-Cheetah-
09-06-2006, 01:44 PM
"كأس العالم".. سلوكيات مرفوضة!
مع انطلاق فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم، لعام 2006م والتي تعقد في ألمانيا، ينشغل ملايين البشر في مختلف دول العالم؛ بمتابعة المباريات وأحداثها ونجومها وتقاليعها؛ وهو ما يكون له آثار سلبية على سلوكياتهم وأخلاقهم، بل قد يصل الأمر إلى التأثير على الإيمانيات.
الكثير من الناس يعطون هذا الحدث اهتمامًا بالغًا، وخاصة من بين قطاع الشباب الذين يبدون استعدادًا خاصًّا، وتغيرًا هائلاً في السلوكيات، وتجميدًا للعديد من الأنشطة الحياتية المهمة من أجل متابعة أحداث المونديال. ولا ضير من المشاهدة والتشجيع، لكن في غير تعصب ولا إسراف ولا تضييع للحقوق أو تقصير في أداء الواجبات.
وفي هذا التحقيق، نرصد بعض السلوكيات السلبية التي تسري بين الناس على هامش المونديال، مع محاولة البحث عن حلول بديلة، والإجابة عن السؤال المحير: كيف يمكن المزج بين متعة المشاهدة والتشجيع مع الحرص على السلوكيات والأخلاقيات التي أمرنا بها الإسلام؟.
ثلث يومي!!
بداية نستعرض نماذج استطاعت تقنين متابعتها للمباريات، بشكل جميل ومنظم؛ منها: محمد مهدي - 24 سنة، فهو عاشق لمتابعة المباريات من الإستاد مباشرة، غير أنه هذه المرة سيضطر للمتابعة من خلال التليفزيون؛ نظرًا لإقامة أحداث المونديال في ألمانيا.
يقول مهدي: "سأكتفي بالمتابعة التليفزيونية طالما جاءت المباريات في أوقات فراغي، أما إذا تعارضت مع عمل ينبغي إنجازه؛ فسأطلب من الأهل في المنزل تسجيلها، وقد أستغني عن ذلك كلية لو تعذر الأمر، وأكتفي بمتابعة الأهداف عبر النت".
ولكن اهتمام محمد إسماعيل -17 سنة- بالكرة أقل؛ ولذلك فهو لا يترك نفسه فريسة لمتابعة المباريات المتتالية التي تلتهم منه وقته الذي هو جزء من عمره، يعبر عن علاقته بكرة القدم قائلاً: "لأنني لست هاويًا لكرة القدم؛ أعتمد دائمًا على المشجعين، فعندما ترتفع أصواتهم أعرف أن هناك هجمة مهمة أو هدفا. فأخرج من حجرتي لمشاهدة الهجمة المهمة فقط، وأوفر باقي وقت المباراة لأشياء أخرى أهم".
ويشاركه إبراهيم فهمي -30 سنة- الرأي في إمكانية توفير وقت المشاهدة، مشيرًا: "لا أستطيع تضييع 8 ساعات يوميًّا، من وقتي؛ لأنها باختصار ثلث يومي، ولكنني أكتفي بمشاهدة ملخص المباريات أو التحليل الذي يعرض في نهاية اليوم، ولا أحتاج لمشاهدة المباريات كاملة، بل إنني أستمتع بخلو الشوارع في أثناء المباريات المهمة، فأستغل الفرصة في قضاء بعض المصالح أو زيارة أرحامي".
تبذير مرفوض
ويؤكد علي الزهراني -26 عامًا- على أهمية التريث في المبالغ المادية التي ندفعها مقابل مشاهدة المباريات، ويقول: "من غير الحكمة أن أشترك في قناة خاصة لمتابعة المونديال، وأتكلف مبلغًا كبيرًا من المال، أقتطعه من قوت أسرتي، إنني أعتبر ذلك بابًا من أبواب التبذير".
