المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مـــــــــن الأحـــــــاديــــــــث : حديث الشكل



moKatel
26-07-2006, 09:30 PM
لابد من تفريق بين مفهوم الشكل في حديثنا وعصرنا ، وبينه في الماضي وتراثه ، فنحن لا نتحدث عن اللفظ ( الشكل ) في الأدب ، الذي يقابله المعنى الجزئي للكلمة ، ليست قضية اللفظ و المعنى ، ولا هي تقسيم ابن قتيبة في الشعر والشعراء ( ما حسن لفظه وساء معناه ، ما ساء لفظه ............) ، فتلك قضية قد فتر خلافها واستقرت بعد عبد القاهر الجرجاني و كلامه المتواصل في دلائل الإعجاز عن النظم ، وإنما نتحدث عن الشكل الأدبي أو النوع الأدبي الذي يصب في قالبه الكلام الذي هو لفظ ومعنى كالقصيدة والقصة الرواية والمسرحية والمقالة والملحمة وغير ذلك من الأشكال أو الأنواع القديم منها و الجديد............

والأدب على قربه من الأيدي و العيون ، وامتداده الزمني الطويل في مجاهل الماضي ، واتساع محيطه الذي شمل البسيطة بمختلف بقاعها ، إلا أنه عسير التعريف كأشياء كثيرة ندركها ونشعر بها لكنا نتبلد إذا سئلنا وسط الزحام والاهتمام " ما هي " كالحب ، أو كالخير و الحق ، أو كالأدب ، ولا ينتقص من قدرها أنا لا نحكم تعريفها ، وكلذلك لا يضيرها أنا نختلف عليه وأنه يقع تحت سورة النسبية الواسعة والمتلونة ، لا يضير كل هذا إلا طلاب المطلق الميتافيزيقي الذين تنتفخ في رؤسهم القضايا حتى تلتهم الكون أو تربو على ضخامته .

لكنا - على الصعوبة - نجد معلما يميز الأدب عن غيره ، الأدب نوعا من أنواع النشاط الإنساني ، وهو شكله و قالبه الذي فيه يصب ، فلا أظن أحدا يمسك رواية لتولستوي يقرأها ظانا أنها سياسة أو اقتصاد ، أو دراسة لأخبار سياسية مجموعة ، حتى لو تضمنت السياسة والأحداث، لأن مفهوم الرواية ( وهي شكل من الأشكال ) قد هيأه لتلقي عمل أدبي . وقد دخلت بنفسي عالما ملتبسا متشابها متناقضا لا أكاد أستقر فيه على شيء حتى ينسفه نقيضه حين أردت تعريف الأدب وتحديد ماهيته ، ولم يسعفني إلا الشكل ، فانتهيت به إلى أول درجة من درجات الحقيقة ، فشكل الأدب هو المفرق الأول بينه وبين الأنواع الأخرى من النشاط الإنساني وخصوصا الكلامي منه ( كالصحافة مثلا ونشرات الأخبار) ، ولهذا كان الشكل ضرورة أدبية تكفل الأدبَ القيامَ وسط المتشابهات والمتناقضات معا .

وقديما حاول " ابن خلدون " تعريف الأدب فقال " هو علم لا موضوع له " ، وهذا حق فهو لا موضوع له يختص به دون غيره ويؤثره ، فالدنيا مراح هائل للأديب ينتقي منه ما يشاء ويختار ، لكن التعريف بالسلب والنفي ينفي ويبعد عن عقلك ما ليس بأدب ، لكنه لا يخصك بجوهره ويريك بناءه في الوضح و النور ، وهو وسيلة مهمة من وسائل تأكيد التعريف وتبيانه بجلاء ، بيد أنه ليس بالتعريف ، إذا فالشكل ضرورة لقيام الأدب ، وضرورة لتعريفه .

