المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر و نثر ما وراء الجدار..(2)



ابن الانسان
09-06-2006, 02:54 PM
الكشف الحادي عشر
" الوحدة "
ماش فى البيداء تحت جنح الليل . السماء مرصعة بالنجوم ، والصحارى تحت ضوء قمر غير مرئي تبدو بلا نهاية .
كان القلب مترعا بالوحدة والشجن الذي لا ينفك يزداد وطأة على النفس كلما طال المسير الذي بدا بلا هدف ولا غاية ، وبينما أنا على هذه الحال ظهر على البعد طيف المحبوب ، فأذكى في الصدر روح الأمل ، وحول الهواء حولي نسيماً وعطراً .
قلت للنفس ممنياً ..
- ليكن الحب هو الغاية
مضيت أحث الخطى خلفه يشدني حنين مبهم حتى وصلنا إلى ممر ضيق بين جبلين وكان قد صار منى قاب قوسين أو أدنى . دخل الطيف المعشوق إلى الممر حيث غاب عن ناظري ، فهمت أن اتبعه ممنياً الفؤاد بجرعات من ماء الهوى تطفئ ظمأ الطريق الطويل ، فإذا بالقدر يتمثل لى شيخاً جهماً يحول بيني وبين المضي في أثره عرفته ، فاعتراني ضيق شديد ، وصحت فى وجهه غاضباً .
- كنت أخيرا قد وجدت غايتي !
تبسم الوجه الوقور الهادئ ، وقال ...
- ليس غايتك ولا طريقك ، ولكن إشارة للطريق المرسوم
همت بإلقاء سؤال عصبي ، ولكن الشيخ كان قد اختفى فجأة كما ظهر ، عندما عدت للسير وثمة يقين بالقلب يهديني الدرب والغاية ...


الكشف الثاني عشر
" هاتف الغروب "
يوم يمر خطوة نحو الموت .. نحو الغناء والعدم .. انه الغروب ... قبل أن تغمض عينيك مستلماً للنوم تذكر ....
هناك أشياء لن تراها بعد الآن بنفس الصورة . هناك حرف لن تقرأه مرة أخرى ، وخطوة لن تخطوها ثانية ، هناك لحظة لن تعود ، وكلمة لن تلفظها شفتاك فى أي وقت أخر . فكرة كانت بداخلك وماتت ...وردة ذبلت ، ومشاعر توارت للمرة الأخيرة ، ولن تئوب ....
مر يوم على هامش الرحلة ...
يوم لن يعود ....

الكشف الثالث عشر
" سر الوجود "
استوقفني وقال ....
- إدراك الفناء هو السبيل الوحيد إلى سر الوجود ..

الكشف الرابع عشر
" إدراك "
قالوا لى يوماً بان الإنسان يدفن بعد موته حيث قبضت طينته فى الخلق الأول عندها أدركت يا صديقي لم وكانت حياتك تمضى ثقيلة حزينة ، لقد دفنوك فى بقعة جرداء ليس بها سوى شجرة وحيدة ماتت منذ عشرين عاما ً.

الكشف الخامس عشر
" العصا والحجر "
حجرة مظلمة جدرانها من طوب لبن تحول إلي ما يشبه الطين بسبب الماء والرطوبة التي تنشع من الأرض الترابية اللدنة ، لم يكن هناك نافذة أو باب أو أية فتحة في جدران المكان الضيق ، ليس سوى سرير سفري صغير يقبع بأحد الأركان ألقى عليه بإهمال بطانية خشنة . لم افهم سبباً لوجودي بمثل هذا المكان غير إنني قد شعرت بأني بصدد مقابلة ما ....
لم يطل تفكيري ، فقد وجدتني فجأة اقف أمام أبى ، وكان قد مضى نحو عام على رحيله تبادلنا التحيات والسؤال ودار الحديث بيننا طويلاً عن الدنيا وأهلها والموت وأهله ثم ساد بيننا صمت قصير شعرت خلاله بان اللقاء أوشك على نهايته قام بعده إلى الفراش القابع فى الركن ، وألقى على جسده الغطاء إشارة لرغبة في الراحة وجدتني أقول له والد مع مختنق فى مقلتي والعتاب المر فى نبرتي ....
- مرة أخرى تتركني !
كان صمته ونظرته رداً واضحا ً بحتمية الفراق ، أحبته أنا بإيمائه المسلم ، غير إنني حاولت التشبث بقشة أخيرة ...
- أما من كلمة أخيرة تقولها لي ؟
قال ...
- إذن لتهتم بالعصا التي على الحجر ..
تغير الزمان والمكان بينما ظل صدى الكلمات يرن فى أذني مثل جرس إنذار مبهم من العالم الأخر ...

الكشف السادس عشر
" المكتوب "
رأيتني اجلس في حلقة بأحد المساجد ، ونظرت الشيخ المعلم هو " الحلاج " وكان يلقى على الجمع درساً فى تفسير قول الله تعالى على لسان نبيه " يونس " : ( فنادى فى الظلمات إذن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ...
لما رآني توقف عن الكلام ، ورمقني بنظرة من يعرفني جيداً ، ثم أشار إلي أن أدنو ففعلت وسط نظرات الحاضرين وما أن أصبحت منه قريباً حتى سألني عن سبب وجودي في هذا المكان ، ثم تبسم واستطرد ...
- ألم تعرف مكتوبك بعد ؟!
وجدتني أقول في حرج ...
- بلى ، عرفت ..
شملني بنظرة ودودة ، وهو يربت على كتفي ، وقال ..
- اذهب إذن حيث قدر لك ، ولا تنسى بان العمر قصير
وثبت نظرة فى عيني ، واكتسى صوته بنبرة قدرية ....
- تدلت عناقيد الحب والألم على أشجار الحكمة . لتقطف منها ما شئت .. انه المكتوب …

الكشف السابع عشر
" القصور "
تأملت البدر المحارب بين الغيوم وعقلي يموج بأفكار شتى . أخذتني منها رعشة باردة سرت فى جسدي ، فأحكمت باقة المعطف حول عنقي وأنا أطلق زفرة سأم لا شعورية …
- حزينة هي ليالي الشتاء ..
نفث دخان سبحانه فى خواء ، ومرت هنيه من الصمت قبل أن يرمقني قائلا في هدوء …
- أنت حزين
نحيت البدر جانباً ، وقلت مقراً بعد تفكير قصير ..
- ربما …
اخذ نفساً عميقاً من سيجارته ، ونفثه فى الأفق بغير اكتراث قائلا ...
- نحن لا نرى سوى من خلال عيوننا ، ولا نسمع إلا بآذاننا ولا نفكر سولا بعقولنا . نحن قاصرين ، والكون ... هذا الكون لا يدور فى فلكنا وفلك أفكارنا الضيقة بعين الخيال رأيت " الحلاج " يقف وينظر إليه باسماً ويقول ...
- صدقت ...

