المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار اقتصادية الطعام والسياسة



Star_Fire
27-02-2007, 02:20 AM
الطعــام والسياســـة

27 يناير 2007

في آذار 2006 وقف دوف فايسغلاس، مستشار رئيس الحكومة سابقًا، ليشرح المنطق الاسرائيلي في منع تحويل عائدات الضرائب للفلسطينيين، والتي تجمعها اسرائيل عمليًا باسم السلطة الفلسطينية. وقال لكبار مسؤولي البيت الأبيض: "إن الأمر يشبه لقاءً مع أخصائية تغذية. يجب أن نؤدي بهم (بالفلسطينيين) إلى أن يكونوا نحيفين أكثر بكثير، ولكن ليس إلى درجة أن يموتوا".

بهذه الكلمات المتهكمة الباردة لخّص مستشار رئيس حكومة اسرائيل قيام دولته بخنق الفلسطينيين اقتصاديًا، بكل ما يعنيه ذلك من تبعات. وليس صدفة أن الايحاء الأول الذي راوده هو الجوع والتجويع والمجاعة، بل وشبح الموت أيضًا. فهو يعرف جيدًا حجم حصار الخنق وإلى أية درجة يصل. إنه لا يقتصر على منع الكماليّات، بل يشمل كل شيء.
منذ الانتخابات الفلسطينية الأخيرة وحصول حماس على أغلبية برلمانية سمحت لها بتشكيل الحكومة، اشتدّت ممارسة هذا الخنق. لا يمكن القول إن هذه الممارسة بدأت حينئذ، فهي مستمرة طيلة سنوات الانتفاضة الثانية، بل إنها تفاقمت واشتدّت. لكن الجديد هذه المرة كان الإعلان عن تلك الممارسة بجلاء كعقوبة مفصّلة. كسياسة ذات أهداف. كسياسة منسقة بين دول يجتمع ممثلوها حتى يمرّروها ويضبطوها.

وإذا كان المسؤول الاسرائيلي وسامعوه الأمريكيون تجاهلوا معاني وأبعاد ما ينسقون بشأنه، فإن القانون الدولي يعرّف ما اتفقوا عليه بوضوح: جريمة حرب. فضمن جرائم الحرب التي أقرها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، هناك جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب. أي، كما جاء حرفيًا في الوثيقة الدولية: "أن يتعمد مرتكب الجريمة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".

فايسجلاس قال صراحة إن هناك نيّة لخلق حالة جوع، أو على الأقل، جعل مسألة حصول الفلسطينيين على الغذاء أمرًا غير مفروغ منه، بل مشروطًا بخضوعهم للإبتزاز السياسي: إما قبول الاملاءات الاسرائيلية وتقديم تنازلات أو الجوع.
هناك من يعتبر الحديث عن تجويع "مبالغة". يوجد أشخاص لا يكتفون سوى بجثث هامدة مسودّة ذات بطون منتفخة حتى يسمّوا الأشياء بأسمائها. أما أن يعيش والدان فلسطينيان يوميًا هاجس إطعام أطفالهما، وأن يعجزا عن توفير الغذاء اللائق لهم، فهو ليس تجويعًا! هذا مع أن هناك تقارير ووثائق دولية عديدة كشفت مرارًا بشاعة الوضع الناشئ تحت الحصار الاحتلالي الاسرائيلي. فغالبية الأسر الفلسطينية تستعسر تأمين غذائها، كما يؤكد تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جون دوغارد، والمنشور بتاريخ 5 أيلول 2006. إذ جاء في الفقرة 32 منه: "يبلغ معدل انتشار الفقر في غزة 75%. وهذا يُعزى أساسا إلى الحصار المفروض عليها.

وترجع حالة انعدام الأمن الغذائي إلى أسباب منها عدم وجود قوة شرائية، إذ لا يتوفر سوى لعدد قليل من الناس اليوم ما يكفي من المال لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية لأسرهم. وقد تضخمت أسعار الأغذية وتم تقليص الدعم الغذائي نتيجة للعملية الجارية حاليًا. وكما لوحظ آنفًا لم تعد الأسماك متوفرة في السوق المحلية نتيجة للحصار المفروض. وقد اضطرت مطاحن دقيق القمح والأفران ومصانع إنتاج الأغذية إلى خفض إنتاجها بسبب النقص في الإمدادات الكهربائية. وعلاوة على ذلك، فإن فقدان القدرة على المحافظة على المواد الغذائية القابلة للتلف في جو غزة الحار يسفر عن خسائر كبيرة في إمدادات الأغذية. وقد أصبح هناك نقص شديد في إمدادات السكر ومنتجات الألبان والحليب نظرًا لأن شحنات هذه الإمدادات من اسرائيل محدودة".

