المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة أعجبتني



InuyashsBrother
24-07-2006, 02:46 PM
لا جديد في التحليل.. لكن تلخيص جيد للواقع وما علينا فعله...

من جريدة الأهرام (July 24).. مع أني نادرا ما أقرأ الأهرام :09:
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=OPIN1.HTM&DID=8922

المسلمون المعاصرون في مفترق الطرق
بقلم‏:‏ د‏.‏ محمود حمدي زقزوق




http://www.ahram.org.eg/archive/2006/7/24/szgzog3.jpg
إن أي مراقب محايد يقوم باجراء بحث موضوعي لأحوال عالمنا الاسلامي ستعتريه الدهشة وتنتابه الحيرة لما آلت إليه أوضاع هذه الأمة ذات الحضارة العريقة‏,‏ الأمر الذي دعا احد المفكرين المسلمين المعاصرين الي وصف الأمة الاسلامية في عالم اليوم بأنها‏:‏ أمة حائرة في عالم محير‏.‏





إن مشكلات أمتنا الاسلامية كثيرة ومتنوعة‏,‏ وفي مقدمة هذه المشكلات أو علي رأسها تأتي المشكلة الحضارية‏,‏ ولا نعدو قول الحق إذا قلنا إن حل هذه المشكلة يعد المفتاح الحقيقي لحل بقية المشكلات‏.‏ والقرآن الكريم يعطينا في هذا الصدد إشارات هادية تضئ لنا الطريق‏.‏ فلم يكن من قبيل المصادفة أن تكون بداية الوحي القرآني علي محمد صلي الله عليه وسلم معنية بالدرجة الأولي بلفت الأنظار والعقول إلي مفاتيح الحضارة المتمثلة في العلم والبحث والدراسة لآيات الله في الكون وفي الإنسان‏.‏ وتأكيدا لذلك وصف القرآن الكريم العلماء بأنهم أخشي الناس لله لأنهم الذين يستطيعون أن يدركوا أسرار الخلق وقوانين الكون وجلال الخالق‏.‏ ومن هنا جعل الإسلام مداد العلماء مساويا لدماء الشهداء‏.‏


وإذا بحثنا عن أسباب التراجع الحضاري الذي يخيم علي عالمنا الإسلامي فإننا سنجد أنفسنا أمام كم هائل من الأسباب الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية وغيرها‏.‏


ومن ابرز هذه الاسباب في نظرنا ما يلي‏:‏
‏1‏ ـ اهمال العلم والحضارة‏.‏ حيث لم يعد العلم ولا التقدم الحضاري يشكل اولوية في قاموس الامة الاسلامية‏.‏ وابرز مثال علي ذلك يتجلي في ارتفاع نسبة الأمية في العالم الاسلامي‏,‏ حيث تزيد علي‏46%,‏ أي ما يقرب من نصف عدد المسلمين في العالم وذلك طبقا للبيانات الصادرة من الايسيسكو‏,‏ في حين أن النبي صلي الله عليه وسلم كان منذ اكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان يفرج عن الأسير في غزوة بدر إذا علم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة‏.‏


‏2‏ ـ اختزال الاسلام في الشعائر‏:‏ واهتمامنا بالشكل الحضاري بعيدا عن الجوهر جعلنا ايضا نختزل ديننا العظيم في مجرد الشعائر الدينية المعروفة والاهتمام المفرط بالشكليات بعيدا عن جوهر الدين ومقاصده‏.‏ وأصبح التدين الشكلي هو الاساس ولا يهم ما وراء ذلك‏.‏ ألسنا نصلي ونصوم ونزكي ونحج؟ ألا يعني ذلك أن الإسلام بخير؟‏.‏


إن الواقع المر يقول بغير ذلك تماما‏,‏ فالقضية ليست في الشكل وإنما في التحول الداخلي الذي ينبغي أن يحدث نتيجة لأداء هذه الشعائر‏,‏ والذي ينبغي أن يظهر في صورة ايجابية في سلوك المسلمين متمثلا في القيم الاسلامية الدافعة الي التقدم والرقي وعلي رأسها العلم والعمل من اجل تحقيق الخير لكل الناس‏.‏


‏3‏ ـ ظواهر التشدد والتطرف‏:‏ وقد نتج عن هذه التوجهات البعيدة عن مقاصد الدين الحقيقية سبب آخر تجلي في ظهور الكثير من أشكال التشدد والتطرف في فهم الدين وتعاليمه‏.‏ واصبح التشدد في أمور الدين‏,‏ وبصفة خاصة في الشكل والمظهر‏,‏ علامة واضحة علي التدين‏.‏


وبناء علي ذلك فإن الذين لا يتشددون في أمور الدين يعد تدينهم مشكوكا فيه‏,‏ وتبع ذلك بطبيعة الحال تحول سلبي في السلوك‏,‏ حيث حلت الفظاظة والغلظة في التعامل محل الرحمة التي هي السمة الأساسية للإسلام‏,‏ وانتشرت تهم الكفر والتحلل من الدين ضد من يعتقد أنهم متساهلون في أمور الدين‏.‏