وأما الشكل نفسه ، فمن النقاد من يفرض ميزانا يقبل به الشكل ويرفضه مسندا هذا الميزان لما يملكه من حقائق يرى فيها نوعا من اليقين يجب أن تقام عليه الآداب ، وهذا النوع من التنظير كثير ومختلف ، كل حسب رؤيته ، لكن الناقد لا يطلقه إلا بعد وجود الشكل الذي يتعصب له ، وذاك الشكل لم يقم إلا في فضاء من حرية لا يفرض على المبدع فيها رأي ناقد ، وداؤه ضعفه لا سيما إذا خرج من أيدي نقاد لا يمارسون الأدب مبدعين ، وإنما يتناولونه بالعقول والألسنة من بعيد ككهنة المعابد والكنائس ، وعادة يسري هذا الكلام في الهواء متفتتا مع مرور الأيام المفنية إلا إذا حصّنته مؤسسة رسمية تفرض هذا الرأي ، وحينها نعاني جميعا الاستبداد والتسلط على الرغم من رؤية أصحاب هذا القول أنهم يجادلون عن الحقيقة .

أما التاريخ فينبئنا أن الأشكال تنشأ كيفما تنشأ ثم تُعرض أدبا على متلقين ، هؤلاء المتلقون لهم القبول ، ولهم الرفض ، ومنهم أدباء إذا آمنوا بهذا الشكل صبوا فيه ما يريدون ثم مع الأيام يمتلك الأدباء ذخيرة و تراثا في هذا الشكل أو ذاك ، ولا ننسى أنه مع الأيام أيضا تختلف ذائقة الجمهور المتلقي باختلاف العوامل التي تؤثر في ذائقتها وتشكلها ، فتقبلنا الآن للمسرح ليس كتقبل الجيل الأول الذي فوجيء به مع حساسية الاستعارة من الغرب الملتهبة في ذلك الوقت.......

والعروض عروض الشعر العربي ، لا نعلم على وجه يطمئن إليه كيف نشأ ، لكنه مع الأيام صار شكلا أدبيا ثم عزز بالخليل بن أحمد ، فامتلك أيضا حركة تنظيرية قوّت بناءه وأضفت عليه تماسكا عنيدا ، لكنه لم ينشأ و يُقبل حركة تنظيرية في الأصل وإنما سار بالاستخدام و القبول ، وهنا لا يكفي أن يؤمن الأديب وحده أن هذا شكل من أشكال الأدب ويجب على الناس أن ترى معه أنه شكل من أشكال الأدب ويعاند على هذا في غير ما نفع ، فإما يطرحه نوعا جديدا وينتظر الرواج والقبول ، وإما لا داعي أن يرمي كل الناس والأدباء بالجهل وكزازة الذوق لأنهم لم يقبوا فنه الرفيع ، فيها نوع من الجبر أو القسر ، وهو جبر اجتماعي طبيعي كجبر الشمس والقمر ، فالأديب لا يتكلم في صحراء مقفرة خالية من إخوانه الإنس ، ولو كان حاله هكذا لما ضره أن يتكلم بأي وجه شاء ، أو فليتكلم صامتا ، كما لن يضره أن يجلس عاريا أو مكتسيا ، إنما هو رجل يخاطب نفوسا وعقولا لا يكتسب عمله الوجود كاملا إلا بها ، فهو المفروض عليهم ، وهو من ابتدر وعرض ، ولو كتب وأخفى ما كتبه في خزينته لاكتسب عمله وجودا أدبيا مادام على شكل أدبي لكنه ناقص ، وكيف يعلم الناس أنه أديب يريدهم أن يستمعوا إلى دقات قلبه إلا إذا قال لهم هاكم اقرؤوه ، هى علاقة متبادلة واهبة تهب عمل الأديب الوجود الحقيقي المتبادل .

