في النظام الرأسمالي، والحكم الشرعي في الشركة هي أنها عقد بين اثنين، فأكثر، يتفقان فيه على القيام بعمل مالي بقصد الربح، ويجري العقد بإيجاب وقبول في مجلس واحد، فالحكم الشرعي هو أن الشركة لا بد أن يحصل فيها الاتفاق بين المتعاقدين، ولا بد أن يكون فيها متعاقدان، ولا بد أن يحصل العقد بإيجاب وقبول بينهما في مجلس واحد.



هذا هو الحكم الشرعي في الشركة، وبتطبيق هذا الحكم على واقع الشركة في النظام الرأسمالي لا ينطبق عليها، لأنه ليس فيها متعاقدان، بل ملتزم واحد، وليس فيها اتفاق بين متعاقدين، بل اتفاق مطلق يلتزم فيه من أراد التزاماً فردياً، وليس فيها إيجاب وقبول، وليس فيها مجلس تعاقد، فهي خالية من جميع الشروط الشرعية، فهي ليست شركة في حكم الشرع؛ أي هي شركة باطلة شرعاً لأنه لم يحصل فيها عقد شرعي.



هذا بالنسبة للشركة في النظام الرأسمالي، أما شركة المساهمة بالذات فإنها مع كونها داخلة تحت تعريف الشركات في النظام الرأسمالي ولكنها مع ذلك نوع مالي بحت، وليس من الأنواع الشخصية، لأن الشركات في النظام الرأسمالي قسمان: شركات الأشخاص وشركات الأموال. أما شركات الأشخاص فهي التي يدخل فيها العنصر الشخصي ويكون له أثر في الشركة وفي تقدير الحصص، مثل شركة التضامن، فإن المعتبر فيها شخص الشريك لا من حيث كونه بدناً فقط -أي متصرفاً- بل من حيث مركزه وتأثيره في المجتمع. وهذه قد تكون فيها شبهة أن تكون شركة صحيحة لوجود البدن فيها –أي شخص المتصرف- لولا خلوها من باقي شروط الشركة ومنها العقد بين اثنين بإيجاب وقبول.



أما شركات الأموال فإنه لا يكون للعنصر الشخصي فيها أي وجود ولا أي اعتبار أو أي أثر، بل هي قائمة على انتفاء وجود العنصر الشخصي وانفراد العنصر المالي وحده في تكوين الشركة وفي سيرها، فشرطها وأساسها انعدام وجود البدن؛ أي انعدام وجود المتصرف في تكوين الشركة وفي سيرها. ومن هذه الشركات –أي شركات الأموال- شركات المساهمة.



فشركة المساهمة عقدٌ بين أموال فحسب، ولا وجود للعنصر الشخصي فيها مطلقاً، فالأموال هي التي اشتركت وليس أصحابها. وهذه الأموال اشتركت مع بعضها دون وجود أي شخص، بل انتفاء وجود الشخص مع أمواله شرط من شروط تكوين الشركة ومن شروط سيرها، وصاحب الأموال التي اشتركت في الشركة أجنبي عن الشركة مثله مثل أي أجنبي ليس له مال في الشركة، فلا صلاحية له بأن يتولى أي عمل في الشركة بوصفه شريكاً، إذ هو ليس بشريك، بل أمواله وحدها منفصلة عنه، هي فقط الشريك، ولا حق له بأن يعمل بها أو يُسيِّر شيئاً من أعمالها باعتباره شريكاً، لأن هذا الاعتبار لا وجود له.



ويحصل الاكتتاب بوسيلتين: الأولى يختص فيها المؤسسون بأسهم الشركة ويوزعونها فيما بينهم دون عرضها على الجمهور، وذلك بتحرير الاتفاقية التي تقوم بحسبها الشركة؛ أي بكتابة القانون النظامي للشركة، المتضمن الشروط التي تسير عليها الشركة. وبعد كتابة هذه الاتفاقية؛ أي بعد تحرير القانون النظامي يجري التوقيع عليه بصفة فردية، فكل من يوقع يعتبر مؤسساً وشريكاً، ومتى تم توقيع الجميع فقد تأسست الشركة. وهذه الشركة تُحصر بهؤلاء الموقعين وحدهم؛ أي بالمؤسسين، ولا يسمح بدخولها لغيرهم.



