المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة آثار المعاصي على الإنسان العاصي "لا بد أن تكون موجودة فيه"



الداعي إلى الله
01-01-2007, 09:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ها نحن الآن نجمع وننقل بعض من درر الإمام ابن القيم الجوزية –رحمه الله-
و مما اخترته من كلامه واختصرته "آثار الذنوب والمعاصي على الإنسان"
وقد أجاد فيه رحمه الله , فأحببت أن أختصر كلامه للأخوة الأعضاء في هذا الموضوع ..
وبإذن الله سأضع في كل يوم أثر من آثار تلك المعاصي التي ذكرها ابن القيم في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) كل الآثار القادمة من كلامه ...

نقلا من الأخ حنبلي ... من منتدى أخر وهو صاحبي فأحببت أن تعم الفائدة ...


يتبع في الرد الذي يليه ....

الداعي إلى الله
01-01-2007, 10:09 AM
ونبدأ أولا بتمهيد لتلك السلسلة وهي أيضا من كلام ابن القيم رحمه الله..

ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولا بد أن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر ..



وهل في الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟

فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟

وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع وبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحا وبالجنة نارا تلظى وبالإيمان كفرا وبموالاة الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش وبلباس الإيمان لباس الكفر والفسوق والعصيان فهان على الله غاية الهوان وسقط من عينه غاية السقوط وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه ومقته أكبر المقت فأرداه فصار قوادا لكل فاسق ومجرم رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك..

وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟

وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟

وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟

وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعا ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ولإخوانهم أمثالها وما هي من الظالمين ببعيد؟

وما الذي قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظى؟

وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟

وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟

وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا؟

وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟

وما الذي بعث على بنى إسرائيل قوما أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علو تتبيرا؟

وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملوك ومرة بمسخهم قردة وخنازير وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}

قال الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال:
" لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت:
يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله فقال: ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما أمة هي قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى"

وقال علي بن الجعد: أنبأنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا البختري يقول: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم"

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:
"إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون قال: بلى قلت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان"

وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفى كنفه ما لم يمال قراؤها أمراءها وما لم يزك صلحاؤها فجارها وما لم يهن خيارها أشرارها فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر"

وفي المسند من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"

وفيه أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قلنا: يا رسول الله أمن قلة منا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل تنزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهة الموت"

وفى المسند من حديث أنس قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:
" لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوهم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم"

وفى جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز وجل: أبي يغترون؟ وعلي؟ يجترئون في حلفت لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيران"

وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:
"إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيرا فقال: يا هذا اتق الله فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم"

وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال:
"أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم قال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم".

وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال:
" بعث الله عز وجل ملكين إلى قرية: أن دمراها بمن فيها فوجدا فيها رجلا قائما يصلي فى مسجد فقالا: يا رب إن فيها عبدك فلانا يصلي فقال الله عز وجل: دمراها ودمراه معهم فإنه ما تمعر وجهه في قط "

وذكر الحميدي عن سفيان بن عيينة قال: حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر:
"أن ملكا أمر أن يخسف قرية فقال: يا رب إن فيها فلانا العابد فأوحى الله عز وجل إليه: إن به فابدأ فإنه لم يتمعّر وجهه في ساعة قط "

وفي مناقب عمر لابن أبي الدنيا:
"أن الأرض تزلزلت على عهد عمر فضرب يده عليها وقال: مالك؟ ومالك؟ أما إنها لو كانت القيامة حدثت أخبارها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة فليس فيها ذراع ولاشبر إلا وهو ينطق "

وذكر الإمام أحمد عن صفية قالت:
"زلزلت المدينة على عهد عمر فقال: يأيها الناس ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم لإن عادت لا أساكنكم فيها"

وقال كعب:
"إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي فترعد فرقا من الرب جر جلاله أن يطلع عليها"

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار:
"أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد وقد كتبت إلى الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله عز وجل قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وقولوا كما قال آدم: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقولوا كما قال نوح: {وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقولوا كما قال يونس: {لا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}".


وقال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال:
"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ظن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم" ورواه أبو داود بإسناد حسن.

وذكر ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس يرفعه قال:
"يأتي زمان يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء قيل: مما ذاك يا رسول الله؟ قال: مما يرى من المنكر لا يستطيع تغييره "

وذكر الإمام أحمد من حديث جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب"

وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحماربرحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال:إني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه"

قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد قال: سمعت الأوزاعي يقول: سمعت بلال ابن سعد يقول:
"لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت"

وقال الفضيل بن عياض:
" بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله" .



يتبع غدا إن شاء الله
الآثار

أبومعاذ السلفي
01-01-2007, 11:23 AM
مشكوووووووور أخوي على الموضوع الأكثر من رائع
والحمد لله عندي هذا الكتاب وقرأته كله
وانصح الأخوة إلي ما عندهم الكتاب ان يشتروه أو ان يقرؤو موضوع أخونا جزاه الله كل خير

الداعي إلى الله
02-01-2007, 03:52 PM
هلا اخوي أبو معاذ السلفي ...

