المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولــــدي .. قصة قصيرة



شوقٌ إلى الأقصى
23-10-2006, 12:46 PM
مقدمة :


ولــدي ..


يا فرحة عمري التي زالت..


لستُ بعدك سوى بقيّة حياةٍ ماتت ..


يا طيور الحزن ، فوقي حوّمي ، وبأحزن الألحان غنّي وغردي .. وابكِ


معي طاقة أزهار تسمى أيامًا .. لكنها انهارت !!


http://static.flickr.com/25/47702929_73e8aff67b.jpg


(1)





بدأت الشمس ترسل أشعتها من بين ثنايا السحاب شيئًا فشيئًا ، كأنما تعلن عن موعد ظهورها ليستعد لها الكون بمراسم الاستقبال ،


فينحني القمر خجلًا ، ويرحل ،


فتطلع من خلف السحاب بعزة وشموخ، وتمحو ملامح الليل محوًا ..


وأرسلت على نافذة الدكتور سعيد قدرًا من الأشعة كان كافيًا بأن يوقظه ،


فقام وعلى عادة كل صباح اتجه إلى الغرفة المجاروة وفتحها ، وهمّ بأن ينادي على من فيها ولكنه تذكر .. فارتسمت على وجهه علاماتٍ من الحزن واليأس ..


وما هي إلا نصف ساعة حتى وصل الدكتور سعيد إلى عيادته الصغيرة القابعة في وسط القرية ،


تلك العيادة التي على الرغم من صغرها إلا أنها دومًا ممتلئة .. لأنها عيادة الأسنان الوحيدة في البلدة !


في هذا الوقت ..


كانت العيادة خاليّة إلا من مساعد الدكتور سعيد ، فألقى عليه السلام وأمره ألا يُدخل عليه أحد حتى يعطيه الأمر بذلك ..


ودخل حجرة الكشف وحده ، ووضع يديه على وجنتيه وجال فكره وذهب به إلى يوم .. ليس ككل الأيام ..


-----


الشمس حمراء ، ذابلة تودع ذاك الكون الفسيح وداعًا فيه شجن لكل من سيأتي أجله في يومه هذا ولن تشرق عليه ثانية ، وأما سائر الخلق فقد ودعتهم على وعدٍ بلقاءٍ قريب .. أليس الصبح بقريب ؟


وما أن أرخى الليل سدوله ، حتى أُشعلت الأنوار ، ودُقت الأبواق ، وأًُقيمت الموائد ..


وقامت القرية كلها على قدمِ وساق ، فاليوم هو فرح العمدة ، والفرحة مجبرة على الجميع ، وإلا ...!


كانت مراسم الاحتفال في البلدة مبالغ فيها ،الكل يبتسم ، ومن داخله بالحقد يشتعل !!


رفع تابعو العمدة بندقياتهم إلى السماء وجعلوا يطلقون الرصاص على عادة الأفراح في البلدة ،


حتى أخطأت إحدى هذه الرصاصات وأصابت قلب الدكتور سعيد ،


أو لنكن أكثر دقة ، أصابت سويداء قلبه ،


بل قتلت ابنه الوحيد !!


سقط على الأرض كالعصفورالمتهالك الساقط من على الشجرة ،


وعلى يديّ والده ذوى كما تذوي الأزهار .. وتساقطت أنفاسه كاللؤلؤ المتساقط .. ونفث دمًا حتى مات ..


ودّعه بالدموع والنحيب ، بكاه حتى تقرّحت عيناه .. وحزن عليه قلبه َحتى أُدمي ..


ولم يكن جزاء العمدة وتابعه سوى البراءة ، فأنّى لأهل القرية أن يقفوا في صف الدكتور سعيد ضد العمدة وتابعه .. فمن إذن يمنعهم من


بطشهم يوم - حتمًا - سيأخذون البراءة ؟




(2)




صوت الباب الذي فُتح بعنف كان كفيلًا أن يُخرج الدكتور سعيد من أفكاره وذكرياته ، ولم يكن فاتحه إلا عمدة البلدة ،


نظر إليه الدكتور بلا اكتراث ، وقال له : أليس هناك بابًا يطرق قبل الدخول


فهبّ فيه العمدة قائلًا : أيها الأحمق لست أنا من يُـ .. آه آه .. أخلع لي ضرسي وإلا قتلتك ..


مد الدكتور سعيد يديه دونما أن ينظر إلى العمدة وفتح درج مكتبه ، أخرج منه مسدسًا وقال : إذن .. ها هوالمسدس .. اقتلني لو تستطيع !


-ليس قبل أن تخلع لي ضرسي ..


- إذن .. أجلس ..


جلس العمدة على كرسي خشبي قديم ، وأسند رأسه على المسند الخلفي له فشعر أخيرًا بشئ من الارتياح ،


بينما انشغل الدكتور سعيد بتحضير أدواته ،


وبعد انتهاؤه .. فحص السن الملتهبة سريعًا وفي يديه الكلاب الساخن، وفجأة ودون أن يعطي العمدة أي فرصة للحركة أو حتى الاعتراض ، شرع الطبيب في خلع السن الملتهبة دون أي مخدر ..


