المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرشاد الغيـور إلى منهج السلف في معاملة ولاة الأمـور



الوردة الجريحة
18-06-2006, 04:35 PM
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :


فهذا موضوع متعلق بمنهج السلف في معاملة ولاة الأمور رأيت من المفيد إن شاء الله أن أكتبه وذلك بسبب ما رأيته في بعض الساحات من نقاش حول هذا الأمر والذي يظهر في بعضها الحماس الغير منضبط بالشرع ، وقد كتب في هذا الموضوع كثير من أهل العلم قديماً وحديثاً، فقد كتب عنه قديماً شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في رسالته " قاعدة مختصرة في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور "وقد طبعت ضمن " مجموع الفتاوى" ( 35 / 5 – 17) ثم طبعت في رسالة مستقلة بتحقيق الشيخ عبد الرزاق العباد- حفظه الله- ، وممن كتب في هذا الموضوع في العصر الحاضر الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في عدة مواضع من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة " وكذلك كتب الشيخ محمد السبيل إمام الحرم المكي رسالة بعنوان "الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية " وقد كتب الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ تقريظ لهذه الرسالة ، كما كتب الشيخ عبد السلام بن برجس ـ حفظه الله ـ كتاب بعنوان "معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة" .

وقد جمعت أكثر مادة هذا الموضوع من كتاب الشيخ عبد السلام بن برجس ـ حفظه الله ـ "معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ".
وقبل أن أبدأ في الموضوع أنبه إلى أن هذا الموضوع موجه إلى بعض الإخوة الأفاضل الذين أتفق معهم في عدم تكفير ولاة الأمور في هذه البلاد – المملكة العربية السعودية ـ ولكن أختلف معهم في بعض طرق الإصلاح وطريقة النصح لولاة الأمور ، والآن أبدأ في الموضوع فأقول وبالله التوفيق :

أولاً : الأمر بطاعة ولاة الأمر في غير معصية الله :
السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصيةٍ مجمعٌ على وجوبه عند أهل السنة والجماعة ، وهو أصلٌ من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء .
وقل أن ترى مؤلفاً في عقائد أهل السنة إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ، وإن جاروا وظلموا ، وإن فسقوا وفجروا .

والإجماع الذي انعقد عند أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبنيٌ على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك ، فمن تلك النصوص ما يلي :


1ـ قال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[ (النساء:59) .
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم" ( 12/223 ) : ( المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء ، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم ، وقيل : هم العلماء ، وقيل : هم الأمراء والعلماء .. ) اهـ .

وقال الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ في " تفسيره " ( 5/150 ) : ( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعةً ، وللمسلمين مصلحة ... إلخ ) .
وقال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" ( 2/ 89 ) : ( وأمر بطاعة أولي الأمر ، وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين ، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله ، ورغبة فيما عنده ، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصيةٍ ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم ، وذكره مع طاعة الرسول فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله ، ومن يطعه فقد أطاع الله ، وأما أولو الأمر فَشَرْطُ الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية ) اهـ .



2ـ قال رسول الله r : ) على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصيةٍ فإن أُمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة ( . رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
قال العلامة المباركفوري رحمه الله في " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي " ( 5 / 298 ) فيه أن الإمام إذا أمر بمندوبٍ أو مباحٍ وجب . قال المطهر : يعني : سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم ، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه ، بشرط أن لا يأمره بمعصيةٍ ، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته ، ولكن لا يجوز له محاربة الإمام ) اهـ .

3ـ قال رسول الله r : )عليك السمع والطاعة ، في عسرك ويسرك ، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك ( رواه مسلم .
قال العلماء كما حكى الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم" ( 12 / 224 ) معناه : تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصيةٍ ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة ) اهـ .
وقال أيضاً في ( 12 / 225 ) مفسراً الأثرة : ( هي الاستئثار ر والاختصاص بأمور الدنيا عليكم.أي : اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ، ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم ) اهـ .

4ـ سأل سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه رسول الله r، فقال : يا نبي الله ! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا ، فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ) اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا ، وعليكم ما حملتم ( رواه مسلم .

5ـ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r: )يكون بعدي أئمة ، لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك( رواه مسلم .
وهذا الحديث من أبلغ الأحاديث التي جاءت في هذا الباب ، إذ قد وصف النبي r هؤلاء الأئمة بأنهم لا يهتدون بهدية ولا يستنون بسنته ، وذلك غاية الضلال والفساد ، ونهاية الزيغ والعناد ، فهم لا يهتدون بالهدي النبوي في أنفسهم ، ولا في أهليهم ، ولا في رعاياهم .. ومع ذلك فقد أمر النبي r بطاعتهم في غير معصية الله كما جاء مقيداً في أحاديث أُخر ، حتى لو بلغ الأمر إلى ضربك وأخذ مالك ، فلا يحملنك ذلك على ترك طاعتهم وعدم سماع أوامرهم ، فإن هذا الجرم عليهم ، وسيحاسبون ويجازون به يوم القيامة .
فإن قادك الهوى إلى مخالفة هذا الأمر الحكيم والشرع المستقيم ، فلم تسمع ولم تطع لأميرك لحقك الإثم ، ووقعت في المحظور .


