-Cheetah-
02-03-2007, 01:12 PM
الصعود الصيني...وأخطاء 'التجربة اليابانية'
تبرز الصين في عالمنا اليوم كقوة آسيوية تملك اقتصاداً قوياً ينبني على التصدير المجال الذي لا يضاهيها فيه أحد، كما تشهد نمواً غير مسبوق تغذيه نسبة إدخار عالية ومعدلات استثمار مرتفعة. أما قطاعاتها الصناعية التي يتم تحديثها بوتيرة متسارعة فقد باتت تهدد صناعات أساسية في أوروبا والولايات المتحدة.
هذا ويكثر الحديث حول احتياطياتها النقدية الهائلة وفائض السيولة المالية المتعاظم الذي يقودها، حسب بعض المزاعم، إلى التلاعب بسعر صرف عملتها مقارنة مع العملات الأجنبية، لاسيما الدولار الأميركي. وفيما يتعلق بنظامها المالي، فهو يعتمد كلية على البنوك ويخضع لمراقبة الدولة وتوجيهه لصالح المؤسسات المحلية، علاوة على ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالحكومة والقطاع الصناعي. ورغم انخفاض الأسعار بسبب النمو السريع في الإنتاج، إلا أن قيمة الأصول تظل مرتفعة على نحو كبير.
وبالطبع يتدخل زعماء الكونجرس الأميركي في واشنطن مطالبين باتخاذ تدابير جذرية لاحتواء التهديد الاقتصادي لهذه القوة الصاعدة. وحتى عندما يحذر الدبلوماسيون من عدم الانخراط في انتقادات علنية لما قد تفضي إليه من نتائج عكسية، إلا أنهم يشددون مع ذلك على أهمية القضايا الاقتصادية في صياغة العلاقات الثنائية. وفي هذا الإطار تنخرط وفود من كبار المسؤولين الأميركيين في "حوار" مع نظرائهم في القوة الآسيوية الصاعدة حول مختلف السياسات الاقتصادية المؤدية إلى الاختلالات في العلاقة مع أميركا، محذرين من "صقور" الكونجرس الذين ينتظرون بفارغ الصبر ما سيؤول إليه الحوار، ومهددين باتخاذ إجراءات قاسية في حال فشلت المباحثات.
كل تلك الأوصاف تنطبق على ما يجري في الصين حالياً، وعلى العلاقات الأميركية- الصينية، لكنها أوصاف تساعدنا أيضاً على فهم ما كان جرى سابقاً للاقتصاد الياباني في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن المنصرم قبل أن تلج عقدها الضائع الذي تميز بانخفاض الأسعار وتراجع ملحوظ في مكانتها على الساحة الدولية. ورغم الاختلافات الواضحة بين الدولتين، لا سيما فيما يتعلق بمستوى التطور الأقل من اليابان الذي تشهده الصين، فإن القواسم المشتركة بين التجربتين أكبر من أن يتم تجاهلها، وأدعى لاستخلاص الدروس المفيدة من التجربة اليابانية. إن التاريخ الحقيقي لانتكاسة اليابان الاقتصادية طيلة عقد من الزمن لم يكتب بعد، لكن ومع ذلك يجمع المراقبون على وجود عناصر أساسية ساهمت في تراجع الاقتصاد الياباني مثل انفجار فقاعة سوق الأسهم، والأراضي، وما نتج عن ذلك من مشاكل طالت النظام المالي، فضلاً عن انهيار الطلب إثر توقف البنوك عن منح القروض، ثم صعوبة الانتقال من نمو اقتصادي يعتمد على التصدير إلى اقتصاد موجه إلى الداخل بسبب اهتزاز ثقة المستهلك والشركات في أداء الاقتصاد الياباني.