مسك العمدة بذراعيّ الطبيب محاولًا الفكاك منهما ولكن دونما أي فائدة،


كأن روحه كانت في يديّ الطبيب ، حاول حتى أن يصرخ ويستغيث لكن صوته لم يخرج ،


مسك الدكتور سعيد السن في يديه ونظر إلى العمدة بعينيه المملوأتين بالدموع ، ثم ألقى بالسن على الأرض وأرسل ضحكة مدوّية ..


- آن لك أيها العمدة أن تتجرع الألم غصصًا كما تجرعتُ مرارة الفقد غصة غصة ..


وسكت قليلًا ثم أردف بشجن :أتبكي من سن آلمتك ؟ .. ما بالك بطفلٍ مات برصاصٍ ..


نظر إليه العمدة -وهو واضع منديلًا أبيّض تلوّن بلون الدم على فمه -


نظرة كلها تهديد ووعيد وخرج من الغرفة ،


وترك الدكتور سعيد جالسًا .. ما بين شعور فرحة بأنه أشفى غليله من قاتل ابنه ،


وما بين حزنٍ أن انتقم منه بمهنة الطب !







تمت

شوقٌ إلى الأقصى
23-10-2006, 12:55 PM
ملحوظة *
فكرة طبيب الأسنان والعمدة والمسدس ،، مقتبسة من قصة يوم من هذه الأيام لماركيز ..
على هذا الرابط :
http://montada.com/showthread.php?p=5050036#post5050036

رابعة العدوية
26-10-2006, 10:21 PM
شوق الى الأقصى !

على الرغم من اقتباس الفكرة الا أنني أحببت الصياغة الرائعة لها

تحيتي العذبة لك

هامش صغير "عزيزتي لديك موهبة رائعة جدا بالكتابة فلا تحرمينا من ما تكتبين ! "

د.اسامة الحاتم
26-10-2006, 10:43 PM
قصة رائعة
تسلم الايادي وان شاء الله اروع اروع

شوقٌ إلى الأقصى
31-10-2006, 09:24 PM
شوق الى الأقصى !

على الرغم من اقتباس الفكرة الا أنني أحببت الصياغة الرائعة لها

تحيتي العذبة لك

هامش صغير "عزيزتي لديك موهبة رائعة جدا بالكتابة فلا تحرمينا من ما تكتبين ! "

أهلًا رابعة :) :
مشكورة عزيزتي على المرور والإطراء .. وبإذن الله أشارك في قسمك على قدر استطاعتي ووقتي ..
بوركتِ ..

شوقٌ إلى الأقصى
31-10-2006, 09:25 PM
قصة رائعة
تسلم الايادي وان شاء الله اروع اروع

تسلم د. أسامة ..
مشكور على المرور :)

رفعت خالد
12-11-2006, 07:55 PM
بسم الله الرحمان الرحيم..



أول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة هذا العمل هو قدرة كاتبه على التحكم في الأسلوب و الحفاظ على المستوى اللغوي للقصة حتى لا تظهر تناقضات و اختلالات.. و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على مهارة الكاتب و خبرته في هذا المجال..



و اسمحي لي أختي أن أطلعك على بعض النقاط التي ارتأيت أن أناقشك حولها..

يبدو أنك تعشقين الصور الشعرية و الاستدلالات الرمزية، هذا لاحظته من استعمالك إياها غير ما مرة.. و هي طبعا وسيلة راقية لجعل القطعة الأدبية تتلألأ و تنضح بلاغة و لكن وجودها أحيانا في قلب مشهد تراجيدي أو سرد قصير مقتضب يخلق شيء من التناقض و البلبلة في ذهن القارئ الجيد الذي يعيش مع القصة بوجدانه و لا يمسحها بعينيه فحسب..


و من وجهة نظري الخاصة أرى أنه كلما كان النص بسيطا سلسا يقود القارئ إلى اكتشاف الحقيقة و لا يترك له مجالا للفتور أو النفور.. كلما نجحت القصة في الاستحواذ على وجدان القارئ و مشاعره..


و أخيرا أكرر و أؤكد إعجابي بالقصة الجميلة و إن كانت مقتبسة.. و ما كان نقدي المتواضع إلا مساهمة مني لرفع المستوى الأدبي لمنتدانا و الابتعاد عن الرد المصطنع الذي لا دور له اللهم زيادة طول الصفحة..



و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.

شوقٌ إلى الأقصى
17-11-2006, 01:55 PM
أخي الفاضل رفعت خالد :
السلام عليك ورحمة الله :

بداية ً سعدتُ جدًا بنقدك ، وهذا ما أتمناه وأصبو إليه أصلًا من عرض أعمالي على المنتديات ..
ملاحظتك في محلها أخي الفاضل ، ربما لأني في فترة كنتُ قد بدأت في كتابة الشعر ولكني انصرفت عنه - مؤقتًا - حتى أتمكن منه أكثر بالقراءة والدراسة بإذن الله، و حاليًا أميل أكثر لكتابة الخواطر والمقال ،
أما القصص فليس لي فيها باعٌ طويل ..
فجزاك الله على هذه الملاحظة خيرًا وبإذن الله أحاول الانتباه إليها في المرات القادمة ..
بوركت ..