المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ][..... بعضاً منهم (1) دستويفسكى .....][



The Riotous
30-09-2006, 05:21 PM
قد أكون مُخطئاً .. ولكني وجدت أنه من المهم أن نعرف تاريخ الأدباء وكيف عاشوا لينتجوا لنا فنهم الراقي .. أو ربما رأيت أنه من الوفاء تذكر بعض ممن شاركوا في تكوين ثقافتنا .. فلا أظن أن الكثير سيهتم لمثل هذا موضوع ولمثل هذا اسم .. فمن يعرف (دستويفسكى) ؟! هناك الكثيرون والكثيرون من الكتاب .. فتحيرت مع من البدء .. اليوم أسمحوا لي باصطحابكم مع الكاتب الروسي الكبير (دستويفسكى) .. (فيدور ميخائيلوفيتش دستويفسكى) .. لا تنزعج هكذا !! أكمل القراءة ربما تجد شيئاً يجذبك .. من يدري ؟! أما بالنسبة للتساؤل لما يكون هو الأول ؟! لستُ أكيداً من السبب لكن لما لا ؟! لنستعرض حياته وبعض مما كتب .. مع ملاحظة أن بعض المعلومات مقتبسة من مواقع متعددة (ليست روسية طبعاً فأنا لسن فلاديمير أو ستانلوفيتش) .. وشكراً على رحابة الصدر ..

