تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مسيرة البؤساء



cherif rouan
09-12-2006, 11:23 PM
كنت أهم بالدخول إلى المسجد وأنا شارد الذهن، أفكر في أحوال العباد المتردية وكأنني مسئولا عما يجري، غلاء فاحش، قدرة شرائية متدهورة، عنف زاحف وانحدار الطبقة المتوسطة التي ينتمي إليها جميع الموظفين من أمثالي.بينما أنا على حالي فإذا بامرأة تعترض سبيلي تطلب حسنة في وقار.لقد مزقني ذلك المنظر.كانت تقف تلك البائسة أمام بوابة المسجد في خشوع جنائزي تحتضن رضيعا تضمه لصدرها تكاد أن تخنقه،ترتدي أسمالا قديمة أكل الدهر عليها وشرب تستر جسدها النحيف على الأنظار لكنها لا تقيها من قساوة البرد ،إنها ترتجف كأوراق الخريف.تقاسيم وجهها توحي للناظر بأنها تعدت العقد الرابع لكنها في الأصل لا تزال في ريعان شبابها خانها الدهر.حسب من اعتادوا على رؤيتها في هذا المكان إنها تدعى آمال وتعيش وحيدة رفقة رضيعها على أطراف المدينة في بيت قصديري رفقة مجموعة من النازحين الذين أصيبوا في الصميم جراء المأساة الوطنية.
فقدت زوجها ذات ليلة في حاجز أمني غير رسمي في المنعرج الأول قبل باب المدينة.لقد سقط مع رفاق السفر في ليلة مشئومة دون أن يدري لماذا ؟
كان يحلم مثله مثل رفاقه بفجر جديد، من المؤكد أنه كان يصبو لحياة أفضل لكنه سقط في المصيدة وسقط معه حلمه المتورد.لم يترك لآمال شيئا سوى حلما منتحرا وغد قاتم ومتاعب لا تحصى ويتيم يجب رعايته والإنفاق عليه.
لم تعد الإعانة العمومية كافية لتلك البائسة مما يتحتم عليها التسول لعل وعسى ترق القلوب الرحيمة وتتصدق لها بشيء.
انسكبت بداخلي معاني العطف والشفقة،أدخلت يدي بجيبي وأخرجت كل ما يحتويه وقدمته لها رغم أن المبلغ هو ثمن الحذاء الذي وعدت ابني أن أشتريه له بعد صلاة الجمعة،وأنا أقدم لها المبلغ رأيت السعادة تغمر وجهها الحزين ولو كانت سعادة مؤقتة لكنها لا توصف.لحظتها فكرت لوكان بإمكاني أن أمسح الحزن على كل الوجوه البائسة على الأرض ولو كان البؤس بشرا لصرعته انتقاما لكل التعساء وإكراما لكل البؤساء.
عدت للبيت بعد الصلاة وذلك المشهد الأليم لم يفارقني وبينما أنا على حالي إذ بأحمد ينتشلني من تفكيري مستفسرا أين الحذاء يا أبتي ؟ ابتسمت وأقنعته بأنني طفت على جميع المحال لكنني لم أجد الحذاء المناسب وأردفت قائلا غدا سأقصد المدينة الجديدة وسآتي لك بأحسن حذاء يبدو أن البضاعة متوفرة وكل الأذواق تلبى،حتما سأجد لك الحذاء الملائم.
قلت هذا وأنا غير متأكد لأنني أفتقر للمبلغ فكرت أن أقترض المبلغ إن وجدت من يقرضني إياه لأن دائرة معارفي محدودة وزملائي في الشغل هم أمثالي وفاقد الشيء لا يعطيه.جيوبهم أنهكتها مصاريف رمضان وما تبقى سيذهب لألبسة العيد إن لم يكن قد ذهب.بدا لي هذا مستحيلا فلم يبق لي سوى الاقتراض من صديق لي قديم عرفته أيام الدراسة الذي ترك مقاعد الدراسة في سن مبكر آخر مرة زرته فيها كان يوم تدشين مكتبه الجديد للتصدير والاستيراد يبدو أن تعاملاته مربحة أظن أن لن يرفض لي طلب.سأقد غدا في أولي ساعات الصباح.