الكشف الثامن عشر
" النداء "
رأيتني ماضٍ في سفر طويل . فى كل لحظة أقابل أناسا مختلفين ، واشهر مرور قوافل غريبة . تمضى فلا اعرف عن أهلها ولا يعرفون عنى ، وفى كل يوم أحط الرحال بأرض احسبها الوطن حتى يعود التراب الغريب يلفظني .. ينادى في الوجود صوت غيبي ...
- إذا الموت جاء ، فافتحوا له الصدور .. لعله الخلاص
أسائل نفسى ...
- ألم يساور من سبقونا ندم " أو يعتريهم للحياة حنين ؟
..فينادى الصوت ساخراً مريرا ً ..
- أيكون الحنين لدار كان البكاء أول ما علمتنا ؟!!

الكشف التاسع عشر
" المشيئة "

رأيتني بمكان مجهول وإذا يؤتى إلى بحمامة وسكين رمقت الحمامة فى يدي بحيرة ناقلاً البصر بينها وبين السكين فى اليد الأخرى ، ولم أجد من يرشدني إلى ما يتوجب على فعله ، وهداني تفكيري إلي انه قد أنيط لى ذبح الحمامة وإلا لم كان السكين ؟ ! ... مددت الحد إلى العنق الرقيق ، فتدفق الدم على ثيابي مختلطاً بالدموع ، وإذا ينادى في الفضاء أن خلق الإنسان عجولا فنظرت للدم المراق على ثيابي وقلت أهون على نفسي ...
- لتكن مشيئة الله ....

الكشف العشرون
" الحب "
كنت فى دنيا أخرى وعالم أخر من الأنوار والأثير أناجى بالروح طيف المحبوب فإذا به يتواري كأنه الدخان ، وإذا أنا ماثل أمام " خورخي لويس بورخيس " الذي بادرني قائلا ....
- أو تعلم ما هو أسوأ الحب ؟
قلت ....
- ما هو ؟
ضاقت عيناه وهو يتابع طيراً يعبر صفحة السماء قبل أن يلتفت لى قائلا ...
- إن تعرف ما تحب ..
ثم بعد هنيه من الصمت ..
اجمل ما فى الحب عشقك ما لا تعرف . حب المعلوم فان لا محالة .



ابن الانسان

ابن الانسان
09-06-2006, 02:56 PM
الكشف الحادي والعشرون
" الحجب "
تأمل دوائر الدخان المتصاعد من سيجارته ، ورمقتني بطرفه وقد لاحت على شفتيه ابتسامه باهته ، وهو يسألني ....
- هل تعرف ما سر كل تلك الأفكار التي تشكل كل تاريخ الفلسفة والفكر البشرى ؟
تبسمت مندهشاً من سؤاله وقبل أن أفكر فيه أو أحاول استيعابه قال مستطرداً ..
- كلنا يعلم بوجود الله ، حتى هؤلاء الذين ألحدوا ، المشكلة دائماً هي إننا لا نراه ....

الكشف الثاني والعشرون
" الرضا "
سائر فى غابات متشابكة ، علت أشجارها وتداخلت فروعها حتى حجبت ضوء الشمس عما تحتها ، أخذني العبق الأخضر ، فأخذت اضرب في إنحائها حتى آتت ساعة اقترب فيها حلول الظلام وشعرت بالتعب ينال منى ..
التفت حولي حيث ساقتني خطاي ، فوقر فى قلبي إنني قد ضللت طريقي ، واسقط فى يدي ، فلم أدرى ماذا أنا فاعل ، وبينما أنا على تلك الحال نادى فى الوجود منادٍ ...
- يا بن آدم إليكن الرضا بداية الهدى والطريق ......

الكشف الثالث والعشرون
" طيف "
استوقفني ، وقال ..
- روح الحياة أنت .. أنت نشيدها ، بنهايتك ينتهي عمر الزمان ، ويقنى كل هذا الوجود . لتكن أنت لتكن نوراً وناراً وأنت التراب .



الكشف الرابع والعشرون
" صوت "
يوما ما استيقظت من نومي على أصوات دمدمة ورعد وصوت ينادى بنبرة القدر أن : يا بن آدم ! أنت المسافر وأنت الغريب ، أنت الوطن .

الكشف الخامس والعشرون
" من لم نعرف "
ظل يرمق الأفق طويلا وهو مستغرق فى التفكير ، ثم اخذ نفساً أخيرا من سيجارته قبل أن يلقى ما تبقى منها إلي لا مكان .. قلت اسأله ...
- فيم انشغالك وشرودك ؟
زفر زفرة أودعها كل ما اعتمل فى صدره فخرجت حارة ملتهبة ، وقال بشرود ...
- تركته وحيداً . قالت بأنها ستعود إليه كما يعود دماء البحر إلي البحر سبحا ً فى الشتاء ..
قلت مخففاً ...
- إذن ستأتي في الشتاء
أشعل سيجارة أخرى ، ونفث دخانها فى خواء ، ثم مضى برود ....
- منذ مضت – من سنين – لم يعد يأتي شتاء غدت كل الفصول خريفاً . حتى أتي خريفه هو ..
عندها شعرت بأنه يتحدث عن صديق مشترك . صديق عرفناه . ولكننا أبدا
- لم نعرفه ....

الكشف السادس والعشرون
" الصدأ "
الجو خانق الهواء ساخن والشمس ملتهبة كأنما هي فوق الرؤوس وأنا اقف في طابور طويل أمام باب مبنى زجاجي غريب الشكل قلت اسأل من يقف أمامي في الطابور ...
- عفواً ! ما هذا الطابور ؟ ولم يقف الناس فى هذا الحر بهذا الشكل ؟!
استدار الرجل يواجهني ، فإذا هو صديقي " الحلاج " باسم الوجه رغم العرق الغزير .قال ...
- انه مخزن الحكمة ..
- مخزن الحكمة !
قال مستطردا ً..
- نعم . لقد وصلت قافلة الحكمة أخيرا .
مسح حبات العرق التي كانت تلمع على جانبيه ، وعاد يستطرد ..
- كانت أخر قافلة منذ اكثر من مائة عام . كان قد بعث فى طلبها الباشا " محمد على " ولكنها كانت كمية قليلة لم تكف سوى عدد قليل من أهل الخطوة ، استولوا عليها كلها .
تحرك الطابور لبعض خطوات ، وتحركنا معه ، فعدت اسأله ...
- وهذه القافلة ؟
- إنها كبيرة . بل وكثير غيرها قادم فى الطريق
قلت ..
- إذن ستكفى الجميع ولا شك
قال أسفا ..
- كانت مناجم الحكمة فى بلادنا ، ولكن صدأ القلوب أعمالها ، فلم يعد يجدي سوى معه شئ .
- والقافلة ! ألن ؟
مسح قطرات العرق من على جنبيه ، وقال فى يأس ..
- الحكمة فى بطن الصخور كانت على مر الزمن .. لكنه الصدأ ! ....