6ـ وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : لا نسألك عن طاعة من اتقى، ولكن من فعل وفعل ـ فذكر الشر ـ ؟ فقال رسول الله r: ) اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا ( رواه ابن أبي عاصم في "السنة" وصححه الألباني في " ظلال الجنة " ( 2 / 494 ) .

الوردة الجريحة
18-06-2006, 04:40 PM
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في " العقيدة الطحاوية " : ( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أُمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ، ما لم يأمروا بمعصيةٍ ، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة ) اهـ .
ثانياً : الصبر على جور الأئمة :
الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " مجموع الفتاوى " ( 28 / 179 ) ، ولا تكاد ترى مؤلفاً في السنة يخلو من تقرير هذا الأصل ، والحض عليه .

وهذا من محاسن الشريعة ، فإن الأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم يجلب من المصالح ويدرأ من المفاسد ما يكون به صلاح العباد والبلاد .

وقد جاءت أحاديث كثيرةٌ عن النبي r تأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم ، منها :
1ـ روى البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله r: )إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها قالوا: ما تأمرنا يا رسول الله قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم .

2ـ قال رسول الله r: ) من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية ( رواه البخاري ومسلم .
قال ابن بطال كما في " فتح الباري " لابن حجر رحمه الله ( 13 / 9 ) ( في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده ، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها.. الخ ) .

3ـ قال رسول الله : سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء ومن كره فقد سلم . ولكن من رضي وتابع " قالوا : أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : " لا ما أقاموا فيكم الصلاة ( رواه مسلم .

4ـ وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال : ) اسمعوا وأطيعوا . فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم( رواه مسلم .

5 ـ وقال رسول الله r: )ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني( رواه البخاري ومسلم .

6ـ قال رسول الله صلىr: إنها ستكون بعدي أثرةٌ ، وأمورٌ تنكرونها. قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال : تودون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم ( رواه البخاري ومسلم .

7ـ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r: يكون بعدي أئمة ، لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس . قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك ،وأخذ مالك( رواه مسلم .

قال الإمام أبي العز الحنفي رحمه الله في " شرح العقيدة الطحاوية " ( ص381 ) : ( وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ، ومضاعفة الأجور ، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل ، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ، قال تعالى : ] وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [ (الشورى:30) ، وقال تعالى : ] أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [ (آل عمران: من الآية165) ، وقال تعالى : ]مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [ (النساء: من الآية79) ، وقال تعالى : ]وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ (الأنعام:129)
فإذا أرادالرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم ) اهـ .


وعن عمر بن يزيد أنه قال : ( سمعت الحسن – البصري – أيام يزيد المهلب يقول – وأتاه رهط– فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ، ويغلقوا عليهم أبوابهم ، ثم قال : والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَل سلطانهم صبروا ، ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فَيُوكلون إليه، ووالله ما جاءوا بيوم خيرٍ قط ثم تلا : ] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون[ (لأعراف: من الآية137)) ذكره الآجري في " الشريعة " ( 1 / 373 – 374 ) .


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 28 / 179 ) : ( وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجورٍ ، كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شرٌ منه ، وتزيل العدوان ، بما هو أعدى منه ، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم ، فيصبر عليه ، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرةٍ كقوله تعالى :] وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [ (لقمان: من الآية17) … الخ ) .

الوردة الجريحة
18-06-2006, 04:44 PM
وقال الإمام النووي رحمه الله في " شرح صحيح مسلم " ( 12/ 229 ) ( وأما الخروج – يعني على الأئمة ـ وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله ، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزلة أكثر منها في بقائه ) اهـ .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين " ( 3 / 6 ) ( إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ، ويمقت أهله . وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر ، وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله r في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : ) لا ما أقاموا الصلاة ( ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على منكر ، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر ، فقد كان رسول الله r يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها .. إلخ ) . إرشاد الغيور إلى منهج السلف في معاملة ولاة الأمور



ثالثاً : طريقة نصح ولاة الأمور :
لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين : إحداهما : الخوارج والمعتزلة ، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً .

والأخرى : الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة ، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة . وكلا الطائفتين بمعزلٍ عن الصواب ، وبمنأى عن صريح السنة والكتاب . ووفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث – إلى عين الهدى والحق ، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر ، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة ، وكان عليها سلف هذه الأمة .

ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكراتٍ ، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس ، لما ينجم عن ذلك – غالباً – من تأليب العامة ، وإثارة الرعاع ، وإشعال الفتن .

وهذا ليس دأب أهل السنة والجماعة ، بل سبيلهم ومنهجهم : جمع قلوب الناس على ولاتهم، والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية ، والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من استئثارٍ بالمال أو ظلمٍ للعباد، مع قيامهم بمناصحة الولاة سراً، والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعلٍ ، كالتحذير من الزنى عموماً ، ومن الربا عموماً ، ومن الظلم عموماً … ونحو ذلك .
والأدلة على أن النصيحة لولاة الأمر تكون سراً لا علانية ما يلي :

1ـ "جَلدَ عياض بن غُنْمٍ صاحبَ دارا حين فُتحت ، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض ، ثم مكث ليالي ، فأتاه هشام بن حكيم ، فاعتذر إليه ، ثم قال هشام لعياض : ألم تسمع النبي r يقول : ) إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس( ؟ فقال عياض بن غنم : يا هشام بن حكيم ، قد سمعنا ما سمعت ، و رأينا ما رأيت ، أو لم تسمع رسول الله r يقول : ) من أراد أن ينصح لسلطانٍ بأمرٍ فلا يبد له علانيةً ، و لكن ليأخذ بيده ، فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، و إلا كان قد أدى الذي عليه له( .و إنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترىء على سلطان الله ، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك و تعالى ؟ " أخرجه الإمام أحمد وابن أبي عاصم في " السنة " وغيرهما ، وصححه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة" ( 2 / 508 ) . عياض بن غنم وهشام بن حكيم صحابيان رضي الله عنهما.