ويستدرك الزهراني: "أنا لا أمانع من متابعة المونديال، ولكن إذا أتيحت المتابعة بدون كلفة كان بها، ويمكنني أن أبحث عن وسيلة مستطاعة للمتابعة عند صديق تتوافر لديه الخدمة، فإن تعذر فلن أموت إذا لم أشاهد مباريات كأس العالم".
ويحكي لنا فيصل بن عبد العزيز الشايع -26 سنة- واقعة طريفة فيقول: "قبل سنتين كنت في باريس، وكانت هناك مباراة بين فريقين من عمالقة الكرة الفرنسية، وكان التشجيع حارًّا وقويًّا، ولكنني لم أشهد أي زحام، فرغم أن المشجعين الأوروبيين معروفون برعونتهم فإن ثقافتهم الكروية عالية، نفتقدها نحن أحيانًا".
هوس المونديال
وعلى الجانب الآخر؛ توجد نماذج مغايرة، لا تراعي بعض القواعد السلوكية في تشجيع كرة القدم، نبدأ ذلك بحديث عبد العزيز محمد -17 سنة-: "رغم أن مباريات كأس العالم ستكون في أثناء الامتحانات فإنني لن أستطيع مقاومتها، وسأحاول التغلب على منع الأهل لي، ومشاهدة ولو مباراة واحدة في اليوم أو أركز على المباريات المهمة فقط. فهي متعة لا تتكرر كل يوم...".
ومن الفتيات الهاويات لتشجيع كرة القدم؛ تشير سمر جمال الدين -16 سنة- إلى حرصها على المتابعة اليومية لمباريات كأس العالم، موضحة: "من أجل هذا أحدد المباريات التي سأشاهدها، ثم أحدد مواعيد نومي ومذاكرتي حسب موعد المباراة، فأنهي مذاكرتي قبل موعد المباراة، ولكن المشكلة التي ستواجهني غالبًا إذا كان موعد المباراة موافقا لموعد درس، وإذا كان المدرس ليس من هواة الكرة... فغالبًا ستفوتني المباراة".
ويقص أحمد خالد -15 سنة- لنا ما يجري خلف أسوار المدرسة في أثناء المونديال: "يدرس الطلبة جدول مباريات اليوم، ثم يكتبون بياناته في ورقة، ويضع كل منهم توقعاته للفريق الفائز، ويدفع رهانا على ذلك، ومن تصدق توقعاته؛ يفز بالرهان".
ولمشاهدة المباراة على المقهى بعض القواعد؛ يبينها محمد عبد الكبير -18 سنة- يقول: "يدفع المقهى ما يعادل 200 دولار للاشتراك في القنوات التي تذيع المباريات، وبالتالي فهو يجتهد في تعويض هذا المبلغ برفع أسعار المشروبات".
وردًّا على اتهام موجه لجمهور المقاهي بالتلفظ بما لا يليق؛ يؤكد مدحت السيد - صاحب مقهى على عدم وجود تطاول أو سب في أثناء المباريات، ذاكرًا: "قد يحدث هذا في المباريات المحلية. أما في كأس العالم فلا يوجد مبرر للتعصب أو السب والتطاول. ولا ترتفع أصوات المشجعين إلا في حالة وجود هجمة أو هدف أو لعبة حلوة". مؤكدًا أن "المقاهي تعمل 24 ساعة يوميًّا لتغطية جميع أوقات المباريات!.
تشجيع سلبي
ويبدي د. حمدي عبد العظيم - الخبير الاقتصادي، الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، ملاحظاته على تضييع الشباب لأوقاتهم في متابعة الكرة لا لعبها، فيقول: أكثر ما ألاحظه هو إهدار المال من أجل "الفرجة" على كرة القدم، وأي إنفاق على المسابقات والمراهنات -وما ليس من أولويات الإنفاق العام للأسرة- يقلل من فرص الادخار أو التوفير، ومن ثَم يحدث خللاً في ميزانية الأسرة.