الكشف السابع والعشرون
" الجوهر "
اعترف الكآبة النفس ساعة ، فاجتاحتها مثل شلال جارف شعل الفكر ، وبليل الخواطر ، وكاد يدفع بالعقل إلى حافة الجنون . وبينما أنا على هذه الحال ، استوقفني وقال بوجه باسم ...
- عشرات الحقائق ، ولاحق إلا وجود الخالق ، حتى الموت .... ليس سوى حقيقة الحجب .
ثم دفع بإصبعه في صدري ...
- إذا ما أردت الجوهر ، فها هو . انبش وراء القشرة الصدئة ، فانه الجوهر ....



الكشف الثامن والعشرون
" باب الصفاء "
خطر لى يوماً أن أسال صديقي " الحلاج " عن سر بشاشته الدائمة و ابتسامته الهادئة ، فقال وهو يشملني بنظرة طويلة هادئة ....
- طرقت باب الصفاء ، فانفتح لى على روض المحبة حيث جرت نهر الرضا ....

الكشف التاسع والعشرون
" التيه "
كنت فى زحام السوق أمشى حائراً ، أعاني وطأة التغرب والوحدة ، فإذا بصوت درويش ينادى ....
- اللهم يا خالق القلب وموئله ! اجعل به صورتك وخوفك ، واجعلها الزاد فى التيه والغربة ...
فطفر الدمع من عيني ، وأنا اهمس بلا شعور أن . آمين ...



الكشف الثلاثون
" الإنسانية "
كنت على مشارف النهاية ، فاستوقفني ، وقال ...
- كنت إنسانا قدر ما أحببت وعذب الحنين قلبك .

ابن الانسان
09-06-2006, 02:58 PM
الكشف الثلاثون
" الإنسانية "
كنت على مشارف النهاية ، فاستوقفني ، وقال ...
- كنت إنسانا قدر ما أحببت وعذب الحنين قلبك .

الكشف الحادي والعشرون
" لقاء "
مر عامان على فراقنا ، لم أرها خلال تلك المدة ولو لمرة واحدة . حين رأيتها كانت ترتدى ثوب كئيب اللون . لم يكن طيفاًَ أو خيالاً . بل كانت هي بكل تأكيد ... مازالت اذكر هذا اللقاء الأخير . فأبى مات بعدها بثلاثة أيام فقط . ..

الكشف الثاني والثلاثون
" المجهول "
خيل لى يوماً أن أحدهم قائم على قمة تل مرتفع ينادى فى الناس حتى تجمهروا عند السفح بالعشرات ، وإذا بصوت يسأله ...
- هل آتي ؟
أجاب الرجل أن : لا ...
- ربما أتى بعد مائة عام .... عودوا بعد مائة عام .
ويتفرق الجمع وعلى وجوههم خيبة يمازجها زهر الأمل الذابل .

وتمر الأعوام المائة ...
فيعود الناس ليجتمعوا عند التل بالمئات ، وقد تغيرت أشكالهم وهيئاتهم ، ويسألون الرجل القائم على القمة ....
- هل أتى ؟
ويجيب الرجل أن : لا ......
ربما بعد ألف عام . عودوا بعد ألف عام

وتمر الأعوام الآلف ..
يعود الناس ليجتمعون عند السفح بالآلاف ، وقد بدا عليهم الكثير من التحول والتبدل فى الأشكال والأحوال ، ولكنهم لا يجدون صاحب القمة ، فتتفشى بينهم الأسئلة حتى ينادى فيهم بانه قد مات عشرات السنين ، فما يكون منهم إلا إن يتخيروا أخر من بينهم ، فيتسلق إلي القمة التل ، ويتطلع إلي الأفق حوله وسط ترقب الجميع ، ويسأل سائل .....
- هل أتى ؟
فيجيب الرجل أن : لا .......
-ربما بعد مائة عام أخري . لتعودوا بعد مائة عام
ويتفرق الجمع، وعلى الوجوه خيبة تمتزج بأمل أزلي .....


الكشف الثالث والثلاثون
" النصح "
رأيتني أصلي العشاء في رحاب المسجد الأموي ، وكان الإمام سيدي " أبى الحسن الشاذلي " لما انتهينا تفرق المصلون ، ورأيت الشيخ الجليل يركن إلي جوار المنبر مسبلاً عينيه . غارقاً فى الفكر دنوت منه ، ففتح عينيه ، وتبسم لما رآني سائلاً إياي ....
- تلميذ جديد أنت ؟
قلت .....
- بل مريد آتى يسأل الوعظ والنصيحة .
اطرق قليلاً ، ثم عاد ينظر فى عيني وصوته يكتسي بشيء من العمق .
- اتبع قلبك دون نفسك .
قلت ...
- زدني !
قال ...
- بعمار قلبك عمر ما حولك .
قلت له ..
- زدني !
قال ..
- احب حتى تحب . احب حتى ترضى . احب حتى تشرق بداخلك شمس الخلود .
قلت ..
- زدني !
فتبسم فى هدوء ، وقال وهو يربت على كتفي ...
- لا تكثر فى طلب المواعظ ، فأكثرها لا يفيد ، واكثر من قالوا لم يعملوا ...



الكشف الرابع والثلاثون
" فرحة "
قال " الحلاج "
كنت وصاحب لى نسير فى طرقات بغداد ، فإذا تمر أمام عيني اجمل امرأة رأيتها فى حياتي ، ما أن لمحتها حتى طار عقلي بجمالها ، وهممت إلي صاحبي أساله بعد أن مرت عمن تكون ، فإذا به يرمقني مندهشاً منكرا ً رؤيته لها .
وجاء يوم رويت ما كان من الأمر لشيخي " علم الدين " فضحك منى ، وقال ......
- هى فرحة فى العمر ضيعها السؤال .....

الكشف الخامس والثلاثون
" التناقض "
كنا نجلس على شاطئ البحر حين سألني ....
- او تدرى بسر انعدام اليقين فى هذا العالم ؟
قلت ......
- وترى ما السر ؟ !
- التناقض ..
صمت هنيه ثم استطرد ..
- التناقض قانون العالم .... قانون كل هذا الكون .
اعترتني الدهشة ، فقلت مستغرباً .
- التناقض ...
قال ...
- اجل ... ليل ونهار .. نور وظلام .. ارض وسماء .. ضحك وبكاء .. اين سيكون اليقين فى عالم ملئ بكل تلك التناقضات ؟ !

