عصام طنطاوي
10-03-2007, 02:39 PM
بين ركامٍ من الألوان واللوحات والكتب والصحف .. والفوضى العارمة ، يجلس الفنان أمام لوحته يُشخِط خطوطاً سوداء دونما هدفٍ أو نسقٍ معين ، كانت يده تتحرك وحدها على سطح قماشة اللوحة .. تقودها موسيقى الجاز المنبعثة من فضاء الغرفة ، الفرشاة بيده اليمنى ، وفي اليسرى سيجارة لايدخنها .. يرى اللوحة بعين وبالأخرى يسترق النظر الى ألمرأة الجالسة قبالته .. تتمدد على ألأريكة ، تدعي أنها تقرأ في ديوان شعر بيدها وتدخن بطريقة تتعمد أن تبدو مستهترة ، وتلقي برماد سجائرها على أرضية المرسم المتسخة ، بينما ترشف من فم زجاجة نبيذ .. هو يدرك أنها تفتعل مثل هذه المشهدية المبالغ بها أو أن هذا العبث الفاضح صار يرهقها هي كما يرهقه بالذات ، الجو لازال متوتراً بينهما منذ ساعات .. أيام .. أو أشهر ، كان يتجنب أن يكون الباديء بالحوار ، لذلك تظاهر أمامها بالانهماك في الرسم ، وهي في المقابل بالغت في الاستغراق في التدخين والقراءة و النبيذ ..
ظل يبحث في مخيلته عن كلمةٍ ما أو اية مقدمة يمكن أن تبدد شيئاً من هذا الجمود ، ازدادت حركة يده عصبيةً وعنفاً حتى تراشقت ألألوان على وجهه وملابسه ، بطرف عينها رمقته بنظرةٍ سريعة وابتسمت في سرها ، كانت تحس بالحالة التي أوصلته اليها ..شعرت ببعض الرضى والنشوة .. وأمعنت في اظهار اللامبالاة ، رفعت زجاجة النبيذ في وجه الضوء ، وصارت تتأمل انعكاس الضوء عبر الزجاجة وتديرها بين أصابعها باثارة ، تتحسس سطحها الصقيل وكأنها تناجي حبيباً بداخلها ، ثم مالبثت أن أمعنت في اللعبة ، أخذتها ألألوان الحمراء ألمنعكسة من الزجاجة على وجهها .. امتد خيط من ضوء أحمر ساحر ما بين الزجاجة و عينيها ، هو توقف عن الرسم وانشغل بمتابعة الضوء وقد تركز على مقلتيها اللتين بدتا له كجمرتين مشتعلتين باللهب ..
خشي أن تبدر عنه حركة ما قد تفسد المشهد .. هي انتبهت لما يحدث ، فأزاحت الزجاجة جانباً بعد أن ابتلعت ما تبقى فيها بجرعةٍ واحدة ، مسحت شفتيها بقرف وأشعلت سيجارة صارت تنفث بدخانها نحو سقف الغرفة وانفاسها الحارة تمتزج بأنفاس عازف الساكسفون .. أزاحت بوجهها باتجاه النافذة خشية أن يرى دمعات حارقة انسكبت على وجنتيها .
ارتبك الفنان وعاود الرسم من جديد ولكن بحدةٍ أقل من السابق ، وعلى شفتيه ابتسامة غامضة
.. .. ..
تدريجياً بدأ ينهمك في الرسم ، الخطوط السوداء أخذته بعيداً ، كانت تبدو كدوامات لانهاية لها ، كتلك الفوهات السوداء التي قرأ عنها في الفضاء .. تسحق الكائنات والأجرام السماوية وتأخذها الى عمقها السحيق البعيد اللامتناهٍ ، وعندما مد يده نحو اللوحة امتصت الدوامة يده ثم ابتلعت جسده بالكامل ، لتصير اللوحة مجرد سطح أسود لايشي بشيء ..
.. .. ..
هي استغرقت في القصيدة ، لم تعد تشعر بوجوده ، وتماهت في الضوء ..
.. .. ..
في الغرفة الخاوية .. موسيقى الجاز لازالت منبعثة في الأرجاء ، على حامل اللوحة ثمة قماشة سوداء ، وعلى الأرض ملقى ديوان شعر وزجاجة فارغة ومنافض سجائر لازال ينبعث منها الدخان ..
ظل يبحث في مخيلته عن كلمةٍ ما أو اية مقدمة يمكن أن تبدد شيئاً من هذا الجمود ، ازدادت حركة يده عصبيةً وعنفاً حتى تراشقت ألألوان على وجهه وملابسه ، بطرف عينها رمقته بنظرةٍ سريعة وابتسمت في سرها ، كانت تحس بالحالة التي أوصلته اليها ..شعرت ببعض الرضى والنشوة .. وأمعنت في اظهار اللامبالاة ، رفعت زجاجة النبيذ في وجه الضوء ، وصارت تتأمل انعكاس الضوء عبر الزجاجة وتديرها بين أصابعها باثارة ، تتحسس سطحها الصقيل وكأنها تناجي حبيباً بداخلها ، ثم مالبثت أن أمعنت في اللعبة ، أخذتها ألألوان الحمراء ألمنعكسة من الزجاجة على وجهها .. امتد خيط من ضوء أحمر ساحر ما بين الزجاجة و عينيها ، هو توقف عن الرسم وانشغل بمتابعة الضوء وقد تركز على مقلتيها اللتين بدتا له كجمرتين مشتعلتين باللهب ..
خشي أن تبدر عنه حركة ما قد تفسد المشهد .. هي انتبهت لما يحدث ، فأزاحت الزجاجة جانباً بعد أن ابتلعت ما تبقى فيها بجرعةٍ واحدة ، مسحت شفتيها بقرف وأشعلت سيجارة صارت تنفث بدخانها نحو سقف الغرفة وانفاسها الحارة تمتزج بأنفاس عازف الساكسفون .. أزاحت بوجهها باتجاه النافذة خشية أن يرى دمعات حارقة انسكبت على وجنتيها .
ارتبك الفنان وعاود الرسم من جديد ولكن بحدةٍ أقل من السابق ، وعلى شفتيه ابتسامة غامضة
.. .. ..
تدريجياً بدأ ينهمك في الرسم ، الخطوط السوداء أخذته بعيداً ، كانت تبدو كدوامات لانهاية لها ، كتلك الفوهات السوداء التي قرأ عنها في الفضاء .. تسحق الكائنات والأجرام السماوية وتأخذها الى عمقها السحيق البعيد اللامتناهٍ ، وعندما مد يده نحو اللوحة امتصت الدوامة يده ثم ابتلعت جسده بالكامل ، لتصير اللوحة مجرد سطح أسود لايشي بشيء ..
.. .. ..
هي استغرقت في القصيدة ، لم تعد تشعر بوجوده ، وتماهت في الضوء ..
.. .. ..
في الغرفة الخاوية .. موسيقى الجاز لازالت منبعثة في الأرجاء ، على حامل اللوحة ثمة قماشة سوداء ، وعلى الأرض ملقى ديوان شعر وزجاجة فارغة ومنافض سجائر لازال ينبعث منها الدخان ..