المواطن كين
21-06-2006, 08:09 AM
( مــــــــقـــــــــدمة )
ايمانا منى بأن هذا العالم الذى حولنا ملئ بملايين الأحداث المثيرة الغامضة. فالأحداث التى تُكتب فى الصحف او تُبث عن طريق وسائل الإعلام من حوادث ليس بالطبع هو كل ما يحدث فى العالم.. انه جزء بسيط مما يحدث، ولعل هناك حوادث اكثر بشاعة واجراما مما نقراءه حدثت ولكنها لم تُكتشف بعد او لن تُكتشف.. ربما لحرص ابطالها على التستر عليها وسد جميع الثغرات
التى تجعلها تُكتشف، وفى كل مدينة.. و حى .. و شارع.. و منزل قصة وهنا يأتى دور القصصى او الروائى، انه لا يكتب قصة لمجرد القصة..لكن يحاول ان يستأثر بآفة من افات المجتمع ويجعلها تحت بقعة الضوء . مهما كانت جريئة فهو يكتب من الحياة ، وايمانا بأننا
فى النهاية بشر معرضون للخطأ.. فلسنا ملائكة ولن نكون ملائكة ابداً. فالملائكة لاتسكن
الأرض وسيظل البشر يخطئ الى يوم القيامة ،، وكانت فكرة هذه القصة تراودنى منذ فترة طويلة ولكننى لم اجرؤ ان اكتبها.. ربما لأننى لم اقرأ ابدا حادثة تشبهها من قريب او بعيد.. ولكن اليوم اعتقد انها من الممكن ان تحدث فى هذا العالم مادام هناك نفوس مُعذبة تعيش على سطح هذه الأرض ،، وصدقونى من الممكن ان تكون احداث القصة جريئة وبشعة ولكنها ليست وقحة. واخيرا اعذرونى على المقدمة الطويلة وعلى خيالى .
( كيــــــــــــــــــــــــن )
*****************************
جميع الحقوق محفوظةA.A.I
" لست ملاك "
--------------{1}------------
اعترف اننى مخطئة.. مجرمة.. خائنة، قولو كما شئتم عنى. فلا اريد ان التمس منكم شفقة ولا مغفرة فأنا اعرف اننى امرأة ملعونة.. ملعونة فى الأرض والسماء، ولكن ألا تتفقوا معى ان القدر هو الذى يلعب بنا وما نحن إلا عرائس فى يده يحركها كما يشاء.. لا اخفى عليكم الأن ان ضميرى اصبح آلة تعذيب تعذبنى طول الوقت..طول الوقت، اننى لو استطيع ان اقتل هذا الضمير الذى يعذبنى..الذى يمتص عقلى كل يوم لقتلته وعشت مرتاحة بلا ضمير.. ولكن ألا تروا ان هذا الضمير الذى يعذبنى وجوده فى حد ذاته معى ينغص حياتى ويؤلمنى هو اكبر دليل على اننى لست مجرمة بمعنى الكلمة.. ربما اخطأت..ضعفت ولكننى لست مجرمة الى هذا الحد الذى تتصورنه فى، ثم من منا لم يخطئ فى حياته، فلسنا بملائكة.. ولو كنا ملائكة لِما خلق الله النار..؟ لِما خلق العقاب.. ؟ لقد اطلت عليكم ولكن كان يجب من هذا الاستهلال…. سأقص عليكم قصتى كاملة دون حذف او اضافة منى لشئ يجعلكم تتعاطفون معى..سأجعل ضميركم هو العدالة.. هو القاضى الذى يحكم على.. وانا واثقة من حكمك العادل .. انا اسمى حنان.. حنان عبد الفضيل، بنت من آلاف البنات اللاتى يعشن حياة عادية..بل اقل من العادية، ولعلكم ترون هذا النوع من البنات فى كل بلاد العالم.. البنت التى لا تجد دائما ما تتمناه البنت التى لا تعيش الدنيا ولكنها وجِدت فيها فقط ،، اسرتى مكونة من خمسة افراد.. والدى وهو موظف بسيط فى احدى الشركات الحكومية..شركة الإنشاءات الهندسية ، وحتى اكون صادقة معكم هو فراش.. يقدم القهوة والشاى للموظفين وينظف مكاتبهم فى الصباح قبل ان يجيئوا.. انه خادم.. خادم قطاع عام، ووالدتى لاتعمل تجلس فى البيت لترعى زوجها وبناتها الثلاث وهى امرأة امية. بسيطة ترى ان كل مهمتها فىالحياة ان تُربى بناتها وتنتظر زوجها يأتى من العمل لتُحضر له الغذاء.. وانا واختاى نوال وسارة ..