المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا كل هذا الهجوم يا جريدة الحياة على رواية حكومة الظل؟



حمدانو
04-01-2007, 02:59 PM
ذهلت اليوم و أنا أقرأ في جريدة الحياة ما كتب عن الرواية الناجحة حكومة الظل. و الغريب ان هذه القراءة الغير منصفة أتت من كاتب نقدره و نحترمه و لكنه على ما يبدو لم يوفق في ما كتب عن هذا العمل الرائع لمنذر القباني.

من المؤسف حقا أن يكون إعلامنا وصل من عدم الإنصاف إلى هذا الحد من التهجم الواضح الخالي من أي قواعد نقدية و أن يأتي هذا الهجوم على صفحات جريدة الحياة---فعلا شيء مؤسف.

حمدانو
05-01-2007, 10:50 AM
قراءة في رواية حكومة الظل
جريدة الحياة 16/12/1427هـ



التأثر بشفرة دافنشي أفقد الكاتب استقلاليته


عبد الواحد الأنصاري- الرياض


عندما تقلد الرواية السينما
كثيرا ما تقلد السينما الرواية، وتتفاوت مستوى مجاراتها للأدب، ويتحدث الكتاب والمخرجون عن صعوبة نقل الذاكرة الأدبية الذهنية إلى المعالجة السينمائية البصريّة، لكنْ عندما تقلّد الرواية السينما فإنها تتجرّد من ثقلها الأدبي، وتتكئ على القيم الجمالية الخاصة بالإبداع السينمائي، وقد يكون من إنصافها حق الإنصاف أن يتحدث عنها ناقدو السينما، وليس ناقدوا الرواية.

ما حكومة الظل؟
فكرة رواية حكومة الظلّ تأتي من (نظرية المؤامرة)، فحكومة الظلّ هي امتداد تسلسليّ للماسونية اليهودية، وتبدأ الرواية في تقرير أن سبب سقوط الخلافة العثمانية يتحدد بسيطرة الماسونية على حزب الاتحاد والترقي في تركيا الرجل المريض، ثم توصّله إلى الحكم، ثم تقرأ أحداث الرواية سيطرة الماسونية في العصر الحديث على الاقتصاد والسياسة العالمية. وترى الرواية أن الماسونية تسلسل طبيعي للسبئيّة التي ظهرت في صدر الإسلام، على أيدي بعض اليهود الذين تظاهروا بالإسلام. من هنا تتسع مخيلة نظرية المؤامرة لتزعم أن السبئية هي السبب في كل مآسي العالم الإسلامي الكبرى، فهي المتسببة في سقوط الدولة العباسية، وهي المتسببة في سقوط الأندلس وغير ذلك، وفي سقوط الكنيسة أيضا، بل إنها هي الرابط الأساسي بين السبئية ويهود الدونمة والصهيونية العالميّة ودولة إسرائيل والعولمة، وكل ما يمكن أن يخطر بالبال من هذه الأشياء! وينهي الكاتب منذر قباني روايته نهاية مفتوحة قابلة لكتابة جزء ثانٍ من هذه الرواية.

