المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر و نثر العودة إلى البراءة



morad2jo
25-03-2007, 09:18 PM
العودة إلى البراءة

ذكرني مقطع (العودة إلى البراءة) من ابداعات موسيقا ENIGMA العالمية بقصة طفل صغير أعرفه جيداً لأحكيها على لسانه وهذا الطفل ككل الناس وهبه الله نعمة التفكير ولكنه كان دائماً ما يستعملها , ورغم صغر سنه كان يعي جيداً ما يدور حوله , فكل يوم يأتي جده المسن لِيأخذ أخوته الحلوى من بين يديه المجعدتين ,أمه تخبز خبزاً بالسمسم الأسود ليأكله الأطفال المحرومون والجيران . كبُر أخوته الصغار الذين كان يرعاهم بين ذراعيه ,لم يكُ يدري قط ما معنى أن يكبر أخوته إلا أنه يشهد بدون حيلة . تمضي الأيام وقد أحس بأن نظرته للحياة بدأت تتغير ,هنا إختلاف عما كنت عليه في السابق , وكل ما حولي ينمو .
خرجت إلى الأرض يوماً كان الناس آنذاك يعملون في الحقول وأخوتي الصغار يعودون الشعير مع أبي , فقط فكرت أن أعمل فلفت نظري عروق من الشعير ليست مفصولة حاولت فصلها لكن عبثاً فكانت القشرة تعود بعد أن تفتح لتغلق مرة أخرى ,لم أعلم السبب ولم أفكربه ,كانت ابنة الجيران من عمري تلعب في الحقول الخضراء وحاولت أيضاً اللعب معها فلم تأتي الحصيات التي ترميها بين يدي وكلما حاولت أنا رمي الحصى تعود لمكانها ,ابتعدت عني الفتاة لم أعرف لماذا فكرت كثيراً حتى تعبت من التفكير لم أكن أفكر لماذا تخالفني الأشياء كان يشغل تفكيري الفتاة التي أعرضت ومع ذلك كنت أشهد بدون حيلة , تمنيت أن أراها في اليوم التالي , وفعلاً لمحتها في الكرم راخيةً شعرها المسدل حتى كوعها وهي تجني التفاح الأحمر , هنا خطر في بالي كيف كان شعرها أمس لا يجاوز رقبتها وأصبح اليوم أطول ,أعجبتني تفاحة فقلت في نفسي أقطفها لآكل نصفها الآخر مع الفتاة وعندما طالت يدي التفاحة أسقطتها واذ بها تعود أدراجها إلى الغصن الأخضر , حاولت مرتين وثلاثة أن أنزلها بدون جدوى وأخيراً تركتها لأن طعمها وهي معلقة أشهى , فقط أردت لو أنني أعطيتها للفتاة ,وقد علمت حينها أنها لم تراني فحزنت كثيراً .
مرت الليالي والأيام تغيرت الأشياء التي كنت أشهدها سابقاً لم أعلم لماذا, فلم تعد أمي تخبز على فوهة التنور حتى أنني لم أعد أرى السمسم الأسود , جدي الذي لم يقطعنا يوماً لم يعد يأتي أبداً , ولم أعلم سبب انقطاعه لأنني مازلت صغيراً , والفتاة التي صادفتها في الكرم لم تعد تلعب كما كانت , أبي الذي كان يعمل وحيدا في الحقل لم يعد قادراً على الخروج , فيذهب أخوتي بدلاً عنه , أما الطعام فكان خبزاً سميناً بدون سمسم لا طعم له وأما حلوى جدي ما تذوقتها بعد أن رحل آخر مرة, وأذكر أيضاً ذلك اليوم الذي بكى فيه اخوتي عليه أما أنا فكنت أشهد بدون حيلة , فكرت في نفسي لماذا لا أستطيع الخروج مع أخوتي للحقل فأحزنني الأمر كثيراً , حتى الأطفال والمحرومين الذين كانوا يأكلون الخبز مع أخوتي لم أعد أسمع ضحكاتهم , ضقت ذرعاً فنظرت إلى المرآة علها تكشف ما أصابني وهنا لم أشهد شيئاً فأنا هو أنا لم أتغير .
استيقظت يوماً ما وكان عرس أخي وعندما بدأ اجتماع الناس لحضور الزفاف , رأيت في العرس الفتاة نفسها مرتديةً لباساً مطرزاًَ لا تلبسه إلا النساء , كانت توزع الحلوى على الأطفال , دنت مني قليلاً فتذكرت نظراتها وهي ترمي الحصى أيام كانت تلعب , لم يكن معها حصى بل أعطتني قعطعة حلوى ففرحت كثيرا ًرغم أني لم أحس بطعمها وبقيت أفكر ماذا حل بهذه الفتاة , عندما انتهى العرس رأيت أخي يدخل عروسه عش الزوجية فانطبع المشهد في مخيلتي وفي الليل رأيت نفسي في زفافي مع نفس الفتاة وهي ترتدي نفس الرداء المطرز لكنني أخرجها معي خارج الغرفة الزوجية وهي تدفعني نحو الداخل , وهنا تأملت بشدة ما يجري حتى أحسست بسرعة ضربات قلبي المخيفة وإذ بي أصحوا من غفوتي وعدت إلى المرآة بسرعة لأتأمل حالي التي أعياها التعب فلم أرى شيئاً قد تغير , عدت أفكر ما أفعله ونظرت مرةً أخرى إلى نفسي فعرفت ما الذي تغير وعلمت أن حزني على ما يحصل لا داعي له وفرحي كان لا بد منه وعرفت أيضاً لماذا أعرضت عني الفتاة فاعرضت عن التفكير , كانت نفسي تشتاق لطفولتي البعيدة ولا تريد أن تقاد إلى الداخل مثلما يحدث لبقية البشر .



M.R