تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ذكـــ ـ ـــريات بائســــ ـ ــــة



Angeleese
28-05-2006, 04:48 PM
سلامي

هـــــ ــــــذه قصــ ــــة عابــ ــرة مـــ ــرت فـــ ـي خــــ ــاطري
أرجــــــ ــــو أن تنــــ ــال أعجــــ ــابكـــ ــم

عيـــــد ميــــلاد سعيـــــد !!



دوت تلك العبارة كألــف قنـــبلة في أذني
لم أسمـــع هــذه العبارة


من ســـنوات طويلة لا تكفي أصابع اليد والرجل لعدها


التفت إلى مــصدر الصــوت وكانت فتــاة صغيــرة بيضاء البشــرة وردية الخدين بريئة العينين

هـــل أعرف هذه الفتاة حقـــا !!
من تكــون أصـــلا .....؟؟
انطلقـــت نحوي تعـــدو , وقــد شعرت حينــها بعاطفــة كانــت مدفونة في قبر مشاعري الميتة ....
عاطفـــة نسيتها من أمد طويل , عاطفـــة تعنـــي حب الآخرين والأهتمام بهــم
فردت ذراعي لأستقبالها وحضنــها , لكنــها تجاوزتني وهي تعدو لتستلقي في أحضان من كان خلفــي الذي هــو والدهــا ....
رفعت أكمام معطفي الثقيل لكي أخفي ملامح الخجل والأسى التي أرتسمت على وجهي الكهــل .....
وداريـــت دمعـــة حزن أقتحمت مقلة عيني التي ظلت جافــة لســـنوات
غريـــب أمري هــل أبكي لأني توهمت أن أحد صار يهتم بي ....؟
ومنذ متــى أهتممت أنـــا بأحـــد ....؟
أكمــلت سيري في تلك الشوارع الممطرة والسيارات المسرعــة المجنونة تطلق اصوات ابوقها الذي له رنة في أذني كصياح مليون غراب ...غراب أســود مشؤم .....
وصلت أخيرا لمكاني المعتاد فوق ذلك الجســر الصغيــر الذي يطل على البحيرة , وأخذت أراقب كعادتي الصباحية البجعات التي تعوم في البحيرة الساكنة الهادئة , مسكت كسرة رغيف يابسة وقضمت قطعة صغيرة منها وكسرت باقي اجزاء ذلك اللوح الذي يؤكل ( الرغيف ) ورميته لتلك الطيــور العائمة التي تحرك جنحاتها لتصدر أصوات هادئة وناعمــة تذكرني بطريقة مــا عن أيام شبابي السابقة , كنت أحاول أن أشتت أنتباهي عند الوصول إلى هذه النقطة بالذات لأني كنت أحاول نسيان كل ما يتعلق بتلك الأيــام الماضية .... نسـيان كل من يسكن في تلك الأيام الأهــل والأصحاب والأحبــة ....كلهــم لم يعد لهم وجود في هـــذه الدنيــا ولــم يعد لهــم وجود في دنيــا خيالي ...مرت الساعات وانا مازلت واقف أتأمل المنظر الذي يشبه لوحة زيتية في متحف للوحات الأثرية , عــند إنتصــاف النهار أكملت سيري للوصل إلى المقهى المعتــاد وما ان شاهــد العامل وجهي الشاحب حتى أحضر طلبي المعتاد على طاولتي المفضلة , قضمت قطعة اللحم المشوية ببطء شديد كأني أحاول أن اطحنها طحن, مثلما كنت أطحن الآخرين في النزاع والمشاجرات القديمة بداخل المقاهي أو خارجها عندما كنت فتى و اشكل عصابات مع الجيران والأصحاب , ونفتعل المشاكل والمشاكسات في كل مكان ويحطموا أثاث أي مطعم لأي سبب كان ....حتى لو نسى العامل أن يضع السكر في القهــوة كان ذلك سبب كافي بأني تبدأ عملية أبادة الأواني والأطباق .....
