ثريول
31-08-2006, 05:44 PM
http://almisk.net/images/esm.gif
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/2/28/Speakers_Corner.jpg/300px-Speakers_Corner.jpg
_____
كنت, ظهيرة يوم أحد منصرم قبل أسابيع, تلميذاً نجيباً يقف في الصف الخلفي محاولاً التعلّم من الحياة, الحياة المدرسة!
كان الناس بمختلف الأعراق والمذاهب والأفكار والأديان والتوجهات والقوميّات يموجون هناك في ركن الحديث الشهير في حديقة الهايد بارك اللندنيّة المعروفة. مررت بينهم كعابرٍ يريد أن يستفيد؛ فقد كانت خطواتي هناك وكأنها تمر بين شحنات كهربائيّة مشحونة بأفكار وصراعات وحقد وحب. فبين سياسي ينتقد سياسة حكومة بلير اقتصاديّاً, وآخر يتكلّم عن التعذيب في سجون جوانتنامو -حرر الله ساكنيها وأهلك سجّانيها- إلى آخر يتكلّم عن الحكم السعودي قادحا وهكذا دواليك من أناس يتحدثون حيناً ويصرخون أحياناً. ما أثار اهتمامي هو الغلَبَة للمواضيع المتعلقة بالإسلام والعرب بين المتحدثين والمتناقشين, وغلبَة العرب والمسلمين بين المتناقشين, ولا عجب طالما أن الأفواه مكممة هاهنا في سجون بني يعرب وطالما أن الكلمات تقتل الناس ليقولوها, وطالما أن ما يثيرها –أي الكلمات- متوفرٌ بكثرةٍ "مثيرة للشفقة" في ديار العرب والمسلمين!.
من بين العرب المتكلمين بالعربيّة, مررت على أحدهم ووجدته درساً علمتنيه الحياة:
مواطن من الدولة (أ) من بلاد العرب, وقف قادحا وشاتماً لشعوب الدول (ب) من بني يعرب أيضاً (لن أذكر الدولتين للحرص على وصول الفكرة فقط بلا شوائب). كانت طريقته تهريجيّة وكلماته مضحكة إلى درجة جعلت منه أشهر من نارٍ على علم بين العرب هناك, وصار الناس يجتمعون حوله ويكثر السب المتبادل بين أنصار الدول (ب) وهذا المواطن المهرّج في مشهد تهريجي ساخر من الطرفين. وما يثير الغرابة أن المُجتمعين تحت كلمات هذا الشخص يشكلون أكبر تجمّع لسماع مُتكلّم في "السبيكرز كورنر"!.
لم أحرص على الإكثار من السماع من النقاشات الحاصلة في هذه الزاوية, بل كنت أتردد بينهم وبين مجموعات أخرى تناقش مواضيع دينيّة إما إسلامية وإما مسيحيّة أو ملحدة, والنقاشات بين الطوائف باختلافها دينيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً. حتى وصلت لجماعة كانت تتكلّم عن مواضيع عدّة باللغة الإنجليزيّة حتى وصل المتناقشين إلى درجة التلاسن, ويبنما هم في تلاسنهم أشار أحدهم بيده ناحية المُتكلّم في مثالي بينما كان يتصارع مع الجمهور, أشار إليه قائلاً: We are not like those people , "نحن لسنا كهؤلاء الناس!".
_____
وفق الثائر الأخرق يكيل السباب من مكانٍ ارتفع به عن الأرض عدّة أشبار وبصوت مرتفع, ووقف حوله العشرات ممن يجارون سبّه لا غير. كان صاحبنا يهاجم ويدافع, وأصحابنا في الجهة الأخرى يهاجمون ويدافعون. لقد كان الأمر من البساطة بحيث أن الفريقين (أ) و (ب) يعملان على خلق وتذكر تهم ليكيلوها على الفريق الآخر, والبحث عن تبريرات ساذجة عن التُهم الموجهة من الفريق الآخر ناحية بلادهم.
الموضوعيّة مرميّة في الدرج .. فلو أن الشيطان بذاته كان يحكم أحدهم لدافع عنه وايّده, ولو أن البياض قد ملأ الآخر لتهمه بالسوداويّة.. ليست هناك مبادئ أو أساسيات ينطلقون منها سوى أنه من الفريق هذا وكل ما يحصل هنا مُبرر وصواب وكل ما يحصل هناك في الطرف الآخر جريمة وخيانة.