وبالرجوع إلى تلك الحقبة الحالكة من التجربة اليابانية نجد أن المسؤولين في اليابان ارتكبوا مجموعة من الأخطاء ساهمت في تعميق أزمتهم الاقتصادية. فمن أجل تفادي الاستمرار في الرفع من قيمة "الين" في أواخر الثمانينيات لجأ المسؤولون إلى اتباع سياسات مالية ونقدية سهلة أفضت في النهاية إلى ارتفاع كبير في أسعار الأصول، وتوسيع دائرة المستفيدين من القروض والتي بدورها هيأت المجال لبدء الانكماش الاقتصادي. وفي أثناء ذلك فشل المسؤولون اليابانيون في تأمين نمو اقتصادي يعتمد على تحفيز الطلب الداخلي، وذلك في الوقت الذي كان فيه المستهلكون يتمتعون بمستويات قياسية من الثروة والرخاء. والأكثر من ذلك تباطأت السلطات اليابانية في معالجة المشكلات المستفحلة داخل النظام المصرفي وتركتها تتفاقم. والنتيجة أن اليابان لم تكن مستعدة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي اعترضتها خلال عقد التسعينيات.
ويعني ذلك أنه لكي تتمكن الصين من استدامة مستوياتها الحالية من النمو الاقتصادي وعدم الوقوع في ذات الأخطاء اليابانية يتعين عليها البدء من الآن بمعالجة سياساتها الاقتصادية ما دامت تتمتع بالرخاء. فمن السهل اليوم مثلاً السماح بالرفع من قيمة العملة الصينية وحفز الطلب الداخلي من خلال التشجيع على الاستهلاك طالما الاقتصاد مزدهر، بدل الانتظار حتى يتباطأ النمو. فحسب التقديرات يتطلب الحفاظ على معدل الصرف الحالي للعملة الصينية 400 مليار دولار من احتياطيات الدولار الأميركي في العام 2007، وهو ما سيقود إلى ارتفاع سريع في قيمة الأصول والأسعار، ما سيدفع السلطات الصينية إلى صك المزيد من "اليوان" لشراء الدولار الأميركي. وبالطبع سيكون الوقت متأخراً لمعالجة المشاكل التي سيعاني منها النظام المصرفي.
بيد أن هذه الدروس المستخلصة من التجربة الاقتصادية اليابانية تختلف مع بعض التقييمات الأخرى لبعض المراقبين سواء داخل الصين، أو خارجها التي ترجع المتاعب الاقتصادية لليابان المتمثلة في انخفاض الأسعار وما أعقب ذلك من أداء اقتصادي هزيل، إلى خضوع اليابان للضغوط الأميركية بالرفع من قيمة عملتها. لكن ما يفشل هذا الرأي في توضيحه هو تفسير الانهيار الذي شهدته الأصول اليابانية، وفشل الجهود الرامية إلى حفز الطلب الداخلي ومن تم إنعاش النمو الاقتصادي. أما الدرس الآخر المستخلص من التجربة اليابانية فهو عدم الاعتماد كلية على ما يسمى بالدبلوماسية الاقتصادية وتحميلها أكثر من طاقتها، ذلك أن ما يساهم في صياغة السياسات الاقتصادية ليس إصدار البيانات الدولية، بل الأحداث الداخلية والقرارات السياسية. فقد كانت لنتائج الأحداث الخارجة عن نطاق تحكم السلطات اليابانية مثل انهيار الأصول اليابانية، وظهور الثورة التكنولوجية في الولايات المتحدة، فضلا عن الأزمة المالية الآسيوية دور كبير في تقليص دور الدبلوماسية الاقتصادية الذي كانت تبالغ اليابان في التعويل عليه.
وطيلة الفترة الممتدة من الثمانينيات وحتى التسعينيات شاعت إحدى الكليشيهات الرائجة التي تجعل من العلاقة الأميركية- اليابانية أهم علاقة اقتصادية على الصعيد العالمي. هذه المقولة التي انهارت تماماً أمام النمو المتسارع للاقتصاد الصيني، والاختلالات الكبيرة في الاقتصاد العالمي تجعل من العلاقة بين الولايات المتحدة والصين أكثر أهمية.