العفو اخوي

وأشكرك على النصحية والرد الطيب

الداعي إلى الله
02-01-2007, 03:54 PM
تكملة السلسلة ...

الآن تبدأ تلك السلسة:

وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله :

فمنها: حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفىء ذلك النور
ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية .

وقال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بان العلم فضل ** وفضل الله لايؤتاه عاصي

ومنها: حرمان الرزق وفي المسند "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"كما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر فما استجلب رزق بمثل ترك المعاصي

ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة أصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام فلو لم تترك الذنوب إلا حذرا من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حريا بتركها

وشكا رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له:

إذا كنت قد أوحشتك الذنوب ** فدعها إذا شئت واستأنس

وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان


يتبع غدا إن شاء الله

أبومعاذ السلفي
02-01-2007, 06:52 PM
أنا مش شايف ردود في الموضوع
يا جماعة والله هذا الكتاب قييم جداً
إقرؤوه ، نصيحة لوجه الله لاتفوتوا هذا الموضوع من بين إيديكم

الداعي إلى الله
03-01-2007, 05:12 PM
تكملة السلسلة ...


ومنها: الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم فإنه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بَعُد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه
وقال بعض السلف إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي .

ومنها: تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا ويالله العجب ! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم من أين أتى؟

ومنها: ظلمته يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم ادلهَمّ فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادا فيه حتى يراه كل أحد
قال عبد الله بن عباس: "إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق"

ومنها: أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لاتزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوى قلبه قوى بدنه وأما الفاجر فإنه وإن كان قوى البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم عند أحوج ما كانوا إليها وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم؟

ومنها: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله وتقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان ..


يتبع غدا إن شاء الله

D.D.S
03-01-2007, 11:30 PM
جزاك الله خيرا أخي الكريم ..

بارك الله فيك

وبالتوفيق

==

الوردة الجريحة
04-01-2007, 01:54 AM
كلام الشيخ إبن القيم درر وكلها حق
فعلا للذنوب وحشة وضيق لا ينفرج إلا بتركها والإبتعاد عنها

جزاك الله خيرا أخي الداعي إلى الله
وفقك الله على هذا الاختيار الطيب
بارك الله فيك

الداعي إلى الله
04-01-2007, 04:28 AM
وإياك اخوي D.D.S

وفيكم بارك الله

وأشكرك على الرد الطيب اخوي

الداعي إلى الله
04-01-2007, 04:29 AM
وإياكِ اختي الوردة الجريحة ..

وأشكركِ على الرد الطيب اختي ...

الداعي إلى الله
04-01-2007, 01:37 PM
تكملة السلسلة ....


ومنها: أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر
وقد اختلف الناس في هذا الموضع :

فقالت طائفة: نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي .
وقالت طائفة: بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده .

قالوا: ولا يمتنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب فالأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة والصحة والمرض والغنى والفقر وإن كانت بقضاء الربّ عز وجل فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها .

وقالت طائفة: أخرى تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن حقيقة الحياة هي حياة القلب ولهذا جعل الله سبحانه الكافر ميتا غير حي كما قال تعالى: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} فالحياة في الحقيقة حياة القلب وعمر الإنسان مدة حياته فليس عمره إلا أوقات حياته بالله فتلك ساعات عمره فالبر والتقوى والطاعة تزيد في هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها ..

وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد ِغبّ إضاعتها يوم يقول: {يا ليتني قدمت لحياتي} فلا يخلوا إما أن يكون له مع ذلك تطلع إلى مصالحه الدنيوية والأخروية أو لا فإن لم يكن له تطلع إلى ذلك فقد ضاع عليه عمره كله وذهبت حياته باطلا وإن كان له تطلع إلى ذلك طالت عليه الطريق بسبب العوائق وتعسرت عليه أسباب الخير بحسب اشتغاله بأضدادها وذلك نقصان حقيقي من عمره .

وسر المسألة أن عمر الإنسان مدة حياته ولا حياة له إلا بإقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته ..


يتبع غدا إن شاء الله

الداعي إلى الله
06-01-2007, 01:48 PM
تكملة السلسلة ....

ومنها:

أن المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها: اعملني أيضا فإذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلم جرا فيتضاعف الربح وتزايدت الحسنات وكذلك كانت السيئات أيضا حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وأعيت عليه مذاهبه حتى يعاودها حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية إليها إلا لما يجد من الألم بمفارقتها كما صرح بذلك شيخ القوم الحسن بن هاني حيث يقول:

وكأس شربت على لذة ** وأخرى تداويت منها بها

وقال الآخر:

فكانت دوائى وهي دائي بعينه ** كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

لايزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه وتعالى برحمته عليه الملائكة تؤزه إليها أزا وتحرضه عليها وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها ولايزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزه إليها أزا فالأول قوى جند الطاعة بالمدد فصاروا من أكبر أعوانه وهذا قوى جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه.