ليتهم على هذه اكتفوا! .. لم يتسم اجتماعهم في تلك الزاوية بالطابع الانجليزي الهادئ كغيرها من الزوايا, بل كانوا يصرخون ( أسمع يا حماااار / أنتوا من سلالة أبو جهل / قهقهات وأصوات تجدونها كثيراً في مسرحيّات طارق العلي). لم يهمني تهكّم الأشقر ذو الدم الأزرق حين تهكّم بهم, لكنَّ هدوءهم واستماعهم للآخر أثار غبطتي. "ربعنا" هناك يصرخون ولا يسمع أحدٌ الآخر, ويثرثرون ولاتصل أي فكرة إلى الآخر .. فن الاستماع عندهم صفر, بل هو بالسالب.. يعني لو تقابلوا ولم يتكلموا قد يتناقشون بشكل أفضل من ما هو حاصلٌ هناك.
_____
تذكرت هذه الصورة قبل أيام بينما كنت أتجوّل في المنتدى, حين رأيت حرباً بين فريقين يمثلان دولتين مختلفتين بنفس الطريقة تقريباً, ووددت أن أعبّر عن رأيي في كل ما يحصل هنا وفي أكثر المواقع الحواريّة من تعصّب للشيء لا للفكرة.
قبل سنة قررت أن أبتعد عن كل نقاش فارغ يدور فيما دارت عليه النقاشات في الهايد بارك يومها, لأنني وصلت إلى مبدأ أحاول قدر الإمكان العمل عليه؛ فهناك حق وخير وصواب, وهناك باطل وشر وخطأ. وهذه الأمور لا تختلف باختلاف مكانها وزمانها ومن قام بها.. فلو قامت دولتي بعملٍ يستحق النقد يجب عليَّ أن انتقدها, أو على الأقل أتقبّل النقد من الآخرين من غير بلدي طالما أنه ثمة ما يستحق النقد, كما أن على الآخرين أن يتقبلوا نقدي إذا فيهم أو في دولهم ما يستحق النقد.
نحن نحتاج إلى ترسيخ مبدأ الأمميّة في تعاملنا وأننا في النهاية عرب مسلمون ما يربطنا أكثر بكثير مما يفرقنا, لذلك يجب أن تكون كل الأمور في كل الدول المسلمة تعنينا بأشخاصنا وتهمنا بأشخاصنا وليست مقتصرة على فلان من الناس وجماعة تربطهم جنسيّة ما. ومن هذه يصير الخطأ في بلد المتكلم (أ) خطأً, والخير في بلده خير أيضاً ولا نحتاج للعبث والتبديل لمبادئنا كما يمليه علينا ما يحصل في الحدود الجغرافيّة التي نملك جواز سفرها.
نحن نحتاج لترسيخ مبدأ الفكرة لا الشيء, الفكرة التي تسيّر أحكامنا على الأشياء .. لا يهم ما هي هذه الفكرة بقدر أهميّة وجود مبدأ تحكيم الفكرة على الشيء من الأساس!, ثم إذا وجد هذا المبدأ أصبح للفكرة قيمة.
ثمَّ, الحياة أخذ وعطا! , إذا استمرّت طريقة فيصل القاسم في النقاش تحكم نقاشاتنا لن نصل إلى شيء بل يصير الأمر "فتل عضلات الحبال الصوتيّة", وإن كان هناك من يريد فتلاً لها فعليه بالصحاري التي تملأ بلادنا وتملأ عقول الكثير من أبنائها, فليوقف سيارته في وسطها وليترجّل منها ويصرخ كما يريد علَّ جربوعاً أو أربناً يصغي إليه ويفهم أنه موجود!
_____
أعتذر على أسلوبي الجاف, ولكي لا أسترسل في جفافي –الذي أكرهه بالمناسبة- أقول خاتماً: ما أريد أن أصل له من كل ما سبق هو دعوة إلى جعل المبادئ على قدرٍ من الجمود بحيث أنها تكون فوق ما نحب وما نكره, على قدرٍ من السمو بحيث أن تطلب ويحرص عليها, على قدر من القوّة بحيث أن لا تتأثر بأي قوّة أخرى. بالإضافة إلى دعوة للهدوء في الحوار, ومحاولة عدم الانجراف وراء الاستفزازات إن وجدت والتركيز على الأفكار لا ما يشوبها من المتكلّم.