الوسيلة الثانية أن يقوم بضعة أشخاص بتأسيس الشركة، وذلك بتحرير القانون النظامي للشركة، المتضمن الشروط التي تسير عليها الشركة، وموافقة كل واحد منهم بمفرده عليه، ثم يطرحون الأسهم مباشرة على الجمهور للاكتتاب العام فيها مع تحديد مدة معينة لنهاية الاكتتاب، وحين ينتهي أجل الاكتتاب في الشركة تُدعى الجمعية التأسيسية للشركة؛ أي الأشخاص الذين قاموا بتأسيس شروطها، واتفقوا على قانونها النظامي قبل طرح الاكتتاب، تُدعى هذه الجمعية العمومية للنظر في التصديق على نظام الشركة، وتعيين مجلس الإدارة لها، وتبدأ الشركة أعمالها من حين انتهاء الزمن المحدد لإقفال الاكتتاب.



على هذا الوجه تنشأ شركة المساهمة، وبهذه الكيفية توجد. فيكون واقع شركة المساهمة، بأي وسيلة من الوسيلتين المذكورتين وجدت، هو أنها التزام فردي من قبل طرف واحد. ففي الوسيلة الأولى يجري التفاوض والاتفاق على الشروط، ولا يعتبرون هذا عقداً ولا يلزمون به، وهو في واقعه تفاوض وليس بعقد، ثم ينفض مجلسهم وبعد ذلك، وفي مجلس آخر، يأتي كل منهم منفرداً فيوقع، فلا يعتبر شريكاً إلاّ بعد إبراز إرادته المنفردة، فهي تصرف فردي. وفي الوسيلة الثانية يجري التفاوض بين عدد محدود من الناس، ثم تطرح الأسهم على جميع الناس، فمن يكتتب بسهم أو أكثر يصبح شريكاً في الشركة، فالشريك هو من يكتتب بالأسهم، واكتتابه به يكون بتصرف منفرد؛ أي بإرادة فردية.



هذا هو واقع شركة المساهمة. وهذا الواقع حين يُطبق على حكم الله في الشركة فإنه لا ينطبق عليها، فحكم الله في الشركة أنها عقد بين اثنين فأكثر، أحد طرفي العقد بدن –أي متصرف في ذاته-، وأن هذا العقد يتم بإيجاب وقبول يحصلان معاً في مجلس واحد، وأن هذا العقد يكون على القيام بعمل بقصد الربح، فالحكم الشرعي أن شروط انعقاد الشركة وشروط صحتها أن تكون عقداً من العقود الشرعية لا تصرفاً من التصرفات، فلا بد فيها من طرفي عقد، ولا بد أن يحصل بين الطرفين إيجاب وقبول، ولا بد أن يحصل الإيجاب والقبول معاً في مجلس واحد، وأن يتم العقد بالإيجاب والقبول قبل تفرق المجلس، ولا بد أن يكون أحد الطرفين بدناً؛ أي شخصاً متصرفاً، بغض النظر عن كونه له مال في الشركة أو ليس له مال. فهذه الشروط التي اشترطها الشارع لانعقاد الشركة ولصحتها غير متوفرة في شركة المساهمة، فهي شركة أموال خالية من البدن، بل شرطها أن تكون خالية من البدن، وهذا وحده كافٍ لبطلانها، وفوق ذلك فهي إرادة منفردة؛ أي تصرف منفرد من طرف واحد، وليس فيها طرف ثانٍ، وخالية من الإيجاب والقبول في مجلس واحد، ولذلك كانت باطلة، فلم تنعقد مطلقاً، ولم يتوفر فيها ولا شرط من شروط الشركة في الإسلام.