وغني عن البيان أن نشير في هذا الصدد الي ان ان هذا التيار المتشدد كان وراء ظهور موجات الغلو والتطرف التي جلبت علي الأمة الاسلامية عواقب وخيمة‏.‏


‏4‏ ـ التشرذم وفقدان التضامن‏:‏ وقد كان لاهتمام المسلمين بالشكل علي المستوي الديني والحضاري اكثر من اهتمامهم بالجوهر اثر سلبي علي العلاقات بين شعوب الامة علي جميع المستويات‏,‏ وبصفة خاصة علي المستوي السياسي والاقتصادي‏,‏ فالتشرذم قد اصبح هو السمة الغالبة علي علاقات شعوب الامة الاسلامية فيما بينها‏,‏ وبالتالي اصبح التضامن الاسلامي مجرد شعار نردده في المناسبات‏,‏ ولكنه شعار يخلو من اي مضمون‏.‏


ومما تقدم يتضح لنا ان هذه الاسباب وغيرها كثير قد ادت الي هذه الاوضاع الحضارية المتردية التي نعيشها في عالمنا الاسلامي‏,‏ ومن هنا فإننا إذا أردنا أن نلخص مشاكل أمتنا الإسلامية في عالم اليوم في عبارة واحدة فيمكن القول بأن مشكلتنا الكبري هي مشكلة حضارية بالدرجة الأولي‏.‏ فما السبيل إلي الخروج من هذه الأزمة الخانقة؟‏.‏


يقول بعض المستشرقين‏:‏ ان هذا الدين هو سبب تخلف المسلمين‏,‏ وما دام المسلمون متمسكين بدينهم فلن تقوم لهم قائمة‏,‏ ويقدم هؤلاء النصح للمسلمين بأن يفصلوا فصلا تاما بين الدين والحياة ويبعدوا الدين تماما عن التدخل في أمور الدنيا‏,‏ ويتبعوا في هذا الصدد النموذج الغربي في تهميش الدين‏,‏ هذا النموذج الذي أخد بيد الغرب الي الأمام‏,‏ وجعله اليوم في مقدمة دول العالم حضارة ورقيا‏.‏


وقد يكون الاخذ بالنموذج الغربي حتميا في حالة ما اذا لم يكن لدي المسلمين خيارات اخري تستند الي ما لديهم من تراث ديني وحضاري عريق‏.‏


وفي هذا المقام نود ان نؤكد ان الموقف الاسلامي من الحضارات الاخري موقف واضح لا لبس فيه‏.‏ فالاسلام لا يمنع اتباعه من الاستفادة من تجارب الآخرين وعلومهم وخبراتهم‏.‏ فالحكمة ـ كما جاء في الحديث الشريف ـ ضالة المؤمن أني وجدها أخذها‏.‏


وليس هناك من حرج علي المسلمين في الأخذ بكل ما هو مفيد لدي الآخرين‏.‏ بل ان الفيلسوف العظيم ابن رشد قد جعل الاطلاع علي ما لدي الآخرين واجبا شرعيا‏,‏ ولكنه اوصانا بأن تكون لنا في ذلك نظرة نقدية تميز بين النافع والضار‏.‏


ولسنا نشك في أن عقلاء الأمة يريدون الارتقاء بحضارتها‏,‏ ويريدون ان تكون الامة مشاركة ومؤثرة في الحضارة الانسانية حتي لا يكون المسلمون مجرد مستقبلين أو مقلدين او مستهلكين‏,‏ ولكن النوايا وحدها لا تصنع حضارة‏,‏ ولا تغير من الواقع شيئا‏.‏ ومن اجل ذلك فإننا في عالمنا الاسلامي في اشد الحاجة الي ثقافة جديدة هي ثقافة التغيير التي تستطيع ان تحول النوايا والأمنيات الي واقع ملموس‏.‏


والملاحظ ان ثقافة الأمة في الاعم الاغلب صارت ثقافة سكونية منذ عدة قرون‏,‏ تعتمد علي الحفظ والتلقين وتشجع علي التقليد وليس علي الابداع والابتكار‏.‏ والمطلوب بإلحاح هو ثقافة تحترم العقل وتمارس الفكر وتنمي شخصية الفرد وتحفزه الي العمل المنتج والفكر المبدع‏.‏


إننا في حاجة ماسة الي التزود بالعزيمة الصادقة والتسلح بالارادة القوية‏,‏ والتمسك بالامل في غد افضل وفي مستقبل مشرق‏,‏ والاقتناع بأننا نقف علي ارض صلبة‏,‏ واننا في انطلاقتنا الحضارية الجديدة لا ننطلق من فراغ‏,‏ وانما نعتمد علي رصيد حضاري ضخم أثبت التاريخ أنه كان نموذجا رائعا قدم للإنسانية عطاء حضاريا بلا حدود‏,‏ ولكن هذا يتطلب منا في العصر الحاضر قراءة جديدة للإسلام لنعيد النظر في فهمنا لهذا الدين الذي لا يتعرض فقط لظلم خصومه وإنما يعاني أيضا من جهل أبنائه‏.‏