-
http://people.brandeis.edu/~teuber/dostoevsky2.jpg
-

وُلد (فيدور) الصغير – وطبعاً كان كغيره صغيراً عندما وُلد – عام 1821 بالتحديد في الثلاثين من أكتوبر (مواليد آخر الشهر) .. ترتيبه الثاني من سبعة أشقاء .. خرج إلى الدنيا بمستشفي صغير في موسكو .. والده (ميخائيلوفيتش) الطبيب من الممكن أن تقول عليه – إن كُنت تتحلى بالأدب – قاسى .. لهذا كان الصغير يكرهه (كره العمى) وطبعاً له أسبابه .. وستكون لهذا الأب نهاية غير سعيدة بعد قليل .. على الرغم من كل هذا كان هذا الأب مثقف .. ويجمع الأسرة ويقرأ عليها من الأدب ما يقرأ وخاصة شاعر روسيا الأول (بوشكين) .. وعندما أتم (فيدور) الـ 12 تعلم هو وأخوه على يد معلم فرنسي .. ثم كان الانتقال لمدرسة داخلية .. ويتم تدريس الأدب فيها .. فمنها تعرف على أعلام الأدب الإنجليزي ..
لم يكمل الـ 15 عام حتى حدثت له فاجعتان في شهرين متتالين .. ماتت والدته بسبب مرض السُّل لتتركه لأبيه القاسي .. وقبلها مات مُلهمه الخاص ومثله الأعلى (بوشكين) .. فودع الأحباب مبكراً .. أثر ما حدث عليه وعلى والده فأدمن الشراب مما أدى – كما نعرف لمن يدمنون الخمر – إلى تضخم النزعة الوحشية فيه وأصبح أكثر شراسة .. فقام بإرسال ولديه إلى (سان بطرسبرج) كي يلتحقا بمدرسة الهندسة البحرية .. نجح (فيدور) في امتحان القبول بينما لم يفعلها (ميشيل) – أخوه – بسبب سوء حالته الصحية ..
-
-
إن أقسى عذاب هو اليقين من أنك بعد ساعة .. بعد عشر دقائق .. بعد نصف دقيقة .. ستفارق روحك جسدك وأنك لن تعود إنساناً حياً .. وأن كل هذا أمر مؤكد تماماً .. إن هذا اليقين هو أقسى أنواع العذاب .. حتى الرجل الذي يغتاله اللصوص في غابة مظلمة ، يظل حتى آخر لحظة من حياته يأمل في النجاة .. أما في حالة الإعدام فهم يحرمونك تماماً من تلك البقية الباقية من الأمل .. فاليقين بأنك لن تفلت من عملية الإعدام هو في ذاته العذاب الذي ليس بعده عذاب .. لو وضعت جندياً أمام فوهة مدفع ، فسيظل حتى آخر لحظة يأمل في النجاة .. لكن اتل على هذا الجندي نفسه الحكم بالإعدام ، تراه يفقد عقله أو ينخرط في البكاء .. من قال إن الطبيعة البشرية تحتمل هذا كله دون أن تصاب بالجنون ؟!
(الأبله)
-
-
الوحدة دائماً ما تكون دافعاً للقراءة .. فقرأ (فيدور) لأعلام الأدب على اختلاف توجهاتهم ولغاتهم .. (شكسبير - بلزاك – جورج صاند – هوفمان – فكتور هوجو) .. يصادق شاب موهوب مثله له نصيب من الشهرة فيما بعد هو (جريجور يوفتش) .. وكتب (دستويفسكى) في المدرسة مسرحيتين هما (مارى ستيوارت – بريس جودونوف) مُقلداً فيهما الروسي (بوشكين) والألماني (شيلر) ..
بينما والده تقاعد وقبع في قطعة أرض يملكها بمن عليها من فلاحين فيما يشبه (السُخرة) – ستعرف معناها إن كُنت مصري - .. أو كما يعرفون لدي الروس باسم (فلاحو القنانة) .. وبدأت صحته تتدهور يوماً بعد يوم .. حتى وُجد مقتولاً عام 1839 على يد مجموعة من الفلاحين الذين يعمون لديه .. أثر ثورتهم عليه من شدة قسوته واستبداده ..
هنا نجد نقطة فارقة في حياة (دستويفسكى) .. سيفرغ لها مساحة من رواياته المُقبلة .. التساؤل العتيد الذي يدوى في عقله .. هل ساهم بشكل أو بآخر في مقتل والده عندما تمنى موته ؟! (نجد هذا في روايته الخالدة "الأخوة كارامازوف") .. وهذا ما طرحه (فرويد) بعد ذلك وأفاض في شرحه .. لذا كان الأخير مغرم بكتابات (دستويفسكى) واعتبره أفضل أديب عرفه العالم بعد (شكسبير) .. بينما النقطة المثارة ليست بعيدة عنا ويحدث لنا ما يشابهها في الغالب .. ليس تمنى موت الوالد بالطبع .. ولكن عندما يتمنى المرء الشر لفرد ثم يجد ما تمناه قد تحقق .. ألا يجدنفسه غارقاً في الشعور بالذنب .. ويجد نفسهمشارك في الإثم بطريقة ما ..
