المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القران



المهندس هيثم
29-05-2006, 12:42 AM
بقلم : أ. د. محمد بديع
الإنسان وهو يقرأ القرآن يتغير فيه تغيراتٍ خفيةٍ داخليةٍ،كمَثَل مَن يَدخل مجالاً مغناطيسيًّا يؤثر عليه.. وهذه هي التجربة التي أجراها د. "أحمد القضاي" في ولاية (فلوريدا) بتجربة علمية تقاس بالأجهزة العلمية القياسيةوالبيولوجية لفسيولوجيا الأعضاء والسوائل مجموعات من المضطربين نفسيًّا والمتوترين،جُرِّبَت معهم وسائل عديدة، ومن ضِمنها سماع قرآن بانتظام، وأيضًا سماع لغة عربيةبانتظام، كإحدى صور العلاج، وهم لا يتكلمون العربية ولا يعرفونها، وبالطبع لايعرفون القرآن، فكانت نسبة نجاح علاج القرآن فيهم 97%، وأكثر من هذا يترسب في النفسعلاجات لبعض الأمراض السلوكية دون أن يشعر الشَّخص نفسه أو حتى يقصد.

إنَّ تشابه آيات القرآن في ختامها أو في بداياتها أمرٌ تكرربأكثر من صورة؛ ليكون لها لفتًا للأنظار لكل آية على حِدة، وكذلك كي تبحث عن أجزاءالقصة في كل سور القرآن، فتتربى العقلية التجميعية لا التفتيتية أو التجزيئية،والعقلية التجميعية هذه عقلية ناضجة تعتبر عقلية رشيدة تتمكن عند كل قضية أو مشكلةأن تجمع أطرافها، ولا تكون ضيقة الأفق؛ فتصل إلى حلٍّ حكيمٍ شاملٍ يحقق كل النجاحاتفي جميع الاتجاهات.. كذلك هذا التشابه يوجد الانتباه، ويطرد الغفلة، والإنسانالمنتبه المتربي على القرآن لا يسهل استدراجه من باب غفلته، وحتى لو حدث فسيجد نفسهدخل في سورة غير السورة وآيات غير الآيات، فيعود من قريب، ويتعود على الرجوع إلىالحق، وليس التمادي في الخطأ.

والعقل الذي لم يكن يعرف الأرقام تتناول سور القرآن العديدمن الأرقام، وأجزاء الواحد الصحيح، وكأنه تدريب خفي على علوم الحساب؛ بل على أصولعلوم الحسابات والحاسبات.

علاج قرآني لضعف العزيمةوالهمة
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَيُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَيَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاًإِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ* وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَيَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ﴾التوبة: 120-121

العلاج يكون بتصحيح المفهوم والتصور وضبط النية؛ لأن السببالرئيسي في القعود والكسل أو الخوف والوجل من العمل الصالح، وما يترتب عليه من بعضالمكروهات؛ هو الخوف من الخسارة للمكسب الدنيوي، بينما المؤمن يعلم أن الجنة حُفتبالمكاره، والنار حُفت بالشهوات والفهم الخاطئ.

ثلاث أعمدة رئيسية يدور حولها هذاالموضوع
العمود الأول:
أن المستفيد الأول من الطاعات هو أنت، والخاسر الأول منالقعود عن الطاعات أو البخل بالنفقات من كل صور الإنفاق من الوقت والجهد والمالوالعلم أيضًا هو أنت. وهنا إذا ترسخ في النفس هذا الدافع بمنطق المكسب والخسارة،وتغليب الحرص على ما ينفع على ما يضر وما يبقي على ما يفنى، كان هذا هو منتهىالذكاء والفطنة: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعدالموت"، بل بمنطق التجارة والربح والخسارة فالأعمال الصالحة هي أعلى استثمارفهمه "عثمان بن عفان" التاجر الدارس جيدًا للسوق التجارية؛ فقد باع قافلة التجارةلله- الذي يعطي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف- فأي بورصة دنيوية، وأي مشروعفي الدينا يحقق سبعمائة ضعف من رأس المال.

هكذا أقحم الصحابي الجليل جميع التجار الذين جاءوا يزايدونعلى شراء القافلة بعد أن باع لله- عز وجل- وهذا هو "صهيب بن سنان الرومي"- الصحابيالجليل- ابن الروم، وسابق الروم كلهم إلى الإسلام، الذي حصل على ربح شهد به النبي- صلي الله عليه وسلم- عندما مدح صنيعه بالهجرة من مكة لله تاركًا ماله ابتغاء مرضاةالله، فقال له الرسول الكريم: "ربح البيع يا صهيب"،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَىتِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾سورة الصف : 10, ومقابلة الإفلاسوالخسارة يضبط ميزانها التجارى رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يقول للصحابة- رضوانالله عليهم-: "أتدرون من المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتييوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفكدم هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ماعليه أُخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار".