ولكي يُدرَك واقع بطلانها إدراكاً أوضح نلفت النظر إلى أن المعاملات من حيث هي قسمان: قسم لا يتم إلاّ من طرفين كالبيع والإجارة والوكالة وما شاكل ذلك، وقسم يتم من طرف واحد ولا حاجة فيه لطرفين كالوقوف والوصية وما شاكل ذلك. فما كان مما لا يتم إلاّ بطرفين لا ينعقد إلاّ إذا وجد فيه طرفان، فإذا حصل من طرف واحد لا ينعقد مطلقاً، ولا يصح إلاّ إذا توفر فيه الطرفان، وما يتم من طرف واحد ينعقد بمجرد صدوره من طرف واحد، ولا حاجة فيه لطرف ثانٍ، فالبيع لا ينعقد إلاّ إذا صدر من طرفين اثنين، والوقف ينعقد من طرف واحد، ولا حاجة فيه لوجود طرف آخر.



هذا هو واقع المعاملات في جميع الأنظمة. إلاّ أن هناك اختلافاً بين الأنظمة في اعتبار المعاملات من طرف أو طرفين، وبحسب هذا الاعتبار يجري اعتبار المعاملة منعقدة أو غير منعقدة. فالنظام الرأسمالي يعتبر البيع والإجارة والوكالة والكفالة مثلاً من المعاملات التي لا بد أن يكون فيها طرفان، ولا تتم من طرف واحد، بل لا بد فيها من طرفين اثنين، فإن لم يتوفر فيها طرفا اثنان كانت باطلة ولم تنعقد، ويعتبر الوقف والوصية والشركة والوعد بجائزة مثلاً من المعاملات التي تتم من طرف واحد، ولا مجال فيها لطرف ثانٍ، ويسميها الإرادة المنفردة، فالشركة في النظام الرأسمالي –ومنها شركات المساهمة- هي إرادة منفردة تتم من طرف واحد، ولا مجال فيها لطرفين. فواقع الشركات المساهمة حسب النظام الرأسمالي هي في النظام إرادة منفردة؛ أي معاملة تتم من طرف واحد، ولا مجال فيها لطرفين، فهي كالوقوف وكالوعد بجائزة سواء بسواء. ولكن الإسلام يعتبر الشركة من المعاملات التي لا تتم إلاّ بطرفين، فهي في حكم الشرع مثل البيع والإجارة والوكالة سواء بسواء، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الشريكين)، ففي حديث يقول: (يد الله على الشريكين)، وفي حديث آخر يقول: (أنا ثالث الشريكين). والشركات التي أقرها والشركات التي حصلت في أيامه كلها معاملة فيها طرفان ولا تتم إلاّ بطرفين. صحيح أنه يوجد في الإسلام معاملات تتم من طرف واحد كالوقف والوصية، ويقال لها تصرفات، وتوجد معاملات لا تتم إلاّ من طرفين كالبيع والإجارة، ويقال لها العقود، إلاّ أن الشرع لم يعتبر الشركة من التصرفات، وإنما اعتبرها من العقود، فكما أن البيع –وهو عقد- لا يتم إلاّ من طرفين، فكذلك الشركة عقد لا تتم إلاّ من طرفين، فيكون واقع شركة المساهمة حسب النظام الرأسمالي من حيث كونها إرادة منفردة، واقعاً باطلاً في الإسلام، لأن الشركة عنده عقد، ولا تتم إلاّ من طرفين. وبذلك يظهر بوضوح بطلان شركة المساهمة شرعاً، لأنها إرادة منفردة وتصرف يتم من طرف واحد، مع أن الشركة في الإسلام عقد من العقود كالبيع، وليست تصرفاً من التصرفات كالوقف، فيشترط في صحتها وانعقادها وجود طرفين في العقد، وهذا وحده كافٍ للقطع بأن شركات المساهمة شركات باطلة شرعاً، ولا توجد أدنى شبهة في بطلانها، ولذلك فإن الحكم بجوازها ليس حكماً شرعياً، بل هو مما يدخل تحت حكم الطاغوت، لأنه ليس له شبهة الدليل، فالقول بجوازها لا يعتبر خطأ فحسب، بل يعتبر من أحكام الكفر لأنه ليس له شبهة الدليل، إذ الكلام عن شركات المساهمة؛ أي عن شركات معينة في نظام معين، وليس عن مجرد شركة حتى يحاوَل التمحل للحكم بصحتها، بل عن شركة معينة لها واقع معين، وهذه الشركة في واقعها إرادة منفردة، وحكمها في الشرع أنها باطلة، لأن الشركة عقد كالبيع، فلا بد فيها من توفر طرفي عقد. ولذلك يحرم أن يقال إن الشرع يجيز الشركة المساهمة، لأن هذا الجواز ليس جوازاً شرعياً لانعدام شبهة الدليل فيه. وعلى هذا فشركات المساهمة من المعاملات الباطلة شرعاً، وتنطبق عليها أحكام المعاملات الباطلة.