وهذا الحديث أصل في إخفاء نصيحة السلطان ، وأن الناصح إذا قام بالنصح على هذا الوجه ، فقد برىء ، وخلت ذمته من التبعة .

وفي القصة التي دارت بين الصحابيين الجليلين هشام بن حكيم بن حزام وعياض بن غنم أبلغ ردٍ على من أستدل بإنكار هشام بن حكيم علانيةً على السلطان أو بإنكار غيره من الصحابة ، إذ أن عياض بن غنم أنكر عليهم ذلك ، وساق النص القاطع للنزاع الصريح في الدلالة ، وهو قوله r : ) من أراد أن ينصح لسلطانٍ بأمرٍ فلا يبد له علانيةً ، و لكن ليأخذ بيده ، فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، و إلا كان قد أدى الذي عليه له ( فما كان من هشام بن حكيم رضي الله عنه إلا التسليم والقبول لهذا الحديث الذي هو غايةٌ في الدلالة على المقصود. والحجة إنما هي في حديث رسول اللهr ، لا في قول أو فعل أحد من الناس ، مهما كان .

2ـ ومما يدل على إخفاء النصيحة للسلطان والمنع من إعلان الإنكار عليه ما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" عن سعيد بن جهمان قال : ( أتيت عبدالله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة ، فسلمت عليه . قال لي: من أنت ؟ فقلت : أنا سعيد بن جهمان . قال : فما فعل والدك ؟ قال : قلت : قتلته الأزارقة . قال : لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة ، حدثنا رسول الله r أنهم كلاب النار . قال : قلت : الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها ؟ قال : بلى الخوارج كلها . قال : قلت : فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم . قال فتناول يدي ، فغمزها بيده غمزةً شديدة ، ثم قال : ويحك يا ابن جهمان ، عليك بالسواد الأعظم ، عليك بالسواد الأعظم ، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته ، فأخبره بما تعلم ، فإن قبل منك ، وإلا فدعه ؛ فإنك لست بأعلم منه ) وقد أخرج جزء منه ابن أبي عاصم في "السنة" وحسنه الألباني رحمه الله في "ظلال الجنة " (2/424 ) .

3ـ ومما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له : " ألا تدخل على عثمان لتكلمه ؟ فقال : ( أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه ) " . هذا سياق مسلم .
قال القاضي عياض رحمه الله كما في " فتح الباري " للإمام ابن حجر رحمه الله ( 13/57 ) : (مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك ، بل يتلطف به، وينصحه سراً فذلك أجدر بالقبول ) اهـ .

وقال الإمام القرطبي في "المفهم شرح صحيح مسلم" ( 6 / 619 ) نقلاً من "فقه السياسة الشرعية في ضوء القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة" للشيخ خالد العنبري وفقه الله ( ص18 ): ( يعني أنه كان يتجنب كلامه بحضرة الناس ، ويكلمه إذا خلا به ، وهكذا يجب أن يعاتب الكبراء والرؤساء، يعظمون في الملأ ، إبقاءً لحرمتهم ، وينصحون في الخلاء أداء لما يجب من نصحهم .. وقوله : "لقد كلمته فيما بيني وبينه .." يعني أنه كلمه مشافهةً ، كلام لطيف ، لأنه أتقى ما يكون عن المجاهرة بالإنكار والقيام على الأئمة ، لعظيم ما يطرأ بسبب ذلك من الفتن والمفاسد " اهـ .

وقال العلامة الألباني رحمه الله في تعليقه على "مختصر صحيح مسلم" ( ص335 ) : ( يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ ، لأن في الإنكار جهاراً ما يُخشى عاقبته كما اتفق في الإنكار على عثمان جهاراً إذ نشأ عنه قتله ) اهـ .

وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في "السيل الجرار" ( 4/556 ) : ( ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد ، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله ، وقد قدمنا في أول كتاب "السير" هذا أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ، ولم يظهر منهم الكفر البواح .. الخ ) .

وقال الإمام عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في "حقوق الراعي والرعية" ( ص27 – 29 ) : (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة ، وذكر ذلك على المنابر ، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف ، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع. ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان ، والكتابة إليه ، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير. وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل ، فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله ، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها لا حاكم و لا غير حاكم .

الوردة الجريحة
18-06-2006, 04:47 PM
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه ألا تنكر على عثمان ؟ قال : أنكر عليه عند الناس ؟! لكن أنكر عليه بيني وبينه ، ولا أفتح باب شرٍ على الناس.