ودعونا لا نغالي ونقول إن الأديب أو الكاتب لا يكتب لأحد وهو أديب بالنفس والفطرة........إلخ ، هذا كلام هو رد فعل لكبت وتسلط طويل للهيئات الرسمية والثقافية ، أو هو مشجب للفشل ، أو رداء يستتر به من لم يحقق وجوده الفعلي أديبا .......وكما قلت هي علاقة متبادلة ذاك يكتب لأنه يريد أن يكتب ويعبر عما بداخله من غير سيطرة أحد أو فرض لسطوته ، لكنه في النهاية ينشر على الناس ما كتبه ، أو يسمعه أصدقاءه ومقربيه ، وهنا الخيط الدقيق إذا انفعلوا وأحسوا آمنوا بوجوده أديبا ، لكنهم لم يفرضوا عليه شيئا إلا أنه هو الذي اختار ما كتب ، ولهم حق رفض أو قبول ما كتب .

وقديما في المجتمعات البدائية كان الاحتكاك الذي يولد تفاعلا حيويا بين الأديب وجمهوره إما الإلقاء وإما بالحكاية أو بالرواية ، أما الآن فهناك انعزال حاد بين أصحاب الأبراج العاجية وبين عامة المثقفين ولن أقول عامة الشعب فأدبنا بعيد عن هذا إلا قليلا.........ومن هذه الفجوة نجد صعوبة سريان الأشكال الجديدة ، أو صعوبة رفضها ، وتأخذ الأشكال ردحا من الزمن حتى يتعرف الناس إليها ويدرجونها في أدبياتهم.

والأشكال الأدبية قد ترفض أو تستهجن في باديء الأمر لمخالفتها المتعارف عليه ، وللظروف التي تكتنف نشأتها وعلى وجه التحديد الظروف السياسية و الدينية ، لكنها مع ذهاب رد الفعل العصبي ، والعودة إلى رحاب الوعي المستقريء قد تقبل أو ترفض على أساس من الأسباب يتوافق والحالة الثقافية والفكرية السائدة ، مثلما حدث مع الشعر الحر -وإن لم تدعمه تنظيرية تقيم بناءه وتقوم منآده - وننتظر حدوثه مع قصيدة النثر رغم الإرهاصات القديمة في الأربعينيات على يد " حسين عفيف " ، ورغم أيضا حركة " أدونيس" التنظيرية.

وولادة الأشكال لا يمكن الإمساك بأسبابها فهناك تأثيرات ، وذوق جمالي للمبدع ، وجمهور ، وحاجة وضرورة ، وكلها تنصهر مع آثار النشأة وخبرة الحياة والثقافة والتأثيرات الخارجية والداخلية ، كل هذا ينصهر في ذات الأديب الذي يهم بالابتكار أو النقل من الخارج ، لذلك يتفاوت ذوق وتتفاوت معه الأسباب ، والعبرة في النهاية بالقبول ، فالاستخدام ، فالشيوع ، وعدم الانعزال ...

وعندي أنه لا يجب التعصب ضد شكل جديد لأن الأدب في الأساس خارج من نفوس عصبية تخضع للتغير مع مرور الأيام ، وفي يوم لم يكن وزن للشعر العربي ثم وجد الوزن وشاع ، ولا قداسة ، فالذي أوجده يوما ما ، قد يذهب به اليوم أو غدا ، ولا قداسة أيضا ، وإنما هي أمور تقبلها النفوس فتصبح لبنة في وعيها المشترك ( Common Sense ) وقد تضعف وتنهدم ويقوم غيرها بما قامت به........لا سلطان للأمس يفرض ، وكذلك لا سلطان لليوم ، هي مؤثرات و أيام مشحونة ، والأدب رحيب الصدر يسع هذا وذاك ، والأدب في النهاية لا يعيش منعزلا بين أحضان أديب أحد أو مذهب ، وأيضا لا يعيش منكفئا على نفسه يتشممها ولا يرفع رأسه في الهواء ، الأدب يعيش في الحياة بكل ما فيها من فردية واختلاط............................................................