المعالم الأسلوبية للرواية
يدرك الكاتب منذر قباني جاذبيّة الإثارة والتشويق والغموض ونظريات المؤامرة في نظر المتلقّي العادي بشكل عام، ولذلك يحشد لنا كمّا هائلا من أدوات السينما:
(الجماعات السريّة، التجسس، التحكم في الاقتصاد العالمي، الاغتيالات، العبارات المشفّرة، اليهود، البوابات السريّة، الرموز الهندسية الغريبة، الطقوس الخفية الغامضة، الممرات والسراديب المظلمة).
ولا يدّخر الكاتب أي وسيلة للجذب والإثارة إلا استنفدها، يقتفي في ذلك أثر الرواية الشهيرة: شفرة دافنشي، ولعلّ ذلك ما غيّب البعد الجمالي في اللغة وقراءة الأحداث باستقلالية، وابتعد بالرواية عن الإنسان وهموم النفس البشرية تماما، حتى إنّ صفحات الرواية الكثيرة لم تقف على أي رصد واقعي لأي مشهد من مشاهد الحياة اليوميّة، الأمر الذي ملأها بالمصادفات والاستدعاءات للتفسيرات الواهية للأحداث وأسبابها، وقد ساقت هذه المصادفات كاتبها إلى إيجاد حلول غير مدروسة للعقد المتدرّجة، ومن ذلك:
- تفترض الرواية أن الماسونيّة تنشر في جميع أنحاء العالم رموزا معمارية لها، وهذه الفكرة وإن كانت مثيرة إلا أنها من الأخطاء السينمائية الشائعة، إذ إنّ الجماعة السريّة إذا كانت تهدف إلى التخفي والتكتم فإنّها لن تنشر في أنحاء المعمورة مفاتيح هندسية ومعمارية ورموزا يمكن تعقبها للوصول إليها.
- بعد مقتل الدكتور عبد القادر، يقتحم نعيم (بطل الرواية) منزل القتيل ويكتشف جريمة القتل، لا لأنه كان يشعر أن القتيل في خطر، بل لأنه القتيل لم يكن يردّ على هاتفه النقال! وبالرغم من هذا الافتعال السافر إلا أنّ نعيم يتمكّن من السفر دون الإشارة إلى تعرضه لأي شكل من أشكال المساءلة القانونية عن تفاصيل الجريمة.
- الشفرة التي تركها الدكتور عبد القادر يحار فيها نعيم، ولا يستطيع أن يحلها بكل طرقه، لكنّ الحلّ يفاجئ نعيم بطريقة لم يشهدها القارئ من قبل: يكتشف حل الشفرة في النوم أثناء الحلم!! وتعلق الرواية على ذلك بهذه العبارة: (من قال إن المشي وراء الأحلام لا يؤدي بصاحبه إلا إلى السراب)؟ ص234
- لعلّ المؤلف نسي إيجاد حل الجزء الثاني من الشفرة: عبد القادر بن وزاني 8-2-114، وحلها بالطبع (طبقا للحل الذي وجده البطل في المنام للجزء الأول من الشفرة هو: الآية الثامنة من سورة البقرة، وقد ذكر الراوي في الجزء الذي يروي فيه الأحداث التاريخيّة أن الجدّ كان يقرأ هذه الآية في اسطنبول ص38، وهي إشارة إلى أن عبد القادر كان منضما إلى جماعة سرّيّة، وأنه يظهر منه الإيمان وهو في حقيقته عميل من عملاء الماسونية، ولعلّ الكاتب أراد أن يحول جزءا من الرواية إلى حل للكلمات المتقاطعة، وترك المجال للقراء لإغرائهم بمتعة اكتشاف هذه الجزء الآخر، الذي يصبح مجانيا وواضحا بمجرد التوصل إلى حل الجزء الأول منه.

الرواية المتأثرة بشفرة دافنشي
التأثر الكبير يفقد الكاتب استقلاليّته، وهذا النوع من الروايات غالبا ما يكون كبسولات صغيرة من نماذجه الأولى، وتكون ثمرة اجتهاد المؤلف فقط في البحث عن فكرة موازية للعمل الذي تأثر به، وتقتفي حكومة الظل شفرة دافنشي في خطوط عريضة: عملية القتل الغامضة، والشفرة التي تركها القتيل ليقوم بطل الرواية بالبحث عن فك هذه الشفرة حتى تحل عملية القتل. وفي اختفاء جماعة سرية وراء اقتراف هذه الجريمة، وفي اعتماد البطل على ذكريات صباه البعيدة مع جده في اكتشاف حلّ الشفرة التي تركها القتيل، تماما كما جرى مع بطلة رواية دافنشي، وفي اتخاذ الجماعات السريّة رموزا معماريّة ورسومات وتصرفات غريبة تساعد على اقتفائها. بيد أنّ أيّ ناقد آخر قد يؤكد على أنّ هذا الجنس من الكتابة يتفق في الخطوط العريضة التي ذكرناها أعلاه، وبرغم ذلك فلا بد من إلفات القارئ إلى هذه النقاط المتشابهة بين الروايتين.

الإشكال الفني في رواية التشويق والإثارة
في هذا النوع من الكتابة يلاحق خطر السطحية جدّيّة العمل وعمقه، فسطحيته تبدأ من ركاكة الأفلام الكرتونية إلى مجانية الأفلام الغربية، ولا يرقى إلى التوظيف الجمالي والإنساني لجوانب الإثارة (كالجريمة والتحقيق والبحث في التاريخ). ومن المعلوم أمن أشهر الأعمال في الأدب الإنساني تلك التي تصدّت للجريمة، لكنّها واكبت ذلك باستشفاف واعٍ للواقع الإنساني واستصحبت معها الاهتمامات الأساسية للكتابة الأدبية، ومن أشهرها روايتا الإخوة كارامازوف والجريمة والعقاب لديستويفسكي، ورواية اسم الوردة لأمبرتو إيكو وغيرها. فذلك يدلل على أنّ الرواية تستطيع الاستفادة من التشويق والجريمة إذا لم يطمس ذلك المعالم الكبرى لمفهوم النص الأدبي، لكننا بالرغم من هذه الملحوظات كلها نستطيع أن نرصد في ببلوغرافيا الرواية السعودية، ميلاد نوع جديد هو: رواية التشويق والإثارة