بعد أن انتهيت من طبق اللحم المشوي احتسيت قهوتي الداكنة المرة التي تذكرني بأول مــرة احتسيت فيها القهــوة مع الفتــاة التي خفق لهــا قلبي ... الفتاة التي كانت تمر في شارعنــا وحاول بعض جماعتي التعرض لهــا
لكني نهيت فعلتهم دون أعلم مالسبب فلم يكن لدينا اي فرق في افتعال المشاكل سواء اطفال أم رجال أم شيوخ ام نساء كانوا سواء لكن تلك الفتاة بالذات كان تتميز بشيء ليومي هذا لم أعلم ماهــو , حــاولت بعدها أنا ابحث عن أخبارهــا واكتشفت أسمــها وأكتشفت عنوانها وعرفت من هن صاحباتها وكم سرني عــدم مرافتها لأي شاب
وفي أحد تلك المرات التي أعتدت أن اجلس بالقرب من منزلهــا واراقبها خرجت تمشي في الشارع بكــل هدوء وقد خدمتني جرئتي أن اقترب منها وارحب بها لم تصدني بل أبتسمت في وجهي وتذكرتني ورحبت أن امشيء معها ودعوتها إلى كوب من القهــوة في استراحة قريبة ... لم أكن أحب القهوة حقيقة لكن كنت أريد الذريعــة لأبقائها معي أطول فترة ممكنة وعلى رغم من مرارة تلك القهوة الا أنها كانت مثل حلاوة العسل وأنا بالقرب منــها وانتهى اللقاء بيننا لكنه كان بداية سلسة اللقاءات بيننا وزادت عاطفتي تجاهها وعلى عكس عادة الفتيان المشاغبين عند التعرف على فتاة جميلة بأن يفاخر بعلاقته معها أنا كنت أتستر عن ذلك في قلبي كأني كنت أخبأ اخبارها واسرارها في داخلي بل كنت أخبئها بكاملها بداخلي فلم أكن أرضى أحد أن يتحدث عنها سواء بالخير أم بالشر وكان أصحابي يندهشون عندما يشاهدوني اتميز غضبا اذا أحد نطق أسمها أو حتى أسم عائلتها وقد يصل البعض ان يلاقوا علقــة ساخنة جراء هذا الفعل ....
ابتسمت وأنا اتذكر هذه الذكريات الطائشة لكن عرفت إنها كانت ابتسامة اسى ليس أكثر نهضت من على المائدة ولم أنسى إبقاء حسابي مع بعض البقشيش للعامل على الطاولة ثم اكملت سيري وقد بدأت الشمس تغفو وتتلون بالأحمــر عرفت أن المغيب قد أوشك على الأقتراب فمشيت بإتجاه محــل الأزهار , ووقفت أتأمل تلك الازهار بهية الألوان ذو الرائحة الخاطفة للأنفاس , وجال بصري يبحث عن نوع معين من الأزهار وقد جزعت عندما لم اشاهد النوع المنشود فلتفت إلى صاحبــة المحل العجوز التي ابتسمت ابتسامة طيبة وأشارت على ركن من أركان المحل فذهبت هناك بكل لهفــة ووجدت أزهار الياسمين العبقــة برائحتها الرقيقة وأخذت أشبع نفسي برحقيها الذي اشعل ذكرياتي القديمة .....
عندمـــا مر عيد ميلادي وأنا لم أتذكره حقيقة لكنــها تتذكر وقتــه قدمت لي باقة من أزهار الياسمين لم أكن احب الأزهــار في الحقيقة لكن بعد هذا الموقف صرت عاشق للأزهار بل مجنون بكل أنواع الأزهـار وأمتلئ بيتها من هداياالأزهار التي اقدمها لها
وأخذ ذلك العالم الوردي الجميل يغمرني وينسيني الواقع الذي أعيشـــه ونسيت من كانوا يحلقوا في سمائي
كل اصدقاء صباي وكل من كان لــه علاقة بي اندفن في ذاكــرة النسيــان وظلت هــي الوحيــدو المالكة لكياني