-
-
كل من يمتلك القوة سيكون سيدهم .. فإن تجاسر أكثر يكن على صواب في رأيهم .. ومن يقدر على أن يزدرى كل شيء يصير المشرع بينهم .. والذي يتحدى يصبح له معظم الحق .. المرء أعمى إن لم ير هذا بوضوح ..
(الجريمة والعقاب)
-
-
أنهى (دستويفسكى) دراسته في مدرسة الهندسة ثم ألتحق بمكتب المهندسين عام 1842 .. ولم يمكث عامين حتى ترك العمل .. وقرر التفرغ للأدب رغم ديونه (المتلتلة) .. أي أنه ترك عمله المحترم الذي يدر عليه مبلغ لا بأس به .. وذهب لعمل آخر غالباً لن ينجح فيه .. فامتهان الأدب شديد الصعوبة كما نعرف .. فقد تكون نابغة لكن الجمهور لا يجدك لطيفاً .. أو لا يجدك (......) .. أو لأي سبب .. لكنه رغم هذا أحب الأدب ولم يبخل عليه الأخير ..
يستأجر منزل يقيم فيه مع صديق المدرسة (يوفتش) .. وكتب فيه أولى الروايات .. (المساكين) أو (الغلابة) أو (الفقراء) أو كما يحلو لك .. عام 1945 وتم نشرها بعدها بعام .. فقد حازت على إعجاب الشاعر (نكراسوف) وقام بوضعها في مجموعة (سان بطرسبرج).. والغريب أن (دستويفسكى) فعلاً كان أول ما (يشطح ينطح) .. حيث نجحت أيضاً في كسب تقدير (بيلنسكى) .. وما أدراك ما (بيلنسكى) ؟! الناقد المخضرم صاحب النظرات الثاقبة وأسلوب النقد البربري الذي كان كفيلاً بأن يجعلك لا تفكر في إمساك أي قلم من جديد .. حتى أنه سأل الشاب (دستويفسكى) : هل تفهم حقاً ما كتبته ؟! أخالك لم تفهمه .. وهكذا أصبحت أول روايات الشاب (دستويفسكى) مدوية في كل مكان ومحمودة الأثر .. وهنا كانت المشكلة ..
عندما يصعد نادي من دوري (المظاليم) إلى الدوري الممتاز .. ثم تجده في موسمه الأول يحصد بطولة الدوري الممتاز .. سيسود الإعجاب بالوافد الجديد والبطل الصغير .. لكن الموسم الذي يليه .. لم يقدم الأداء المبهر المطلوب .. ولم يحصد بطولات .. سيأكله الناس أكلاً ويمطرونه بالاتهامات أو السخرية أو حتى عدم التقدير .. هذا ما حدث مع الشاب (دستويفسكى) حيث كان روايته الأولى (المساكين) هي قمة في حد ذاتها .. فكيف للناس أن يتقبلوا منه الهضاب بعد ذلك .. فقد وجدها النقاد (ملهاش حل) وذروة إنتاج الرجل الذي لم يكتب غيرها .. واستشعروا بأنه قد يكون (جوجول) الجديد .. بالفعل جميل هو النجاح التراكمي وليس النجاح الكبير المتقطع ..
-
-
لو أردت احترام الناس عليك أن تحترم نفسك ، بهذا فقط ستجبر الآخرين على احترامك
-
-
أصاب الشاب الغرور والزهو فكتب على عجل الرواية الثانية (الضّعف) متوقعاً أن تلاقى نفس النجاح .. فخالفت – طبعاً – توقعاته .. ولم تحقق النجاح المنشود ولا حتى بعضه .. فأسرع بكتابة (الجارة) .. التي فشلت هي الأخرى .. فخاب أمل الناس والنقاد فيه على حد سواء .. بل وأصبح وليمة سخرية لهم .. وأنقلب أحباب الأمس إلى بغضاء اليوم .. ولم يسلم من ناشره المؤمن به (نكراسوف) أو الناقد المُشيد به (بلينسكى) .. وقد نظما قصيدة يسخرون منه ..
تتراكم الديون ويجد أن الحياة (خَنيقة) .. فأصبح على حافة الجنون .. إن لم يكن مجنون بالفطرة .. وقد نقول أنه أصبح مُلْحِد .. فقد كان يحضر ما يسمى (اجتماعات الجمعة) .. التي ينظمها (بتراشفسكى) المثقف صاحب (الدماغ) الكبيرة .. يجمع حوله مجموعة من الثائرين .. عن السياسة يتحدثون .. ويقرءون الكتب المُحرّمة ..
تقوم ثورة (فبراير) فيشى أحد الجواسيس بالجماعة (جماعة لكن ليس لهم أمير طبعاً) .. ويصفهم بأنهم شيوعين (حتى في روسيا يُتهم المرء بأنه شيوعي) ويطمعون في إقامة مجتمع اشتركي (كفى الله الشر) وأنهم يعشقون المذابح .. الخ .. الخ .. الخ ..
وصل الكلام لـ(نيقولا الأكبر) فقال سيادته : ولو أن الأمر كان كلام ومجرد ثرثرة فيبقى جريمة لا تغتفر .. فالفكر دائماً ما يكون جريمة .. ولازال التاريخ شاهد على إعدام سقراط بتهمة إفساد عقول شباب روما !!