ويؤدي الإنفاق على أجهزة البث الرقمي إلى وجود زيادة في القوة الشرائية، وتتجه أسعار هذه المنتجات إلى الارتفاع، كما يؤدي هذا الاستخدام المكثف لزيادة استهلاك الكهرباء، وبالتالي ارتفاع أسعارها أيضًا.
كما أن هذا يساعد على انتشار التقليد والمحاكاة، وما يعرف بـ"الاستهلاك المظهري"، وهو الاستهلاك الذي يعتمد على المظاهر من خلال تكنولوجيا جديدة، لا تتناسب مع المستوى الاقتصادي للمستهلك.
ويشير عبد العظيم إلى أنه "على الشباب أن يعلم أن الشركات العالمية تستغل هذه المناسبات من أجل الترويج، خلال حملة الدعاية للمونديال نفسه؛ ليتحول الفرد دون أن يشعر "لمستهلك معولم"، يستهلك كمًّا كبيرا من هذه المنتجات المستوردة بالعملة الصعبة؛ فتنخفض قيمة العملات المحلية في مقابل تلك العملات".
تعصب مذموم
وفي مقابل الإنفاق المادي، نجد تبذيرا في "المشاعر المتعصبة" التي يعتبرها البعض الوسيلة الوحيدة للتشجيع. ويفسر د. محمد هاشم بحري - أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر سر تعصب بعض الناس للكرة قائلاً: "قد ينشغل الإنسان حتى ينسى مشاكله، وتعتبر الكرة نشاطا يسعد الإنسان، ويشعره بالقدرة على مواجهة الصعاب، وقد ينفس الإنسان عن رغباته في التحرر من القيود عن طريق كرة القدم؛ فكرة القدم لغة عالمية ومتنفس عالمي".
ويضيف بحري: "يطالب المتعصبون كرويًّا في إنجلترا وأمريكا اللاتينية أن يُوضعوا بعد موتهم في تابوت عليه علم النادي الذي يشجعونه، ثم يُحرق ويُنشر الرماد في أرض الملعب تعبيرًا عن ولائهم لناديهم. وبتحليل هذا السلوك، نجد أن المتعصب فاقد الاتصال بالحياة إلا عن طريق هذه الكرة، حيث يجد فيها معنى لوجوده وهويته".
ترفيه معتدل
ويؤكد الداعية الإسلامي الدكتور صفوت حجازي على أهمية الترفيه "الموجه المعتدل المقنن"، قائلاً: "الترفيه مطلوب في الإسلام (روحوا القلوب ساعة فساعة)، ولم تكن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام مجرد عبادة وقيام ليل، بل كان هناك مزاح وترفيه وممارسة للرياضة التي تُعَدّ بابًا من أعظم أبواب الترفيه الحلال".
ويستدرك حجازي على أهمية الرياضة، مشيرًا إلى مجموعة من القواعد التي يجب أن يلتزم بها ممارسو ومشجعو الرياضة؛ من بينها:
- يجب ألا يترتب على ممارسة الرياضة أو متابعتها ضياع مصلحة، أو ترك عمل.
- ألا يترتب عليها ارتكاب منكر (سب أو لعن أو تناول شيء محرم).
- ألا تؤدي الرياضة لضياع عبادة، فمن غير المعقول أن نخصص نصف ساعة للعبادة وأربع ساعات للرياضة؛ فنحن مسئولون عن الوقت أمام الله، وبدلاً من متابعة كل المباريات، يمكن اختيار واحدة أو اثنتين فقط.
- على المسلم أن يكون ذكيًّا ويقتبس الحسنات؛ فليجعل نيته عند السهر الانتظار لصلاة الفجر، لا متابعة المباراة وصلاة الفجر بالمصادفة.
- انضباط الأخلاق وحسن السلوك من أهم الأمور التي يجب مراعاتها، فلا يصح المراهنة على مال أو مشروبات؛ فالرهان يقينًا حرام، ولا علاقة له بالتشجيع.