Batistuta
05-08-2006, 12:19 PM
:bigeyes: ماشاء الله أخوي العزيز مقاتل معلومات من جد قيمة ....

وقديما حاول " ابن خلدون " تعريف الأدب فقال " هو علم لا موضوع له " ،

والله صدق :)


يعطيك العافيه على الموضوع ...

في أمان الله :)

رابعة العدوية
05-08-2006, 07:12 PM
السلام عليكم

الاخ مقاتل !

ما شاء الله فعلا !

معلومات ذكرتني بكل ما درستة عن قضية الشكل والمضمون باعتبارها اهم القضايا النقدية القديمة !

لكن لدي بعض التعليقات عليها ! فاسمح لي !


وعندي أنه لا يجب التعصب ضد شكل جديد لأن الأدب في الأساس خارج من نفوس عصبية تخضع للتغير مع مرور الأيام ، وفي يوم لم يكن وزن للشعر العربي ثم وجد الوزن وشاع ، ولا قداسة ، فالذي أوجده يوما ما ، قد يذهب به اليوم أو غدا ، ولا قداسة أيضا ، وإنما هي أمور تقبلها النفوس فتصبح لبنة في وعيها المشترك ( Common Sense ) وقد تضعف وتنهدم ويقوم غيرها بما قامت به........لا سلطان للأمس يفرض ، وكذلك لا سلطان لليوم ، هي مؤثرات و أيام مشحونة ، والأدب رحيب الصدر يسع هذا وذاك ، والأدب في النهاية لا يعيش منعزلا بين أحضان أديب أحد أو مذهب ، وأيضا لا يعيش منكفئا على نفسه يتشممها ولا يرفع رأسه في الهواء ، الأدب يعيش في الحياة بكل ما فيها من فردية واختلاط............................................................
___________
_والأشكال الأدبية قد ترفض أو تستهجن في باديء الأمر لمخالفتها المتعارف عليه ، وللظروف التي تكتنف نشأتها وعلى وجه التحديد الظروف السياسية و الدينية ، لكنها مع ذهاب رد الفعل العصبي ، والعودة إلى رحاب الوعي المستقريء قد تقبل أو ترفض على أساس من الأسباب يتوافق والحالة الثقافية والفكرية السائدة ، مثلما حدث مع الشعر الحر -وإن لم تدعمه تنظيرية تقيم بناءه وتقوم منآده - وننتظر حدوثه مع قصيدة النثر رغم الإرهاصات القديمة في الأربعينيات على يد " حسين عفيف " ، ورغم أيضا حركة " أدونيس" التنظيرية.


انا لا اعارض اي ظهور للشكل الادبي الجديد بشرط ان يكون اضافة للغة العربية ومصدر قوة لها !
مثلا لدينا ما يعرف بالشعر المهموس!
هو نوع من الشعر يلتزم اصالة الشعر العربي والقصائد الحرة ولكن بشكل اكثر انسيابية وتساهل اكبر بالعلل والاوزان !
مع ذلك مثل هذا النوع من الشعر وعلى الرغم من خروجة عن المالوف عادة يبقى له تفردة وجماله الذي لا استطيع انكارة من خلال النماذج التي اطلعت عليها !
ولكن لدينا ما يعرف بشعر النثر وانا شخصيا وعلى الرغم من كوني مجرد قارئة ولا املك اي اهلية لنقدة اجدة مجرد خربشات على دفتر العربية ولا مكان له ! كما انه وسيلة انزلت الشعر العربي مسافات كبيرة للاسفل ولم ترتق به او تضيف عليه اي شيء !
فليست كل الانواع الادبية انواع تستحق الوقوف عندها وبعضها يستحق الاجهاض قبل انتشارة لئلا يؤثر في نقاوة وجمال اللغة ! طبعا هذا رأي الشخصي !
لك مني خالص الاحترام !
تحياتي !