-
-
دون هدف ودون جهد لا يستطيع إنسان أن يحيا ..
-
-
شهد عام 1849 القبض عليهم جميعاً بما فيهم (دستويفسكى) الذي قضى ثمانية شهور في أحدى القلاع .. وفي السجن كتب (البطل الصغير) .. فترى ما يمكن أن يفعله المرء في سجنه .. الخيارات ليست كثيرة إلى حد علمي ..
أصدر المجلس العام حكمه بإعدام (بتراشفسكى) ومعه بعض من حلقته .. أما الباقين فقد قُرر الإفراج عنهم .. بعدها بشهر تم اقتيادهم إلى الميدان ليتم إعدامهم .. قبل هذا عُرض على (نيقولا) أن يخفف الحكم إلى الأشغال الشاقة .. وعلى (دستويفسكى) بثمانية أعوام .. أربعة منهم مسجون .. وأربعة سجّان .. (قرار حكيم حقاً) .. وبالفعل وافق (نيقولا) على ذلك .. إذاً كيف هم على وشك الإعدام ؟! هذا ما سنعرفه بعد قليل ..
قبل إطلاق النار يهرع أحد الضباط راجلاً عن حصانه .. ليخبر قائد فرقة الإعدام أنه صدر قرار بالعفو عنهم وتخفيف العقوبة من الإعدام إلى الأشغال الشاقة .. طبعاً كان هذا حقيقة ولم يكن أحد المساجين طبعاً قد شاهد هذا المشهد من قبل في فيلم عربي سخيف .. بالمناسبة كل جنود فرقة الإعدام تلك كانوا يعرفون ما سيحدث وأنهم لن يطلقوا رصاصة واحدة .. فكانت تلك لعبة محببة لدى أهل السياسة حيث يختار لك المُرّ وهو يملك أن يمنحك الأفضل .. لمجرد أن يراك تتعذب أمامه ثم تحمده بعد ذلك وتشكره على رحمته وقلبه الطيب الذي حنا وعطف على وغد مثلك .. وأخال أهل السياسة الكرام في بلادنا قد وعوا الدرس القيّم ..
طبعاً تجربة الحياة بعد التأكد من الموت ليست سهلة .. وليس هناك الكثيرون يحظون بحياة بعد رفاهية تلقى حكم الإعدام .. فقد أثر هذا بصورة كبيرة على (دستويفسكى) .. وقد شرح بعض من تجربته في روايته الرائعة (الأبله) ..
-
-
الإنسان غير سعيد لأنه لا يعرف أنه سعيد وإن اكتشف ذلك سيصبح سعيد على الفور
-
-
فترة السجن القاسية تلك علمته درس هاماً آخر .. وهو أنه كل مجرم بريء حتى لو أُثبتت إدانته .. حيث أنهم جميعاً مظلومين مقهورين بشكل أو بآخر .. ويلتمس لهم العذر .. وهنا يظهر لنا مشكلة فارقة حتى الآن .. أن البعض يعتبر أن الجريمة تتطلب عقاب .. والبعض يعتبرها تتطلب علاج .. فليس الهدف الانتقام من الشخص المسيء لكن الهدف هو إعادة تأهيله ليصبح من جديد فرد مفيد لمجتمعه ..
في عام 1854 يصبح جندياً على الجبهة .. وهنا يرسل لأخيه رسالة يخبره فيها أن يرسل إليه كل ما يُمكن أن يقرأه .. كتب أباء الكنسية وعلماء الكهنوت .. القرآن .. كتب المؤرخين الكلاسيكيين .. الاقتصاديين الجدد .. كتاب (هيجل) تاريخ الفلسفة .. وكتاب (كانط) نقد العقل المحض ..
من جديد يريد القراءة .. (التي كادت أن تطير رقبته سابقاً) .. باحثاً عن تعويض لأعوام قضاها فيالسجن .. أعوام ذل وامتهان.. أخيراً جاء الفرج على يد البارون الشاب (الكسندر فرانجل) .. والذي كانيحمل رسائل وكتب من (ميشيل) شقيق (فيدور) .. ولأنه مؤمن به وبموهبته .. قام (فرانجل) بكلما في الإمكان كي يعيد للشاب اعتباره .. فمن جديد أدخله الصالونات الأدبية .. وساعده فيأن يحصل على رتبة صف ضابط ..
-
-
لو تريد أن تتعمق داخل روح الإنسان لا تزعج نفسك بمراقبته صامت أو متحدث أو باكٍ أو تصرفاته إزاء الأفعال النبيلة ، إنما عليك – إن أردت نتيجة سليمة – أن تراقبه يضحك .. إن كان يضحك جيداً فهو إنسان جيد ..
-
-
يجد (دستويفسكى) نفسه يتزوج من (ماريا ديمترينا) .. فتهيئ له بعضاً من الراحة التي عاش يحلم بها في السنوات الأخيرة من عقوبة السجن والجندية .. ويكتب كثيراً ويقوم أخوه بأخذ الإذن في نشر أعماله .. المفارقة هنا أن (ميشيل) قامبطبع قصة (فيدور) التي تدعى (البطل الصغير) دون ذكر اسم شقيقه .. فإذا بالقصة تحقق نجاحاً كبيراً يعيدإلى الأذهان سيرة ذلك الشاب الموهوب والذي تحطمت حياته بطريقة درامية.. وتعرضمجلتان – مرة واحدة – عرض نشر رواياته .. فيكتب (فيدور) روايتيه (حلم العم) (ستيبانشيكوفووسكانها) ..