- من المهم الابتعاد عن أماكن الشبهات وتخير الصحبة ومراعاة الحرمات وآداب الطريق، ومراعاة ظروف الآخرين.
- وأخيرًا مراعاة الظروف الاقتصادية للأسرة بعدم التبذير فيما لا ينفع.
ويحذر الشيخ عبد الخالق حسن - من علماء الأزهر الشريف من ملء العقل بما لا يفيد؛ معللاً: باتت معرفة الشباب بالرياضة تفوق معرفتهم بأصول مهنهم وقواعد دينهم، وأجدني أتساءل ما كل هذه البهرجة وحقوق الأمة ضائعة. فأرى أن الإسراف في الاهتمام بالأمور الثانوية يبعد الشباب عن واقعه، ويلهي الشعوب عن حقوقها.
كما يرى أن الرياضة الممدوحة شرعًا هي التي تقوي الأبدان؛ ليتحمل الإنسان المشقة، ويتعلم الصبر، ويتقوى بها على عبادة الله، بشرط ألا تكون رياضة باطلة شرعًا تسبب إيذاء أو إهدارًا للآدمية. أما مجرد المتابعة والتشجيع فهو ليس المقصود بالرياضة الممدوحة.
ويستدرك: "قد يكون من المفيد أن تستثمر المنظمات أو الهيئات والمراكز الإسلامية، الموجودة في ألمانيا، هذه التجمعات للتعريف بالإسلام، من خلال نشر كتيبات مبسطة على المشجعين بكل اللغات، كما يمكن عرض أفلام تسجيلية على نزلاء الفنادق في تلك الدول؛ للمساهمة في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في عيون تلك الدول".
ويختتم الشيخ عبد الخالق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم" (أخرجه الترمذي). معلقًا: "أخشى أن نحاسب على أوقات نضيعها في أمور تافهة".
http://www.islamonline.net/images/arabic/templates/slogo.gif (http://www.islamonline.net/arabic/Purification/heart/2006/06/01.shtml)
مع انطلاق فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم، لعام 2006م والتي تعقد في ألمانيا، ينشغل ملايين البشر في مختلف دول العالم؛ بمتابعة المباريات وأحداثها ونجومها وتقاليعها؛ وهو ما يكون له آثار سلبية على سلوكياتهم وأخلاقهم، بل قد يصل الأمر إلى التأثير على الإيمانيات.
الكثير من الناس يعطون هذا الحدث اهتمامًا بالغًا، وخاصة من بين قطاع الشباب الذين يبدون استعدادًا خاصًّا، وتغيرًا هائلاً في السلوكيات، وتجميدًا للعديد من الأنشطة الحياتية المهمة من أجل متابعة أحداث المونديال. ولا ضير من المشاهدة والتشجيع، لكن في غير تعصب ولا إسراف ولا تضييع للحقوق أو تقصير في أداء الواجبات.
وفي هذا التحقيق، نرصد بعض السلوكيات السلبية التي تسري بين الناس على هامش المونديال، مع محاولة البحث عن حلول بديلة، والإجابة عن السؤال المحير: كيف يمكن المزج بين متعة المشاهدة والتشجيع مع الحرص على السلوكيات والأخلاقيات التي أمرنا بها الإسلام؟.
ثلث يومي!!
بداية نستعرض نماذج استطاعت تقنين متابعتها للمباريات، بشكل جميل ومنظم؛ منها: محمد مهدي - 24 سنة، فهو عاشق لمتابعة المباريات من الإستاد مباشرة، غير أنه هذه المرة سيضطر للمتابعة من خلال التليفزيون؛ نظرًا لإقامة أحداث المونديال في ألمانيا.
يقول مهدي: "سأكتفي بالمتابعة التليفزيونية طالما جاءت المباريات في أوقات فراغي، أما إذا تعارضت مع عمل ينبغي إنجازه؛ فسأطلب من الأهل في المنزل تسجيلها، وقد أستغني عن ذلك كلية لو تعذر الأمر، وأكتفي بمتابعة الأهداف عبر النت".