ويؤكد واضع هذا التقرير، دوغارد، أن تصريحات إسرائيل وكأن الانسحاب قد أنهى احتلال غزة ورفع بالتالي مسؤوليتها عما يجري فيها، هي تصريحات "غير دقيقة البتة". وهو يعدد أشكال السيطرة الاحتلالية التي تتواصل رغم الانسحاب قائلا: "احتفظت اسرائيل أولا بسيطرتها على المجال الجوي لغزة ومجالها البحري وحدودها الخارجية". وعن المعابر يقول إنها "ظلّت مغلقة إلى حد كبير". ويشير بشكل خاص إلى "إغلاق معبر كارني أمام البضائع لفترات طويلة" الأمر الذي "أسفر عن منع وصول المواد الغذائية والأدوية والوقود".

يجب التأكيد على أن المخاطر الصحية الملموسة التي تضرب الفلسطينيين والناجمة عن سياسة الحصار الاسرائيلية المشدّدة، تُضاف إلى ما هو قائم منذ سنوات، حين لم يعد من الممكن وصف الأمر بتعابير "الضائقة والنقص" بكل ما تحتويه من خطورة، بل بمصطلحات حادة قاطعة مثل: التجويع، سوء التغذية، والأمراض الناجمة عنهما.

فمنذ نيسان 2002 حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في تقرير خاص من تفاقم سوء التغذية والجوع في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقالت بوضوح إن ''الحصار التام المفروض على الضفة الغربية وقطاع غزة قد شلّ الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعتمد بدرجة هزيلة للغاية على اسرائيل، بعد أن تضرر أصلاً وإلى حد بعيد، نتيجة لإغلاق الحدود بصورة متكررة بحيث أصبح الآن في حالة ركود شديد، مخلفاً وراءه ملايين الأشخاص الذين يعانون بشدة من وطأة الفقر وهم في وضع ينعدم فيه الأمن الغذائي على نحو خطير". وأورد التقرير أن نسبة سوء التغذية قد ازدادت حسب التقديرات الأخيرة حينئذ بمقدار 10,4% في نطاق المواليد ذوي الأوزان المنخفضة، في حين سجلت معدلات الولادة في الضفة الغربية زيادة بمقدار 52%.

وفي وثيقة تحت عنوان "الحياة تحت الحصار"، تشرح منظمة العفو الدولية كيف "خلفت القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة آثاراً مدمرة على حياة نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني. وتورد بتشديد ما كان خلص اليه جين زيغلر، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، في 15 تموز 2003 إذ أكد: "إن الحق في الغذاء قد انتُهك انتهاكاً خطيراً في الأراضي المحتلة حيث يعاني عدد من العائلات من سوء التغذية المزمن". يجب الإشارة الى أنه بين الأمراض الناجمة عن سوء التغذية، هناك مرض فقر الدم أو الأنيميا . وهو من أكثر الأمراض المنتشرة بين الأطفال الفلسطينيين بسبب سوء التغذية. وهو ما أكده الدكتور عبد الجبار الطيبي مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة الفلسطينية. ومن بين المعطيات الرقمية المرعبة التي أوردها: 45% من الأطفال دون سن 5 سنوات ، يعانون من فقر الدم؛ 55% من السيدات الحوامل الأقل من 45 عاماً يعانين من فقر الدم؛ لدى الأطفال من سن 6 أشهر إلى 59 شهراً تبلغ نسبته 19,7%؛ وتتوزع النسبة ما بين 18,9% في قطاع غزة و 20,9% في الضفة الغربية (مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، ايلول 2002).