والبطلان حكم شرعي، وهو من أحكام الوضع، والبطلان هو ما يقابل الصحة، فالصحة في المعاملة هي موافقة أمر الشارع، فتُطلق ويراد بها ترتيب آثار العمل في الدنيا، فيقال معاملة صحيحة؛ أي بيع صحيح وشركة صحيحة وصلاة صحيحة. وتُطلق ويراد بها ترتيب آثار العمل عليها في الآخرة، وهذا لا فرق فيه بين المعاملات والعبادات، وإن كان لا يلاحَظ عادة إلاّ في العبادات. أما البطلان فهو عدم موافقة أمر الشارع، فيُطلق ويراد به عدم ترتب آثار العمل في الدنيا، بمعنى لم يجزئ ولم يبرئ للذمة، فيقال معاملة باطلة؛ أي بيع باطل وشركة باطلة وصلاة باطلة، بمعنى أنها غير مجزئة وغير مبرئة للذمة وغير مسقطة للقضاء، فالبيع إذا لم يستوفِ جميع شروطه يكون بيعاً باطلاً، والشركة إذا فُقِد شرط من شروطها تكون باطلة، والصلاة إذا تُرِك ركن من أركانها تكون باطلة. ويُطلق البطلان ويراد به ترتب العقاب عليه في الآخرة، وهذا لا فرق فيه بين المعاملات والعبادات، وإن كان لا يلاحظ عادة في المعاملات، فالبطلان في المعاملات هو عدم ترتب آثار العمل عليه في الدنيا، فالمعاملة الباطلة هي المعاملة التي يلغى أثرها كأن لم تكن، فلا تصح ولا تجزئ ولا تبرئ الذمة ولا تعتبر أنها موجودة، وهي حرام وعليها العقاب في الآخرة. فالمعاملة الباطلة فيها أمران: أحدهما أنها حرام، فيعاقب الله فاعلها، والثاني أنها لا تجزئ وتلغى وتعتبر أنها لم تكن.

والدليل على ذلك –أي على هذين الأمرين- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَد)، وفي رواية (من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رَد)، والمراد ليس بصحيح ولا مقبول. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وما نهيتكم عنه فانتهوا)، والشارع قد نهى عن مخالفة الشرع نهياً جازماً، فنهى عن مخالفة الأوامر والنواهي ونهى عن مخالفة ما جاء به فيما يتعلق بالمعاملات والعبادات من الأركان والشروط. والنهي عن العقود والتصرفات المقيدة لأحكامها كالبيع والنكاح والشركة والوكالة ونحوها من العقود، وكالوقف والوصية وغيرها من التصرفات، إن كان راجعاً لغير التصرف ولغير العقد فإنه لا يؤثر على التصرف ولا على العقد، لا بطلاناًٍ ولا فساداً، كالبيع وقت النداء وكالصلاة في الأرض المغصوبة، وإن كان راجعاً لغير التصرف أو لعين العقد فلا شك أن يؤثر على التصرف وعلى العقد ويجعله باطلاً أو فاسداً، وفي كلتا الحالتين يكون حراماً. إلاّ أنه إن كان العقد فاسداً فإنه من استوفى الصفة الناقصة يتم، كالنكاح بدون مهر، كبيع حاضر لبادٍ، بخلاف العقد الباطل فإنه يلغى ويعتبر كأنه لم يكن. فالنهي عن التصرفات والعقود يجعل هذه العقود حراماً سواء جرى النهي عن نفس التصرف أو عن نفس العقد أو جرى النهي عن ركن من أركانه أو شرط من شروطه أو جاء الأمر بأركان معينة له أو بشروط معينة له، فمخالفة الأمر والنهي في التصرف أو العقد يجعله حراماً. وهذا التحريم يؤثر على التصرف والعقد فيبطله ويترتب على هذا البطلان حرمة الانتفاع في الدنيا ويستحق عليه العذاب في الآخرة. فالصحابة رضوان الله عليهم استدلوا على بطلان العقود والتصرفات بالنهي واعتبروا الانتفاع بما هو باطل حراماً، فمن ذلك احتجاج ابن عمر على بطلان نكاح المشركات بقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات) وقد أقره جميع الصحابة فكان إجماعاً. ومن هنا نجد أن التصرفات الباطلة والعقود الباطلة تحرم مباشرتها ويحرم الانتفاع بها، فالحرمة فيها تشمل أمرين: أحدهما أن مباشرة نفس العقد حرام، أي إجزاء عقد النكاح على المشركة حرام، والثاني الانتفاع بما نتج عن العقد حرام أي أن يفعل بالمشركة بعد العقد بما يفعل مع الزوجة حرامٌ لأن العقد باطل.