ولكن اهتمام محمد إسماعيل -17 سنة- بالكرة أقل؛ ولذلك فهو لا يترك نفسه فريسة لمتابعة المباريات المتتالية التي تلتهم منه وقته الذي هو جزء من عمره، يعبر عن علاقته بكرة القدم قائلاً: "لأنني لست هاويًا لكرة القدم؛ أعتمد دائمًا على المشجعين، فعندما ترتفع أصواتهم أعرف أن هناك هجمة مهمة أو هدفا. فأخرج من حجرتي لمشاهدة الهجمة المهمة فقط، وأوفر باقي وقت المباراة لأشياء أخرى أهم".
ويشاركه إبراهيم فهمي -30 سنة- الرأي في إمكانية توفير وقت المشاهدة، مشيرًا: "لا أستطيع تضييع 8 ساعات يوميًّا، من وقتي؛ لأنها باختصار ثلث يومي، ولكنني أكتفي بمشاهدة ملخص المباريات أو التحليل الذي يعرض في نهاية اليوم، ولا أحتاج لمشاهدة المباريات كاملة، بل إنني أستمتع بخلو الشوارع في أثناء المباريات المهمة، فأستغل الفرصة في قضاء بعض المصالح أو زيارة أرحامي".
تبذير مرفوض
ويؤكد علي الزهراني -26 عامًا- على أهمية التريث في المبالغ المادية التي ندفعها مقابل مشاهدة المباريات، ويقول: "من غير الحكمة أن أشترك في قناة خاصة لمتابعة المونديال، وأتكلف مبلغًا كبيرًا من المال، أقتطعه من قوت أسرتي، إنني أعتبر ذلك بابًا من أبواب التبذير".
ويستدرك الزهراني: "أنا لا أمانع من متابعة المونديال، ولكن إذا أتيحت المتابعة بدون كلفة كان بها، ويمكنني أن أبحث عن وسيلة مستطاعة للمتابعة عند صديق تتوافر لديه الخدمة، فإن تعذر فلن أموت إذا لم أشاهد مباريات كأس العالم".
ويحكي لنا فيصل بن عبد العزيز الشايع -26 سنة- واقعة طريفة فيقول: "قبل سنتين كنت في باريس، وكانت هناك مباراة بين فريقين من عمالقة الكرة الفرنسية، وكان التشجيع حارًّا وقويًّا، ولكنني لم أشهد أي زحام، فرغم أن المشجعين الأوروبيين معروفون برعونتهم فإن ثقافتهم الكروية عالية، نفتقدها نحن أحيانًا".
هوس المونديال
وعلى الجانب الآخر؛ توجد نماذج مغايرة، لا تراعي بعض القواعد السلوكية في تشجيع كرة القدم، نبدأ ذلك بحديث عبد العزيز محمد -17 سنة-: "رغم أن مباريات كأس العالم ستكون في أثناء الامتحانات فإنني لن أستطيع مقاومتها، وسأحاول التغلب على منع الأهل لي، ومشاهدة ولو مباراة واحدة في اليوم أو أركز على المباريات المهمة فقط. فهي متعة لا تتكرر كل يوم...".
ومن الفتيات الهاويات لتشجيع كرة القدم؛ تشير سمر جمال الدين -16 سنة- إلى حرصها على المتابعة اليومية لمباريات كأس العالم، موضحة: "من أجل هذا أحدد المباريات التي سأشاهدها، ثم أحدد مواعيد نومي ومذاكرتي حسب موعد المباراة، فأنهي مذاكرتي قبل موعد المباراة، ولكن المشكلة التي ستواجهني غالبًا إذا كان موعد المباراة موافقا لموعد درس، وإذا كان المدرس ليس من هواة الكرة... فغالبًا ستفوتني المباراة".
