المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنكم إذاً مثلُهم



آنست نارا
09-06-2006, 06:27 AM
إنكم إذاً مثلُهم


أحسد شخصاً مقرباً إلي -وأحسبه كذلك- على سعة صدره في تحمله (بعضاً) من مصعاب هذه الحياة ومشقاها (بسببي) وإن كنت مستقصداً فعل ذلك لحاجةٍ في نفس يعقوب، لكني في نفس الوقت أرفق عليه لضيق فقهه وعدم تفهمه الواضح لمعنى الحياة ومعنى التضحية فيها، ربما لقلة خبرته واحتكاكه مع من يفوقهم خبرة واحتكاكا وربما لقلة حيلته، فقد اتهمني هذا الشخص (من وراء حجاب) بالتعالي في العلم والدرجة والمكانة بمجرد إسهابي في نظرياتٍ علمية وفلسفات الحياة بداعي التقدم والانفتاح العصري!!

وإذا الفتى بلغ السماء بمجده


كانت كأعداد النجوم عِـداه
ورموه عن قوس بكل عظيمةٍ


لا يبلغـون بما جنوه مِـداه




حسبي عليه وعلى من حرّضه للإفتراء عليّ بهتاناً وعدواناً وظلما، فلم أتوقع أن تنقلب نواجذ أسنانه التي بدأت بالنمو على أعتاقنا إلى أنيابٍ مسمومةٍ انفكت من خلف ظهورنا لتنهش أكتافنا التي حملته ومازالت تحمله منذ أن كان بقيةً من بقايا إنسان يسكن تحت حذاءٍ بالي في عصر من العصور الحجرية، وصدق المثل القائل: سمّن كلبك يأكلك. لكن ماعسانا أن نفعل.
ألم يعرف ذلك الطفل الرضيع أن الفِطام على أعتاب (ماما) قد مضى؟ وأن الوقت قد حان للإعتماد على النفس في هذه الحياة، وأن اكتساب العلم والمعرفة ومن ثم ترجمتها في واقع حياتنا العملية أمر لابد منه للتبحر في معنى الحياة والنقاش فيها بطريقة علمية، أم أن العزف على أوتار الغير قد استهوته حتى طالت القاصي والداني بادعاءاته المشكوك فيها، والنتيجة أنه أفسد أوتار غيره بعزوفه عن الأمر الواقع بمجرد وهمٍ لا أساس له من الصحة.
إنه فساد العقول المتحجرة منذ زمن اليأس، جاءت لتتربص علينا ذرات الأكسجين في كل مكان وزمان فتخلّق الأكاذيب والأقاصيص علينا بمناسبة أو من دون مناسبة (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث). إنه التحجر بعينه عندما يحكم الإنسان –وأظنه كذلك- على شيء من قبيل الهرج والمرج مع رفقة القيل والقال في أمورٍ لا أساس لها من الصحة..
على رسلك يارجل فما هكذا تورد الأبل، وليس الكبر هو التعالي في تبادل المعارف والعلوم ومناقشتها في واقع حياتنا اليومية، بل الكبر هو التعالي على أمور تعلمها وتدرسها وتحفظها عن ظهر قلب ثم تقذفها خلفاً مع صفوف أحذيتك البالية لتبدأ بالتجريح والتعييب من دون أي مستند تنسب إليه أفكارك وعقليتك البالية، فشتان مابين التعالي بالعلم والتعالي على العلم

العلـم يرفع بيتاً لا عمـاد له


والجهل يهدم بيت العزِّ والشرف




كنت أؤمن في يوم من الأيام أن أناقش وأحاور أي شخص أساء إليّ، لكني مع مرور الأيام وجدت أن هذه الطريقة تجلب الحقد والكره في قلوب الذين يطلقون ابتسامات بلهاء في ظاهر شفاههم، فقررت أن أحذو حذو مقولة: إن أساء إليك شخص أحسن إليه، لكنها لم تُجدي أيضاً، وصدق المتنبي إذ قال:

إن أنت أكرمت الكريم ملكته


إن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فيا ويحي من أولئك الذين ينبشون القبور بعد تسويتها.
إني رجل مسالم وأعرف حدود ملَكتي وقدراتي العلمية، وما ذاك إلا حصن حصين أتحصن به للدفاع عن هجوم كاسح كهذا. هذا الحصن الحصين -الممتد من أقدام والداي إلى ما أنا عليه من دروع وتروس راسيات- له أسس ومبادئ لا انحرف عنها قيد أنملة، فليتفهم كل جاهل مركب مدى حصانة هذا الحصن الذي لاتستطال دهاليزه إلا بالإدراك المعرفي، وليترك عنه أمور القيل والقال حتى لا يصاب بنتنها.



نصيحة.. لكل من تسوّل له نفسه بالتكدير والتنكيد على حياة الغير أن يبتعد عن مجالسة أعدقاء الصلاح والحق فضلاً عن الأخذ بحديثهم، من الذين يحبون القيل والقال وكثرة السؤال، فهو داء العصر وخراب للبيوت وشتات وفرقة بين الأهل والأصدقاء، فمجالسة مثل هؤلاء تجلب للشخص وغيره النكد والكدر (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلُهم).