المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول مذابح الأرمن



nadershakhsher
26-11-2006, 06:54 PM
حول مذابح الأرمن
24/11/2006

بقلمز الكاتب زياد سلامة
في الرابع والعشرين من كل عام يحيي الأرمن ذكرى ما يسمونه الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها من قِبَل السلطات العثمانية عام 1915م، فتعطل الدوائر الرسمية أعمالها ويزور رئيس الدولة والوزراء والسفراء الأجانب نصب ضحايا المذبحة الذي أقامته الحكومة في العاصمة يريفان، وتبدأ مسيرة الشعب إلى النصب طيلة اليوم لوضع الأزهار واسترجاع الذكرى، واستقرت هذه المقولة في الوجدان الشعبي الأرمني، فالأطفال يكررون ما يلقنه لهم آباؤهم عن تلك (المجازر) وما مر بهم من مآس وفواجع إبان عصر الدولة العثمانية، وتزخر الآداب الأرمنية؛ كالقصص والفنون والفلكلور بذكريات الرحيل والإبادة تلك.
لا يمكن تجاوز أي مناسبة أرمنية دون الحديث عن هذه المحنة. بل ويطالب الأرمن المجتمع الدول بالاعتراف بوقوع عملية إبادة جماعية لهم، عندما كانوا يعيشون في ولايات ست تركية شرقي الأناضول، راح ضحيتها مليون ونصف، وتم تهجير مئات الألوف وسوقهم قسراً وقهراً إلى مناطق بلاد الشام والعراق. وأثناء رحلة العذاب هذه قضى الآلاف جوعاً وعطشاً وتعباً وبرداً وسوء رعاية.
ونتيجة للضغط الأرمني من جهة ولمصالح بعض الدول الغربية تنادت برلمانات غربية بإدانة هذه المجازر ومطالبة تركيا بالاعتراف بها الأمر الذي ترفضه تركيا بشدة، ففي عام 2000 ناقش الكونغرس الأميركي مذابح الأرمن، وقد اعترف والبرلمان الأوروبي والبرلمانات الروسية والكندية والألمانية والفرنسية بـ"الجريمة" وتمت مناقشة القضية في السويد في أكثر من جلسة برلمانية، وفي فرنسا أعلن الرئيس جاك شيراك بأنه يجب على أنقرة أن تعترف بالمذبحة التي تعرض لها الأرمن بوصفها إبادة جماعية، وبعد أيام من تصريح شيراك أقر مجلس النواب الفرنسي مشروع قانون يجرم إنكار إبادة الأرمن عام 1915 على أيدي العثمانيين الأتراك.
يذكرنا هذا بقانون جيسو الصادر في فرنسا عام 1990 الذي يعتبر إعادة النظر في تاريخ اليهود وما وقع لهم من "محارق" أثناء الحرب العالمية الثانية على يد النازيين جريمة ضد الإنسانية، وقد حوكم المفكر الفرنسي المسلم روجيه غارودي بناء على هذا القانون.
يستند الأرمن في دعواهم بحدوث الإبادة على شهود عيان ومذكراتٍ وكتب ألفها غربيون لا سيما كتاب السفير الأميركي في الآستانة هنري مورجنثاو "قتل أمة"؛ إذ تحدث عن التهجير الجماعي للأرمن من بيوتهم ومزارعهم وسوقهم نحو الصحراء ليلاقي معظمهم حتفهم جوعاً وعطشاً، ويعتمدون على تقارير السفارات الغربية في الآستانة والقنصل البريطاني في الموصل.
سارعت الدولة العثمانية برفض دعاوى الإبادة فوراً وأصدرت بياناً اتهمت فيه روسيا وفرنسا وبريطانيا التي كانت في حالة حرب معها بأنها وراء الأحداث وأن موظفيها هم الذين حركوا الأرمن ضمن خطة عدائية شملت إثارة عناصر إسلامية ضد الدولة العثمانية وأن قنصليات تلك الدول في بلغاريا ورومانيا قد بذلت قصارى جهدها لحمل الشباب الأرمني على الثورة وان روسيا ألحقت شباب الأرمن بجيوشها وقامت بتسليحهم وتجهيزهم بالقنابل والمخططات لزعزعة الأمن، وأن مؤتمر كوستنجة قد انتهى إلى قرار بإعلان الثورة، وتساءل البيان الحكومي عن فائدة هذه الإبادة على الدولة ما دام أن المواطنين الأرمن مسالمون وليس منهم أي بوادر تمرد وأن هذه التحركات لم تظهر إلى الوجود إلا عندما بدأت الحرب بالاندلاع، وأكدت الدولة بأنها تمكنت من قمع الحركات الثورية الأرمنية من دون أن يكون حاجة إلى القتل العام، والدليل على أن الأرمن لم يكونوا مقصودين بحملة إبادة ضدهم؛ فأرمن الآستانة لم يجر اعتقال سوى 235 شخصاً منهم من أصل ثمانين ألف بتهمة الإخلال بالأمن (تردد أن هدف العثمانيين كان ضد كل مسيحيي الدولة، وأكد البيان انه تم فعلاً نقل (بعض الرعايا الأرمن) من محل إقامتهم إلى أماكن أخرى، وأن ذلك تم بناءً على عدم جواز بقائهم ضمن المناطق العسكرية الحربية.
وأشار البيان التركي أن هدف إثارة هذه المسألة هو التغطية على جرائم هذه الدول ضد المسلمين فقال: " وبالمقابل أليس من الغرابة بمكان ألا تحسب دول الائتلاف الثلاثي إنجلترا وفرنسا وروسيا حساباً للوازع الإنساني عندما لجأت قوى هذه الدول البحرية إلى إصلاء المستشفيات الثابتة والمتنقلة في (جناق قلعة) بنيران مدافعها، وعندما استخدمت روسيا العصاة الأرمن في إعمال السيف في رقاب آلاف المسلمين الساكنين في منطقة (غارس)، كما استخدمتهم في تقتيل أسراها العثمانيين الذين في قبضتها في قفقاسيا، وأهلكتهم من الجوع والعطش".
وقد نفى جمال باشا، وزير الحرب العثماني، في مذكراته أن له علماً بالقرار الذي اتخذته حكومته بنفي الأرمن، كما أنه لم يشترك في المداولات بشأنه، وأكد أن الأرمن قد دبروا ثورة من شأنها أن تجعل مؤخرة الجيش العثماني في القفقاس عرضة لأشد الأخطار التي ستبيده عن بكرة أبيه واحتلال أسيا الصغرى وهذا ما دعا (زملاءه) إلى اتخاذ قرار نقل الشعب الأرمني بأسره إلى جهة أخرى. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى جرت محاكمة لقادة حزب الإتحاد والترقي حيث حوكم غيابياً زعماء الحزب ونسبت إليهم مسؤولية إبادة الأرمن وحكم بإعدامهم؛ وهذا يذكرنا بمحاكمات الحلفاء المنتصرين للنازيين المنهزمين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تمت إدانتهم لمجرد أنهم أعداء، ويذكرنا أيضاً بقول المتنبي: " فيك الخصام وأنت الخصم والحكم".
وقد تتبعتْ عناصر أرمنية القادة العثمانيين وتمت تصفيتهم.
وينكر أتراك ما بعد السلطنة المذابح بما يلي:
1. عدم وقوع هذه الأحداث على نحو ما تصوره أدبيات الأرمن والغربيين.
2. التخوف من مطالبة الأرمن بتعويضات مالية وبأراض تركية.
3. إظهار الندم على اقتراف تلك المذابح هو هجوم على الكبرياء الوطني التركي.
4. التضارب في أرقام الضحايا الأرمن.
5. الشعور بأن الدول الغربية تتذرع بوجوب اعتراف الأتراك بالمذابح ثمنا للسماح لتركيا بدخول الاتحاد الأوروبي، وتعتبر تركيا أن هذه المطالبة ليست جادة بقدر ما هي ذريعة لمنع تركيا من العبور إلى أوروبا؛ والكثير من الساسة والمفكرين الغربيين يلقون مثل هذه المطالب للحيلولة دون دخول تركيا "المسلمة" أوروبا "المسيحية"، يقول رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري الألماني في تصريح له "إن أوروبا تعني: قيماً أساسية مسيحية- غربية، تنويراً، فصل الدين عن الدولة، تعني مساواة تامة بين الرجل والمرأة... ولكن هذا ليس تاريخ تركيا".
6. وراء هذه المطالب الأوروبية دوافع اقتصادية؛ فمعدل الدخل الفردي السنوي في تركيا 2800 دولار مقابل 25000 في ألمانيا مثلاً مما يسبب إرهاقاً دافع الضرائب الأوروبي، في ضوء الدعم والمساعدات المطلوبة لرفع مستوى أداء الاقتصاد التركي إلى مستويات متقاربة مع بلدان الاتحاد الأوروبي.
7. ترمي ألمانيا من إثارة القضية إلى نفي دورها (بالصمت والتآمر) مع الحكومة العثمانية إذ كانتا صديقتين آنذاك. على إثرقرار البرلمان الألماني قالت تركيا بأنها متصالحة مع تاريخها بحكم إيمانها بأن مراجعة التاريخ مهمة المؤرخين والعلماء وليس البرلمانات، وأنها فتحت أرشيفها العثماني رسميا أمام الألمان والأرمن، ولكل من يرغب في إظهار الحقائق.
لقد كان العثمانيون في معركة مصيرية مع روسيا وبريطانيا وفرنسا وبلغاريا وصربيا وإيطاليا واليونان والجبل الأسود ولهم ثماني جبهات عسكرية واسعة وفقدوا الكثير من أراضيهم ويدركون تماماً أن ثورات الأرمن وغيرهم المدعومة من أعدائهم تعني القضاء عليهم تماماً، أضف إلى أن الروس وفي عام 1915 قد اصطحبوا معهم كتائب من المتطوعين الأرمن وقُتل على الجبهة الروسية عشرات الآلاف من المسلمين وتكرر ذبح المسلمين على جبهات القتال مع الإنجليز والفرنسيين.
عام 1912 ارتكب البلغار واليونانيون والصرب الفظائع بالمسلمين. فتقول إحدى الجمعيات الأميركية التي ذهبت للبلقان لتحري الحالة بأن الترك كانوا أرحم جداً وأرأف وأشرف في حربهم من الأمم البلقانية، لكن الصحف الأوروبية لم تنشر هذا التحقيق ولا أشارت إليه. ويتساءل المرء، أخيراً، إن كان منح جائزة نوبل في الآداب للكاتب التركي أورهان باموك بناءً على موهبته الفنية الروائية عالية القيمة أم لإثارته قضايا خلافية مع القناعة التركية حول الأرمن والأكراد، وربما لإدانته علناً فتوى ردة سلمان رشدي.
من المقصود، إذاً، وراء اهتمام البرلمانات الغربية بقضية الأرمن؛ الأتراك وحدهم أم المسلمون جميعا؟

ziadaslameh@yahoo.com