إن العيب فينا نحن المسلمين وليس في الإسلام‏,‏ ومن هنا كان رد المفكر الاسلامي المعروف مالك بن نبي علي تهمة إرجاع تخلف المسلمين الي الاسلام بقوله‏:‏ ان التخلف الذي تعانيه الأمة الاسلامية اليوم ليس سببه الاسلام كما يشاع‏,‏ وإنما هو عقوبة مستحقة من الاسلام علي المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين‏.‏


وحقيقة الامر ان الاسلام كان اول دين دعا الي الحضارة وطالب باتخاذ كل الاسباب المؤدية اليها‏,‏ وجعل منها فريضة دينية وواجبا اسلاميا لا يجوز التهاون فيه‏,‏ ولا يقل شأنا عن فرائض الاسلام الاخري‏,‏ ولكن الفهم القاصر للإسلام لدي المسلمين جعل من الحضارة أمرا هامشيا‏.‏ فنحن نقول دائما ان الاسلام عقيدة وشريعة‏,‏ وهذا حق‏,‏ ولكن ذلك ليس كل الحقيقة الاسلامية‏.‏ فالاسلام بالاضافة الي ذلك اخلاق وحضارة‏.‏


ولاشك في أن هذه العناصر الأربعة ـ وهي‏:‏ الوقت‏,‏ والقدرة علي العمل‏(‏ الشباب‏)‏ والمال والعلم ـ تمثل عوامل مهمة في العملية الحضارية‏,‏ ومن هنا يحق لنا ان نصف هذه المسئولية بأنها مسئولية حضارية‏.‏


وتتسع المسئولية الحضارية للإنسان لتشمل كذلك مسئولية الإنسان عن وسائل الادراك الحسية والعقلية والتي بدونها لا يستطيع الانسان ان يبني حضارة بأي حال من الاحوال‏.‏ ومن اجل ذلك يؤكد القرآن الكريم هذه المسئولية في وضوح تام بقوله‏:‏ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا‏.‏


وقد كان مبدأ الاجتهاد في الاسلام من المبادئ التي فتحت الباب امام العقل ليصول ويجول في مجال استنباط الاحكام الشرعية‏,‏ وهو الآلية التي أقرها الإسلام للتجديد المتواصل في الحياة الاسلامية‏.‏


واذا كان الاسلام قد اجاز للعقل هذا الحق في مجال الاحكام الشرعية‏,‏ فمن باب اولي يكون ذلك امرا حتميا في مجال الامور الدنيوية‏,‏ والنبي نفسه هو القائل‏:‏ أنتم اعلم بأمور دنياكم‏,‏ والاجتهاد في حقيقته دعوة إلي الابداع في كل مجالات العلوم والفنون والصنائع‏.‏ ومن هنا وصفه المفكر الاسلامي الراحل محمد إقبال بأنه مبدأ الحركة في الإسلام‏.‏


ويمكن القول بناء علي كل ما سبق‏:‏ ان الحضارة في التصور الاسلامي تعني تحقيق المشيئة الالهية في عمارة الارض ماديا ومعنويا‏,‏ وبذلك يحقق الانسان ذاته بوصفه خليفة لله في الأرض‏,‏ وبذلك أيضا يكون الإنسان في صلة مستمرة بالله خالق الكون‏,‏ وهذه الصلة كفيلة بأن تصحح له دائما مساره علي الأرض حتي لا يضل الطريق‏.‏



وفي ختام حديثنا نود ان نؤكد مرة أخري ان المسلمين في عالم اليوم في مفترق طرق‏.‏ والعولمة التي تجتاح العالم اليوم لن تعبأ كثيرا بالمستضعفين‏.‏ وعالم اليوم لا يحترم الا الأقوياء‏,‏ والقوة ليست في القوة المادية فقط او الوفرة في الثروة‏,‏ وانما القوة التي يحترمها عالم اليوم هي قوة العلم‏,‏ قوة الحضارة‏,‏ وليس امام المسلمين خيار آخر الا خيار العلم والحضارة اذا ارادوا ان يكون لهم مكان في خريطة العالم المتحضر‏.‏ ومن هنا نؤكد ان الحضارة اليوم بالنسبة للمسلمين قد اصبحت فرض عين علي كل مسلم ومسلمة كما هو الحال بالنسبة للعلم‏.‏ وهذا يعني انها لم تعد ترفا وانما اصبحت قضية مصير‏,‏ وعلي المسلمين ان يدركوا ذلك جيدا والا فإن الزمن سيتجاوزهم ويطوي صفحتهم‏,‏ وهذا أمر لا يتمناه عاقل لأمته الإسلامية‏.‏

فيصل الهلال 999
25-07-2006, 10:13 PM
شكرا أخوي على هذا الموضوع الرائع