اننا ثلاث بنات او كما يردد ابى ثلاث مشاكل..وانا الأخت الكبيرة العاقلة.. كما تقول امى دائما والتى لابد ان تُقدم التضحية دائما لأخوتها..وهذا لأنها الكبيرة العاقلة ، وهكذا كانوا يعاملوننى دائما على هذا الأساس.. اساس الأخت الكبيرة العاقلة.. وكان على ان اتنازل عن اشياء كثيرة حتى احتفظ بهذا اللقب.. لقب الأخت الكبيرة العاقلة.. كنت اتنازل عن نقودى دائما لنوال وسارة.. واتنازل عن ثمن فستان جديد لى حتى يرتدون هن الجديد.. واتنازل عن ثمن حقيبة جديدة للعام الدراسى ككل البنات واذهب بحقيبتى القديمة بعد ما اُرتق القطع التى بها ليشتروا شقيقاتى حقائب جديدة ..فأنا الكبيرة العاقلة. وكأن الكبيرة ليس لها حق فى اى شئ.. وعشت حياتى مع هذه العائلة فى سلسلة من التنازلات وهذا طبعالأنى الأخت الكبيرة العاقلة .
حتى جاء يوما ..
تنازلت فيه عن اهم احلامى فى ان التحق بالجامعة حتى اقلل النفقات على ابى ليستطيع ان يُنفق على الأختين فى تعليمهما. وتنازلت.. تنازلت عن كل شئ لهما. لنوال وسارة ..لم احس انى لى شئ ابداً فى هذا البيت، كان كل شئ للأختين. حتى بدأت اكرههن.. نعم اكره هاتين الأختين ، ولِما احبهم.. فسبب مجيئهم الحياة تنازلت انا عنها ، واكتفيت بالثانوية وجلست فى البيت. ولم تكتفى العائلة بذلك بل دفعونى لأعمل حتى لا اكون عالة عليهم.. الى هذا الحد من القسوة.. الى هذا الحد من التنازل من الحرمان..يحرمونى التعليم ويطردونى خارج البيت لأعمل ..لأجلب لهم المال حتى اساعدهم فى نفقات الأختين حتى يتعلموا.. وكأننى لست ابنة لهذه العائلة.. لست منهم، ولا انكر عليكم.. فكثير ما كان يجول فى رأسى هذا الخاطر الغريب..لماذا تُعاملنى هذه العائلة بكل هذا الجحود..؟ لماذا لا تُعطينى حقوقى مثل شقيقاتى..؟ لماذا انا دائما التى اتنازل..؟ لماذا. . لماذا..؟ . ربما لأننى لست ابنتهم.. هل من المعقول بعد هذا العمر ان اكتشف ان ابى ليس بأبى وامى ليست بأمى، ويشتد بى هذا السؤال كل ليلة حتى ابكى على فراشى.. ابكى وحيدة . ثم اقرر ان اواجههم بهذا السؤال المجنون.. لعلنى اجد عندهم الإجابة التى انتظرها. اننى لست بإبنتهم ،، ولا تصدقوا.. فكل هذا مجرد خاطر مجنون لا اساس له من الصحة. ربما لأنى
معروفة بحساسيتى الزائدة واقبالى المفرط للحزن.. فأبى هو ابى وامى هى امى . وهذه العائلة هى قدرى ........ واستطاع ابىان بجد وظيفة لى بشهادة الثانوية معه فى نفس الشركة التى يعمل بها..انها وظيفة بسيطة.. بسيطة جدا، ومرت ثلاث سنوات وانا اعمل مع ابى فى هذه الشركة.. اعمل ولا اجد
معنى للحياة. فقد تنازلت عنها لهما.. للأختين ، واُلقى بأموالى القليلة التى احصل عليها من هذا العمل لأمى . كنوع من الإدخار.. ولكنى اعرف جيداً ان لا شئ مما اكسبه من عملى استطيع ادخـاره .. فنوال تريد حذاء جديد وسارة تريد درس خصوصى والبيت ايضا يريد اموال فتأتى امى تعتذر وهى تقول.. سامحينى يا حنان سنضطر ان نأخذ منك هذا الشهر ايضا .. وشهر يُسلم شهر ولا استطيع ان ادخر شيئا لى..دائما اتنازل.. اتنازل عن كل شى لأنى الكبيرة العاقلة.