ويقص أحمد خالد -15 سنة- لنا ما يجري خلف أسوار المدرسة في أثناء المونديال: "يدرس الطلبة جدول مباريات اليوم، ثم يكتبون بياناته في ورقة، ويضع كل منهم توقعاته للفريق الفائز، ويدفع رهانا على ذلك، ومن تصدق توقعاته؛ يفز بالرهان".
ولمشاهدة المباراة على المقهى بعض القواعد؛ يبينها محمد عبد الكبير -18 سنة- يقول: "يدفع المقهى ما يعادل 200 دولار للاشتراك في القنوات التي تذيع المباريات، وبالتالي فهو يجتهد في تعويض هذا المبلغ برفع أسعار المشروبات".
وردًّا على اتهام موجه لجمهور المقاهي بالتلفظ بما لا يليق؛ يؤكد مدحت السيد - صاحب مقهى على عدم وجود تطاول أو سب في أثناء المباريات، ذاكرًا: "قد يحدث هذا في المباريات المحلية. أما في كأس العالم فلا يوجد مبرر للتعصب أو السب والتطاول. ولا ترتفع أصوات المشجعين إلا في حالة وجود هجمة أو هدف أو لعبة حلوة". مؤكدًا أن "المقاهي تعمل 24 ساعة يوميًّا لتغطية جميع أوقات المباريات!.
تشجيع سلبي
ويبدي د. حمدي عبد العظيم - الخبير الاقتصادي، الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، ملاحظاته على تضييع الشباب لأوقاتهم في متابعة الكرة لا لعبها، فيقول: أكثر ما ألاحظه هو إهدار المال من أجل "الفرجة" على كرة القدم، وأي إنفاق على المسابقات والمراهنات -وما ليس من أولويات الإنفاق العام للأسرة- يقلل من فرص الادخار أو التوفير، ومن ثَم يحدث خللاً في ميزانية الأسرة.
ويؤدي الإنفاق على أجهزة البث الرقمي إلى وجود زيادة في القوة الشرائية، وتتجه أسعار هذه المنتجات إلى الارتفاع، كما يؤدي هذا الاستخدام المكثف لزيادة استهلاك الكهرباء، وبالتالي ارتفاع أسعارها أيضًا.
كما أن هذا يساعد على انتشار التقليد والمحاكاة، وما يعرف بـ"الاستهلاك المظهري"، وهو الاستهلاك الذي يعتمد على المظاهر من خلال تكنولوجيا جديدة، لا تتناسب مع المستوى الاقتصادي للمستهلك.
ويشير عبد العظيم إلى أنه "على الشباب أن يعلم أن الشركات العالمية تستغل هذه المناسبات من أجل الترويج، خلال حملة الدعاية للمونديال نفسه؛ ليتحول الفرد دون أن يشعر "لمستهلك معولم"، يستهلك كمًّا كبيرا من هذه المنتجات المستوردة بالعملة الصعبة؛ فتنخفض قيمة العملات المحلية في مقابل تلك العملات".
تعصب مذموم
وفي مقابل الإنفاق المادي، نجد تبذيرا في "المشاعر المتعصبة" التي يعتبرها البعض الوسيلة الوحيدة للتشجيع. ويفسر د. محمد هاشم بحري - أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر سر تعصب بعض الناس للكرة قائلاً: "قد ينشغل الإنسان حتى ينسى مشاكله، وتعتبر الكرة نشاطا يسعد الإنسان، ويشعره بالقدرة على مواجهة الصعاب، وقد ينفس الإنسان عن رغباته في التحرر من القيود عن طريق كرة القدم؛ فكرة القدم لغة عالمية ومتنفس عالمي".
ويضيف بحري: "يطالب المتعصبون كرويًّا في إنجلترا وأمريكا اللاتينية أن يُوضعوا بعد موتهم في تابوت عليه علم النادي الذي يشجعونه، ثم يُحرق ويُنشر الرماد في أرض الملعب تعبيرًا عن ولائهم لناديهم. وبتحليل هذا السلوك، نجد أن المتعصب فاقد الاتصال بالحياة إلا عن طريق هذه الكرة، حيث يجد فيها معنى لوجوده وهويته".
