رفعت خالد
30-12-2006, 09:52 PM
إلحق.. حرامي!!
يوميات طالب بالجامعة.. لا مكان للخيال و التخريف.. إنها حقائق حقة و حقيقية كل الحقيقة..
كأنك تراها بأم عينك !..
بسم الله الرحمان الرحيم
استيقظت يوم إثنينٍ، متذمرا كعادتي، لاعنا المنبه و كل شيء أمامي.. و أستطيع تشبيه نفسيتي حينئذ بنفسية مجرم فرغ لتوه من تمزيق ضحيته إلى قطع لحمية!.. فويل لمن تكلم معي وقتها!..
حشوت حقيبتي السوداء بملابس و أواني و أشياء أخرى مما جعل وزنها يُضاهي وزن سفينة (تايتانيك)!، و ملأت محفظتي، السوداء هي الأخرى، بأكوام الدفاتر التي تضم ما لذ و طاب من العلوم و العلاقات!..
في محطة سيارات الأجرة وجدت، لحسن حظي، زميلان لي بالجامعة.. ألقيت عليهما التحية، فسألني أحدهما، و قد قـوّس حاجبيه في خطورة، عن ماهية ما أحمله بحقيبتي الضخمة!.. و أبدى الآخر مُلاحظة سخيفة، مُفادهـا أننا ذاهبان إلى الجامعة و ليس إلى ميناء تجاري لنصدر السلع !..
كنا ثلاثتنا ننتظر بملل قدوم راكبين آخرين لتمتلئ السيارة اللعينة، و كل واحد يحمل بظهره و يداه و رجلاه ما بين ثلاث و عشر حقائب !..
جـاء أخيرا عجوز و امرأة.. و الغريب أن الراكبين الأخيرين يكونان دوما عجوزا و امرأة !..
لن أصف داخل سيارة الأجرة، لأن كل ما أذكره هو رجل أشعث، عصبي.. أشار إلينا بركوب السيارة.. فاكتشفت بعد ذلك، بصعوبة، أنه السائـق!.. ثم بعد أن حشرت جسدي بين الأجساد، سقط رأسي و رائي و خطفني النوم !..
فتحتهما (عيناي طبعا).. لأرى مدينة (بني ملاّل) غارقة في الضباب، الذي لا أستطيع الجزم بكونه ضباب السماء أو ضباب عينيّ الناعستين !..
نزلنا من (الطاكسي) البيضاء لنبحث عن طاكسي صفراء حتى تحملنا إلى الجامعة !..
أكثر الطاكسيات التي نشير لها يُرعب سائقيها لكثرة الحقائب، فيزيدون من سرعتهم و يبتعدون هاربين !..
توقف أخيرا أحد المحسنين.. ملأنا صندوق السيارة الخلفي و ملأنا سطحها، ثم حملنا بأيدينا ما تبقى من الحقائب !..
حقّا، سيارات الأجرة الصفراء أفضل بكثير من البيضاء.. فهي على الأقل لا تُصدر صوت المحرّك الشنيع مما يُتيح لنا سماع موسيقى الراديـو بوضوح !..
أرى بجانبي الطريق عشرات الطلبة المساكين، يُشيرون بيأس إلى الطاكسيات الملأى.. مساكين !..
توقفت كتلة الحديد الصفراء أمام باب الحي الجامعي.. نزلنا بهدوء و رؤوسنا سكرى بالموسيقى.. نقدت السائق الوديع بضع دُريهمات كما فعل صاحباي و أنزلنا الحقائب من فوق بهدوء شديد أثار حنق السائق الوديع، فصرخ فينا أن أسرعوا يا حمقى فلستم الزبائن الوحيدين في العالم !..
أسرعنا و قد أخافنا عويله، و ما إن حملت آخر حقيبة حتى اختفى من مكانه بسرعة عجيبة..
كان الجو رائعا، و النسيم عليل.. الحقائب مكدسة أمامنا، انحنى كل منا يحمل ما له.. ارتديت محفظتي و حملت كيسا بلاستيكيا و.. لماذا أشعر أن الحمولة أخف من اللاّزم ؟؟.. هل أصبحت قويا فجأة ؟.. لحظة !.. أين حقيبتي السوداء العملاقة ؟..التفت بهلـع إلى (محمد) لأجد وجهه مشوها من أثر التفكير في لغز لم يفهمه هو الآخر !..
صحت عــاليا:
- الحقائب في صندوق السيارة يا غبيان.. لقد نسيناها !..
- يا لذكائـك !..
أجابني بها الآخر و هو يلتفت بجنبيه..
ركضت و عقلي قد قُلب رأسا على عقب.. هناك سيارة أجرة صفراء.. عدوت نحوها و قلت، لاهثا، لسائقها الذي يبتسم مع إحدى الزبونات !..
- لقد ابتعدت سيارة أجرة منذ لحظات و بها حقائبنا، أرجوك أسرع ورائها..
و دونما انتظار جواب صعدت بالخلف و صفقت الباب ورائي حتى كاد ينخلع !..
و بدأت المطاردة !..
* * *
كان السائق الشاب يلوك العلكة و يردد أغنية شعبية تصدح من جهاز الراديو.. و من حين لآخر يرفع الصوت أكثر فأكثر.. ثم يزيد من سرعة السيارة !.. لا أذكر أني درست علاقة رياضية تجمع بين الصوت و السرعة و لكنه كان يزاوج بينهما بشكل عجيب !..
أغنية سخيفة.. صوت السائق الأجش، المرعب.. سرعةٌ تُنافس سرعة (شوماخار) ذاته !.. رائحة دخان خانقة و..
أصبح الأمر لا يطاق، أردت إخباره بإعادتي للكلية و أن يذهب هو و السائق السّارق و الحقائب كلهم إلى الجحيم.. و لكني صبرت و احتسبت و تذكرت أن الله مع الصابرين.. فحاولت إقناع نفسي أنه لم يتجاوز المائة رغم أن عيناي التصقتا برعب على لوحة القيادة و قد أشارت العقارب بها إلى رقم مائة و أربعون !!..
صاح عاليا و بنشوة و حماس.. (لم أصل في حياتي إلى مائة و أربعون قط !).. ثم أردف قائلا بعد أن شعر بسخافته: (أيمكنك تمييزه وسط كل هذا الكم الهائل من السيارات الصفراء ؟؟..
أجبت و قد أغاظتني بلادته: (لا أملك نظارات سوبرمان للأسف !)..
تجاوزها الواحدة تلو الأخرى و أنا أشرأبُّ بعنقي من خلال الزجاج عساني أرى السائق اللعين !..
ابتعدنا كثيرا و نفذ صبري فأصبحت جالسا على أعصابي، إذ أن حقيبتي (المرحومة) كانت تحوي كل أنواع الأواني و الأجهزة التي تتخيلها.. باستثناء آلة الغسيل و آلة الخياطة طبعا !..
و بينما تمكن مني اليأس و الإحباط و الاستسلام و الخنوع و الخضوع و الإذعان.. إلى درجة أني كنت أفكر بجدية في فتح الباب و رمي نفسي إلى الطريق !.. لمحت ملامح ذلك السائق الوديع.. نعم لقد لمحته !.. يا لفرحتي !..
(إنه هو.. إنه هو.. أطلق المنبه !..
أشرت بيدي و طرقت بها الزجاج.. ندبت خدّي و أخرجت رأسي من النافذة.. و لكن لا عين و لا أذن لمن تنادي !..
كان شاردا، سائحا، غائبا تماما.. يضع يديه على المقود و في وجهه كل علامات الملل و السأم.. لا تهمني همومه على أية حال بقدر ما تهمني الحقيبة الآن..
لمحني أخيرا.. لم يفهم شيئا في البداية من إشاراتي البلهاء ثم بعد أن مثلت أمامه مسرحية كاملة من الحركات الصامتة أومأ برأسه متفهما..
(أووووف... لقد فهم أخيرا !..
* * *
و هكذا رجعت إلى صديقيّ أحمل راية الإسلام !.. آ آ.. أقصد، أحمل الحقائب و قد تقوّس ظهري لثقلها !.. فهنئوني و مدحوا شجاعتي و جرأتي و.. و قد كان توفيقا و تيسيرا من الله جلّ في عُلاه..
و إلى فلم هوليودي آخر إن شاء الله..
رفعت خـالد
يوميات طالب بالجامعة.. لا مكان للخيال و التخريف.. إنها حقائق حقة و حقيقية كل الحقيقة..
كأنك تراها بأم عينك !..
بسم الله الرحمان الرحيم
استيقظت يوم إثنينٍ، متذمرا كعادتي، لاعنا المنبه و كل شيء أمامي.. و أستطيع تشبيه نفسيتي حينئذ بنفسية مجرم فرغ لتوه من تمزيق ضحيته إلى قطع لحمية!.. فويل لمن تكلم معي وقتها!..
حشوت حقيبتي السوداء بملابس و أواني و أشياء أخرى مما جعل وزنها يُضاهي وزن سفينة (تايتانيك)!، و ملأت محفظتي، السوداء هي الأخرى، بأكوام الدفاتر التي تضم ما لذ و طاب من العلوم و العلاقات!..
في محطة سيارات الأجرة وجدت، لحسن حظي، زميلان لي بالجامعة.. ألقيت عليهما التحية، فسألني أحدهما، و قد قـوّس حاجبيه في خطورة، عن ماهية ما أحمله بحقيبتي الضخمة!.. و أبدى الآخر مُلاحظة سخيفة، مُفادهـا أننا ذاهبان إلى الجامعة و ليس إلى ميناء تجاري لنصدر السلع !..
كنا ثلاثتنا ننتظر بملل قدوم راكبين آخرين لتمتلئ السيارة اللعينة، و كل واحد يحمل بظهره و يداه و رجلاه ما بين ثلاث و عشر حقائب !..
جـاء أخيرا عجوز و امرأة.. و الغريب أن الراكبين الأخيرين يكونان دوما عجوزا و امرأة !..
لن أصف داخل سيارة الأجرة، لأن كل ما أذكره هو رجل أشعث، عصبي.. أشار إلينا بركوب السيارة.. فاكتشفت بعد ذلك، بصعوبة، أنه السائـق!.. ثم بعد أن حشرت جسدي بين الأجساد، سقط رأسي و رائي و خطفني النوم !..
فتحتهما (عيناي طبعا).. لأرى مدينة (بني ملاّل) غارقة في الضباب، الذي لا أستطيع الجزم بكونه ضباب السماء أو ضباب عينيّ الناعستين !..
نزلنا من (الطاكسي) البيضاء لنبحث عن طاكسي صفراء حتى تحملنا إلى الجامعة !..
أكثر الطاكسيات التي نشير لها يُرعب سائقيها لكثرة الحقائب، فيزيدون من سرعتهم و يبتعدون هاربين !..
توقف أخيرا أحد المحسنين.. ملأنا صندوق السيارة الخلفي و ملأنا سطحها، ثم حملنا بأيدينا ما تبقى من الحقائب !..
حقّا، سيارات الأجرة الصفراء أفضل بكثير من البيضاء.. فهي على الأقل لا تُصدر صوت المحرّك الشنيع مما يُتيح لنا سماع موسيقى الراديـو بوضوح !..
أرى بجانبي الطريق عشرات الطلبة المساكين، يُشيرون بيأس إلى الطاكسيات الملأى.. مساكين !..
توقفت كتلة الحديد الصفراء أمام باب الحي الجامعي.. نزلنا بهدوء و رؤوسنا سكرى بالموسيقى.. نقدت السائق الوديع بضع دُريهمات كما فعل صاحباي و أنزلنا الحقائب من فوق بهدوء شديد أثار حنق السائق الوديع، فصرخ فينا أن أسرعوا يا حمقى فلستم الزبائن الوحيدين في العالم !..
أسرعنا و قد أخافنا عويله، و ما إن حملت آخر حقيبة حتى اختفى من مكانه بسرعة عجيبة..
كان الجو رائعا، و النسيم عليل.. الحقائب مكدسة أمامنا، انحنى كل منا يحمل ما له.. ارتديت محفظتي و حملت كيسا بلاستيكيا و.. لماذا أشعر أن الحمولة أخف من اللاّزم ؟؟.. هل أصبحت قويا فجأة ؟.. لحظة !.. أين حقيبتي السوداء العملاقة ؟..التفت بهلـع إلى (محمد) لأجد وجهه مشوها من أثر التفكير في لغز لم يفهمه هو الآخر !..