الى ان كان يوما.........
عندما استدعى فيه مدير الشركة المهندس خالد بلال ابى الى مكتبه وطلب منه ان يتزوجنى .. طلبنى كأنه يطلب فنجان قهوة من ابى وهومتأكد انه لا يستطيع ان يقول لا.. لقد رأنى المهندس خالد اكثر من مرة امامه صدفة..مجرد صدفة. فلم يكن من طبيعة عملى ان التقى به.. إن عملى بالشركة بسيط جدا لا يرقى لأن يصل لمديرها واراه وجها لوجه إلا اذا كانت صدفة ..وكانت هذه الصدفة المتكررة التى جمعتنى به.. لقد اُعجب بجمالى وشبابى وربما فقرى .. وهو ارمل منذ اكثر من عشر سنوات ويكبرنى بأكثر من خمس وثلاثين سنة .. لم يفكر فى الزواج بعد زوجته واكتفى بأن يعيش مع ابنائه منها ومع زكريات يحملها فى قلبه..انه من هؤلاء النوع من الازواج ..الأزواج المخلصين.. ولكنه تعب من اخلاصه خصوصا ان اولاده كبروا ولم يعد منهم من يحتاج الرعاية.. إن له ابنه متزوجة حديثا اسمها منيره تسكن مع زوجها الاستاذ الجامعى فى مدينة اخرى ، وابن مازال طالب فى كلية الهندسة..ماجد ويعيش معه.. وكثيرا ما كان يلح عليه الاصدقاء والأقارب ان يتزوج حتى لا يقع فريسة الملل خصوصا ان ابنائه تخطوا مرحلة الطفولة واصبح كل منهم قادران يعتمد على نفسه فأبنته تزوجت وسنوات قليلة وابنه ماجد
سيتزوج ويتركونه وحيداً.. وهو يمر بفترات متقطعة من المرض ويحتاج لإمراة بجانبه فى
هذه الايام من حياته.. يحتاج لخادمة اكثر منها كزوجة وكان من الممكن ان يأتى بخادمة.. ولكن ان يتزوج فتاة مثلى .. ابنة فراش الشركة التى هو مديرها هو امر اسهل وارخص من ان يجلب خادمة على الرغم من انه قادر ان يأتى بخادمة بل ثلاث.. انـه غنى ، والخادمات اصبحوا مشاكل فى هذه الايام.. فزوجه فقيرة حل اسهل ولن تمد له يدها كل شهر تطالب بأجر نظير خدمتها والأكثر من ذلك سيجمعهما فراش واحد كل ليلة ليستمتع بها.. انها ثفقة مربحة، زوجة وخادمة معا .. ولم يجروء ابى على رفض الثفقة..لقد كان فرِحا بها.. فرحا بأن مدير الشركة التى يعمل بها فراشا سيتنازل ويصاهره.. وطبعا ستعم الفائدة على العائلة كلها.. ربما سيدفع مهرا يليق بمدير عام. يعينه على تربية الاختين ويجعله يرقى بمعيشته وربما وجد بعلاقته عملا يليق بإخوة زوجته نوال وساره بعد ما يتخرجن من الجامعة .. وربما اعطاه شقة جديدة من الشقق التى تمنحها الشركة للعاملين ..لابد انه سيفعل كل هذا.. طبعا لن يرضى بأن تعيش عائلة زوجته فى شقة متواضعة حقيرة.. سيكون رخاء وهناءالعائلة بهذا الزواج.. وجلس ابى يومها يُقنعنى بهذا الرخاء الذى سينهال على العائلة وهذا الهناء الذى سيهبط عليها بكلمة واحدة منى . وامى صامتة لا تتكلم.. لاموافقة ولارافضة.. انها لاتستطيع ان تقول كلمة ضد رغبة والدى حتى لو كانت نفسها تتحدث بها. هكذا تعلمت وعاشت عمرها مع ابى.. ان الرجل له الكلمة العليا.. وان الرجال قوامون على النساء ، وابى مازال يُقنعنى.. وامى صامتة.. دائما صامتة. وانا ارفض الفكرة..