لورينس ساميرز
http://www.icaws.org/site/modules.php?name=News&file=article&sid=9423
تبرز الصين في عالمنا اليوم كقوة آسيوية تملك اقتصاداً قوياً ينبني على التصدير المجال الذي لا يضاهيها فيه أحد، كما تشهد نمواً غير مسبوق تغذيه نسبة إدخار عالية ومعدلات استثمار مرتفعة. أما قطاعاتها الصناعية التي يتم تحديثها بوتيرة متسارعة فقد باتت تهدد صناعات أساسية في أوروبا والولايات المتحدة.
هذا ويكثر الحديث حول احتياطياتها النقدية الهائلة وفائض السيولة المالية المتعاظم الذي يقودها، حسب بعض المزاعم، إلى التلاعب بسعر صرف عملتها مقارنة مع العملات الأجنبية، لاسيما الدولار الأميركي. وفيما يتعلق بنظامها المالي، فهو يعتمد كلية على البنوك ويخضع لمراقبة الدولة وتوجيهه لصالح المؤسسات المحلية، علاوة على ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالحكومة والقطاع الصناعي. ورغم انخفاض الأسعار بسبب النمو السريع في الإنتاج، إلا أن قيمة الأصول تظل مرتفعة على نحو كبير.
وبالطبع يتدخل زعماء الكونجرس الأميركي في واشنطن مطالبين باتخاذ تدابير جذرية لاحتواء التهديد الاقتصادي لهذه القوة الصاعدة. وحتى عندما يحذر الدبلوماسيون من عدم الانخراط في انتقادات علنية لما قد تفضي إليه من نتائج عكسية، إلا أنهم يشددون مع ذلك على أهمية القضايا الاقتصادية في صياغة العلاقات الثنائية. وفي هذا الإطار تنخرط وفود من كبار المسؤولين الأميركيين في "حوار" مع نظرائهم في القوة الآسيوية الصاعدة حول مختلف السياسات الاقتصادية المؤدية إلى الاختلالات في العلاقة مع أميركا، محذرين من "صقور" الكونجرس الذين ينتظرون بفارغ الصبر ما سيؤول إليه الحوار، ومهددين باتخاذ إجراءات قاسية في حال فشلت المباحثات.
كل تلك الأوصاف تنطبق على ما يجري في الصين حالياً، وعلى العلاقات الأميركية- الصينية، لكنها أوصاف تساعدنا أيضاً على فهم ما كان جرى سابقاً للاقتصاد الياباني في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن المنصرم قبل أن تلج عقدها الضائع الذي تميز بانخفاض الأسعار وتراجع ملحوظ في مكانتها على الساحة الدولية. ورغم الاختلافات الواضحة بين الدولتين، لا سيما فيما يتعلق بمستوى التطور الأقل من اليابان الذي تشهده الصين، فإن القواسم المشتركة بين التجربتين أكبر من أن يتم تجاهلها، وأدعى لاستخلاص الدروس المفيدة من التجربة اليابانية. إن التاريخ الحقيقي لانتكاسة اليابان الاقتصادية طيلة عقد من الزمن لم يكتب بعد، لكن ومع ذلك يجمع المراقبون على وجود عناصر أساسية ساهمت في تراجع الاقتصاد الياباني مثل انفجار فقاعة سوق الأسهم، والأراضي، وما نتج عن ذلك من مشاكل طالت النظام المالي، فضلاً عن انهيار الطلب إثر توقف البنوك عن منح القروض، ثم صعوبة الانتقال من نمو اقتصادي يعتمد على التصدير إلى اقتصاد موجه إلى الداخل بسبب اهتزاز ثقة المستهلك والشركات في أداء الاقتصاد الياباني.