يتبع غدا إن شاء الله

الداعي إلى الله
08-01-2007, 02:56 AM
تكملة السلسلة ....


ومنها:

وهو من أخوفها على العبد أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب إلى الله فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها عازم على مواقعتها متى أمكنه وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.

ومنها:

أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه وهو عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها..

فيقول: يا فلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لا يعافون ويسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافا إلا المجاهرين وإن من الإجهار أن يستر الله العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول: يا فلان عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فتهتك نفسه وقد بات يستره ربه"

ومنها:

أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل

فاللوطية ميراث عن قوم لوط..
وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب..
والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون..
والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود..
فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم وهم أعداء الله

وقد روى عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه عن مالك بن دينار قال:"أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك لا يدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي ولا يطعموا مطاعم أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي"

وفي مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم"



يتبع غدا إن شاء الله

الداعي إلى الله
09-01-2007, 08:20 AM
تكملة السلسلة ....


ومنها:

أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه قال الحسن البصري: هانوا عليه فصعوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفا من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه ..


ومنها:

أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار"

ومنها:

أن غيره من الناس والدّواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم قال أبو هريرة: إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم

وقال مجاهد: إن الهائم تلعن عصاة بنى آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول: هذا بشؤم معصية ابن ادم .

وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم.فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنه من لا ذنب له .


ومنها:

أن المعصية تورث الذل ولا بد فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ا} أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله
وكان من دعاء بعض السلف: "اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك"

قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه

وقال عبد الله بن المبارك:



رأيت الذنوب تميت القلوب ** وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب ** وخير لنفسك عصيانها
وهل أفسد الدين إلا الملوك ** وأحبار سوء ورهبانها؟


يتبع غدا إن شاء الله

سانوسوكى
11-01-2007, 10:51 PM
السلام عليكم

جزاك الله خير اخى فعلا موضوع مفيد جدا

الداعي إلى الله
12-01-2007, 12:50 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وإياكِ اختي

وأشكركِ على الرد الطيب

الداعي إلى الله
12-01-2007, 12:52 PM
تكملة السلسلة ....

ومنها:

أن المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفيء نور العقل ولابد وإدا طفئ نوره ضعف ونقص وقال بعض السلف: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله .
وهذا ظاهر فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى أو قهره هو مطلع عليه وفي داره وعلى بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان ينهاه وواعظ الموت ينهاه وواعظ النار ينهاه والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها فهل يقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم ..

ومنها:

أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كما قال بعض السلف: في قوله تعالى: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قال هو الذنب بعد الذنب

وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب

وقال غيره: لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم

وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفله فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.



يتبع غدا إن شاء الله

الداعي إلى الله
27-01-2007, 09:48 PM
أعتذر عن التأخير بسبب الإمتحانات ...

تكملة السلسلة ...

ومنها:

أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لعن على معاصي والتي غيرها أكبر منها فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة:

فلعن الواشمة والمستوشمة والواصلة والموصولة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة

ولعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده

ولعن المحلل والمحلل له

ولعن السارق

ولعن شارب الخمر وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليه

ولعن من غير منار الأرض وهي أعلامها وحددوها

ولعن من والديه

ولعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا يرميه بسهم

ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء

ولعن من ذبح لغير الله

ولعن من أحدث حدثا أو آوى محدثا

ولعن المصورين

ولعن من عمل عمل قوم لوط

ولعن من سب أباه وأمه

ولعن من كمه أعمى عن الطريق

ولعن من أتى بهيمة

ولعن من وسم دابة في وجهها

ولعن من ضار مسلما أو مكر به

ولعن زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج

ولعن من أفسد امرأة على زوجها أو مملوكا على سيده

ولعن من أتى امرأة في دبرها وأخبر أن من باتت مهاجرة لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح

ولعن من انتسب إلى غير أبيه وأخبر أن من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه

ولعن من سب الصحابة

وقد لعن الله "في كتابه" من أفسد فى الأرض وقطع رحمه وآذاه وآذى رسوله صلى الله عليه وسلم

ولعن من كتم ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى

ولعن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بالفاحشة

ولعن من جعل سبيل الكافر أهدى من سبيل المسلم

ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل

ولعن الراشي والمرتشي والرائش وهو الواسطة في الرشوة

ولعن على أشياء أخر غير هذه ..

فلو لم يكن في فعل ذلك إلا رضاء فاعله بأن يكون ممن يعلنه الله ورسوله وملائكته لكان في ذلك ما يدعو إلى تركه.



أعاذنا الله وإياكم من أن نكون منهم


يتبع غدا إن شاء الله