كيف اتزوج رجل يكبرنى بأكثر من خمس وثلاثين سنه.. لمن كل هذا.. لأرضى العائلة..لأتنازل لها عن بقية الحياة.. لقد تنازلت لهما عن الماضى .. هل اتنازل عن المستقبل ايضا، وحاولت.. حاولت كثيرا ان اقنع ابى بأن مثل هذا الزواج لن ينجح ابدا ..ان الأموال التى ستأتينا لو قبلت هذا الزواج ليست كل شئ ولن تكون تعويضا كافيا لهذا الظلم .. ثم نحن نعيش حياة عادية.. لسنا شحاذون حتى ننتظر اموال تعيننا لنبقى على قيد الحياة.. وباءت محاولاتى سدى فى اقناع ابى.. لقد جاء القرار بالموافقة. وكأن ابى اصدر فرمانا بالإعدام.. بأعدام واحدة منهم حتى تحيا بقية العائلة. وتزوجت خالد بلال.. مرغمة.. مستسلمة..وتنازلت عن بقية احلامى.. دائما التنازل صديقى اللدود. وانتقلت الى منزله.. لا انكر انه كان منزل اكثر فخامة بكثير من منزلنا المتواضع منزل يليق فعلا بمدير شركة..ولا انكر ان الرجل كان يعاملنى معاملة طيبة.. لكن ليس بالمال نشترى الحياة.. انه يساعدنا عليها فقط لكنه لايستطيع شرائها.. فهناك كثير من الأثرياء تعساء مع اموالهم.. لم يستطعوا شراء لحظة سعادة واحدة بكل ثرائهم ، لقد كان خالد متعبا دائما منهك القوى بحكم سنه ..لم يكن فى استطاعته ان يروى جسد فتاة فى العشرين ..وعشت معه ايامى كممرضه اكثر منها كامرأة متزوجة.. امرأة تحتاج لحنان رجل يعوضها عن عمر من التنازلات.
ولم يكن خالد بلال فى استطاعته التعويض .. انه يشترى المحوهرات ويغدق على بالهدايا..
ويمنح ابى مساعدات مالية دون ان يطلب منه ابى لتعينه على نفقات اختاى . ويضع اسمه دائما على رأس قائمة المكافأت المالية فى الشركة. واستطاع ان يجد عمل بمرتب مجزى لشقيقتى نوال فى احد البنوك بعد ما تخرجت من كلية الحاسبات والمعلومات.. لا انكر انه فعل الكثير من اجل ازدهار عائلتى. وإلا اكون امرأة ناكرة للجميل.. ولكن ما كان ينغص على ايامى.. واشعر بتهاون فى حقه.. هو شبابى .. شباب امرأة فى العشرين وهو يضيع بين يدى عجوزفى الستين ..لقد مر على زواجنا ثلاث سنوات..تحملتها فى تنازل. كنت احاول فيها ان اقنع نفسى يوميا بأن هذا قدرى..وربما لو تزوجت شابا فى سنى لما كان فى استطاعته ان يجئ بما جاءه لى خالد..واحاول اقناع نفسى كثيراً بأن الإنسان لا يستطيع ان يأخذ كل شئ فى الحياة.. الحب والمال..انهما لا يجتمعان معا.. واتعب كثيرا فى محاولتى بالاقناع حتى استسلم للفكرة التى تؤرقنى .. اننى تنازلت..تنازلت اكثر من اللازم..تنازلت مع عائلتى وانا صغيرة لأننى الأخت الكبيرة العاقلة.