ولما فتحوا الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم ، حتى حصلت الفتنة بين عليٍ ومعاوية ، وَقُتِلَ عثمان وعلي بأسباب ذلك ، وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً ، حتى أبغض الناس ولي أمرهم وقتلوه نسأل الله العافية ) اهـ .

وقال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله في "الرياض الناضرة" ( ص49 ـ50 ) نقلاً من تحقيق الشيخ عبدالرزاق العباد لرسالة الإمام ابن تيمية "قاعدة مختصر في وجوب طاعة الله ورسوله r وولاة الأمور" ( 27- 29 ) : وأما النصيحة لأئمة المسلمين ، وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير ، إلى القاضي إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة ، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم ، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم ، وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم بالمعروف ، وعدم الخروج عليهم ، وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله ، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم ، كل أحد بحسب حاله ، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم ، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم ، فإن في ذلك شراً وضرراً وفساداً كبيراً فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك ، وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود ، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد ، وبالأخص ولاة الأمور ، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير ، وذلك علامة الصدق والإخلاص . واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم : إني نصحتهم وقلت وقلت ، فإن هذا عنوان الرياء ، وعلامة ضعف الإخلاص ، وفيه أضرار أخر معروفة ) اهـ .
وجاء في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" رسالة للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ و الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق ، والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري ، والشيخ عمر بن محمد بن سليم ، رحمهم الله جميعاً قولهم - ( وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام ، فالواجب فيها : مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق ، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ، ومجامع الناس . واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، غلط فاحش ، وجهل ظاهر ، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا ، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه ، وعرف طريقة السلف الصالح ، وأئمة الدين ) اهـ .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله في "حقوق الراعي والرعية" ( ص11 ) "ومن حقوق الرعاة على رعيتهم أن يناصحوهم ويرشدوهم , وأن لا يجعلوا من خطئهم إذا أخطأوا سلما للقدح فيهم ونشر عيوبهم بين الناس . فإن ذلك يوجب التنفير عنهم وكراهتهم وكراهة ما يقومون به من أعمال وإن كان حقا, ويوجب عدم السمع والطاعة لهم" .

وقال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في "الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة" ( ص 99 – 100 ) : ومن النصيحة لهم – أي لولاة الأمور – تنبيههم على الأخطاء والمنكرات التي تحصل في المجتمع – وقد لا يعلمون عنها ـ ، ولكن يكون هذا بطريقة سرية فيما بين الناصح وبينهم ، لا النصيحة التي يجهر بها أمام الناس ، أو على المنابر ؛ لأن هذه الطريقة تثير الشر ، وتحدث العداوة بين ولاة الأمور والرعية. ليست النصيحة أن الإنسان يتكلم في أخطاء ولاة الأمور على منبر، أو على كرسي أمام الناس ؛ هذا لا يخدم المصلحة ، وإنما يزيد الشر شراً . إنما النصيحة أن تتصل بولاة الأمور شخصياً ، أو كتابياً ، أو عن طريق بعض الذين يتصلون بهم ، وتبلغهم نصيحتك سراً فيما بينك وبينهم . وليس من النصيحة – أيضاً - : أننا نكتب نصيحة وندور بها على الناس ، أو على كل أحد ليوقعوا عليها ، ونقول : هذه نصيحة . لا ، هذه فضيحة ؛ هذه تعتبر من الأمور التي تسبب الشرور ، وتفرح الأعداء ، ويتدخل فيها أصحاب الأهواء ) انتهى كلامه حفظه الله ، وأضيف إليه أن نصح ولي الأمر علانية فيه مخالفة لأمر الرسول r القائل : من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا كان أدى الذي عليه.


وقال الشيخ محمد السبيل في "الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية" ( ص81 ) ينبغي على من أراد مناصحة ولاة الأمور وموعظتهم ، وتذكيرهم بالحق عند مخالفته ، وبيانه لهم أن يكون سراً فيما بينه وبينهم ، عملاً بالتوجيه النبوي الشريف ، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، وابن أبي عاصم في "السنة" : "من أراد أن ينصح السلطان بأمر ، فلا يبذل له علانية ، ولكن ليأخذ بيده ، فيخلو به ، فإن قبل منه ذلك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه" . وقد سار وفق هذا التوجيه النبوي سلف هذه الأمة ، من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من أئمة الإسلام المشهورين … إلخ ). وقد كتب العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله مقدمة لهذا الكتاب .

الوردة الجريحة
18-06-2006, 04:50 PM
وقال ابن النحاس رحمه الله في "تنبيه الغافلين" ( ص64 ) : ( ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام على رؤوس الأشهاد ، بل يود لو كلمه سرا ، ونصحه خفية من غير ثالث لهما ) اهـ .

