المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أعمالنا بين ضيق العقلية وعقلية الضيق



تواصوا بالخير
30-05-2006, 01:46 AM
أعمالنا بين ضيق العقلية وعقلية الضيق
هذا المقال كتبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبدالعزيز العقل المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم .
في حديث جانبي ، كنت أتنازع أطرافه بالأمس القريب مع أحد الإخوة ، تحدثنا فيه عن مجتزأة هامة عن كيفية تعاملات بعض النخب العملية في بلدنا ، ممن لهم ضلوع مشهود في مناشط الخير المحمودة ، قلت لصاحبي : إنه طلب مني أحد هؤلاء أن أشاركه في منشط واعد من هذه المناشط ، فاعتذرت معللاً بعذر أحسب أنه وجيه ، فانهالت عليّ منه مكاييل التهم بأن هذا مني ضرب من التخذيل والخذلان ، وأن هذا مني غير سائغ ولا لائق ...... واصل حديثه معي لإقناعي بجمل من الأساليب والحجج ، التي لم يدخر فيها وسعاً لإقناعي ( بل إحراجي ) في أن أتوجه لما توجه إليه ، لم أطاوعه على ما أراد لكني تسللت لواذاً خشية اللوم والعتب منه، ومن أسراب غير قليلة معه ، يحذون حذوه ، وينظرون بمنظاره .
قلت في نفسي : سبحان الله أليست هذه عقيلة " ما أريكم إلا ما أرى ..." لكنها تدثرت عند قومي بدثار الغيرة ولبوس الديانة .
أليست هذه العقلية هي عقلية " من لم يكن معي فهو ضدي " لكنها جاءت بعباءة الأحباب الذين لا يخطر على البال الوقوف عند تعاملاتهم، لدراسة مدى صحة بعض طرائقهم ، لا لأن لهم العصمة ، ولكن لأنهم يسيرون على خطنا ، وليسوا من الخط الآخر .
ألسنا نمارس نحن أو كثير منا هذا الأسلوب عندما نقنع بفكرة ، أو عمل ...
أليس هذا سائداً في الأوساط العلمية والدعوية في حياتنا اليوم .
أليس التحجيم من أعمال الآخرين ، أو التقليل من أثرها ، أو إسقاط رموزها صورة من صور هذه العقلية ، التي نشهدها في ساحتنا الإسلامية ،( نعم هي صورة منها لكنها صورة ذكية تتخطانا من غير شعور ) .
نظرت في حقيقة هذه العقلية ، فبدا لي أنها عقلية جاثمة في رؤوسنا ، مستمكنة من واقعنا ، ولا يسلم منها إلا قلائل من النخب ، وسجلت تجاه ذلك التالي :
1) أن الأمر في هذا ، كما قال الله تعالى " كل حزب بما لديهم فرحون .." وأن النفسية البشرية ، لا تنفك عن هذا إلا بسياج من المجاهدة ، وسياط من المحاسبة الصادقة ، وليس هذا محاذرة من الفرح بما أوتي الإنسان ، فهذا أمر محتوم من طبيعة النفس ، ولكن الشأن في الفرح بما يفتح الله به أيضاً على الآخرين مما هو محقق لبغية كل صادق عامل للدين ، هذا هو التجرد الفعلي لا الدعائي.
2) أن العقلية كلما اتسعت ، اتسع معها علم المرء وفهمه ، وقاد ذلك إلى السعة مع الآخرين ، والنظر بعين الإكبار إلى مبادرات الغير ، أَجِلْ عينك بما عليه الأسلاف ، تجد شواهد ذلك في حياتهم ، من أنصعها ما اخطته يراع إمام دار الهجرة – رحمه الله- حينما كتب إلى العمري كتاباً جاء فيه :
(إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق ، فرب رجل فُتح له في الصيام ولم يفتح له في الصلاة ، ورب رجل فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة ....وما أنا فيه ليس أقل مما أنت فيه ، وقد رضيت بما قسم الله لي ، وكلانا على خير )
إن كثيراً من العاملين اليوم ، من أبلغ الناس في التنظير لنظرية " كلانا على خير " لكنه من أفشل الناس عند المحاصصة والتطبيق .
3) أن من النصف والسمو والعلو بمكان ، أن يفقه العامل في أيٍ من حقول العمل ، أن الساحة أوسع من كل عمل ، وأنها لا يمكن أن تضيق في يوم عن عمل ، ولكنها مفتقرة إلى الترشيد والتناوب وتوزيع الأدوار .
4) هذه العقلية التي نعاني منها في الواقع العملي ، عانينا منها مرارة أكثر وأكثر في الواقع العلمي وهذا أوضح من وضح النهار .
5) ضيق العطن ، سبب رئيس في تشكيل هذه العقلية ، وإصابة دواء الداء بأشياء ، منها تفعيل ثقافة (العقول تلقح العقول ) فإن استشعار حاجة العقل إلى عقول الآخرين ، واستصحاب نقص العقل البشري مهما أوتي من كمال ، يعطي المرء أريحية وسعة مع الآخرين ، ويصنع لديه سموًا في التعامل ، وسموقًا في الحكم ، ويحجزه عن حاكمية العقل الواحد .
6) لم الحشر في عمل واحد بعقل واحد ، مع أن مصلحة الأمة ظاهرة بملء الثغور ، وسد المواقع ، وهنا يأتي السؤال المهم لكل أرباب العقليات الضيقة:من سيقوم بفرض الكفاية إذا أسقطتم أو أضعفتم ما لدى الآخرين ؟؟؟http://www.almeshkat.net/vb/images/icons/icon5.gif