وتنازلت عن حلم ان اكون فتاة فى الجامعة من اجل عائلتى ايضا اوعلى الأدق من اجل نوال وسارة لأننى دائما الأخت الكبيرة العاقلة.. دائما العاقلة.. وتنازلت مع هذا الزوج عن شبابى . عن اجمل سنوات العمر.. هل كل هذا الذى يحدث معى لأننى دائما الأخت الكبيرة العاقلة..؟.. لا اريد هذا العقل الذى جعلنى فى تنازل مستمر.. اريد ان اصبح مجنونة.. مجنونة.. مجنونة، اريد ان انطلق للحياة .. اعيش الحياة ، لكن مع من انطلق..؟ مع من اعيش..؟ . اننى حبيسة داخل هذ المنزل الفخم .. الى ان تفتق ذهنى وقتها بأن اخرج للحياة . فمنذ تزوجت خالد وقد رفض ان
ايمانا منى بأن هذا العالم الذى حولنا ملئ بملايين الأحداث المثيرة الغامضة. فالأحداث التى تُكتب فى الصحف او تُبث عن طريق وسائل الإعلام من حوادث ليس بالطبع هو كل ما يحدث فى العالم.. انه جزء بسيط مما يحدث، ولعل هناك حوادث اكثر بشاعة واجراما مما نقراءه حدثت ولكنها لم تُكتشف بعد او لن تُكتشف.. ربما لحرص ابطالها على التستر عليها وسد جميع الثغرات
التى تجعلها تُكتشف، وفى كل مدينة.. و حى .. و شارع.. و منزل قصة وهنا يأتى دور القصصى او الروائى، انه لا يكتب قصة لمجرد القصة..لكن يحاول ان يستأثر بآفة من افات المجتمع ويجعلها تحت بقعة الضوء . مهما كانت جريئة فهو يكتب من الحياة ، وايمانا بأننا
فى النهاية بشر معرضون للخطأ.. فلسنا ملائكة ولن نكون ملائكة ابداً. فالملائكة لاتسكن
الأرض وسيظل البشر يخطئ الى يوم القيامة ،، وكانت فكرة هذه القصة تراودنى منذ فترة طويلة ولكننى لم اجرؤ ان اكتبها.. ربما لأننى لم اقرأ ابدا حادثة تشبهها من قريب او بعيد.. ولكن اليوم اعتقد انها من الممكن ان تحدث فى هذا العالم مادام هناك نفوس مُعذبة تعيش على سطح هذه الأرض ،، وصدقونى من الممكن ان تكون احداث القصة جريئة وبشعة ولكنها ليست وقحة. واخيرا اعذرونى على المقدمة الطويلة وعلى خيالى .
( كيــــــــــــــــــــــــن )
*****************************
جميع الحقوق محفوظةA.A.I
" لست ملاك "
--------------{1}------------
اعترف اننى مخطئة.. مجرمة.. خائنة، قولو كما شئتم عنى. فلا اريد ان التمس منكم شفقة ولا مغفرة فأنا اعرف اننى امرأة ملعونة.. ملعونة فى الأرض والسماء، ولكن ألا تتفقوا معى ان القدر هو الذى يلعب بنا وما نحن إلا عرائس فى يده يحركها كما يشاء.. لا اخفى عليكم الأن ان ضميرى اصبح آلة تعذيب تعذبنى طول الوقت..طول الوقت، اننى لو استطيع ان اقتل هذا الضمير الذى يعذبنى..الذى يمتص عقلى كل يوم لقتلته وعشت مرتاحة بلا ضمير.. ولكن ألا تروا ان هذا الضمير الذى يعذبنى وجوده فى حد ذاته معى ينغص حياتى ويؤلمنى هو اكبر دليل على اننى لست مجرمة بمعنى الكلمة.. ربما اخطأت..ضعفت ولكننى لست مجرمة الى هذا الحد الذى تتصورنه فى، ثم من منا لم يخطئ فى حياته، فلسنا بملائكة.. ولو كنا ملائكة لِما خلق الله النار..؟ لِما خلق العقاب.. ؟ لقد اطلت عليكم ولكن كان يجب من هذا الاستهلال…. سأقص عليكم قصتى كاملة دون حذف او اضافة منى لشئ يجعلكم تتعاطفون معى..سأجعل ضميركم هو العدالة.. هو القاضى الذى يحكم على.. وانا واثقة من حكمك العادل .. انا اسمى حنان.. حنان عبد الفضيل، بنت من آلاف البنات اللاتى يعشن حياة عادية..بل اقل من العادية، ولعلكم ترون هذا النوع من البنات فى كل بلاد العالم.. البنت التى لا تجد دائما ما تتمناه البنت التى لا تعيش الدنيا ولكنها وجِدت فيها فقط ،، اسرتى مكونة من خمسة افراد.. والدى وهو موظف بسيط فى احدى الشركات الحكومية..