المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المبدأ



المهندس هيثم
29-05-2006, 12:40 AM
المبدأ لغة مصدر ميمي من الفعل بدأ يبدأ مبدأ واصطلاحاً عاماً: المبدأ هو فكر أساسي تبنى عليه أفكار فرعية أخرى, فمثلا يقول قائل: الصدق مبدئي, فيقصد أن الصدق هو الأساس الذي يقيم عليه معاملاته.
ولكن لابد من التفريق بين الأفكار الفرعية التي تبنى وتتفرع عنها أفكارا أخرى فهذه ليست بمبدأ أساساً لأنها فرع عن أصل , وبين الأفكار الأساسية التي تنبثق عنها أفكار أو عقيدة عقلية أو نظام للحياة.
وينشأ المبدأ بصورة من صورتين: الأولى أن ينشأ بوحي من الله تعالى عن طريق الرسل والأنبياء والثانية: أن ينشأ عن عبقرية الإنسان لصفاء ذهنه وحدة ذكائه وبعد نظره، فالمبدأ الناشئ بوحي من الله تعالى مبدأ صحيح ، لأنه من خالق الكون والإنسان والحياة فهو مبدأ قطعي لا ريب فيه , وأما المبدأ الناشيء عن عبقرية الإنسان فيعتريه ما يعتري الإنسان من نقص وهو دائما في حاجة الى التعديل والحذف والإضافة، لأن فهم الإنسان المجرد عرضة للإختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، ولهذا السبب كانت حاجة الناس ماسة الى وحي السماء، لمعرفة المبادئ التي يبنون عليها نظمهم المختلفة في الحياة , و دليل ذلك أن ما يعانيه الإنسان من مشاكل واضطرابات يرجع الى اختلاف المبادئ والنظم فما يحقق مصلحة هذا يضر بذاك وما ينفع اليوم لاينفع غذا ،ولذلك تجد التعديلات لاتتوقف في انظمة البشر أفرادا وجماعات وأمما.
ولو أخذنا الرأسمالية كمبدأ نجد أنها من صنع البشر، وهي مبنية على الحل الوسط بين الكنيسة والمفكرين، فالرأسمالية مبنية على الوسط لا على العقل، لذلك فالمبدأ الرأسمالي دائما يقرب بين الحق والباطل والنور والظلام بالبحث عن الحل الوسط، رغم انعدام الوسط بين الإيمان والكفر والحق والباطل, فالرأسمالية لا تعترف بالدين ولا تنكره ، و الإعتراف بأفكار الدين ليس موضوع بحث عندها, ولكنها تقرر مبدئيا فصل الدين عن الحياة لأنها تريد أن يكون سير الحياة نفعيا بحتا لا شان للدين به, وفكرة أن يكون سير الحياة نفعيا بحتا هي عقيدة الرأسمالية وقاعدتها وبناء على ذلك فالإنسان هو الذي يضع نظامه في الحياة.
ولعلك ترى وبوضوح الإختلاف بين الرأسمالية كمبدأ والإسلام، فهو فرق بين الوحي وعقلية البشر، وفرق بين رحمة الله بالإنسان فيريه نظام حياته الأمثل وبين ثورة على كنيسة مستبدة ضاق الناس ذرعا بسيطرتها، وفرق بين أن يسعى الإنسان لمرضاة الله ولا ينسى نصيبه من الدنيا وفرق بين أن يكون التمتع بالحياة الدنيا هو الهدف الرئيسي, وفرق أن يكون الدين أساس حياتك وبين أن تكون الحياة الدنيا هي الأساس ، وعليه فإن المنبهرين بالرأسمالية هم في الواقع يريدون أن يجعلوا سير الحياة نفعياً مادياً خالصا، ولا يهمهم أن يكون الدين قائما في الحياة أو قاعدا أو منعدماً.