فهل من مؤيّد ؟!
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/2/28/Speakers_Corner.jpg/300px-Speakers_Corner.jpg
_____
كنت, ظهيرة يوم أحد منصرم قبل أسابيع, تلميذاً نجيباً يقف في الصف الخلفي محاولاً التعلّم من الحياة, الحياة المدرسة!
كان الناس بمختلف الأعراق والمذاهب والأفكار والأديان والتوجهات والقوميّات يموجون هناك في ركن الحديث الشهير في حديقة الهايد بارك اللندنيّة المعروفة. مررت بينهم كعابرٍ يريد أن يستفيد؛ فقد كانت خطواتي هناك وكأنها تمر بين شحنات كهربائيّة مشحونة بأفكار وصراعات وحقد وحب. فبين سياسي ينتقد سياسة حكومة بلير اقتصاديّاً, وآخر يتكلّم عن التعذيب في سجون جوانتنامو -حرر الله ساكنيها وأهلك سجّانيها- إلى آخر يتكلّم عن الحكم السعودي قادحا وهكذا دواليك من أناس يتحدثون حيناً ويصرخون أحياناً. ما أثار اهتمامي هو الغلَبَة للمواضيع المتعلقة بالإسلام والعرب بين المتحدثين والمتناقشين, وغلبَة العرب والمسلمين بين المتناقشين, ولا عجب طالما أن الأفواه مكممة هاهنا في سجون بني يعرب وطالما أن الكلمات تقتل الناس ليقولوها, وطالما أن ما يثيرها –أي الكلمات- متوفرٌ بكثرةٍ "مثيرة للشفقة" في ديار العرب والمسلمين!.
من بين العرب المتكلمين بالعربيّة, مررت على أحدهم ووجدته درساً علمتنيه الحياة:
مواطن من الدولة (أ) من بلاد العرب, وقف قادحا وشاتماً لشعوب الدول (ب) من بني يعرب أيضاً (لن أذكر الدولتين للحرص على وصول الفكرة فقط بلا شوائب). كانت طريقته تهريجيّة وكلماته مضحكة إلى درجة جعلت منه أشهر من نارٍ على علم بين العرب هناك, وصار الناس يجتمعون حوله ويكثر السب المتبادل بين أنصار الدول (ب) وهذا المواطن المهرّج في مشهد تهريجي ساخر من الطرفين. وما يثير الغرابة أن المُجتمعين تحت كلمات هذا الشخص يشكلون أكبر تجمّع لسماع مُتكلّم في "السبيكرز كورنر"!.
لم أحرص على الإكثار من السماع من النقاشات الحاصلة في هذه الزاوية, بل كنت أتردد بينهم وبين مجموعات أخرى تناقش مواضيع دينيّة إما إسلامية وإما مسيحيّة أو ملحدة, والنقاشات بين الطوائف باختلافها دينيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً. حتى وصلت لجماعة كانت تتكلّم عن مواضيع عدّة باللغة الإنجليزيّة حتى وصل المتناقشين إلى درجة التلاسن, ويبنما هم في تلاسنهم أشار أحدهم بيده ناحية المُتكلّم في مثالي بينما كان يتصارع مع الجمهور, أشار إليه قائلاً: We are not like those people , "نحن لسنا كهؤلاء الناس!".
_____
وفق الثائر الأخرق يكيل السباب من مكانٍ ارتفع به عن الأرض عدّة أشبار وبصوت مرتفع, ووقف حوله العشرات ممن يجارون سبّه لا غير. كان صاحبنا يهاجم ويدافع, وأصحابنا في الجهة الأخرى يهاجمون ويدافعون. لقد كان الأمر من البساطة بحيث أن الفريقين (أ) و (ب) يعملان على خلق وتذكر تهم ليكيلوها على الفريق الآخر, والبحث عن تبريرات ساذجة عن التُهم الموجهة من الفريق الآخر ناحية بلادهم.
الموضوعيّة مرميّة في الدرج .. فلو أن الشيطان بذاته كان يحكم أحدهم لدافع عنه وايّده, ولو أن البياض قد ملأ الآخر لتهمه بالسوداويّة.. ليست هناك مبادئ أو أساسيات ينطلقون منها سوى أنه من الفريق هذا وكل ما يحصل هنا مُبرر وصواب وكل ما يحصل هناك في الطرف الآخر جريمة وخيانة.