العمود الثاني:
﴿إِلاَّ كُتِبَلَهُمْ﴾ (التوبة: 120. الكتابة بقلم القدر الذي جف ورفع، وطويتالصحف التي كتب فيها، تعطي المؤمن عزة وقوة وطمأنينة إلى جنب الله: ﴿قُل لَّن يُّصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَاوَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 51)، والملاحظ لناهنا ولهم هناك؛ فكله لنا وليس علينا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فتتلقيالأحداث كلها على أنها من رب العزة القوي القادر العليم اللطيف الخبير؛ فتطمأن إلىأن الخلق كلهم أدوات، وأنك تستر القدرة، وتأخذ الأجرة.

ومن زواية ثانية أنك لا تهرب من تكليفٍ؛ خشية أن يصيبكمكروه، فلو أن الله يعلم أن في هذا ضررك ما كلفك به، وهو يحبك وأنت تحبه: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًاكَثِيرًا﴾ (النساء: 19

واعلم أنه لا يغني حذرٌ من قدر؛ بل إن الأصل في الحذر ليسالقعود، ولكن أخذ الحيطة قبل التنفيذ والجد والعزم على المسارعة في الخير جمعت فيكلمتين: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواجَمِيعًا﴾ (النساء: 71

العمود الأخير:
﴿أَحْسَنَ مَا كَانُوايَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 121. تأمل يا أخي هدانا الله وإياك هذهالجملة الموجزة.. ما دام الجزاء سيكون من الكريم على مستوى أحسن أعمالك؛ ألا يدفعهذا المؤمن الكيس الفطن على أن يجيد ويتقن ولو في بعض المرات؛ لكي يحاسب على هذاالمستوى العالي؟ وهذه الفئة والشريحة الحسابية.. كلما حققت مستوى أفضل وأداء أكملمن أي عمل صالح، سجلت رقما قياسيًّا في أعمالك.. سيحاسبك الكريم يوم القيامة على كلأعمالك بمستوى هذه القمة التي بلغتها ولو مرة: ﴿وَفِي ذَلِكَفَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (المطففين: 26)، وصدق الرسول- صلي اللهعليه وسلم- الذي يدل أمته على الخير: "إذا سألتم الله فسلوهالفردوس الأعلى".

حديث "يحيى بن زكريا" عليه وعلى نبينا أفضلالصلاة والسلام
روى الإمام "أحمد" في مسنده أن رسول الله- صلى الله عليهوسلم- قال:
"إنَّ الله أمَرَ "يحيى بن زكريا"- عليهما السلام- بخمسكلمات أن يعمل بهنَّ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وإنه كاد أن يبطئ بها، فقالله عيسى- عليه السلام-: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أنيعلموا بهن، فإما أن تبلغهن، وإما أن أبلغهن، فقال: يا أخي، أخشى إن سبقتني أنأعذَّب أو يُخسف بي، قال: فجمع "يحيى بن زكريا" بني إسرائيل في بيت المقدس حتىامتلأ المسجد، فقعد على الشرف، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله أمرني بخمسكلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا بهشيئًا، فإن مَثَل ذلك كمَثَل رجلٍ اشترى عبدًا من خالص ماله بوَرِقٍ أو ذَهَبٍ،فجعل يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يسرُّه أن يكون عبده كذلك؟
وإن الله خلقكمورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وآمركم بالصلاة، فإن الله ينصبُ وجهه لوجهعبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، وآمركم بالصيام، فإن مَثَل ذلك كمَثَلَرجلٍ معه صُرَّة فيها مِسك في عصابةٍ كلهم يجدُ ريحَ المِسك، وإنَّ خلوف فم الصائمأطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصدقة فإن مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رجل أسَرَهالعدو، فشدوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه، وقال لهم: هل لكم أن أفدي نفسيمنكم، فجعل يفدي نفسه منه بالقليل والكثير حتى فكَّ نفسه، وآمركم بذكر الله، وإنَّمَثَلَ ذلك كمَثَلَ رجلٍ طلبه العدو سراعًا في أثره، فأتى حصنًا فتحصَّن فيه، وإنالعبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله".

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "وأنا آمُركُم بخمسٍ أمَرَني الله بهنَّ: الجماعة، والسمع والطاعة،والجهاد في سبيل الله، والهجرة، فإن مَن خَرج عن الجماعة قيدَ شِبرٍ فقد خَلَعرَبقةَ الإسلام مِن عُنُقه إلا أن يُراجَع، ومَن دعا بدعوى الجاهلية، فإنه من جثيجهنم"، قالوا: يا رسول الله، وإن صامَ وصلَّي، فقال: "وإن صامَ وصلَّى، وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم على ماسمَّاهم الله- عزَّ وجلَّ- المسلمين المؤمنين عباد الله" (رواه الإمام أحمد،وهو حديثٌ حسنٌ، وجاء في تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير: 1/56).