فهذا منهج السلف رحمهم الله في نصح ولاة الأمور ، فهم لا يسكتون على الأخطاء وإنما ينصحون ولكن بالطريقة الشرعية وهي نصح ولي الأمر سراً ، وقد يقول قائل إنني لا أستطيع الوصول إليه لذلك فأنا أنصحه علانية ، والجواب عن هذا الكلام أن النصح علانية مخالف لأمر رسول الله r، ومخالف لمنهج السلف رضي الله عنهم ، فإذا لم تستطع للأمر المشروع فلا تفعل الأمر المحرم وخصوصاً أن هناك من العلماء ما يقوم بهذا الواجب ، وأعيد لك كلام الإمام ابن عبد البر رحمه الله حول هذا الموضوع وقد نقلته لك فيما مضى وهو ما جاء في " التمهيد " (21/287) : ( إن لم يتمكن نصح السلطان ، فالصبر والدعاء ، فإنهم كانوا – يعني الصحابة – ينهون عن سب الأمراء : أخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين البغدادي قال : حدثنا عبدالله بن محمد بن عبد الحميد قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى بن يمان قال : حدثنا سفيان عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال : كان الأكابر من أصحاب رسول الله r ينهوننا عن سب الأمراء ) اهـ .

وقد يستدل بعض الإخوة ببعض الرويات الصحيحة التي جاءت عن بعض السلف التي تثبت انهم أنكروا على بعض الولاة علانية ، فأقول كثير من تلك الروايات صحيحة ولكن لا يصح الإحتجاج بها على مشروعية الإنكار على الوالي علانية دون مراعاة كيفية طريقة انكار السلف رضي الله عنهم ‍! !
فالروايات تلك تثبت أن الإنكار وقع بحضرة الولاة الذين انكروا عليهم ، وليس دون حضورهم كما يفعل بعض الدعاة هذه الإيام ، فالدعاة المشار إليهم تجدهم يقومون بإلقاء الخطب والمحاضرات في انتقاد الحاكم وقد يكون هذا الحاكم غير موجود في البلاد فضلاً عن أن يكون في المسجد !!

وقد قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ حفظه الله ـ في " لقاء الباب المفتوح " ( اللقاء الثاني والستون ) ( ص 46 ) : ( إن إنكار المنكرات الشائعة مطلوب ولا شيء في ذلك. ولكن كلامنا على الإنكار على الحاكم مثل أن يقوم إنسان في المسجد ويقول مثلاً : الدولة ظلمت، الدولة فعلت ، فيتكلم في الحكام بهذه الصورة العلنية ، مع أن الذي يتكلم عليهم غير موجودين في المجلس ، وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائباً ، لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف كانت حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم. الفرق أنه إذا كان حاضراً أمكنه أن يدافع عن نفسه ، ويبين وجهة نظره ، وقد يكون مصيباً ونحن المخطئون ، لكن إذا كان غائباً لم يستطع أن يدافع عن نفسه وهذا من الظلم ، فالواجب أن لا يتكلم على أحد من ولاة الأمور في غيبته ، فإذا كنت حريصاً على الخير فاذهب إليه وقابله وانصحه بينك وبينه ) اهـ .

وفي ختام هذه المسألة أقول : إن الذي أدين الله به في هذه المسألة :


أن المنكرات يجب إنكارها حسب الاستطاعة .
وأما الإنكار على ولاة الأمور من المسلمين والذين يقع منهم تقصير فيجب نصحهم لمن يستطيع ذلك ويكون ذلك سراً فيما بين الناصح وولي الأمر .

وإذا وقع من الحاكم معصية بحضور أشخاص ويستطيعون الإنكار عليه فيجب عليهم ذلك ، استناداً إلى فعل السلف رضي الله عنهم ، بل واستناداً إلى بعض الأحاديث الصحيحة مثل قول الرسول : سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام فأمره ونهاه فقتله.
ولاحظ أخي وفقك الله إلى كلمة ( قام إلى ) .

وقد يقول قائل أيضاً لماذا تطالبون بالنصح لولي الأمر سراً بينما تردون على بعض الدعاة والعلماء علانية ؟

والجواب عن هذا : أن النبي r أمر من أراد أن ينصح لذي سلطان أن ينصحه سراً فقال في الحديث الذي تكرر معنا مراراً : من أراد أن ينصح لسلطانٍ بأمرٍ فلا يبد له علانيةً، و لكن ليأخذ بيده ، فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، و إلا كان قد أدى الذي عليه له .

ولم يأتي دليل يأمر بالنصح لمن أخطاء من العلماء سراً بل على العكس تماماً ، وأحيلك أخي القارئ إلى كتاب الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله " منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف " فقد تكلم حول وجوب الرد على المخالف بكلام جيد جزاه الله خيراً .

الوردة الجريحة
18-06-2006, 04:53 PM
رابعاً : مسألة تحريم سب ولاة الأمور :
1ـ قال رسول الله : لا تسبوا أٌمراءكم ، ولا تغشوهم ، ولا تبغضوهم ، واتقوا الله ، واصبروا فإن الأمر قريب ( أخرجه ابن أبي عاصم في" السنة ( 2 /474 ) وقال الألباني في "ظلال الجنة" ( إسناده جيد ، ورجاله ثقات ، وفي بعضهم كلام لا يضر ) .

2 ـ ثبت عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ( كان الأكابر من أصحاب رسول الله ينهوننا عن سب الأمراء ) رواه ابن عبدالبر في " التمهيد " ( 21/ 287 ) ورواه أبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب والترهيب " ( 3/ 68 ) بلفظ مقارب ، كما أخرجه البيهقي في "الجامع لشعب الإيمان" ( 13 / 186 ـ 202 ) .