شركة الإنشاءات الهندسية ، وحتى اكون صادقة معكم هو فراش.. يقدم القهوة والشاى للموظفين وينظف مكاتبهم فى الصباح قبل ان يجيئوا.. انه خادم.. خادم قطاع عام، ووالدتى لاتعمل تجلس فى البيت لترعى زوجها وبناتها الثلاث وهى امرأة امية. بسيطة ترى ان كل مهمتها فىالحياة ان تُربى بناتها وتنتظر زوجها يأتى من العمل لتُحضر له الغذاء.. وانا واختاى نوال وسارة ..اننا ثلاث بنات او كما يردد ابى ثلاث مشاكل..وانا الأخت الكبيرة العاقلة.. كما تقول امى دائما والتى لابد ان تُقدم التضحية دائما لأخوتها..وهذا لأنها الكبيرة العاقلة ، وهكذا كانوا يعاملوننى دائما على هذا الأساس.. اساس الأخت الكبيرة العاقلة.. وكان على ان اتنازل عن اشياء كثيرة حتى احتفظ بهذا اللقب.. لقب الأخت الكبيرة العاقلة.. كنت اتنازل عن نقودى دائما لنوال وسارة.. واتنازل عن ثمن فستان جديد لى حتى يرتدون هن الجديد.. واتنازل عن ثمن حقيبة جديدة للعام الدراسى ككل البنات واذهب بحقيبتى القديمة بعد ما اُرتق القطع التى بها ليشتروا شقيقاتى حقائب جديدة ..فأنا الكبيرة العاقلة. وكأن الكبيرة ليس لها حق فى اى شئ.. وعشت حياتى مع هذه العائلة فى سلسلة من التنازلات وهذا طبعالأنى الأخت الكبيرة العاقلة .
حتى جاء يوما ..
تنازلت فيه عن اهم احلامى فى ان التحق بالجامعة حتى اقلل النفقات على ابى ليستطيع ان يُنفق على الأختين فى تعليمهما. وتنازلت.. تنازلت عن كل شئ لهما. لنوال وسارة ..لم احس انى لى شئ ابداً فى هذا البيت، كان كل شئ للأختين. حتى بدأت اكرههن.. نعم اكره هاتين الأختين ، ولِما احبهم.. فسبب مجيئهم الحياة تنازلت انا عنها ، واكتفيت بالثانوية وجلست فى البيت. ولم تكتفى العائلة بذلك بل دفعونى لأعمل حتى لا اكون عالة عليهم.. الى هذا الحد من القسوة.. الى هذا الحد من التنازل من الحرمان..يحرمونى التعليم ويطردونى خارج البيت لأعمل ..لأجلب لهم المال حتى اساعدهم فى نفقات الأختين حتى يتعلموا.. وكأننى لست ابنة لهذه العائلة.. لست منهم، ولا انكر عليكم.. فكثير ما كان يجول فى رأسى هذا الخاطر الغريب..لماذا تُعاملنى هذه العائلة بكل هذا الجحود..؟ لماذا لا تُعطينى حقوقى مثل شقيقاتى..؟ لماذا انا دائما التى اتنازل..؟ لماذا. . لماذا..؟ . ربما لأننى لست ابنتهم.. هل من المعقول بعد هذا العمر ان اكتشف ان ابى ليس بأبى وامى ليست بأمى، ويشتد بى هذا السؤال كل ليلة حتى ابكى على فراشى.. ابكى وحيدة . ثم اقرر ان اواجههم بهذا السؤال المجنون.. لعلنى اجد عندهم الإجابة التى انتظرها. اننى لست بإبنتهم ،، ولا تصدقوا.. فكل هذا مجرد خاطر مجنون لا اساس له من الصحة. ربما لأنى
معروفة بحساسيتى الزائدة واقبالى المفرط للحزن.. فأبى هو ابى وامى هى امى . وهذه العائلة هى قدرى ........ واستطاع ابىان بجد وظيفة لى بشهادة الثانوية معه فى نفس الشركة التى يعمل بها..انها وظيفة بسيطة.. بسيطة جدا، ومرت ثلاث سنوات وانا اعمل مع ابى فى هذه الشركة.. اعمل ولا اجد
معنى للحياة. فقد تنازلت عنها لهما.. للأختين ، واُلقى بأموالى القليلة التى احصل عليها من هذا العمل لأمى . كنوع من الإدخار.. ولكنى اعرف جيداً ان لا شئ مما اكسبه من عملى استطيع ادخـاره .. فنوال تريد حذاء جديد وسارة تريد درس خصوصى والبيت ايضا يريد اموال فتأتى امى تعتذر وهى تقول.. سامحينى يا حنان سنضطر ان نأخذ منك هذا الشهر ايضا .. وشهر يُسلم شهر ولا استطيع ان ادخر شيئا لى..دائما اتنازل.. اتنازل عن كل شى لأنى الكبيرة العاقلة.