-
-
لتتمكن من طهو أرنب بري عليك أولاً أن تصطاده ..
-
-
يقرر الإخوان إنشاء مجلة أطلقوا عليها أسم (الزمان) .. بينما (دستويفسكى) في تلكالفترة قد عاد – كما كان – لمسيحيته الكاثوليكية .. بل ويعتنق مذهب ليبرالياً وسطي بين أنصارالغرب والصقالبة..
وفى هذه الفترة كتب (مذلون مهانون) ثم أتبعها بــ(رسائل من بيت الموتى) .. التي تُعد يومياته وخواطره داخل غياهب المعتقلات .. نال الكتاب نجاحاً مميزاً .. حيث رسم ببراعة مذهلة – فقد كان هناك من قبل – صورةالمعتقلات وما يدور فيها من وسائل وطرق ليست للترفيه حتماً .. وشكلت ضغطاً كبيراً على الرأي العام .. مما أدى إلى سن قانون الإصلاحالقضائي الذي صدر عام 1864 ..
من جديد يحظى بتقدير القراء والنقاد على حد سواء .. ويصبح النجم البارز في الأدب الروسي ..
-
-
غموض الإنسان ليس فقط بسبب كيف يعيش ولكن لما يعيش ؟!
-
-
دعونا من هذا الآن .. كتب(ستراخوف) مقال في المجلة التي يديرها (دستويفسكى) .. ويصدر وزير الداخلية قراراً بوقف المجلة .. بحجة أنها تنشر حملات تناهضالحكومة وسياستها .. (يبدو أن وزراء الداخلية لديهم هذا الحس الوطني دائماً)
شد الرحال إلى أوروبا تطبيقاً لنصيحة الأطباء .. حيث كان على وشك اكتئاب .. بالإضافة إلى نوبات الصرع .. وكانت نصيحة الأطباء بالذهاب إلى أوروبا .. مكث هناك شهرين كتب خلالهم ما لم ينجح في كتابته غيره ممن عاشوا في أوروبا لسنين .. ربما لأنه رأى أوروبا من وجهة نظر خارجية .. كتب (ملاحظات الشتاء حول ذكرياتالصيف) .. واصفاً فيها الحال الذي وصلت إليه أوروبا .. حيث أنها تقدمت بأشواط هائلة ولكنها خلت من الروح .. مما زاده تمسكاً بالتراث الروسي أي باتجاه الصقالبة .. فكان هناك – كما هو الحال دائماً – من يقول هل الأولى أن نحتفظ بالتراث ونبني عليه الحداثة .. أم نضع التراث خلف ظهرنا ونبدأ من جديد كما نرى ..
-
-
العذاب والألم محتومان لأصحاب العقول الراجحة والقلوب العميقة .. وكلما زادت عظمة الإنسان زادت معاناته ..
-
-
في أوروبا يقع في غرام تلميذته (بولين سوسولوفا) .. التي لم تبادله الحب طبعاً رغم هيامها به .. فهي تحبه كما يحب المصريون الأهرام .. كما يحب الصينيون قمة (أفرست) .. وليس كما يحب المرء حبيبه .. لذا قامت بصده عنها .. وكعادة ما يصادف من محن في حياته سنجدها تتسلل داخل رواياته المُقبلة .. ويتضح دورها جلياً في روايته العبقرية (المقامر) التي كتبها في وقت أدمن فيه المقامرة شخصياً .. والتي تُعد أروع ما كُتب عن داء القمار ..
وهنا نجد العبقري صاحب العقل الفذّ يقع – مثله مثل أي إنسان ضعيف آخر – تحت براثن داء القمار .. ولم يسعفه ذكائه أو عبقريته في تجنب ما يتأتى من ذلك .. فمن هنا يتضح أنه ليس بالضرورة من صاحب كل فكر عظيم وعقل فذّ أن يكون أيضاً صاحب خلق قويم وحياة مستقيمة ..
-
-
لم أمر أبداً بالإحباط والحكمة من ذلك أنني أن لم أنجح في شيء فقط أنسحب منه ..
-
-
ينجح (ميشيل) في الحصول على إذن لإصدار مجلة جديدة تسم (العصر) .. لينشر فيها (دستويفسكى) عملاً مهماًيدعى (في قبوي) .. يتجاهله النقاد ولا يعلقون عليه .. وتتراكم عليه المصائبوالكوارث والديون .. ومما قضّ ظهره إدمان أخيه (ميشيل) الشراب بينما زوجته) ماريا) تحتضر في (موسكو) .. فيسهر بجوارها لكنها تفارقه في أبريل 1864 .. بعد موتهابثلاثة أشهر يصاب أخوه بمرض في الكبد جراء الشراب .. ولم يلبث أن توفى هو الآخر .. (كما لحقت أمه ببوشكين من قبل) ..