المسيطرة على ذاتي , عرفــت حينهــا كم أنا متورط بهــا وعرفـــت إنني لهــا ولــن أكون لغيرها وعلمت منهـا أنهــا تحمل نفس مشاعرها لكن لا تستطيــع الأستمرار في هــذا الطريــق الذي لا يحتوي علــى نهاية فقررت أنا اطلب يدهــا ولكــن ضعف الحال التي تعيشــه عائلتي حالت بين هــذا الهــدف فتراءى لي أمـلأ أن أجمع ثروة من العمــل في البدان الأجنبيــة هي الفرصة الوحيدة نظــرا لظروف البلدة الرديئة فسافرت بعــد أن ودعت الجميع ومازلت أذكر عينيها الدامعتين وشفتيها الباكيتين وهي تقول لي بأكثر صوت سمعته حزنا
ســوف أنتــظرك إلى الأبــد .....
ورحلت في ذلك القطــار إلى المجهــول ........ إلى قدري المحتوم .....
وهناك في تلك الدولــة الأجنبية التي يتكلم أهلها بلغــة لا اجبد منها ولا كلمة بل ولا حرف لكن تصميمي
على بلوغ هدفي قــد جعلني اتخطى كل هذه المشقات وبحث عن عمل وقد كان الخالق رؤف بي فوجدت عمل
ممتاز في مصنع لأنتاج الألكترونيات على الرغم من جهلي بكل الألآت الحديثة الا أن رب العــمل كان من بني جلدتي وقد قبــل بي كعامل في المصنع وفعــلا بدأت بالتغلب على ظلمات الجهــل وتزودت بمفاتيح العلم
وماهي الا سنتين من عمري حتى أكتسبت خبرة وسمعة مرموقة في المصنع بفعل عملي الدؤب والنشيط
وفي خلال هذه السنتين كنت أرسل برقيات إلى أهلــي لكي يطمأنوا على حالي أما هي فكانت لها برقيات من نوع مختلف فكنت أشكو لها كل ما يعتري فكري من مشاعر سواء كانت حب أو كراهية أو شوق أو تعب أو خوف من المجهول لكنها كانت تطمنني انها سوف تصبر حتى تراني مجددا حتى لو لم اكسب قرش واحد من رحلتي ... سوف تصبر ..... سوف تصبر ....
انتهــت جرعة أزهــار الياسمين تلك وأخذت طلبي المعتاد باقة من أزهــار الياسمين فغادرت المتجر وانا أمسك تلك الباقة واسير هائم وحيد في نلك الشوارع الباردة والرطبة وقد أختفت أشعــة الشمــس كليــا , أرتفع صوت عالي فنظرت إلى مصدر الصوت وقــد كانت طائرة سياحية بعيدة تمر فوق المدينة مطلقة اضوائها مجلجلة بصوت محركاتها وقد أعادت لي تلك الطائرة ذكريات بغيضة لا احب أن اتذكرها لكنها تغلبني في استحضار نفسها في شريط ذكرياتي ذكريات أعتقد أن المخابيل هم من يحبوا تذكرها ... ذكرى الحــرب ....
نعــم الحرب .... قررت أكبر قوة في العالم أن تشن الحرب على دولتي المتواضعــة وعندما سمعت نبأ الحرب قد جن جنوني واخذت أفكر طويلا في هذا الأمر الكريه فخوفي على أهلي وكذلك على حبيبتي قد جعلني أغيب عن الدنيــا بما فيها فقررت أن اجلبهم إلى هذه الدولة الأجنبية وعلى نفقتي ومن مدخراتي لهذا حجزت لها ولأهلها ولأهلي أقرب رحلة تحررهم من تلك البلد المنكوبة , وفي موعد رحيلهم ذهبت إلى محطة القطار في أحد البلدان المجاورة واكن المفترض أن التقيهم هناك وطال انتظاري لساعات وإلى ايام وإلى اسابيع فأرسلت برقيات كثيرة لكن دون جواب كما أن جميع وسائل الاتصال بهم قد قطعت فقررت العودة لبلدي واكتشاف ما اصابهم