وعلى هذا فإن شركات المساهمة حرام مباشرة عقدها والاشتراك بها، وحرام الانتفاع بما ينتج عن هذه الشركة أي نوع من أنواع الانتفاع. وذلك لأنها شركة باطلة والعقد الباطل لا تحل مباشرته ولا يحل الانتفاع به. وهذا يشمل عدة أمور منها:



1- يحرم استئجار شيء من الشركة ويحرم تأجيرها أي شيء، فيحرم أن يكون المسلم أجيراً عند شركة مساهمة أو عند جمعية تعاونية، ويحرم أن يستأجر منها سيارة أو داراً أو مخزناً، ويحرم أن يؤجرها أرضاً أو عقاراً، ويحرم أن يأخذ منها أجرة إجارة باطلة.



2- يحرم أن يشتري من شركات المساهمة أو الجمعية التعاونية أي شيء، ويحرم أن يبيع أي شيء، ويحرم أن يكون وكيلاً عنها، وإذا اشترى أشياء أو باعها فإنه يحرم عليه الانتفاع بثمن ما باعه والانتفاع بما اشتراه.



3- يحرم عليه أن يكون سمساراً لشركة مساهمة أو جمعية تعاونية أو أن يكون وكيلاً لها أو يباشر معها أي عقد من العقود أو أي تصرف من التصرفات.



فشركة المساهمة والجمعية التعاونية قامت بعقد باطل فكما أن الاشتراك بها حرام والانتفاع بما ينتج عن هذا الاشتراك حرام. فكذلك مباشرة أي عقد من العقود أو أي تصرف من التصرفات معها حرام. لأنها ليست شركة شرعاً فالتصرف الذي يجري معها كالهبة والوقف، والعقد الذي يجري معها كالبيع والإجارة تصرف باطل وعقد باطل، فمباشرتها حرام، والانتفاع بما ينتج عنه حرام. وعلى ذلك فإن شركات المياه وشركات الكهرباء وشركات مصانع السكر وشركات صنع الدخان وشركات الإسمنت وشركات الملح وشركات السيارات وشركات الطائرات وغير ذلك من الشركات كلها حرام، فلا يحل لمسلم أن يباشر معها أي عقد أو تصرف، ولو شراء كبريتة، ولا يحل له أن ينتفع بما باشره من تصرفات أو عقود ولو إشعال عودة كبريت، فكل ذلك حرام لأنه باطل والبطلان تحرم مباشرته ويحرم الانتفاع به ويكون لاغياً كأن لم يكن. ولا يقال “إن هذا بلاء عام ولا يمكن التخلص منه لأنه يعمم جميع شؤون الحياة، فالماء والكهرباء والغاز والملح والسكر والكبريت وغير ذلك كله إنما أنتجته شركات مساهمة”، لا يقال ذلك، فإن الضرورات لا تبيح المحظورات. وهذا وإن كان قد أصبح من الضرورات فإنه حرام، وكونه ضرورة لا يجعله حلالاً.