وحده يجد نفسه في الدنيا .. وسجله المالي يُرثى له .. وهو كما يعرف جيداً فاشل في المعاملات التجارية والنقدية .. فيجد الديون تتزايد علىكتفيه بينما يترك له أخوه تركة ثقيلة تتعلق بعائلته والمجلة .. وما تراكم عليها من مسئولياتويتطلب الأمر مجموعة من الرجال ذوى البأس والشدة .. فما بالكم بشخص مرهف الحس يعملفي مهنة تتطلب كل تركيز وعمل وهو أصلا شخص مريض ومصاب بالصرع ؟!
بالمناسبة الصرع له نصيب الأسد في رواياته .. حيث سنجده متكرر بصورة أو بأخرى في روايات عدة .. منها رائعته (الأخوة كارامازوف) ..
-
-
وبعد عشرين دقيقة غادرت الكورسال وفي جيبي مائة وسبعون قطعة عملة .. هذه حقيقة يا سيدي ! فانظر ماذا يستطيع الجولدن الأخير أن يفعل ..
(المقامر)
-
-
الحمل أصبح فوق طاقته .. يكتب المقالات والقصص وينقحها ويقوم بإصدار مجلته... لكن الحمل الثقيل يتضاعف عدة مرات ليجد نفسه مضطرا لإيقافها في عام 1865 ..
وفىذلك الوقت بدأ في التعامل مع ناشر خبيث يدعى (ستيلوفسكى) عرض على(دستويفسكى) أن يشترى منه جميع مؤلفاته السابقة في ثلاثة مجلدات بثمن بخس هو ثلاثةآلاف روبل بالإضافة إلى رواية جديدة لم يتم نشرها وإذا لم يقدم مخطوطة الروايةالجديدة في أول نوفمبر عام 1866 فسيفقد جميع حقوقه عن كتبه كلها : ما صدر منها ومالم يصدر فتغدو ملكا للناشر وحده ..
-
-
تطهر الروح بالمكوث مع الأطفال ..
-
-
في تلك الفترة كانت بذرة روايته الفذّة (الجريمة والعقاب) تنبت فيذهنه .. ومع مرور الوقت راحت تتكون وتتسع رقعتها في ساحة عقله .. فتظهر الرواية بالفعل فيفصول متوالية على صفحات مجلة (الرسول الروسي) بموسكو .. فتلاقى نجاحاً مدوياًويستطيع بالثلاثة آلاف روبل التي قبضها بان يسدد جزءاً كبيراً من ديونه ..
لقد فرغ من كتابة رواية(الأبله) التي تقول ببساطة أن هذا العالم مكان قذر للغاية وكل ما هو جميل محكوم عليه بالإعدام .. ويشرع فيالإعداد لروايته الشهيرة (الممسوسين) التي يهاجم فيها الثوريين العدميين أو الفوضويين (الثوري العدمي هو من يرغب في الدمار فحسب .. فقط يرغب في إزاحة السلطة ولا يدرى ما هو فاعل بعدها) .. والتي أوقعته في دائرة الاتهام بالرجعية من قبل الشيوعين فيما بعد .. حيث لم يكن هناك ثوري نظيف واحد (عليه القيمة) في الرواية ..
تمضى الأعوام ويستعد لكتابته روايته الأخيرة والشهيرة (الأخوة كارامازوف) .. الذي كان قد قرر أن تكون أولي أجزاء رباعية تدعى (قصة خاطئ كبير) .. لكنه لن يزيد عن كتابة جزئها الأول لسوء حظنا .. ولسنا بصدد مناقشتها هنا فمناقشتها تحتاج إلى وقت طويل ومجهود كبير وقراءة عميقة ..
-
-
الكلام التافه هو ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية
الجريمة والعقاب
-
-
يشارك أثناء ذلك في تدشين النصب التذكاري لشاعر روسا الأكبر (بوشكين) شاعرهالمفضل ومثله الأعلى فيما مضى ..
فإذا به يلقى خطاباً شهيراً عن عبقرية (بوشكين) ويتكلم فيهعن رسالة الأدب وعن روسيا والغرب ومحاولة التوفيق وصنعحضارة وطنية من عمق الطين والأرض ..
خطاباً مميز للغاية كان خطابه ..كأنه يود أن يبعث برسالته الأخيرة للشعب الروسي ..
كان يود الشروع في كتابة الجزءالثاني من الرباعية لكن صحته انهارت تحت وطأة المرض في ليلة السادس والعشرينمن يناير عام 1881 حيث تدفق الدم الغزير من فمه على أثر انفجار شريان رئيسي في رئته ..
ومشهد الختام في الثامن والعشرين من يناير عام 1881 .. بوداع روسيا لأديبها الكبير (دستويفسكى) الذي دفن في (سان بطرسبرج) تحت أبصار أربعين ألف من عشاق رواياته ..
-
-
إتخاذ خطوة جديدة .. لفظ كلمة جديدة .. تلك هي مخاوف الإنسان الكبرى ..
-
-
إهداء ..
إليه ..
-