الى ان كان يوما.........
عندما استدعى فيه مدير الشركة المهندس خالد بلال ابى الى مكتبه وطلب منه ان يتزوجنى .. طلبنى كأنه يطلب فنجان قهوة من ابى وهومتأكد انه لا يستطيع ان يقول لا.. لقد رأنى المهندس خالد اكثر من مرة امامه صدفة..مجرد صدفة. فلم يكن من طبيعة عملى ان التقى به.. إن عملى بالشركة بسيط جدا لا يرقى لأن يصل لمديرها واراه وجها لوجه إلا اذا كانت صدفة ..وكانت هذه الصدفة المتكررة التى جمعتنى به.. لقد اُعجب بجمالى وشبابى وربما فقرى .. وهو ارمل منذ اكثر من عشر سنوات ويكبرنى بأكثر من خمس وثلاثين سنة .. لم يفكر فى الزواج بعد زوجته واكتفى بأن يعيش مع ابنائه منها ومع زكريات يحملها فى قلبه..انه من هؤلاء النوع من الازواج ..الأزواج المخلصين.. ولكنه تعب من اخلاصه خصوصا ان اولاده كبروا ولم يعد منهم من يحتاج الرعاية.. إن له ابنه متزوجة حديثا اسمها منيره تسكن مع زوجها الاستاذ الجامعى فى مدينة اخرى ، وابن مازال طالب فى كلية الهندسة..ماجد ويعيش معه.. وكثيرا ما كان يلح عليه الاصدقاء والأقارب ان يتزوج حتى لا يقع فريسة الملل خصوصا ان ابنائه تخطوا مرحلة الطفولة واصبح كل منهم قادران يعتمد على نفسه فأبنته تزوجت وسنوات قليلة وابنه ماجد
سيتزوج ويتركونه وحيداً.. وهو يمر بفترات متقطعة من المرض ويحتاج لإمراة بجانبه فى
هذه الايام من حياته.. يحتاج لخادمة اكثر منها كزوجة وكان من الممكن ان يأتى بخادمة.. ولكن ان يتزوج فتاة مثلى .. ابنة فراش الشركة التى هو مديرها هو امر اسهل وارخص من ان يجلب خادمة على الرغم من انه قادر ان يأتى بخادمة بل ثلاث.. انـه غنى ، والخادمات اصبحوا مشاكل فى هذه الايام.. فزوجه فقيرة حل اسهل ولن تمد له يدها كل شهر تطالب بأجر نظير خدمتها والأكثر من ذلك سيجمعهما فراش واحد كل ليلة ليستمتع بها.. انها ثفقة مربحة، زوجة وخادمة معا .. ولم يجروء ابى على رفض الثفقة..لقد كان فرِحا بها.. فرحا بأن مدير الشركة التى يعمل بها فراشا سيتنازل ويصاهره.. وطبعا ستعم الفائدة على العائلة كلها.. ربما سيدفع مهرا يليق بمدير عام. يعينه على تربية الاختين ويجعله يرقى بمعيشته وربما وجد بعلاقته عملا يليق بإخوة زوجته نوال وساره بعد ما يتخرجن من الجامعة .. وربما اعطاه شقة جديدة من الشقق التى تمنحها الشركة للعاملين ..لابد انه سيفعل كل هذا.. طبعا لن يرضى بأن تعيش عائلة زوجته فى شقة متواضعة حقيرة.. سيكون رخاء وهناءالعائلة بهذا الزواج.. وجلس ابى يومها يُقنعنى بهذا الرخاء الذى سينهال على العائلة وهذا الهناء الذى سيهبط عليها بكلمة واحدة منى . وامى صامتة لا تتكلم.. لاموافقة ولارافضة.. انها لاتستطيع ان تقول كلمة ضد رغبة والدى حتى لو كانت نفسها تتحدث بها. هكذا تعلمت وعاشت عمرها مع ابى.. ان الرجل له الكلمة العليا.. وان الرجال قوامون على النساء ، وابى مازال يُقنعنى.. وامى صامتة.. دائما صامتة. وانا ارفض الفكرة..كيف اتزوج رجل يكبرنى بأكثر من خمس وثلاثين سنه.. لمن كل هذا.. لأرضى العائلة..