صحت عــاليا:
- الحقائب في صندوق السيارة يا غبيان.. لقد نسيناها !..
- يا لذكائـك !..
أجابني بها الآخر و هو يلتفت بجنبيه..
ركضت و عقلي قد قُلب رأسا على عقب.. هناك سيارة أجرة صفراء.. عدوت نحوها و قلت، لاهثا، لسائقها الذي يبتسم مع إحدى الزبونات !..
- لقد ابتعدت سيارة أجرة منذ لحظات و بها حقائبنا، أرجوك أسرع ورائها..
و دونما انتظار جواب صعدت بالخلف و صفقت الباب ورائي حتى كاد ينخلع !..
و بدأت المطاردة !..
* * *
كان السائق الشاب يلوك العلكة و يردد أغنية شعبية تصدح من جهاز الراديو.. و من حين لآخر يرفع الصوت أكثر فأكثر.. ثم يزيد من سرعة السيارة !.. لا أذكر أني درست علاقة رياضية تجمع بين الصوت و السرعة و لكنه كان يزاوج بينهما بشكل عجيب !..
أغنية سخيفة.. صوت السائق الأجش، المرعب.. سرعةٌ تُنافس سرعة (شوماخار) ذاته !.. رائحة دخان خانقة و..
أصبح الأمر لا يطاق، أردت إخباره بإعادتي للكلية و أن يذهب هو و السائق السّارق و الحقائب كلهم إلى الجحيم.. و لكني صبرت و احتسبت و تذكرت أن الله مع الصابرين.. فحاولت إقناع نفسي أنه لم يتجاوز المائة رغم أن عيناي التصقتا برعب على لوحة القيادة و قد أشارت العقارب بها إلى رقم مائة و أربعون !!..
صاح عاليا و بنشوة و حماس.. (لم أصل في حياتي إلى مائة و أربعون قط !).. ثم أردف قائلا بعد أن شعر بسخافته: (أيمكنك تمييزه وسط كل هذا الكم الهائل من السيارات الصفراء ؟؟..
أجبت و قد أغاظتني بلادته: (لا أملك نظارات سوبرمان للأسف !)..
تجاوزها الواحدة تلو الأخرى و أنا أشرأبُّ بعنقي من خلال الزجاج عساني أرى السائق اللعين !..
ابتعدنا كثيرا و نفذ صبري فأصبحت جالسا على أعصابي، إذ أن حقيبتي (المرحومة) كانت تحوي كل أنواع الأواني و الأجهزة التي تتخيلها.. باستثناء آلة الغسيل و آلة الخياطة طبعا !..
و بينما تمكن مني اليأس و الإحباط و الاستسلام و الخنوع و الخضوع و الإذعان.. إلى درجة أني كنت أفكر بجدية في فتح الباب و رمي نفسي إلى الطريق !.. لمحت ملامح ذلك السائق الوديع.. نعم لقد لمحته !.. يا لفرحتي !..
(إنه هو.. إنه هو.. أطلق المنبه !..
أشرت بيدي و طرقت بها الزجاج.. ندبت خدّي و أخرجت رأسي من النافذة.. و لكن لا عين و لا أذن لمن تنادي !..
كان شاردا، سائحا، غائبا تماما.. يضع يديه على المقود و في وجهه كل علامات الملل و السأم.. لا تهمني همومه على أية حال بقدر ما تهمني الحقيبة الآن..
لمحني أخيرا.. لم يفهم شيئا في البداية من إشاراتي البلهاء ثم بعد أن مثلت أمامه مسرحية كاملة من الحركات الصامتة أومأ برأسه متفهما..
(أووووف... لقد فهم أخيرا !..
* * *
و هكذا رجعت إلى صديقيّ أحمل راية الإسلام !.. آ آ.. أقصد، أحمل الحقائب و قد تقوّس ظهري لثقلها !.. فهنئوني و مدحوا شجاعتي و جرأتي و.. و قد كان توفيقا و تيسيرا من الله جلّ في عُلاه..
و إلى فلم هوليودي آخر إن شاء الله..
رفعت خـالد