لكن خبــر عاجل أقلق نفسي فعند طريق عودتي إلى بلدي من خلال دول مفترقة لم أتمكن من الرجوع بالقطار بحجة العطب في المحطة وكانت الوسيلة الوحيدة هي الذهاب بالحافلة فأخذت اقرب رحلة كانت متوفرة وانا احث الحافلة في قرارة نفسي أن تسرع أكثر وأكثر .
ووصلت إلى البلد بعد مشقات مع حرس الحدود وما ان وصلت حتى اتجهت منزلي الذي كان خاوي كما اتجهت إلى منزلها ولم أجد أحد هناك فذهبت إلى محطة القطار وكم كان المنظر محزن فقد تعرضت المحطة للقصف من طائرات الغزاة وانطلقت بهلع أبحث عن اهلي بالرغم من منع الحرس الموجودين بالدخل الا اني رحت اعدو في اركان المكان وابحث وابحث على امل أن اجد شيء حتى وصلت الا احد اركان المحطة الخربة وعلى انقاطها بقايا اوراق تتطاير بفعل الرياح الباردة..... أوراق أزهــار ... أزهار الياسمين ....

بلعت الغصــة التي أنتابتني وانا اتذكر هذه الذكريات المقيتة وقــد وصلت إلى محطة القطــار بالفعــل وأخذت أراقب كــل الرحلات على أمل أن أجدهــا في يوم من الأيام وقد تذكرت بعد تلك الحادثة أغنية لأحد ابناء دولتي
كانت تقول .......

لم يعد صدر الحبيب موطني
لا ولا ارض الهوا المذبوح ارضي
لم يعد يمكن أن ابقى هنا
فهنا يبكي على بعضي بعضي ..

فعــلا لم ابقى بعدها في البلد سوى أيام قليلة وقدم كل معارفي لتقديم واجب العزاء لي وعلى أشفافهم ابتسامة مجاملة وتشجيع لتجاوز هذه المحنة , بعدها سافرت وقد ضاقت بي الدنيا ورجعت إلى تلك البلد الأجنبية التي ماعادت اجنبية بالنسبة لي وواصلت عملي دون ابداء اي مشاعر حزن أو فرح حتى مع تكريمي بالعامل المجد لم يؤثر في مشاعري التي ماتت بموت احبائي واهلي وتكريما من المصنع صدر قرار استثائي بالنسبة لي لقبض راتب تقاعدي لكي أوفر مالا لحياتي المتبقية والبائسة وهكــذا مرت السنوات وانا في هذه البلد الكئيبة اشيخ واهرم وانا اعمــل الرتين اليومي ...

انتهت جميع رحلات القطار في ذلك اليوم ولم أجدهــا فعرفت انها لم تأتي هذا اليوم ايضا ولكن لم أكن اسامح نفسي لو ظهرت فجأة في المحطة ولم تجدني في أنتظارها ... لن أسامح نفسي لو عادت ولم تجدني انتظرها بأزهار الياسمين التي طالما عشقتها .......

غادرت المحطة وأنا اعلم إني سوف أعود لها في وقت آخــر ورميت الأزهار في اقرب برميل نفاية وسرت امشي في تلك الشوارع المظلمة وعواء الكلاب يعلو في الأرجاء نظرت لساعتي فعرفت أن الفجر قد قارب على البزوغ فتعجلت لأصل إلى مخبز الرغيف ليعطيني حصتي اليومية من الرغيف البائت وانطلقت على عجل لكي لا يفوتني منظر البجع في تلك البحيرة وفي ذلك التوقيت عندها سمعت عبارة من خلفي ذو صوت طفولي


عيــد ميلاد سعيد ..

أرجو أن تكون هذه القـصة قد نالت أعجابكم

............. ............ .............. سلام

جِهَاد و كَفَى
08-06-2006, 03:37 PM
سلامٌ عليك ..

تبارك الله .. جد رائعة و مذهلة ..

خيل لي كأني ببساطة أقب قريبًا من بطل قصتك أرقبها عن كثب ..

أعجبني تسلسل الذكريات و ترتيبها بشيء يلفت الانتباه ..

الحبكة هنا كانت جد متقنة .. هذا غير الطغيان الواضح للإحساس فيها ..

جيد جدًا سأنتظر الأفضل فلا تحرمني منه

فيض تحية

~*~سحابة صيف~*~
10-06-2006, 03:53 PM
كم هي رائعة ومؤثرة هذه الذكريات
قلمك مبدع
نتمنى ألا تحرمنا من جديدك
شكراً لك على القصة
الله يعطيك العافية

حسـ(باشا)ـان
11-06-2006, 08:47 PM
فعلا ذكريات بائسة
واشعار رائعة
قصة جدا حلوة وذكريات......
الى الامام يا عزيزي اوعزيزتي(ارجو الاختيار) :biggthump

zorrob
14-06-2006, 12:26 PM
فعلا ذكريات بائسه

ALBIRD
15-06-2006, 06:28 PM
فعلا قصة مذهلة انا بهنيك عليها