لأتنازل لها عن بقية الحياة.. لقد تنازلت لهما عن الماضى .. هل اتنازل عن المستقبل ايضا، وحاولت.. حاولت كثيرا ان اقنع ابى بأن مثل هذا الزواج لن ينجح ابدا ..ان الأموال التى ستأتينا لو قبلت هذا الزواج ليست كل شئ ولن تكون تعويضا كافيا لهذا الظلم .. ثم نحن نعيش حياة عادية.. لسنا شحاذون حتى ننتظر اموال تعيننا لنبقى على قيد الحياة.. وباءت محاولاتى سدى فى اقناع ابى.. لقد جاء القرار بالموافقة. وكأن ابى اصدر فرمانا بالإعدام.. بأعدام واحدة منهم حتى تحيا بقية العائلة. وتزوجت خالد بلال.. مرغمة.. مستسلمة..وتنازلت عن بقية احلامى.. دائما التنازل صديقى اللدود. وانتقلت الى منزله.. لا انكر انه كان منزل اكثر فخامة بكثير من منزلنا المتواضع منزل يليق فعلا بمدير شركة..ولا انكر ان الرجل كان يعاملنى معاملة طيبة.. لكن ليس بالمال نشترى الحياة.. انه يساعدنا عليها فقط لكنه لايستطيع شرائها.. فهناك كثير من الأثرياء تعساء مع اموالهم.. لم يستطعوا شراء لحظة سعادة واحدة بكل ثرائهم ، لقد كان خالد متعبا دائما منهك القوى بحكم سنه ..لم يكن فى استطاعته ان يروى جسد فتاة فى العشرين ..وعشت معه ايامى كممرضه اكثر منها كامرأة متزوجة.. امرأة تحتاج لحنان رجل يعوضها عن عمر من التنازلات.
ولم يكن خالد بلال فى استطاعته التعويض .. انه يشترى المحوهرات ويغدق على بالهدايا..
ويمنح ابى مساعدات مالية دون ان يطلب منه ابى لتعينه على نفقات اختاى . ويضع اسمه دائما على رأس قائمة المكافأت المالية فى الشركة. واستطاع ان يجد عمل بمرتب مجزى لشقيقتى نوال فى احد البنوك بعد ما تخرجت من كلية الحاسبات والمعلومات.. لا انكر انه فعل الكثير من اجل ازدهار عائلتى. وإلا اكون امرأة ناكرة للجميل.. ولكن ما كان ينغص على ايامى.. واشعر بتهاون فى حقه.. هو شبابى .. شباب امرأة فى العشرين وهو يضيع بين يدى عجوزفى الستين ..لقد مر على زواجنا ثلاث سنوات..تحملتها فى تنازل. كنت احاول فيها ان اقنع نفسى يوميا بأن هذا قدرى..وربما لو تزوجت شابا فى سنى لما كان فى استطاعته ان يجئ بما جاءه لى خالد..واحاول اقناع نفسى كثيراً بأن الإنسان لا يستطيع ان يأخذ كل شئ فى الحياة.. الحب والمال..انهما لا يجتمعان معا.. واتعب كثيرا فى محاولتى بالاقناع حتى استسلم للفكرة التى تؤرقنى .. اننى تنازلت..تنازلت اكثر من اللازم..تنازلت مع عائلتى وانا صغيرة لأننى الأخت الكبيرة العاقلة.
وتنازلت عن حلم ان اكون فتاة فى الجامعة من اجل عائلتى ايضا اوعلى الأدق من اجل نوال وسارة لأننى دائما الأخت الكبيرة العاقلة.. دائما العاقلة.. وتنازلت مع هذا الزوج عن شبابى . عن اجمل سنوات العمر.. هل كل هذا الذى يحدث معى لأننى دائما الأخت الكبيرة العاقلة..؟.. لا اريد هذا العقل الذى جعلنى فى تنازل مستمر.. اريد ان اصبح مجنونة.. مجنونة.. مجنونة، اريد ان انطلق للحياة .. اعيش الحياة ، لكن مع من انطلق..؟ مع من اعيش..؟ . اننى حبيسة داخل هذ المنزل الفخم .. الى ان تفتق ذهنى وقتها بأن اخرج للحياة . فمنذ تزوجت خالد وقد رفض ان