الكشف السادس والثلاثون
" الهروب "
ليلة معتمة ، كنت أسير في طريقي حين صك أذني صوت ، نظرت فإذا هو شبح أدمى يقف في ركن مظلم من الشارع ، وبدا لي انه بانتظار شخص ما أوشي ما . لم اعر الأمر اهتماماً ، وشرعت في مواصلة سيرى ، فإذا بصوته يناديني ،
بدا لى الصوت مألوفاً ، ولكن هذا لم يمنعني أن التفت إليه متسائلا ، فبادرني هو بنبرة هادئة ..
- لم تعرفني !
معذرة . هل أعرفك ؟
تقدم نحو الضوء بخطى بطيئة ، فلم أرني ساعتها إلا واقفاً أمام بصورة أخرى منى كأنني أمام مرآة .. قال ..
- وهل من إنسان لا يعرف نفسه .
عقدت الدهشة لساني للحظة ، ولكن سرعان ما طرحتها جانباً .....
- ماذا تريد ؟
قال ..
- عرفتك تضيق بحياتك .
قلت مستنكراً ...
- وما شأنك أنت في هذا ؟
- صفقة .. مجرد صفقة
- صفقة !
استطرد قائلا ً ..
- جئت اعرض عليك دنياي؛ لتحيا فيها مقابل دنياك
صحت مشدوهاً
- هذا جنون !
افترت شفتاه عن ابتسامة هادئة وهو يقول …
- بل حل يربح الطرفين
اعتراني التردد وقلت له …
- أريد فرصة للتفكير …
فاتسعت ابتسامته …
- بل الآن .. وفوراً
فكرت قليلاً ، ولكن التردد كان قد غلبني ، فاندفعت أقول ..
- إذن ، لا اقبل
فغاب عن عيني كأنه قد تبخر ، ثم شق صمت الليل صوت ينادى أن خلق الإنسان جهولاً .

الكشف السابع والثلاثون
" الأنين والدم "
كنت بحضرة سيدي " أبى الحسن الشاذلي " فشرد الذهن ساعة اثر خطور بعض ذكريات الماضي وصورة …
- آخذتك عنا شواغل الدنيا .
انتبهت على وجهه الباسم ، وانتابني شئ من الحرج ، وقلت …
- لا شئ يذكر . مجرد ذكريات لمشاعر عتيقة .
هش لى ، قال …
- مرحى بالحب دنيا ودينا..
غمرت المرارة حلقي ، فاستشعرتها على لساني وأنا أقول شارداً ..
- ربما كان قديماً . الآن هو ليس سوى ذكريات وحنين لزمن بعيد منى دونما اثر أو حضارة .
فلاحت على شفتيه ابتسامة ذابلة ، واطرق يداعبه مسبحته بأنامله متمتماً ..
- كان الله فى عونك …
- وكان مولاي يحس ما بي …
ربت على كتفي ، و قال …..
- نعلم أن لا أنين بلا آلام ، وان الجراح لا ترشح سوى بالدم .

الكشف الثامن والثلاثون
" الآفة والفضل "
قال " الحلاج "
سألت شيخي " علم الدين " يوماً عن آفة بن آدم ، فأجاب دون تفكير ..
- عقله
فسألته مندهشاً
- فما فضله إذن على سائر الكائنات ؟ !
قال ..
- عقله وإيمانه .

الكشف التاسع والثلاثون
" الإيمان "
رأيتني ادخل من باب مغارة ضخمة مرتدياً زيا عسكرياً غريب والشكل ، وكان بداخل المغارة كثيرون مرتدين لأزياء مماثلة . سألت عن القائد ، فهديت إلي رجل كان يجلس فى صدر المكان مسنداً ذقنه إلي رأس عصا كانت بيده ، غارقاً فى التفكير رأيت شاربه وشعره الكثيف وقد اطل من تحت قبعته العسكرية ، فعرفت فيه " أرنستو جيفارا " .
رمقني بهدوء حين رآني اقف أمامه مؤدياً التحية العسكرية ، وأشار لي بالجلوس دون أن يتكلم ، ومرت فترة قبل أن يبدو عليه التفهم لترددي ويلتفت لي قائلاً ...
- لتسأل ما شئت بلا حرج ..
- لماذا يا سيدي ؟ لماذا تركنا ثورتنا والرفاق فى " هافانا " بعد أن استقر لنا الأمر هناك ؟ للموت هنا فى جبال " بوليفيا " وسط هذا الحصار ؟!
افترت شفتاه عن بسمة هادئة قبل أن يحدثني قائلاً ...
- هل تؤمن بالله ؟
استرجعت فى سرعة كل ما اعرف عن " جيفارا " كثائر شيوعي ، ولكنى نحيت كل شئ جانبا ً وأنا أتمتم ...
- لا اله إلا الله
قال ....
- من يؤمن بالله يؤمن بخلقه وبحق كل منهم فى العيش حراً آمناً ... ليست " بوليفيا "
- اميجو – لكنها الحرية
ثم عاد ينظر فى عيني ليرى وقع كلماته على وكنت أري في ملامحه صدق النبوة ...

الكشف الأربعون
" السر "
رأيتني اجلس في رحاب مسجد " الحسين بن على " رضى الله عنه ، شردت بي الروح ساعة تتكشف أسرار الملكوت ، وبحار حقائقه المحجوبة ، وإذا بي أفيق على همس يترامى لأذني .
- الم هي الحياة .. لا تضحك ثغراً إلا لتبكى جفوناً .
التفت فإذا هو أحد الدراويش الذين يعج بهم صحن المسجد .... سألته ..
- ما جدوى العيش إذن ؟
اطرق بمسح على لحيته الشهباء ....
- لست أدرى .. ربما لان شيئاً أن يتم !
قلت له ...
- وما هو ؟ !
- لا أدرى ..... ربما هو الحياة نفسها .
ونظرت ، فإذا أنا بمغارة يكسو أرضها الشوك والصبار بينما يشق صمت الوجود صوته منشداً
الله السر لديه السر
منه واليه السر يعود

ابن الانسان
09-06-2006, 02:59 PM
الكشف الحادي والأربعون
" الخلاص "
الدخان الأزرق يعبق جو المكان ، وحمره الشراب تتلألأ فى الزجاجات والكئوس ، جسده الضخم ذو السواعد السمر يدور فى فضاء المكان راقصاً على أنغام لا يسمعها غيره يغمره العرق ، وابتسم وهو يطلق زفرة أودعها كل تعبه قائلاً ...
- لا خلاص للمرء بالحب ، أو بالجنون . كلاهما يجعله فوق القيود .