-
ملحوظة : من يريد التعليق على ما كتبت أو التعليق على رواية مما كتب الرجل أتمنى منه ألا يبخل علينا بمشاركته ..

-
-

رابعة العدوية
07-10-2006, 09:31 PM
-
الإنسان غير سعيد لأنه لا يعرف أنه سعيد وإن اكتشف ذلك سيصبح سعيد على الفور


بالبدء يعطيك العافية

معلومات قيمة فعلا

وطبعا لاول مرة اطلع عليها

ولاكون صادقة فلم اقرأ ابدا ل (دستويفسكى)

اما لأن الترجمات الموجودة تصيبك بالهذيان

او ربما اكون قرأت ولم تعجبني الترجمة فتركت الكتاب جميعه

عموما سيدي شكرا لك

سؤال على الهامش

ان اردنا ان نضيف كاتبا اخر انبدأ موضوعا جديدا أم ماذا ؟

تحيتي



-

The Riotous
08-10-2006, 08:52 PM
------------------------------------


بالبدء يعطيك العافية
شكراً على الدعم ..
معلومات قيمة فعلا
لأنه بإختصار (دستويفسكي) ..
وطبعا لاول مرة اطلع عليها
متأكد من هذا ..
ولاكون صادقة فلم اقرأ ابدا ل (دستويفسكى)
متأكد من هذا أيضاً ..

اما لأن الترجمات الموجودة تصيبك بالهذيان

او ربما اكون قرأت ولم تعجبني الترجمة فتركت الكتاب جميعه
بالفعل ولهذا نحن نعتبر الأدب العالمي - كما ندعى - هو الأدب الإنجليزي والأمريكي والفرنسي ..
إذاً أين ماركيز وتولستوى وطاغور والخيام ومحفوظ وغيرهم ؟!
وأخال الأدب المجهول الذى لا نعرف عنه شيئاً غالباً ما يكون أعمق من أغلب ما نقرأ من الأدب العالمي السالف ذكره ..

عموما سيدي شكرا لك
ولكِ أيضاً ..

سؤال على الهامش

ان اردنا ان نضيف كاتبا اخر انبدأ موضوعا جديدا أم ماذا ؟
أرجو أن يكون في موضوع جديد حتى نفرد لكل كاتب حقه ..
وأتمنى لو نساهم جميعاً في مكتبة أدبية تضم عدد لا بأس به من الأدباء ..
في حفظ الله تعالى ..

Mr.FMZ
11-10-2006, 03:04 PM
موضوع جميل جداً ..
اعجبني الموضوع وساتابع قراءته ..
اردت ان اسجل اعجابي واشكرك على جهودك ..
يعطيك العافية وبالتوفيق
بدر

The Riotous
13-10-2006, 09:07 PM
موضوع جميل جداً ..
اعجبني الموضوع وساتابع قراءته ..
اردت ان اسجل اعجابي واشكرك على جهودك ..
يعطيك العافية وبالتوفيق
بدر
أشكرك سيدي على قراءتك ..
وعلى الإطراء ولو أن كل الأمر كان بعض ترجمة لا أكثر ..
ولا تحرمنا رأيك ..
في حفظ الله تعالى ..

::MoNa::
26-10-2006, 07:44 AM
تطهر الروح بالمكوث مع الأطفال ..

اها ، في الفترهـ الحاليه أطبق المقوله ( عمليـــاً )

دستويفسكي .. ما يعجبني والأدب الروسي مو مثير ...
الأدب الفرنسي والإنجليزي هم الأفضل
:-)

يعطيك العافيه خيو على مواضيعك :8)

The Riotous
29-10-2006, 12:08 PM
اها ، في الفترهـ الحاليه أطبق المقوله ( عمليـــاً )

دستويفسكي .. ما يعجبني والأدب الروسي مو مثير ...
الأدب الفرنسي والإنجليزي هم الأفضل
:-)

يعطيك العافيه خيو على مواضيعك :8)
بالفعل الأدب الروسي ليس مثير على الإطلاق ..
لكنه - أعتقد - أكثر عمقاً ..
إلى جانب أنه بعيد تماماً عن متناول الأيدي ..
فمن قد يقرأ لتولستوى أو جوركي أو تشيكوف ؟!
طبعاً قلة قليلة ..
شكراً على الدعم ..
ولا تحرمينا رأيكِ ..
في حفظ الله تعالى ..