وبالرجوع إلى تلك الحقبة الحالكة من التجربة اليابانية نجد أن المسؤولين في اليابان ارتكبوا مجموعة من الأخطاء ساهمت في تعميق أزمتهم الاقتصادية. فمن أجل تفادي الاستمرار في الرفع من قيمة "الين" في أواخر الثمانينيات لجأ المسؤولون إلى اتباع سياسات مالية ونقدية سهلة أفضت في النهاية إلى ارتفاع كبير في أسعار الأصول، وتوسيع دائرة المستفيدين من القروض والتي بدورها هيأت المجال لبدء الانكماش الاقتصادي. وفي أثناء ذلك فشل المسؤولون اليابانيون في تأمين نمو اقتصادي يعتمد على تحفيز الطلب الداخلي، وذلك في الوقت الذي كان فيه المستهلكون يتمتعون بمستويات قياسية من الثروة والرخاء. والأكثر من ذلك تباطأت السلطات اليابانية في معالجة المشكلات المستفحلة داخل النظام المصرفي وتركتها تتفاقم. والنتيجة أن اليابان لم تكن مستعدة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي اعترضتها خلال عقد التسعينيات.
ويعني ذلك أنه لكي تتمكن الصين من استدامة مستوياتها الحالية من النمو الاقتصادي وعدم الوقوع في ذات الأخطاء اليابانية يتعين عليها البدء من الآن بمعالجة سياساتها الاقتصادية ما دامت تتمتع بالرخاء. فمن السهل اليوم مثلاً السماح بالرفع من قيمة العملة الصينية وحفز الطلب الداخلي من خلال التشجيع على الاستهلاك طالما الاقتصاد مزدهر، بدل الانتظار حتى يتباطأ النمو. فحسب التقديرات يتطلب الحفاظ على معدل الصرف الحالي للعملة الصينية 400 مليار دولار من احتياطيات الدولار الأميركي في العام 2007، وهو ما سيقود إلى ارتفاع سريع في قيمة الأصول والأسعار، ما سيدفع السلطات الصينية إلى صك المزيد من "اليوان" لشراء الدولار الأميركي. وبالطبع سيكون الوقت متأخراً لمعالجة المشاكل التي سيعاني منها النظام المصرفي.
بيد أن هذه الدروس المستخلصة من التجربة الاقتصادية اليابانية تختلف مع بعض التقييمات الأخرى لبعض المراقبين سواء داخل الصين، أو خارجها التي ترجع المتاعب الاقتصادية لليابان المتمثلة في انخفاض الأسعار وما أعقب ذلك من أداء اقتصادي هزيل، إلى خضوع اليابان للضغوط الأميركية بالرفع من قيمة عملتها. لكن ما يفشل هذا الرأي في توضيحه هو تفسير الانهيار الذي شهدته الأصول اليابانية، وفشل الجهود الرامية إلى حفز الطلب الداخلي ومن تم إنعاش النمو الاقتصادي. أما الدرس الآخر المستخلص من التجربة اليابانية فهو عدم الاعتماد كلية على ما يسمى بالدبلوماسية الاقتصادية وتحميلها أكثر من طاقتها، ذلك أن ما يساهم في صياغة السياسات الاقتصادية ليس إصدار البيانات الدولية، بل الأحداث الداخلية والقرارات السياسية. فقد كانت لنتائج الأحداث الخارجة عن نطاق تحكم السلطات اليابانية مثل انهيار الأصول اليابانية، وظهور الثورة التكنولوجية في الولايات المتحدة، فضلا عن الأزمة المالية الآسيوية دور كبير في تقليص دور الدبلوماسية الاقتصادية الذي كانت تبالغ اليابان في التعويل عليه.
وطيلة الفترة الممتدة من الثمانينيات وحتى التسعينيات شاعت إحدى الكليشيهات الرائجة التي تجعل من العلاقة الأميركية- اليابانية أهم علاقة اقتصادية على الصعيد العالمي. هذه المقولة التي انهارت تماماً أمام النمو المتسارع للاقتصاد الصيني، والاختلالات الكبيرة في الاقتصاد العالمي تجعل من العلاقة بين الولايات المتحدة والصين أكثر أهمية.
لورينس ساميرز
http://www.icaws.org/site/modules.php?name=News&file=article&sid=9423