إلاّ أن المسلم إذا اشترى السلعة التي صنعتها الشركة من غير الشركة –أي بعقد صحيح؛ أي غير باطل- فإنه يحل له الانتفاع بالسلعة، لأن المال الحرام ليست عينه هي الحرام، بل كيفية ملكه، والسلعة وإن كانت مالاً حراماً بشرائها من الشركة لأنه عقد باطل ولكن شراء المسلم لها ممن يحوزها، ليس بحرام، فيكون قد ملكها بعقد صحيح. لأن الحرام هو الانتفاع بالعقد الباطل وليس عين ما نتج عن العقد الباطل؛ أي أن إنتاج شركة المساهمة للأقلام هو إنتاج من مصانع مملوكة حراماً، فيكون الانتفاع بإنتاجها حراماً، ولكن هذه الأقلام نفسها إذا ملكت ملكاً صحيحاً، بأن اشتراها شخص وملكها ملكاً حراماً ثم باعها لشخص آخر بيعاً صحيحاً، فإن ملك الشخص الآخر لهذه الأقلام هو ملك حلال، لأنه ملكها بعقد شرعي، فهي أموال حرام حين ملكت بسبب غير شرعي، وأموال حلال حين ملكت بسبب شرعي، وهي عينها الأقلام ذاتها، لأن المال حيث عينه لا يأخذ حلاً وحرمة، بل الحل والحرمة تأتيه من كيفية ملكه. فمثلاً بائع الدخان حين يشتري دخانه من شركة الدخان المساهمة يكون قد أخذه حراماً، لأن العقد الذي ملكت به كان عقداً باطلاً، فحرم عليه بيعه وحرم عليه الانتفاع به، أما الرجل الذي يشتري الدخان من بائع الدخان هذا، فإنه يأخذه حلاًلا، لأن العقد الذي ملكه به عقد شرعي تم بين الطرفين أهلين للعقد، فيكون شراؤه وبيعه والانتفاع به عليه حلالاً.



هذا كله إذا كان أصحاب الشركات مسلمين أو تطبق عليهم أحكام الإسلام، أما إذا كان أصحاب الشركات من الذين نظامهم هو النظام الرأسمالي كالشركات الأوروبية والأمريكية، أو كان أصحاب الشركات من غير المسلمين الذين لا يطبق عليهم نظام الإسلام، فإنه لا يحرم التعامل معهم ولا تحرم التصرفات والعقود معهم، لأنهم باعتقادهم النظام الرأسمالي، وهم غير مسلمين، مع عدم تطبيق أحكام الإسلام عليهم، صاروا أهلاً للتصرف ولتولي أحد طرفي العقد، فيكون التعاقد معهم جائزاً ونافذاً، فيحق للمسلم أن يباشر معهم جميع التصرفات والعقود. وعلى ذلك لو أن مسلماً يعيش في الحجاز ويريد أن يسافر إلى مصر فإنه يجوز له أن يركب في طائرة تملكها شركة مساهمة من الشركات الأوروبية والأمريكية لأن التعاقد معها صحيح، ولكن لا يحل له أن يركب في طائرة تملكها شركة مساهمة أصحابها مسلمون، لأنها لا تكون أهلاً للتصرف، فيكون التعاقد معها حراماً ويكون الانتفاع بالتذكرة حراماً.



وعليه، فإنه يجب على كل مسلم أن يتحرى في معاملاته مع شركات المساهمة والجمعيات التعاونية وما شاكلها من الشركات الرأسمالية، فلا يحل له أن يتعامل مع أي شركة من هذه الشركات، ولا يحل له الانتفاع بما يتعامل به معها إذا كان أصحابها مسلمين، لأن شركات المساهمة حرام والتعامل معها حرام والانتفاع بما يجري التعامل به معها حرام.



4 من جمادى الأولى 1390



7/7/1970