Exodia
01-11-2006, 05:18 PM
السلام عليكم

مساحة رائعة ٌ للتزود بالمعرفة وللتعمق في الأدب الروسي ...

الفكرة جميلة وأرى أن نستمر في التعريف بالأدباء وبالأدب أياً كان ( روسياً - فرنسياً - انجليزياً ... )

كل الشكر والتقدير لك

The Riotous
14-11-2006, 10:02 AM
السلام عليكم
مساحة رائعة ٌ للتزود بالمعرفة وللتعمق في الأدب الروسي ..
الفكرة جميلة وأرى أن نستمر في التعريف بالأدباء وبالأدب أياً كان ( روسياً - فرنسياً - انجليزياً ... )

كل الشكر والتقدير لك

وعليكم سلام من الله ورحمة ..
أحاول لعب دور نصير الأدب المظلوم قليلاً ..
لذا قد لا ينصب الاهتمام على (الانجليزي - فرنسي) لأنهما الأشهر .. (رغم أني أدرس الأول لكني أخونه :wow: )
شكراً لك أخي على الدعم ..
ولا تحرمنا رأيك ..
في حفظ الله تعالى ..

شوقٌ إلى الأقصى
17-11-2006, 01:25 PM
موضوع رائع فعلًا ..
أوّل مرة أعرف هذه المعلومات عن دستويفسكي .. مشكور عليها :)
على كلٍ لازلت قارئة مبتدئة في كتاباته وفي كتابات الأدب الروسي عامة ً .. وبدا لي أنه " أكثر عمقًا "
كما قلت مسبقًا ..
بوركت ..

The Riotous
22-11-2006, 05:42 PM
على كلٍ لازلت قارئة مبتدئة في كتاباته وفي كتابات الأدب الروسي عامة ً .. وبدا لي أنه " أكثر عمقًا "

الحمد لله ..
ترين أنه أكثر عمقاً ؟!
لم أكن أحلم بأن أعيش لمثل هذا اليوم .. :D
بالفعل الأدب الروسي "رهيب" بالفعل لكنه لم يأخذ حقه ..
فهو كما يقول عنه يحي حقي يُعلّم الأديب أن الأدب لابد وأن يتعدى حدود كونه أدباً فقط يُقرأ ولكنه يصل إلى حد التبشير ذاته !!
وشكراً على الدعم ..
ولا تحرمينا رأيكِ ..
في حفظ الله تعالى ..

-Cheetah-
25-11-2006, 08:12 PM
جميل جدا..
مركز ومختصر وجذاب.
هذا هو ما يمكن وصف هذا العمل به، يمكن أن نزيد أكثر، لكنني أحب الدقة.

الأسلوب جميل جدا، فلا يمكن قول غير ذلك عن أسلوب الدكتور أحمد خالد توفيق.
لكن... ماذا عن أسلوبك أنت؟؟ هل هذا هو؟ آمل ذلك صراحة.

The Riotous
08-12-2006, 12:14 AM
جميل جدا..




مركز ومختصر وجذاب.

هذا هو ما يمكن وصف هذا العمل به، يمكن أن نزيد أكثر، لكنني أحب الدقة.
الأسلوب جميل جدا، فلا يمكن قول غير ذلك عن أسلوب الدكتور أحمد خالد توفيق.
لكن... ماذا عن أسلوبك أنت؟؟ هل هذا هو؟ آمل ذلك صراحة.




يبدو أنك قرأت "عبقري" ..

أعتقد أنني ذكرت أن الموضوع أغلبه منقول من مصادر مختلفة ..
لا استطيع أن أتحدث عن أسلوبي الهزيل ولكن بامكانك الإطلاع على الخواطر السقيمة التي أكتبها هنا ..
في حفظ الله تعالى ..

-Cheetah-
09-12-2006, 05:55 PM
أخي الكريم
من تعجل هلك ومن تمهل سلك.

The Riotous
12-12-2006, 12:33 PM
لا أعرف كيف أعتذر عن الخطأ الشنيع الذي أرتكبته لوحة المفاتيح ..
فلو راجعت الرد السابق تجد أنني عدلتها إلى "أسلوبي" وليس "أسلوبك" .. :blackeye:
فقط خطأ "مطبعي" :) والدليل على هذا أن المعنى هكذا يستقيم ..
شكراً على صبرك الجميل .. :biggthump
ولكن تأكد تماماً أنني لم أقصد قط على أن تكون بالشكل السابق ..
في حفظ الله تعالى ..