وهكذا، تحت مرأى ومسمع الجميع، وسط احتشاد شاشات التلفزة بالعشرات والمئات، وفي ذروة الثورة المعلوماتية، تجري هذه الجريمة بشكل مخطط ومبرمج ومُعلن.
وبالطبع، فإن كل هذا لا يمنع المسؤولين الاسرائيليين من الانكار والتنصّل. فالعقيد في جيش الاحتلال الاسرائيلي، شمشون أربيل، وهو رئيس قسم الإعلام وتنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي المحتلة اعتبر أنه: "لا أحد يموت من الجوع في غزة والضفة الغربية" وتابع بصلافة: "المنظمات الدولية مثل الأونروا واللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل بصورة واسعة في المناطق"! فهو لا يتأثّر بالقاعدة التي تنصّ على أن جميع المساعدات الخيرية والإنسانية لا تعفي إسرائيل من واجبها ضمان حق الفلسطينيين في العمل بموجب القانون الدولي، حتى يتمكنوا من كسب عيشهم بأنفسهم. أو كما تقول منظمة العفو الدولية: تتضمن واجبات إسرائيل كدولة احتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمان المؤن الغذائية والطبية للأراضي المحتلة. لكن إسرائيل اعتمدت منذ وقت طويل على المنظمات الإنسانية الدولية لضمان بقاء نسبة ملموسة من حوالي ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة على قيد الحياة، بينما تعرقل في الوقت ذاته وبصورة متكررة عمل منظمات الإغاثة ("العيش تحت الحصار"، ايلول 2003).

أما القائم بأعمال رئيس الحكومة الاسرائيلية شمعون بيرس فيملك مخاوف من نوع آخر تمامًا من التجويع. وهي ليست مخاوف أخلاقية على أية حال. وبكلماته التي تفتقر الى رصيد: "إسرائيل معنية ببناء اقتصاد منظم في غزة، لأن اقتصادا من المرارة والجوع سوف يجلب معه خطرا أمنيًا" (ايلول 2005، جلسة خاصة لاستعدادات ما بعد الانفصال). بالطبع، فليس فقط أن اسرائيل ليست معنية باقتصاد فلسطيني منظم، بل إنها تدمر أية بادرة له على الدوام.

تتساءل أحيانًا: إلى من يجب توجيه الكلام؟ وأيّ الكلام يجب توجيهه؟ وكيف؟ وبأي أسلوب ولهجة ووتيرة؟ ما هي الطريقة الأفضل لشرح أن هناك من يتخذ قرارات مفصّلة، بعد اجتماعات ومناقشات ووضع سيناريوهات، تنصّ على تجويع بشر، ومنع الغذاء أو معظمه عنهم، أو قصره على القليل القليل من المواد الأساسية ("ولكن ليس إلى درجة أن يموتوا"..)، وذلك بهدف تحقيق أهداف ومصالح؟ ما هي اللغة الملائمة لشرح بشاعة وإجرامية سياسة كهذه، يتم تشديدها اليوم، وتؤدي إلى الأنيميا بنسب كبيرة لدى أطفال دون الخامسة ونساء شابات حوامل؟ ما هي الضربة الناجعة والمجدية والموفّقة الكفيلة بقرع الخزّان، خزّان الضمير، خزّان المشاعر، خزّان الحسّ الأولي لدى البشر؟ أية قيمة للصحافة حين تفقد تأثيرها الى هذه الدرجة المعيبة والمنحطة والمحبِطة؟

حاليًا، في غزة وأخواتها أطفال يذوون ببطء ويمرضون بشتى الأمراض الخطيرة وبعضها مُميت بسبب الحصار الإسرائيلي الوحشي والعقوبات المنسّقة والمتّفق عليها التي يتم التواطؤ لفرضها وتمديدها. إنها عقوبات قاتلة، بالمعنى الحرفي للكلمة، بمعنى القتل. فهل يمكن لكل هذا أن يبقى دون لائحة اتهام؟ الأكيد، أنه حين تُصاغ لوائح الإتهام يومًا ما، سيكون المتهمون فيها من جنسيات وقوميات عديدة: اسرائيليون، أمريكيون، أوروبيون، وعرب، عرب كثيرون كثيرون متواطئون على قتل أطفال فلسطينيين بشكل بطيء وبصمت مرعب.

هشام نفاع

صقر المغرب الأقصى
28-02-2007, 04:02 PM
الهدف من وراء ذلك هو الإطاحة بحماس
والمتظرر الأول هو الشعب الفلسطيني
يحبسون عنهم المعونات والهبات

اللهم اهلك الخونة والمنافقين