ليتهم على هذه اكتفوا! .. لم يتسم اجتماعهم في تلك الزاوية بالطابع الانجليزي الهادئ كغيرها من الزوايا, بل كانوا يصرخون ( أسمع يا حماااار / أنتوا من سلالة أبو جهل / قهقهات وأصوات تجدونها كثيراً في مسرحيّات طارق العلي). لم يهمني تهكّم الأشقر ذو الدم الأزرق حين تهكّم بهم, لكنَّ هدوءهم واستماعهم للآخر أثار غبطتي. "ربعنا" هناك يصرخون ولا يسمع أحدٌ الآخر, ويثرثرون ولاتصل أي فكرة إلى الآخر .. فن الاستماع عندهم صفر, بل هو بالسالب.. يعني لو تقابلوا ولم يتكلموا قد يتناقشون بشكل أفضل من ما هو حاصلٌ هناك.
_____
تذكرت هذه الصورة قبل أيام بينما كنت أتجوّل في المنتدى, حين رأيت حرباً بين فريقين يمثلان دولتين مختلفتين بنفس الطريقة تقريباً, ووددت أن أعبّر عن رأيي في كل ما يحصل هنا وفي أكثر المواقع الحواريّة من تعصّب للشيء لا للفكرة.
قبل سنة قررت أن أبتعد عن كل نقاش فارغ يدور فيما دارت عليه النقاشات في الهايد بارك يومها, لأنني وصلت إلى مبدأ أحاول قدر الإمكان العمل عليه؛ فهناك حق وخير وصواب, وهناك باطل وشر وخطأ. وهذه الأمور لا تختلف باختلاف مكانها وزمانها ومن قام بها.. فلو قامت دولتي بعملٍ يستحق النقد يجب عليَّ أن انتقدها, أو على الأقل أتقبّل النقد من الآخرين من غير بلدي طالما أنه ثمة ما يستحق النقد, كما أن على الآخرين أن يتقبلوا نقدي إذا فيهم أو في دولهم ما يستحق النقد.
نحن نحتاج إلى ترسيخ مبدأ الأمميّة في تعاملنا وأننا في النهاية عرب مسلمون ما يربطنا أكثر بكثير مما يفرقنا, لذلك يجب أن تكون كل الأمور في كل الدول المسلمة تعنينا بأشخاصنا وتهمنا بأشخاصنا وليست مقتصرة على فلان من الناس وجماعة تربطهم جنسيّة ما. ومن هذه يصير الخطأ في بلد المتكلم (أ) خطأً, والخير في بلده خير أيضاً ولا نحتاج للعبث والتبديل لمبادئنا كما يمليه علينا ما يحصل في الحدود الجغرافيّة التي نملك جواز سفرها.
نحن نحتاج لترسيخ مبدأ الفكرة لا الشيء, الفكرة التي تسيّر أحكامنا على الأشياء .. لا يهم ما هي هذه الفكرة بقدر أهميّة وجود مبدأ تحكيم الفكرة على الشيء من الأساس!, ثم إذا وجد هذا المبدأ أصبح للفكرة قيمة.
ثمَّ, الحياة أخذ وعطا! , إذا استمرّت طريقة فيصل القاسم في النقاش تحكم نقاشاتنا لن نصل إلى شيء بل يصير الأمر "فتل عضلات الحبال الصوتيّة", وإن كان هناك من يريد فتلاً لها فعليه بالصحاري التي تملأ بلادنا وتملأ عقول الكثير من أبنائها, فليوقف سيارته في وسطها وليترجّل منها ويصرخ كما يريد علَّ جربوعاً أو أربناً يصغي إليه ويفهم أنه موجود!
_____
أعتذر على أسلوبي الجاف, ولكي لا أسترسل في جفافي –الذي أكرهه بالمناسبة- أقول خاتماً: ما أريد أن أصل له من كل ما سبق هو دعوة إلى جعل المبادئ على قدرٍ من الجمود بحيث أنها تكون فوق ما نحب وما نكره, على قدرٍ من السمو بحيث أن تطلب ويحرص عليها, على قدر من القوّة بحيث أن لا تتأثر بأي قوّة أخرى. بالإضافة إلى دعوة للهدوء في الحوار, ومحاولة عدم الانجراف وراء الاستفزازات إن وجدت والتركيز على الأفكار لا ما يشوبها من المتكلّم.
فهل من مؤيّد ؟!