ترفيه معتدل
ويؤكد الداعية الإسلامي الدكتور صفوت حجازي على أهمية الترفيه "الموجه المعتدل المقنن"، قائلاً: "الترفيه مطلوب في الإسلام (روحوا القلوب ساعة فساعة)، ولم تكن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام مجرد عبادة وقيام ليل، بل كان هناك مزاح وترفيه وممارسة للرياضة التي تُعَدّ بابًا من أعظم أبواب الترفيه الحلال".
ويستدرك حجازي على أهمية الرياضة، مشيرًا إلى مجموعة من القواعد التي يجب أن يلتزم بها ممارسو ومشجعو الرياضة؛ من بينها:
- يجب ألا يترتب على ممارسة الرياضة أو متابعتها ضياع مصلحة، أو ترك عمل.
- ألا يترتب عليها ارتكاب منكر (سب أو لعن أو تناول شيء محرم).
- ألا تؤدي الرياضة لضياع عبادة، فمن غير المعقول أن نخصص نصف ساعة للعبادة وأربع ساعات للرياضة؛ فنحن مسئولون عن الوقت أمام الله، وبدلاً من متابعة كل المباريات، يمكن اختيار واحدة أو اثنتين فقط.
- على المسلم أن يكون ذكيًّا ويقتبس الحسنات؛ فليجعل نيته عند السهر الانتظار لصلاة الفجر، لا متابعة المباراة وصلاة الفجر بالمصادفة.
- انضباط الأخلاق وحسن السلوك من أهم الأمور التي يجب مراعاتها، فلا يصح المراهنة على مال أو مشروبات؛ فالرهان يقينًا حرام، ولا علاقة له بالتشجيع.
- من المهم الابتعاد عن أماكن الشبهات وتخير الصحبة ومراعاة الحرمات وآداب الطريق، ومراعاة ظروف الآخرين.
- وأخيرًا مراعاة الظروف الاقتصادية للأسرة بعدم التبذير فيما لا ينفع.
ويحذر الشيخ عبد الخالق حسن - من علماء الأزهر الشريف من ملء العقل بما لا يفيد؛ معللاً: باتت معرفة الشباب بالرياضة تفوق معرفتهم بأصول مهنهم وقواعد دينهم، وأجدني أتساءل ما كل هذه البهرجة وحقوق الأمة ضائعة. فأرى أن الإسراف في الاهتمام بالأمور الثانوية يبعد الشباب عن واقعه، ويلهي الشعوب عن حقوقها.
كما يرى أن الرياضة الممدوحة شرعًا هي التي تقوي الأبدان؛ ليتحمل الإنسان المشقة، ويتعلم الصبر، ويتقوى بها على عبادة الله، بشرط ألا تكون رياضة باطلة شرعًا تسبب إيذاء أو إهدارًا للآدمية. أما مجرد المتابعة والتشجيع فهو ليس المقصود بالرياضة الممدوحة.
ويستدرك: "قد يكون من المفيد أن تستثمر المنظمات أو الهيئات والمراكز الإسلامية، الموجودة في ألمانيا، هذه التجمعات للتعريف بالإسلام، من خلال نشر كتيبات مبسطة على المشجعين بكل اللغات، كما يمكن عرض أفلام تسجيلية على نزلاء الفنادق في تلك الدول؛ للمساهمة في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في عيون تلك الدول".
ويختتم الشيخ عبد الخالق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم" (أخرجه الترمذي). معلقًا: "أخشى أن نحاسب على أوقات نضيعها في أمور تافهة".
http://www.islamonline.net/images/arabic/templates/slogo.gif (http://www.islamonline.net/arabic/Purification/heart/2006/06/01.shtml)