الكشف الثاني والأربعون
" صدى "
قال " الحلاج "
يوماً ما ملأ الحب القلب ، فأضاء النفس وتفتحت على دنيا أخرى يغمرها النور والعبق فيها ما لم تره عين ولا خطر على بال بشر ، وبينما أنا سابح في بحر هذه السعادة ، إذا بي ينتابني شئ من الحزن والشجن ، وتذكرت يوم كنت طالب علم يسير على هدى شيخه ، فتذكرت كلمات لشيخي " علم الدين الخزاعي " تردد صداها فى إنني قادماً من أعماق الذاكرة البعيدة .
- لا يمكن أن تنزل البحر دون أن تبتل ، أو تضع يدك فى آتون النار دون أن تحترق . كذلك لا تحب دون أن يغمر نفسك شئ من الحزن والشجن .

الكشف الثالث والأربعون
" صديق "
اعترض الاسم مرور عيني على السطور كقطعة من الماضي البعيد تحمل فى طياتها عبق براءة الصبا . كنا صديقين . تشاركنا نفس المقعد طوال أيام الدراسة في الطفولة ثم الصبا وحتى حل عنفوان الشباب بساعدينا .
مرت أيام حزينة بيننا حين علم كلانا بانا سنفترق بعد أن قررت أسرته الانتقال على مدينة أخرى بعيدة ، لا زلت اذكر دموعي وأنا أودعه في محطة القطار .
ظللنا نتراسل بعد سفرة لعام أو اثنين ثم تاه كل منا تدريجياً وسط زحمة الأسماء فى حياة الأخر ، وأخذت كلا منا دوامة الحياة بعيداً عن شاطئ الصبا والذكريات لسنين ، وها نحن نلتقي أخيرا ، فأراه اسما ً فى صحيفة يحمل فى ثنايا حروفه بداية الرحلة ونهايتها ...

الكشف الرابع والأربعون
" الجرح والهوية "
وحيد فى ليل مدينة غريبة ، تتداولني الطرقات والحارات الواحدة تلو الأخرى على غير هدى ، الظلام حالك ، اقتربت من بقعة ضوء ، ونظرت فإذا أنا ارتدى ثياباً غريبة ، لست آلفها ..هذه ليست ثيابي ! ولكن .. من أنا ؟!! وماذا كنت ارتدى قبل هذه ؟! كانت ذاكرتي فارغة من كل شئ . لم تحتفظ لى حتى باسم أو وطن ......
كان الإحساس بالضياع يغمر نفسى ، وقد ألفيتني وحيداً في ليل بلد مجهول بلا صحبة ولا هوية ، وبينما أنا على هذه الحال رأيتها ماثلة أمامي ، وجه جميل يحمل فى ملامحه شيئاً من عبق الذاكرة المفقودة . سألتني ..
- من أنت ؟
ووجدتني أقول لها ..
- عابر سبيل بلا اسم ولا صحبة
نظرت فى عيني ، وقالت وصوتها يتردد فى أعماقي ..
- عليك بالأردية الكاذبة ، فاخلعها ، وامدد يدك تحت أثمالك وتحسس جرحاً قديماً علك تعرف ساعتها من تكون ...

الكشف الخامس والأربعون
" الشحاذ "
قال " الحلاج "
طرق بابي يوماً شحاذ عجوز ، رث الثياب حافي القدمين سألني من فضل الله على ، فمددت يدي إليه بآخر دينار لدى معتذرا ً ، فإذا به يبتسم قائلا لى ...
- يا سيدي ! هذا عمل بن آدم . انه فان كصاحبه ...
قلت مندهشاً منه ...
- ماذا تقصد ؟
قال دون أن تفارقه ابتسامته ......
- اصلح الله سيدي ، للصنعة صفة الصانع ، أعطني حبة قمح أردها لك بعد عام حفاناً من حب ، أما لو أعطيتني إنسانا ، فمن يدرى ؟ فربما رددته لك إنسانا أو ربما حفنة من أديم . كذلك هو دينارك – يا سيدي – فان كصاحبه ....

الكشف السادس والأربعون
" رؤية "
قابلته وكان قد مر على حادث انتحاره اكثر من ثلاث سنوات ، تكلمنا ، وضحكنا ، وتركنا أنفسنا لفيض من الذكريات واللحظات الجميلة التي جمعتنا فى الماضي مع آخرين ، ثم كان أن طرحت عليه السؤال الذي كان يحيرني كلما لاحت بذهني ذكراه .. لم كان انتحاره ؟ قلت له ...
- كان لك زوجة تحبك وحياة يحسدك عليها كثيرون .
تبسم وقال ..
- أنت تحب الحياة أو تكرهها ، وكلاهما لا يخلو من عذاب .


الكشف السابع والأربعون
" يقين "
كنا عائدين من جنازة صديق ، العمر يمر وشواهد القبور كأنها أياد تلوح بالنهاية المحتومة ، والأفكار طيور تشرد محلقة حول كفة الموت المجهول . قلت ..
- ما الذي يحملنا على الحياة والتسابق فى مضمارها إذا ما كانت النهاية واحدة ومعروفة ؟!!
قال ..
- انه يقين بداخل كل منا ، يقين بالأبدية . تراه فى عين كل إنسان حتى إذا كان يعرف جيداً أن حياته ستنتهي فى الغد ...
واطرق للحظة قبل أن يستطرد ....
- لعل هذا ما يحملنا على الاستمرار رغم كل شئ .

الكشف الثامن والأربعون
" امرأة "
فتح الحب قلبينا على أفاق رحيبة ، وترامت بيننا حنان وبساتين تدلت على أغصانها أحلى ثمار ، وتغير الكون من حولنا ، وكان للمشاعر والكلمات فعل السحر ، يسقيه كل منا الأخر ، ويتوه معه فى دفء عناق أو لذة قبله تحمل إلي شفتيه رشفة من كأس الخلود .
همست لى ذات مرة فى لحظة دفء
- احب كل شئ فيك . كل شئ فيك يثيرني حتى رائحتك ..
عندها لاحت بخاطري صورة امرأة عاشت بـ " سمرقند " فى القرن السابع قبل الميلاد ، قالت لرجلها كلمات أشبه بتلك الكلمات ، غير إني لم اعد اذكر إذا كانت قتلته بعد ذلك أم لا ...