ففي هذا الأثر اتفاق أكابر أصحاب رسول الله r على تحريم الوقيعة في الأمراء بالسب. وهذا النهي منهم رضي الله عنهم ليس تعظيماً لذوات الأمراء ، وإنما هو لعظم المسؤولية التي وكلت إليهم في الشرع ، والتي لا يقام بها على الوجه المطلوب مع وجود سبهم والوقيعة فيهم. لأن سبهم يفضي إلى عدم طاعتهم في المعروف ، وإلى إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضى التي تعود على الناس إلا بالشر المستطير ، كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج عليهم وقتالهم ، وتلك الطامة الكبرى والمصيبة العظمى .

فهل يتصور بعد الوقوف على هذا النهي الصريح عن سب الأمراء أن مسلماً وقر الإيمان في قلبه، وعظم شعائر الله : يقدم على هذا الجرم ؟ أو يسكت عن هذا المنكر ؟ لا نظن بمسلم هذا ، ولا نتصور وقوعه منه ، لأن نصوص الشرع وما كان عليه صحابة رسول الله r أعظم في قلبه من العواطف والانفعالات .

قال الإمام أبو عثمان الصابوني ـ رحمه الله ـ في "عقيدة السلف أصحاب الحديث" ( ص 106): ( ويرون الدعاء لهم – أي لولاة الأمور – بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية ، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف ، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل ) اهـ .

وقال الإمام الطحاوي ـ رحمه الله ـ في "العقيدة الطحاوية" : ( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أُمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ، ما لم يأمروا بمعصيةٍ ، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة ) اهـ .

وقال الإمام البربهاري ـ رحمه الله ـ في "شرح السنة" ( ص113 – 114 ) - ( إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوىً ، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنةٍ إن شاء الله .

يقول الفضيل بن عياضٍ : لو كانت لي دعوةٌ ما جعلتها إلا في السلطان … فأٌمِرْنَا أن ندعو لهم بالصلاح ، ولم نُؤمر أن ندعوا عليهم ، وإن ظلموا وجاروا ؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم ، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين ) انتهى باختصار .

وسئل الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ـ رحمه الله ـ كما في"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" ( 8 / 210 ) عن من يمتنع عن الدعاء لولي الأمر فقال -( هذا من جهله ، وعدم بصيرته ، لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ، ومن أفضل الطاعات ، ومن النصيحة لله ولعباده ، والنبي r لما قيل له إن دوساً عصت وهم كفار قال : ) اللهم اهد دوساً وأت بهم ( ، فهداهم الله وأتوه مسلمين . فالمؤمن يدعو للناس بالخير ، والسلطان أولى من يدعى له ، لأن صلاحه صلاح للأمة ، فالدعاء له من أهم الدعاء ، ومن أهم النصح .. الخ ) .

هذا ما أحببت تذكير نفسي وإخواني به لعل الله أن ينفعنا به جميعاً ، واعتذر عن الإطالة ، ومن كان له ملاحظة فلا يبخل بها ولكن أطلب منه أن تكون بالأدلة الشرعية والأسلوب الطيب ، حتى لا يخرج الموضوع عن مساره .


وفي الختام أسأل الله أن يوفقني وأخواني إلى أتباع الكتاب والسنة على منهج السلف ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا أتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

أحْـــــمَـدْ
19-06-2006, 02:44 AM
بِسْمِ اللـَّهِ الرَّحـْمـَنِ الرَّحِـيمِ
السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُه


. جزاكِ الله ُ خيرا ً أختي الفاضلة علي الموضوع القيم ، باركَ الله ُ في جهدكِ و نفع به الجميع .

. إنه أمر حيوي و خطير هذه الأيام لما نري من إفراط فريق و تفريط آخر ، و لكن يبقي منهج السلف الصالح أهل السنة و الجماعة ، هو منهج الوسطية و الإعتدال و الفهم الصحيح .

. الله َ نسأل ُ أن يهدينا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنه ، و أن يرينا الحق حقا ً و يرزقنا اتباعه ، و أن يرينا الباطل باطلا ً و يرزقنا اجتنابه ، اللهم آمين .


... وَ السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُهْ ...

aakapel
19-06-2006, 12:21 PM
موضوع يستحق التميز ....

لقد استفدت به حقا ..

بارك الله فيك .. الوردة الجريحة .. موضوعاتك متميزة

الوردة الجريحة
19-06-2006, 02:47 PM
بِسْمِ اللـَّهِ الرَّحـْمـَنِ الرَّحِـيمِ


السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُه





. جزاكِ الله ُ خيرا ً أختي الفاضلة علي الموضوع القيم ، باركَ الله ُ في جهدكِ و نفع به الجميع .


. إنه أمر حيوي و خطير هذه الأيام لما نري من إفراط فريق و تفريط آخر ، و لكن يبقي منهج السلف الصالح أهل السنة و الجماعة ، هو منهج الوسطية و الإعتدال و الفهم الصحيح .

. الله َ نسأل ُ أن يهدينا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنه ، و أن يرينا الحق حقا ً و يرزقنا اتباعه ، و أن يرينا الباطل باطلا ً و يرزقنا اجتنابه ، اللهم آمين .



... وَ السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُهْ ...


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

اللهم آمين
بارك الله فيك أخي الكريم
وجزاك الله خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الوردة الجريحة
19-06-2006, 02:50 PM
موضوع يستحق التميز ....