قضيت الليل في أحضان دوامة القلق وتساءلت هل سأجده ؟وفي حالة عدم وجوده كيف يمكن لي أن أتصرف؟ قررت الخلود إلى النوم لكي أصحوا باكرا.وأنا أهم لمغادرة البيت ها بأحمد يذكرني بموعد العيد وبحذائه الموعود.
في طريقي لبيت رابح صادفت رجلا طاعنا في السن يبدو أن سيارته أصابها عطب، عجز عن إقلاعها.رق قلبي وعرضت عليه مساعدتي وهممت لدفعها لعلها تقلع لكن الرجل أفهمني بأن الخلل يبدو أنه خللا ميكانيكيا طلب مني التدخل إن كنت أفقه شيئا.
فحصت البطارية، مولد الطاقة ثم الشموع والى غير ذلك إلى أن اهتديت إلى موطن الخلل.انه خلل بسيط إن تحويل الطاقة الكهربائية من مصدرها غير كاف فما كان علي إلا تغيير الأسلاك المحولة لكي تصل الشحنة الملائمة للمحرك.بعد تصليح الخلل شرحت للرجل ما كان يجب عليه أن يفعله سألني الرجل إن كنت ميكانيكيا ابتسمت في وجهه وأبلغته بأنني موظف كانت لي سيارة مثله وكنت كل نهاية أسبوع أقوم بصيانتها لكن أحمد الله أني تخلصت منها وكنت مضطرا لبيعها يوم أن انزلقت الطبقة المتوسطة نحو الأسفل وأنا معها.مرتبي لم يعد يتحمل لا مصاريفها ولا مصاريف البيت..
وأنا أهم بالانصراف استوقفني الرجل وفتح محفظة كانت بداخل السيارة وأهداني ظرفا من الأظرف التي تحتويها تفاجأت ورفضت هديته لكنه ألح علي وأقنعني بأنه في طريقه لإخراج الزكاة وكل ما بالمحفظة سيسلم للمحتاجين وما دمت قد تخلت من سيارتي مضطرا أصبحت من فئة المحتاجين وأردف قائلا ألم يقال إن المقربون هم أولى بالزكاة ؟
حينها فكرت في مشكلتي وان الرجل على حق.ها هي القدرة الإلهية تغمرني برحمتها وتمدني بحلا لمشكلتي فما كان علي إلا الإمساك بالظرف فحياني الرجل،ركب سيارته واختفى.
فتحت الظرف فوجدت ألفي دينار، ضعف ما تبرعت به لتلك البائسة، شكرت الله وتذكرت كلام جدتي التي كانت تقول لنا نحن الأطفال أن الله يضاعف الحسنات وكانت تقول لأبي حينما تضيق به السبل لو أغلق الله بابا إنما يفتح عشرة. ماتت جدتي
وبقي لنا الله فمن يتمسك بحبله لن يضيع أبدا.
حولت وجهتي لسوق الأحذية اشتريت لأحمد الحذاء وبقي لي ألف دينار لعلها تكون لي سندا ريثما أقبض مرتبي الشهري الذي سينفذ في أسبوعين كسابقيه.
عند عودتي للحي رأيت جموعا من الناس ملتفة حول شاحنة متوقفة،يبدو أن هناك شيء ما حصل.اقتربت من المكان هزني
المشهد، إنها هي.جثة آمال البائسة ورضيعها يسبحان في بركة من الدماء ،يبدو أن الصدمة كانت عنيفة.سمعت أحد الحاضرين يقول بأنها رمت بنفسها أمام العجلات.قلت في نفسي البؤس ولا اليأس.كانت نهاية تلك البائسة مأسوية.
فارقت آمال الحياة لتنته معاناتها اليومية لتبقى معاناتنا نحن الأحياء لنكمل مسيرة البؤساء،دون أن نعلم ما يخبئه لنا الغد.
دخلت البيت قابلني أحمد كعادته مبتسما، راكضا، ناولته الحذاء وانصرف.لم تمض إلا دقائق معدودة ورجع يستفسرني عن الأوضاع الجوية المنتظرة ليوم الغد،أجبته بدون شعور غدا يا حبيبي يكون الجو غير مستقر يشوبه ضباب كثيف مع رؤية متدنية ورديئة مع احتمال سقوط بعض الضحايا عفوا بعض الأمطار لكن يا حبيبي من الأكيد غدا يوم عيد.

الاشعاع
10-12-2006, 06:47 AM
صراحة ابدعت اناملك في تصوير لمحة عن واقعنا المعاش

بكلمات واقعية وبسيطة


سلمت يمناك

KILDON
10-12-2006, 06:04 PM
قصة متقنة الصياغة والألفاظ بحق، لكنني أعتقد أن الفكرة قد إستهلكت في قصص كثيرة، أعنى ذلك الشخص الذي يكون محتاجًا والذي يفعل خيرًا ثم يكافئ بطريقة لا تخطر على باله على فعله للخير

شكرًا لك أخي وأنتظر جديدك.

cherif rouan
12-12-2006, 12:21 PM
[quote=الاشعاع;5142249]
صراحة ابدعت اناملك في تصوير لمحة عن واقعنا المعاش

بكلمات واقعية وبسيطة


سلمت يمناك

ان جئت لبساطة الاسلوب فأنت محق لأن القصة مرت عليها سبع سنوات كاملة كانت أولى قصصي التي أكتبها وكان ذلك في اواخر سنة 1998 وكان وقتها المجتمع الذي انتمي اليه يعيش على وقع تطبيق سياسة الانفتاح الذي تزامن مع سقوط المعسكر الاشتراكي وما ترتب عنه من احداث اثرت
على مجموعة الدول التي كانت تنتهج أسلوب التسيير المشابه لتسيير المعسكر الاشتراكي حيث
سياسة الانفتاح أحدثت زلزالا في المجتمعات واحدثت خللا في الطبقات المكونة لتلك المجتمعات حيث ظهرت للوجود طبقة غير منتجة ثرية وغير متعلمة واندحرت الطبقة المتتوسطة التي كانت عموما تتكون من صغار الموظفين والتجار...
وهنا كان بطلي ينتمي الى تلك الطبقة المتوسطة وبين ليلة وظحاها تخلص من سيارته ولم يعد مرتبه يكفيه كالسابق بل اراد الاقتراض من صديق قديم ترك مقاعد الدراسة في سن مبكر وأصبح ثريا بفظل
ممارسة تجارة الحاويات واسمه رابح...
ان دققت جيدا في خاتمة القصة ستجد في الجملة الاخيرة للبطل رؤية متشائمة لمستقبل غامض نحن نعايشة والذي تنبه له البطل منذ 10 سنوات خلت...

cherif rouan
12-12-2006, 12:37 PM
قصة متقنة الصياغة والألفاظ بحق، لكنني أعتقد أن الفكرة قد إستهلكت في قصص كثيرة، أعنى ذلك الشخص الذي يكون محتاجًا والذي يفعل خيرًا ثم يكافئ بطريقة لا تخطر على باله على فعله للخير




شكرًا لك أخي وأنتظر جديدك.


أولا شكرا لك على زيارة قصتي.
ثانيا أنبهك يا صديقي kildon كما تفضلت به سابقا بأن القصة كتبت منذ 8 سنوات والشيء الاخر بأنك لم تنتبه الى الكلمات المفتاحية التي أهملتها ولم تعطيها حقها ان أحسنت قراءتها لخرجت بانطباع ونتيجة مغايرة لما خرجت به.
لماذا امال؟ولم تكن رباب؟
لماذا رابح وليس فؤاد ؟
لماذا البطل في نهاية القصة وهو يرد على الابن الذي يعتبر الامتداد الطبيعي له ويمثل المستقبل،لماذا يخطأ الاب في الاجابة عن سؤل الطفل له ثم يستدرك؟هل فعل ذلك متعمدا أم مجرد سهوا منه أم كانت الاحوال العامة تفرض عليه ضغطا معنويا حتى أثر على تفكيره...
تلك هي الاستنتاجات التي كان لك ان تخرج بها من نص بدى لك مستهلكا.
مع مودتي واحترامي لك.