الكشف التاسع والأربعون
" الظمأ "
قال " الحلاج "..
يوماً ما ملأ الضيق النفس ، فرأيت الدنيا متاهة كبرى ، ورأيتني فيها ضالاً حائراً اجهل درب الرشاد والهدى ، قصدت إلي شيخي " علم الدين " اسأله قبساً من نور يضئ ظلام جهلي قائلاً ..
- يا مولانا ، الروح ظمأى للهدى ولا علامة هناك تدل على الطريق
فربت على كتفي مشفقاً ، وقال ....
- احذر ، يا ولدى ، فقد يكون أول الضلال ظمأ للهدى ..
الكشف الخمسون
" تاريخ "
عيناه حمراوان ، متقدمان كجمرتين ، وكئوس الشراب فارغة . كان قد شرب ما يربو على الزجاجة والنصف . بدا وكأنه يحاول استجماع شتات أفكاره ، وخرجت الكلمات من فمه بصعوبة ، وهو يقول ...
- هل تعرف ؟ لقد كنت دوماً اسأل نفسى عما كنت قبل أن أكون أنا . الآن تذكرت برياً اقتنصه عقاب قبل أن يصل لحجرة بخطورة واحدة .
ضحكت ، وقلت له ساخرا ً...
- أنت سكران وواهم ...
فضحك قائلاً ...
- بعد نظرة عميقة ، لا فرق هناك بين الحقيقة والوهم

ابن الانسان
09-06-2006, 03:01 PM
الكشف الحادي والخمسون
" لون "
كان الصمت يسود الجميع وكأن على رؤوسنا الطير ، وللحزن والشجن روائح نفاذه تعبق الجود وتتخلل الأنفاس ، وشواهد القبور كائنات خرافية غريبة تحت إيحاء أشعة الشمس المحتضرة فى حضن الغروب . مزق السكون وهو يسألني ..
- لماذا كان الأسود لون الحزن والألم ؟ أين يتلاقى اللون والمعنى ؟ !
نظرت له مندهشاً ، وكان فى عينيه بريق حيرة حقيقية .

الكشف الثاني والخمسون
" المهمة "
قال " الحلاج "..
عرض على أمر أمامه الناس في الصلاة وخطبة الجمعة والعيدين بالمسجد الكبير ، ولما كنت أميل للعزلة ولا احب الاختلاط بالناس ، فقد رفضت الأمر برمته ليلتها رأيت – فيما يرى النائم – شيخي " علم الدين " وضع يده على كتفي، وتكلم دون أن يفتح شفتيه ، وقال لي ....
- اعلم – يا فتى – بأنك قد صنعت لتصنع .....

الكشف الثالث والخمسون
" الفراق "
سائر على شط البحر . صرت أمشى حتى قادتني الخطى إلي باب مغارة .فراقت لي فكرة الدخول إليها طلباً للراحة . ودخلت ، فإذا بي في حديقة غناء تتزين أشجارها بكل زهر وثمر ، وتملأ جوها أغاريد الطيور .
طفقت أتجول في إنحائها أمتع النفس والنظر بما أراه في أرجائها ، وبينما أنا كذلك إذا بي أرى سيدنا " الخضر " وكان يجلس في ظل شجرة يداعب زهرة في يده . عرفته فور أن رأيته . وهو أيضا علت شفتيه ابتسامة مرحبة لما وقع على بصره .
- عرفتني ؟!!
قلت باسماً وأنا أمد يدي مصافحاً يده الشريفة ....
- وهل يخفى القمر ؟
- أنا أيضا أعرفك .
قلت متلهفاً طامعا ً
- فهل لى من علم على يديك ؟
قال ...
- لا شئ سوى أن تعرف بان الفراق أمر القدر ، وأمر الفراق اثنان ... فراق حبيب. وفراق روح ....
عندها شعرت في صدري انقباضاً ، وتمنيت لو أعود يغير جناح ، فسمعت في الأعماق صدى يردد أن كذلك اخترت ، وكذلك قدر لك ...

الكشف الخامس والخمسون
" الجنون "
" أنا مجنون "
دائما ما كنت أقولها لنفسي وللأوراق أيضا ، وكذلك قالها كل من هم حولي ، ولكن صدقني دعني أسألك كنوع من الجنون ، لو لم تكن أنت ، فماذا كنت تود أن تكون ؟
ابتسامة على شفتيه ، ونظرة اعرفها جيداً .. نظرة عميقة ... مظلمة .. بغيضة ..
- لست أدرى ، ربما أردت أن أكون ابتسامة ليست على شفاه أحد
... إذن هو أنت يا صديقي ..... أنت من سرق ابتسامتي .....

الكشف السادس والخمسون
" عشق الحياة "
قال " الحلاج "
شكوت إلي شيخي " علم الدين " تعب الحياة ، وخوف الموت ، فربت على كتفي وتبسم قائلاً ....
- أما التعب فهو حال كل حي ، وأما الخوف من الموت ، فاعلم – يا ولدى – انه لا يموت من عاش عاشقاً للحياة .

الكشف السابع والخمسون
" آبى "
نهر واسع عميق وسطح الماء الهادئ صقيل كلوح من الزجاج إلا من بعض المواضع التي كانت الأحجار فيها تعترض سير الماء ، فتحدث صوت خرير هادئ عذب ...
شدهت حين رأيت آبي على الضفة الأخرى .. كان يجلس على صخرة كبيرة بجوار الماء ويلقى بالحصى بين حين وأخر مراقباً الدوائر التي يحدثها في صفحة الماء بحركة سائمة . آخذت ألوح له ، وأنادى غير انه أبدا لم يبد عليه انه قد رأى أو سمع ، فالمنى منه ذلك كثيراً ، ثم سرعان ما ثبت إلى رشدي حين تذكرت أن أبي قد مات منذ ما يزيد عن الأعوام الثلاثة .





الكشف الثامن والخمسون
" لعبة "
تأملت طيراً يشق جو السماء ، ثم سرعان ما عدت بناظري إلي الرقعة ومربعاتها البيضاء والسوداء ، فخطر ببالي شيئاً يربط اللعبة بالحياة ، ويربط ألوانها بالحقيقة والضلال سرعان ما توارى مع رنات صوته الأمر .
تحرك الوزير ، فأطاح بالرخ في حركة لم أفكر بنتائجها ، ثم التفت أساله وأنا أتأمل ملامحه الغارقة في التفكير ...
- أليس غريباً إننا لم نزل نلعب سوياً برغم مرور سنوات على موتك ؟
لاحت على شفتيه ابتسامة ذات معنى ، وقال دون أن يفارق نظرة رقعة اللعب ...
- وهل أنت حي ؟
فكرت قليلا ً ، ثم قلت ...
- لست أدرى ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
قال ضاحكاً?
- أنا أيضا ..... ربما لم أمت بعد ‍‍‍

الكشف التاسع والخمسون
" الخنجر "
مساء يوم ما من صيف عام 1533 م
انتبه رواد معبد " كواما " اكبر معابد " بيرو " هؤلاء المستغرقون في الصلوات الهامسة أمام تماثيل ألهه " الانكاس " على مشهد غاية في الغرابة ، انه الكاهن الأكبر ، هذا المقدس الذي تميز بوجهه الوقور الهادئ دائماً ، لقد كان يقف خلف المذبح المقدس ووجهه المبارك غارق في الغرق ، وعيناه تلمعان ببريق غريب مع انعكاس ضوء المشاعل على صفحتها ، أما شفاه المجانين وأبناء الآلهة المباركين من مسلوبي العقول الذين يجوبون " بيرو " طولاً وعرضاً ويستوطنون شوعها ....
قال صاحب القداسة بصوت متهدج انه قد توصل – بفضل مساعدة الآلهة
- إلي السر الأعظم ومفتاح الحكمة الأكبر الذي سيجعل كل إنسان في هذا العالم سعيداً ، ويفتح أمام البشر كل كنوز القوة والمعرفة .
- بفضل هذا السر الأعظم الذي وهبتنا الآلهة إياه ستغدو والأرض مملكة للسعادة والخلود ، ولن يكون بين الناس جائع أو حاقد ولا محروم .
ودعا الكاهن الأعظم كل أهل المدينة للتجمع في المعبد عند ظهر الغد ليعلن عليهم سره الكبير ، فتحل على الأرض قوافل الخير والبركة ، وقام المصلون إلي بيوتهم ، وانتشر الخبر في كل بيت في المدينة التي باتت في انتظاره وترقب للسر الأعظم الذي سيعلنه الكاهن في الغد ...
ما حدث بعد هذا حقيقة ، وما تذكره لنا كتب التاريخ إن المدينة التي كانت تنتظر فجر الغد بفارغ الصبر . لم تره أبدا ، فمع أول ضوء للصبح كان الأسبان قد داهموا المدينة ، فهدموا البيوت على من فيها ، وذبحوا من ذبحوا من أهلها حتى هؤلاء الذين حاولوا الهرب في الظلام لا يضئ طريقهم سوى غريزة الحياة ، كان الجنود أيضا ً بانتظارهم عند أبواب المدينة وفوق أسوارها . لقد أبادوا كل شئ ، حتى المعبد الكبير لم تنج أعمدته من التقويض ...
أما عن صاحب القداسة ، فيروى انه قد وجد جثة هامدة بين إطلال المعبد المتهدم وفى صدره خنجر جندي أسباني لم يتعلم القراءة ولا الكتابة .

الكشف الستون
" حلم "
" من بردية قديمة بمكتبة الفاتيكان "
تلك الحادثة لم تذكرها أي من المخطوطات أو الكتب التي دونت عن تلك الفترة من تاريخ سمرقند ، ذلك الذي حدث في تلك الليلة الصيفية الهادئة حين استيقظ السلطان " زين الدين الغزنوى " على هذا الصوت الراعد في جناحه بالقصر ، ثم ذلك البرق الغامض التي توهج في فضاء المكان ، فرأى على ضوئه طيف امرأة عجوز لم يسبق له رؤيتها من قبل ، لم تكن من حريم القصر ولا جواريه ، اقتربت من مضجعه ووضعت يدها على ساعده ، أسرت له ببعض كلمات عن السر الأعظم ، ثم ضغطت عظام ساعده بقوة حتى صرخ من الألم صرخة عظيمة فقد بعدها وعيه ، حين استيقظ في صباح اليوم التالي ظن انه مجرد حلم ، لكن الألم وأثار الأصابع العنيفة على ساعده أثبتت له انه كان جزء من الواقع ، حاول أن يتذكر أي شئ مما همست به العجوز في أذنه أو أي من ملامحها التي رآها للحظة واحدة على ضوء البرق ، لكنه اخفق فى ذلك ، ولم يقصص السلطان ما حدث في تلك الليلة على أحد حتى زوجة ، وظل كذلك لعدة شهور غير انه روى كل شئ لمن كانوا في مجلسه من ندماء جاءوا يحتفلون معه بمولد أول أبنائه بين أطباق الحلوى والشراب ، كان قد شرب الكثير من خمر خراسان المعتقة ، فدارت العلامات واضحة على ساعده ، خمسة أصابع زرقاء رهيبة قاسية .
في صباح اليوم التالي وجد السلطان ميتاً في أحد أبراج قلعته ، لم يكن هناك أي اثر لتلك الأصابع الزرقاء في أي مكان من جسده .

ابن الانسان
09-06-2006, 03:02 PM
الكشف الحادي والستون
" أسرار النجوم "
" من كتاب مجهول الكاتب وجد بدار الكتب خانة خلف المسجد الحسينى بالقاهرة "
كان يوماً طويلاً ومرهقاً .عند الغروب الفتى " موسى الزينى " بأغنامه التي كان يرعاها خارج سور المدينة . ما أن دخل من باب المعز حتى فوجئ بمشهد غريب كان رجل يجرى دافعاً الناس ، شاقاً طريقة بينهم في سرعة وخوف ومن وراءه اثنان من جند السلطان " قنصوة الغورى " يطاردانه بإصرار .
قال الناس أن الرجل هو السيد " عمر الدينورى " الفلكي وصاحب تلك القبة الكبيرة على قمة المقطم والمسماة بالمرصد . قالوا بان الرجل في الأيام الأخيرة كان يقول كلاماً غريباً حول سر اعظم علمه من النجوم ويأتي أفعالا اغرب جعلت بعضهم يشي به لدى السلطان ، ويوعزون له بان الرجل مجنون مما جعل السلطان يصدر فرماناً بإيداعه مشفى " البيمارستان "
لم ينتبه " موسى " ولا أحد من الجمع الواقفين معه يتجاذبون أطراف الحديث في أمر هذا الفلكي إلي ذلك التيس الأسود أو إلي رقعة البردي التي كانت قد سقطت من ثنيات ثوب الرجل الهارب وقد اخذ يتشممها ويتحسسها بمر شفيه قبل أن يشرع بالتهامها ومضغها بتلذذ ومعها سر الرجل .. أما عن السيد " عمر الدينوري " فلم يسمع أحد عنه بعد ذلك اليوم الذي تم إيداعه فيه " البيمارستان " .

الكشف الثاني والستون
" الأمل "
استوقفني ، وقال ..
- لتتمنى بحذر ، فقد تصبح أمنياتك يوماً حقيقة ...

الكشف الثالث والستون
" ذكرى "
تسلقنا حتى وصلنا إلي أعلى الربوة ، سطح الربوة منبسط ، ولكن ضيق ، فبعد بضع خطوات وجدتنا نطل على الجهة الأخرى ، وكانت تطل على أخدود صخري عميق تبسم بانشراح ، وقال بان المكان عزيز لديه ...
- حقاًَ !
أرسل بناظريه في المدى ، وقال كأنما يحدث نفسه ...
- اول مرة أتيت فيها إلي هنا كانت معها
مرت هنيه قبل أن يسترسل ..
- تحدثنا كثيراً هاهنا .... تكلمنا فى كل شئ ... الحب ... الدنيا .. الناس ... الحياة ... كل شئ !!
وهنا أطلق زفرة ملتهبة ..
- وقالت ببراءة : لم لا نموت الآن ؟ لم لا ننتهي ليخلد حبنا ؟
وسألته ...
- هل فعلتما ؟
فكر قليلاً قبل أن يقول ...
- لست أتذكر هذا الآن ....

الكشف الرابع والستون
" بروميثيوس "
أخر نظرة ... أخر يوم في علاقة لم تبدأ ... أخر لقاء بين اثنين لم يلتقيا أبدا ً ... آخر يوم أراك فيه ... نعم ، عرفت كل هذا جيداً ، وبالرغم من هذا لم أحرك ساكناً . لم أحاول أن اقترب منك أو ألوح لك بيدي وأنت تمضين مبتعدة أو أن أقوم بأي طقس من طقوس الوداع البائسة ، فقط اكتفيت بالوقوف بعيداً ومراقبة ملامح وجهك محاولاً نقشاً في الذاكرة بعمق .. هذه الملامح لن أراها ثانية طوال العمر ، شئ بداخلي كان ينبغي بذلك ، ويؤكد بإصرار .
لكم أجدت صنع مسرحيتي الهزلية ، ولكم أجدت دور " برومثيوس " وأنا أتظاهر بالشجاعة بينما النور ننهش في كبدي بنهم مقدس ، إنني لا أتعذب ثمناً لشجاعتي أو إنني سرقت قبساً من النار المقدسة كما تذكر الأسطورة لقد كنت ادفع ثمن تخاذلي ....
اه ، كم هي مريرة فصول العذاب في روايتي هذه ...
يوم يمر .. أسبوع .. شهر ... سنة ... سنين .. يبقى في القلب ركن صغير مثل جرح قديم أتلذذ بنكئه كلما قارب على الشفاء ، نقشت فيه ملامحك الخالدة في الذاكرة كنص قديم مقدس لعقيدة سرية ...
واليوم ، يا سيدتى ، قد صرت لأخر . رجل لست أعرفه كتب في لوح القدر أن يصير بيته كعبة للحب والسعادة وأسراب الحمام والنوارس والسنونو بينما تتسع مساحات الشوك المنثور على فراشي .
تنزف الجراح أحزانا .
وتنزف الأحزان جراحاًَ في تسلسل لا ينتهي .
إنني أحملك في صدري أبدية كصخرة " سيزيف " فرواية التغرب تلك التي بيننا ليس لفصولها نهاية ، وليس للصلاة وللعقيدة التي اعتنقها من طقس أخير ...

الكشف الخامس والستون
" الجنة "
جنة العشق مكان خارج القوانين ، أشجاره ليست أشجار ، وثمارها ليست كالثمار وطيورها اجمل من كل الطيور ، أصواتها مزيح من عندلة العنادل ، وأغاريد الكروان ، ومواء القطط وضحكات الأطفال ، الجنة على شط بحر كبير ، تشرق الشمس في كل يوم فتلون صفحة ماءه بألوان الطيف ..
هنالك فى الجنة تسكن الأرواح المتيمة ، يجتمع كل عاشق بمعشوقة ، وكل إلف بأليفة بعد ما فرق الدهر بينهما ، وكذلك هؤلاء الذين عاشوا في الدنيا بقلوبهم ، وعشقوا الحياة ، وبحثوا في النفوس عن جوهرها ، ورغم هذا لم يفهموا العالم ولم يفهمهم ... الجمع تعيش أرواحهم هانئة ، هادئة ، هائمة في ملكوت الذات .. فالعالم ذات ، والذات جنة العشق ...
قادتني إليها الخطى الحالمة ، فصرت أجول في أرجائها : أتأمل أحوال ساكنيها وبينما أنا في تجوالي ، وولهي بتفاصيل المكان ، لقيت " إباحيان التوحيدي " وكان واقفاً في ظل سنديانه ، يفتح كفة بالحب ، وحوله أطيار الجنة ...
التفت لي بوجه باسم ، وسألني .....
- أ غريب أنت ؟
فأومأت بالإيجاب قائلاً .
- ابحث عن مستراح للنفس المنهكة
ثم أسرعت اسأله وقد لفت نظري عدم كلام أهل الجنة فيما بينهم ...
- لم لا يتكلمون
- للقلوب لغة لا تدركها الآذان
- لذا عرفت بأنني غريب !
في الجنة لا أحد غريب ... لنقل بأنك تتعرف !
- وكيف لى المعرفة ؟
منحنى ابتسامة مشرقة ، ثم مضى إلي سحابة من الضباب العطر زحفت بين الأشجار ، فاختفى فيها تاركا ً خلفه صدى كلمات لم يقلها ...
- إذا ما أضنتك الجبل ، فالقلب دليل كل حائر ...

الكشف السادس والستون
" رجل "
في ليلة ما أتاه الهاتف من عالم الحلم المجهول ... هو لا يتذكر الحلم ، ولا شخص محدثة ، لكنه ظل دوما ً يتذكر الكلمات بوضوح ....
" إذا ما شعرت بالقلب يميل لابن إنسان ، فلتقض له بما تكن وتشعر ... أنت لا تدرى متى تكون الفرصة التالية ! "
.. ربما لهذا ظل طوال حياته ، ولا يمر يوم عليه دون أن يمنح قلبه امرأة ما .


الكشف السابع والستون
" الدرس "
قال " الحلاج "
رأيت فيما يرى النائم شيخي " علم الدين " ولم يكن قد مر على رحليه ، سوى يوم او بعض يوم . قال ...
- جئت لأعطيك آخر الدروس وخلاصة الحكمة ..
ومد يده بقرطاس دفعة إلي ثم مضى بين السحب ، فوقفت مشدوها للحظة ، ثم نظرت الى القرطاس لأرى ما كتب فيه ، فإذا به ...
" كل ما تحت الشمس فان وقبض الريح حتى هذه الكلمات "

الكشف الثامن والستون
" الموت "
استوقفني وقال ...
- لا يموت ابن آدم إلا حينما يستطيع أن يموت

الكشف التاسع والستون
" الانتظار "
كل شئ كما كان دائما ً... الحديقة ... الأشجار .. النافورة .. الرخامية ... حتى صوت الماء المنبثق من قلبها لم يزل كما هو لا شئ تغير هاهنا حيث كان بانتظارها دائماً ، فقط شئ واحد .. . فهي لن تأتى ابدأ هذه المرة .. هذه المرة .. وهو لن ينتظرها بعد الآن ..

الكشف السبعون
" عبق "
أيتها الذكريات الجميلة المغمورة في صورها وضوء عينيها ! اليوم تلوحين بالذهن ، فيندى القلب بعميق أيامها البعيدة .
ترى أين حل ركب الحبيبة بعد كل تلك السنين ؟
لم يبق منها سوى هذه الذكرى التي حفظتها الذاكرة ، لم يزل فيها بعد عبق من حياة ... ولكن يا ترى إلي متى تبقى ؟



ابن الانسان