لقد استفدت به حقا ..


بارك الله فيك .. الوردة الجريحة .. موضوعاتك متميزة


جزاك الله خير أخي وبارك الله فيك
وأسأل الله أن تتحقق الإستفادة منه للجميع
حياك الله

ابو خالد
19-06-2006, 06:59 PM
ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصيةٍ ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم ان من منهج السلف رضوان الله عليهم ما جاء بهذا الموضوع
جزا الله اختنا عنه خيرا ً وبارك فيها ولها وهدانا واياها لما يحب ويرضى
ونسئله رؤية الحق وحب الحق وان ييسر لنا العمل به

ولكن شريطة الا تؤدى هذه الطاعه العمياء المطلوبه منا ببتر الآيات والاحاديث والمنقول
عن السلف رضوان الله عليهم بان نتحول الى قطعان من الخراف او نتحول ما عاذ الله
الى منافقين او خيالات مأته نسبح ونهلل للحاكم حبا ً وطاعه مهما حدث ومهما فعل
فلا والله ليس هذا من ديننا ولا من شيم سلفنا رضوان الله عليهم اجمعين
بل الاصح ان ناخذ بما جاء فى الصحيح ( أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )
وعدم نفاق الحاكم واظهار انه مـُلهم لا يخطىء فرحمة الله على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال
( أيها الناس، قد وليت عليكم ولست بخير منكم فان أحسنت فأعينوني وان صدفت فقوموني والصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أخد له حقه.والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخد الحق منه ان شاء الله. لايدع أحدكم منكم الجهاد فانه لا يدعه قوم الا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ماأطعت الله ورسوله فادا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله .)
فهل لنا أن نـعى ؟!!;)

واخر قولنا دعــاء
اللهم يا ذا الجلالة والأكرام ويا ذا العزة والسلطان أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بقيام دولة الإسلام.
اللهم اجعل عملنا خالصا لوجهك ،
واحسن عبادتنا لجلالك واجعلها اللهم صحيحة خالصة لوجهك الكريم.
وتب علينا من التقليد الأعمى وعبادة الرجال وتقبل اعمالنا وأحسن خلاصنا وأحسن ختامنا .
اللهم آمين آمين .
. وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العاملين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

الوردة الجريحة
19-06-2006, 08:01 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم ان من منهج السلف رضوان الله عليهم ما جاء بهذا الموضوع
جزا الله اختنا عنه خيرا ً وبارك فيها ولها وهدانا واياها لما يحب ويرضى
ونسئله رؤية الحق وحب الحق وان ييسر لنا العمل به

ولكن شريطة الا تؤدى هذه الطاعه العمياء المطلوبه منا ببتر الآيات والاحاديث والمنقول
عن السلف رضوان الله عليهم بان نتحول الى قطعان من الخراف او نتحول ما عاذ الله
الى منافقين او خيالات مأته نسبح ونهلل للحاكم حبا ً وطاعه مهما حدث ومهما فعل
فلا والله ليس هذا من ديننا ولا من شيم سلفنا رضوان الله عليهم اجمعين
بل الاصح ان ناخذ بما جاء فى الصحيح ( أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )
وعدم نفاق الحاكم واظهار انه مـُلهم لا يخطىء فرحمة الله على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال
( أيها الناس، قد وليت عليكم ولست بخير منكم فان أحسنت فأعينوني وان صدفت فقوموني والصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أخد له حقه.والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخد الحق منه ان شاء الله. لايدع أحدكم منكم الجهاد فانه لا يدعه قوم الا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ماأطعت الله ورسوله فادا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله .)
فهل لنا أن نـعى ؟!!;)

واخر قولنا دعــاء

اللهم يا ذا الجلالة والأكرام ويا ذا العزة والسلطان أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بقيام دولة الإسلام.



اللهم اجعل عملنا خالصا لوجهك ،



واحسن عبادتنا لجلالك واجعلها اللهم صحيحة خالصة لوجهك الكريم.



وتب علينا من التقليد الأعمى وعبادة الرجال وتقبل اعمالنا وأحسن خلاصنا وأحسن ختامنا .



اللهم آمين آمين .



. وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العاملين



والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

لم يقل العلماء وما جاء من أدلة في الموضوع
أن نكون خرافا ففهم البعض العقيم القصير النظرة
بأن الصبر على ظلم الحاكم أمر خاطىء
ولكن نرى في الأحاديث النبوية الشريفة
وكلام العلماء كإبن تيمية على عدم الخروج على الحاكم
لأن في ذلك مفسدة وفتنة أشد من ظلم الحاكم ونتائجها
ستكون في غير صالح البلد
هذا هو فهم السلف الصالح للأمور الفهم الواعي الناضج
ويكفينا أن نستن بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
والخلفاء من بعده
وهذا هو ديننا الحنيف
بحكمته وإتزانه وإستيعابه للأمور بتعقل
وليس بعنف وعاطفة ليست من سمة العاقلين

وأما الجهاد فهذا مجال واسع ولا يؤخذ الكلام على ظاهره فقط
فالجهاد له أحكامه التي يشرحها أهل العلم
وليس أهل العاطفة والتكفير

الوردة الجريحة
19-06-2006, 09:33 PM
خطأ من يقول: إن طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم فكرا انهزاميا
القسم : فتاوى (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=fatawa)> أخرى
السؤال :
سماحة الوالد: نعلم أن هذا الكلام[1] (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1934#_ftn1) أصل من أصول أهل السنة والجماعة، ولكن هناك - للأسف - من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكراً انهزامياً، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام؛ لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير.