وبما أن قاعدة المبدأ الرأسمالي وعقيدته تتمثل في النفعية بغض النظر عن الدين, فعلى الإنسان عندهم أن يضع نظامه في الحياة وفق تلك النفعية البحتة , ولم يكن بد من المحافظة على أربع حريات للإنسان وهي حرية العقيدة, وحرية الرأي , والحرية الشخصية, وحرية الملكية, وحرية العقيدة عندهم أن للإنسان أن يتدين كما يحلو له فيعتنق ما يشاء ويرتد عن الدين الذي لا يريده أو يعيش دون أن يتدين أصلاً. بينما عندنا في الإسلام أن الإنسان له الحق في وصول الدعوة إلى الإسلام بوضوح ليعرف أهدافها وما تدعو إليه وما هي متطلباتها وله أن يناقش ذلك لكي يقتنع ثم له الحرية في الدخول إلى الإسلام من عدمه, فإن دخل إليه فعليه أن يتحمل ما يأمر به الإسلام من أحكام.
حرية الرأي: تعتبر الرأسمالية أن المجتمع هو مصدر السلطات, وترى أن المجتمع يتكون من أفراد، فالتركيز على الفرد لا على الجماعة، ولذلك تجعل لكل فرد كلاما مسموعا ورأيا محترما في تقرير الحياة العامة وسن قوانينها وتعيين السلطات القائمة لحمايتها، لأن نظام الحكم فيها يتصل إتصالا مباشرا بحياة كل فرد من أفرادها، ويؤثر تأثيرا حاسما في سعادته أو شقائه, وسواء كانت تلك الأراء صحيحة أو خاطئة فالأمر سيان عندهم.
وهذا ما يسمى بالنظام الديمقراطي, فتأمل كيف أننا نردد ما يقولون ونسعى لتطبيقه ونحن في غفلة بعد ما كفل لنا الإسلام كل الحقوق , فكان الأولى السعي لتطبيق الإسلام عندنا وليس الدوران وراء فكر غربي لا علاقة له بوحي السماء. ولكننا صرنا في حالة نستجدي فيها فضلات الغرب لأننا أوشكنا على الموت.
وأما الحرية الشخصية عند المبدأ الرأسمالي: فهي مبنية على أساس أن الإنسان هو الذي يضع المثل العليا، وأن السعادة هي الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية، فهي وسيلة السعادة بل المتع الجسدية هي السعادة عندهم, وبالتالي فالرأسمالية تعطي الحرية الشخصية للفرد يتصرف كيف يشاء مادام ذلك يجلب له السعادة شريطة أن لا يترتب على تصرفاته اعتداء على حريات الآخرين. ولذلك فالزنا جريمة إذا كان بالغصب أو عدم اعطاء البغي ثمن سفاحها، فإن كان بالتراضي فليس بجريمة، ولك أن تفكر في ابواب الفساد الناتجة عن إطلاق العنان للإنسان بشرط ألا يتعدى على حريات الآخرين، مما وصل بهم إلى الإعتراف بزواج الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى مادام ذلك بالتراضي..واما حرية الملكية: فترتكز عندهم على الإيمان بالإقتصاد الحر الذي قامت عليه سياسة الباب المفتوح, حيث تفتح كل الأبواب أمام الفرد في المجال الإقتصادي بلا حد ولا قيد, وللفرد كسب المال من أي طريق وبأي اسلوب على ضوء مصالحه ومنافعه الشخصية, فالرأسمالي ممكن أن يغش ليربح فإذا ربح صار الغش مشروعا, وهو لا يطعم الفقراء إستجابة لأمر الله بل يطعمهم حتى لا يسرقوه أو ليقال عنه كريم أو ليعطوه أصواتهم في الإنتخابات, ولو رأى الرأسمالي في تجويع الناس ما يزيد مكسبه لأقدم على ذلك, فالمنفعة هي المادية التي يسلط عليها الرأسمالي نظره, وها هي شركات الغرب التي تمارس الغش بأبشع صوره ولو باعت الدواء الذي ثبت ضرره أكثر من نفعه للدول المستهلكة من العالم الثالث.
وبعد فهذا غيض من فيض, ترى معنا كم نحن تائهون, وكم نحن مستهدفون لنكون مصدر نفع للرأسماليين، وليس هناك سوى الإسلام الذي يقف الآن أمام الرأسمالية بعد سقوط الشيوعية, فلابد للرأسمالي من محاربة واسقاط كافة الأحكام التي تتصادم مع المبدأ الرأسمالي لكي يحقق الرأسمالي منافعه في بلادنا، وختاما أرجو المعذرة على شدة الإختصار فهذا ما يسمح به المقام, اللهم أرنا الحق واضحا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.