الجواب :
هذا غلط من قائله، وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي، وإنما تحملهم الحماسة والغيرة لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كفروا المسلمين بالمعاصي كما فعلت الخوارج، أو خلدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة. فالخوارج كفروا بالمعاصي، وخلدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة، وأنهم في النار مخلدون فيها، ولكن قالوا: إنهم في الدنيا بمنزلة بين المنزلتين، وكله ضلال. والذي عليه أهل السنة - وهو الحق - أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها، فإذا زنا لا يكفر، وإذا سرق لا يكفر، وإذا شرب الخمر لا يكفر، ولكن يكون عاصياً ضعيف الإيمان فاسقاً تقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك إلا إذا استحل المعصية وقال إنها حلال، وما قاله الخوارج في هذا باطل، وتكفيرهم للناس باطل؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه، يقاتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان)) هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم، فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة، بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فيقفوا مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، وبالجدال بالتي هي أحسن حتى ينجحوا، وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير، هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[2] (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1934#_ftn2)، فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا حدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور بالكلام الطيب، والحكمة، والأسلوب الحسن، حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم الله الأمر بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم بظهر الغيب أن الله يهديهم، ويوفقهم، ويعينهم على الخير، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها، وعلى إقامة الحق. هكذا يدعو المؤمن الله ويضرع إليه أن يهدي الله ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل، وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن وبالتي هي أحسن، وهكذا مع إخوانه الغيورين ينصحهم، ويعظهم ويذكرهم حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، وبهذا يكثر الخير، ويقل الشر، ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه، وتكون العاقبة حميدة للجميع.
[1] (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1934#_ftnref1) هذا الكلام له ارتباط بكلام الشيخ المتقدم تجده في الفتوى السابقة رقم (1933) (http://www.imambinbaz.org/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1933).

[2] (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1934#_ftnref2) سورة آل عمران الآية 159.



المصدر :
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن.


المصدر (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1934)

الوردة الجريحة
19-06-2006, 09:35 PM
حكم الخروج على الحكام الذين يقترفون المعاصي والكبائر
القسم : فتاوى (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=fatawa)> أخرى
السؤال :
سماحة الشيخ: هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟


الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[1] (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1933#_ftn1)، فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف. والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة)) ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ((أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم)) قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: ((إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان))، فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً، وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة. والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير. هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
[1] (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1933#_ftnref1) سورة النساء الآية 59.



المصدر :
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن.


المصدر (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1933)

الوردة الجريحة
19-06-2006, 09:37 PM
السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف
القسم : فتاوى (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=fatawa)> أخرى
السؤال :
يرى البعض أن حال الفساد وصل في الأمة لدرجة لا يمكن تغييره إلا بالقوة، وتهييج الناس على الحكام، وإبراز معايبهم؛ لينفروا عنهم، وللأسف فإن هؤلاء لا يتورعون عن دعوة الناس لهذا المنهج والحث عليه، ماذا يقول سماحتكم؟


الجواب :
هذا مذهب لا تقره الشريعة؛ لما فيه من مخالفة للنصوص الآمرة بالسمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ولما فيه من الفساد العظيم والفوضى والإخلال بالأمن. والواجب عند ظهور المنكرات إنكارها بالأسلوب الشرعي، وبيان الأدلة الشرعية من غير عنف، ولا إنكار باليد إلا لمن تخوله الدولة ذلك؛ حرصاً على استتباب الأمن وعدم الفوضى، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره في المنشط والمكره ما لم يؤمر بمعصية الله))، وقد بايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى ألا ينزعوا يداً من طاعة، إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. والمشروع في مثل هذه الحال مناصحة ولاة الأمور، والتعاون معهم على البر والتقوى، والدعاء لهم بالتوفيق والإعانة على الخير، حتى يقل الشر ويكثر الخير. نسأل الله أن يصلح جميع ولاة أمر المسلمين، وأن يمنحهم البطانة الصالحة، وأن يكثر أعوانهم في الخير، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في عباده، إنه جواد كريم.


المصدر :
حوار أجراه الدكتور عبد الله الرفاعي رئيس تحرير جريدة المسلمون مع سماحة الشيخ حفظه الله، ونشر نص الحوار في العدد (516) بتاريخ 21/7/1415 هـ - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن.


المصدر (http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=1944)

kakarot
19-06-2006, 11:10 PM
جزاك الله خيراً على الدرس وهذا الدرس خصوصاً لكثير من الذين يخرجون على الحكام بحجج واهية
والله يتحق التمييز
والسلام عليكم

الوردة الجريحة
19-06-2006, 11:37 PM
جزاك الله خيراً على الدرس وهذا الدرس خصوصاً لكثير من الذين يخرجون على الحكام بحجج واهية
والله يتحق التمييز
والسلام عليكم


أجمعين أخي
والله يثبتنا على الحق وإياكم
جزاك الله خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته