المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيره هتلر



SHADO OF LIGHT
25-04-2007, 05:47 PM
السلام عليكم ورحه الله وبركاته

الموضوع عن هتلر بس ترى الموضوع منقوووول


الشيطان فى شبابه رحلة فى تاريخ الملابسات التى صنعت هتلر
4/10/2007


http://www.iraqmemory.org/iNP/Upload/1643834_003.jpgفى "القلعة التى فى الغابة" "الذى صدر عن دار "راندوم هاوس" فى 477 صفحة" يروى لنا نورمان ميلر حياة أدولف هتلر فى شبابه، ولاسيما ما يتصل بالملابسات التى جعلت الزعيم النازى مسكونا بنوازع الشوفينية والتعصب العرقي، ومن ثم، شهوة الحرب والعدوان أو "القوة الشريرة"، كما يقول عنها ميلر. ويستهل المؤلف كتابه بالإشارة إلى السيرة التى وضعها آلان بولوك وجمع فيها بين ستالين وهتلر؛ ويتساءل ميلر هنا لماذا غاب عنهما، أو غيب كل من ماوتسى تونغ وبول بوت؟ "أو ليس الرجلان هما أيضا من أعتى وأشرس السفاحين فى القرن العشرين؟".

وبولوك ينشر فى كتابه عن السيرة المزدوجة لهتلر وستالين صورتين شمسيتين للشابين جوزيف وأدولف، أخذتا على التوالى فى 1889 و1899، أى عندما كان كل منهما قد ناهز العاشرة من عمره.. وعند التمعن فى الوجهين، فإن المرء لا يفوته أن يكتشف ملامح قاتمة من المكر والقسوة، منذرة بما هو آت من الفظاعات والويلات... ولكن الصورتين قديمتان باهتتان، ولا يجوز الأخذ بهما على وجه اليقين؛ كما لا يجوز تجاهل أن للكاميرا دورها فى تجميل وتشويه الصورة بهذا القدر أو ذاك، وذلك حسب الزوايا والأبعاد وتقنيات الإضاءة وغيرها من الفنيات المألوفة فى التقاط الصور الشمسية، ثم ما قد يضاف إليها من لمسات عند تحميضها واستخراجها وحتى بعد ذلك.

على أن الأهم من ذلك إنما هو سؤال كبير أثير منذ القديم، ومن منطلق فلسفى وأخلاقى يتصل هو الآخر بجملة من الظواهر الاجتماعية والسيكولوجية العامة والخاصة. والسؤال هو: هل من الجائز أن يولد البعض منا من أرحام أمهاتهم وهم يحملون بذور الشر فى ذواتهم؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف نصبح أشرارا، ومتى؟ بل إنه يمكن جعل السؤال ينأى عن كل شبهة ميتافيزيقية ويعاد طرحه كما يلي: كيف يحدث ألا ينشأ لدى البعض منا أى ضرب من ضروب النفس اللوامة والضمير الزاجر الكابح لنوازع الشر؟ وبالنسبة لستالين وهتلر، هل إن العيب كان فى الطريقة التى تربيا ونشآ عليها؟، أوفى مناهج وأساليب التعليم التى كانت متبعة فى جورجيا والنمسا إبان العقد أو العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر؟ ثم تتداعى الأسئلة بعضها من بعض بما يستوجب النظر فى سائر الاحتمالات، وبقدر ما يكون ذلك متاحا. فهل نشأ الصبيان بنوع من الضمير الإنسانى الحى والسليم، ثم فقدا ذلك لاحقا، وفى لحظة ما؟ وهل كان لا يزال الصبيان جوزيف وأدولف، عندما أخذت لهما الصورتان فى المدرسة، فى وضع نفسانى وذهنى سوي، ومثلهما مثل غيرهما من الأسوياء تفكيرا وسلوكا؟ وهل تطور حال الاثنين باتجاه الانحراف والشذوذ، نتيجة لما قرآه فى الكتب أو بتأثير البعض ممن عاشرا من الناس، أو ربما بفعل الضغوط التى سلطت عليهما فى تلك المرحلة التاريخية المؤذنة بقرن جديد، سوف يكون حافلا بالأحداث الكبرى والتطورات الهائلة، فى سيرورة الزمان وتبدل المكان؛ أم هل أن الأمر كله لم يكن سوى نوع من "حتمية" التاريخ، التى كانت تقضى أو تستلزم ظهور سفاحين رهيبين أحدهما من ألمانيا والآخر من تخوم روسيا "جورجيا"، ولكن مع مفارقة عجيبة، هو ألا يأتى جوزيف دجوزغاشفيلى "أو ستالين" وأدولف هتلر فى المكان الصحيح والزمان المواتي..؟ وهل كان للتاريخ أن يعثر أو يضع اثنين آخرين يقومان بالدور بنفس القدر من الإجادة "أى بنفس القدر من السوء، إن كان لهذا أيضا أن يجاد اقترافه"؟.

إن هذه الأسئلة ليست من النوع الذى يسر به أو يفرح له كُتاب السير؛ فهناك حدود لما سوف نعرفه كوقائع ثابتة بالنسبة للفتى ستالين والشاب هتلر: ما يتعلق بالبيئة الاجتماعية التى نشأ فيها كل منهما، تعليمهما، صداقاتهما الأولى، والتأثيرات المبكرة التى خضعا لها. أما القفز من السجل الوقائعى الواهى إلى أغوار الحياة الباطنية، فهو قفز يبعث على الفزع، ولا يغرى المؤرخين وكاتبى السير بأن يقدموا عليه، ولهذا ما يبرره ويساعد على تفهمه، وربما القبول به. وإذا ما أردنا معرفة ما حصل فى نفسى ذينك اليافعين، ورسخ فيهما تدريجيا من أحاسيس وأفكار ومشاعر، فسوف يتوجب علينا أن نلتفت إلى الشعر والشعراء بما يتيحه لنا ذلك من "حقيقة"، يصنعها لنا الشاعر، والتى هى مختلفة إن لم تكن متناقضة تماما مع تلك التى يقدمها لنا المؤرخ. ونورمان ميلر إنما يقتحم الصورة من هذا الباب، فهو لم ينظر أبدا إلى الحقيقة الشعرية من زاوية كونها حقيقية من جنس أدنى مغاير. فمن كتابه "حلم أمريكي" وعبر كتابيه الآخرين "جيوش الليل" و"لماذا نحن فى فيتنام؟"، وكذلك "أغنية الجلاد" و"ماريلين" ظل ميلر متحررا فى إتباع روح وأساليب التحرى للظفر بالتوصل إلى حقيقة عصرنا، فى عمل شاق قد ينطوى على مجازفة أخطر مما يواجهه المؤرخ، ولكنها من النوع الذى يمنح مقدارا من الثواب أعظم وأجل. وموضوع كتابه الجديد هو هتلر، والذى ربما أصبح ينتمى إلى الماضي، ولكن هذا الماضى لا يزال حيا، أو أنه على الأقل، مازال لم يمت بعد.

شجرة النسب

إن شجرة نسب هتلر تظل يكتنفها الغموض وتلفها الشبهات. وبمعايير ومواصفات نورمبرغ، ليست خالية تماما من أثر يهودي، فوالدة ألويس كان الابن غير الشرعى لامرأة تدعى ماريا آنا شيكلغروبر. والمرشح على الأرجح للأبوة، يوهان نيبوموك هوتلر، كان أيضا هو الجد، ولو من صلة أخرى، لكلارا بولتزل ابنة أخت ألويس، والزوجة الثالثة، أى والدة أدولف. وقد نسب الويس نفسه شرعيا باسم ألويس هتلر "حسب التهجية التى اختارها للقب بدلا من هوتلر"، وذلك فى سن الأربعين، أى قبل بضع سنوات من زواجه من كلارا التى كانت تصغره كثيرا؛ على أن الإشاعات لم تتوقف أبدا بصورة تامة، وبأن الأب الحقيقى لألويس، ومن ثم جد أدولف، كان يهوديا يسمى فرانكنبرغ، بل إنه راجت تلميحات تذهب إلى أن كلارا كانت هى البنت الطبيعية التى أنجبها ألويس. وحال اقتحامه للحياة السياسية فى العشرينات من القرن الماضي، بذل أدولف هتلر كل ما فى وسعه ليتستر بل وليزيف شجرة نسبه. ولعل هذا حصل أو لم يحصل، لأنه كان يعتقد أن لديه أصولا يهودية. وفى بداية الثلاثينات، سعت صحف المعارضة إلى الانتقاص من هتلر المناهض للسامية، بالإشارة إلى وجود يهودى فى صلب عائلته؛ إلا أن تلك الجهود انتهت نهاية مقتضبة، عندما وصل النازيون إلى الحكم فى ألمانيا.

ومن خلال جهوده الذاتية، استطاع آلويس هتلر أن ينهض من حياة الفلاحين إلى المراتب الوسطى فى دائرة الجمارك النمساوية. وقد أنجب من كلارا ثلاثة أطفال، كما أنه جلب إلى البيت طفلين آخرين من زواج سابق. ومن بين هؤلاء الأبناء، هرب آلويس الابن من البيت ليعيش حياة التشرد، شبه مجرم "وكذلك تعدد الزوجات". وقد حاول ابن آلويس الصغير ويليام باتريك هتلر "من أم ايرلندية، حاول دون جدوى ابتزاز الفوهرر"، مهددا بنشر أسرار عائلية قبل أن يهاجر فى 1939، إلى الولايات المتحدة، وهناك وبعد ما أفرغ جعبته من معلومات عن عمه آدولف، انضم إلى البحرية الحربية الأمريكية.

وفى كتابه "كفاحي"، الذى ألفه وهو فى السجن فى 1924، نجد هتلر يتحفنا برواية ناصعة عن أصوله. فلا شيء من انتهاك الحرمات ولا شيء عن انتفاء الشرعية فى المولد والنسب، وبالتأكيد، فإنه لا شيء أيضا عن أسلاف يهود، ولا شيء عن أقربين ذوى صلة رحم. وبدلا من ذلك، فإنه يقدم لنا قصة فتى صغير لامع، يقاوم سيطرة أب "ولو أنه كان يحبه"، يريده أن يتبع خطاه فى الخدمة المدنية. ولكن الصبى المصمم على أن يصبح فنانا، أخفق عمدا فى امتحانات المدرسة، ومن ثم خيب ظن أبيه، وما كان يخطط له.

وهنا نجد الأب يموت قضاء وقدرا، ونجد الصبى تعاضده والدته - وقد تحرر لكى يختار مصيره بنفسه. والرواية المتعلقة بتعمده الرسوب فى المدرسة، إنما تبدو وكأنها نوع من التسويغ لما سوف يأتى لاحقا أو بعضه على الأقل. فالفتى أدولف كان ألمعيا دون ريب، ولكنه لم يكن عبقريا كما دأب على الظن بنفسه. وباقتناعه أن النجاح كان حليفه لمجرد انه كان من هو، فإنه احتقر الدراسة. وحالما انتقل من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الفنية الثانوية، فإنه شعر بتخلفه أكثر فأكثر عن الدروس، ولعله طلب ترك المدرسة. وربما كان العالم سيبدو أفضل حالا، لو أن ألويس الأب نجح فى مسعاه، وأن أدولف أصبح مجرد موظف قلم بالإدارة النمساوية، غير أن ذلك لم يحدث.

ولاشك أن آلويس كان يعاقب ابنه على غرار ما يفعل جل الآباء فى تلك الأيام؛ وقد أشار عدد من كتاب السيرة إلى تلك العقوبات بالضرب، التى سلطت على أدولف. وفى حالة ستالين، فإن الضرب على يد والده، وكان إسكافيا أميا، نشأت عنه ضغينة حادة كان على الشعب الروسى أن يدفع ثمنها فيما بعد. أما فى حالة هتلر إذا ما قبلنا بتحليل إريك إريكسون، فإن عقوبات الضرب وغيرها من مظاهر سطوة الأبوة، رسخت فى نفس الفتى إصرارا على ألا يكون هو نفسه أبا لعائلة، ولكن أن يضع فى ذهنه أن الشعب الألمانى لابد أن يعجب بشخصية هذا الابن الثائر المتمرد، وأن يكون ذلك الإعجاب هو بؤرة اهتمام الملايين من الأبناء والبنات الآخرين، الذين كانت تضطرم فى نفوسهم ذكرى الإهانات التى تعرضت لها أمتهم قبل ذلك.

وفى كلتا الحالتين، فإن الدرس يبدو وكأن العقاب البدنى هو مجرد فكرة سيئة، وأن ثقافة تنطوى على قمع وإذلال نخوة الشباب، ولاسيما بين الذكور، من شأنها أن تثير المقهورين، وان تتضخم تلك النخوة آلاف المرات. والنزاع برمته الذى كان بين آلويس الأب وابنه آدولف نجده حاضرا فى رواية ميلر، ولو انه يبدو أن الأب تقع عليه المسؤولية فيه أكثر من الابن. فالمستبد القاسى فى البيت إنما كان يتصرف بمثابة ضابط الجمارك الصارم، والزوج المعتد برجولته رغم تقدمه فى السن، وهو الذى أولع بهواية تربية النحل دون نجاح يذكر. والرجل الذى لم يتعلم فى المدرسة إلا قليلا، ولكنه شديد الطموح فى تسلق السلم الاجتماعي. والمناسبات التى يجهد فيها آلويس نفسه لكى لا يرتكب حماقة عندما يلتقى بأعيان بلدته الصغيرة، تظل جديرة بأن تقارن بما جاء فى رواية فلوبير، "بوفار وبيكوشي". وأدولف الكاتب ميلر هو على النقيض من ذلك، هو شخص يفتقر إلى الجاذبية، كثير التذمر، قابل للمخاتلة ومهووس بنزوات الفسوق والغيرة الأوديبية "نسبة إلى أوديب، بطل مسرحية سوفوكليس اليونانى الشهير". وهو إلى جانب ذلك، لا يغفر. وقد لازمته رائحة كريهة لم يستطع التخلص منها؛ وكان من عادته أيضا إهراق صحاف الأكل بين يديه عندما يصاب بالفزع.

ولعل هذه الحركة الناشئة عن الصدمة، كان لابد أن تؤثر عنوة فى شقيقه الأصغر الأكثر جاذبية إدموند، الذى كان يعانى من داء الحصبة: "لماذا تقبلني؟" يسأل إدموند، فيجيب أدولف: "لأنى أحبك". وكان كثيرا ما يحتضن شقيقه، والذى كان يبادله القبلات الآخوية الحارة. وكان يسعد كثيرا لأن آدى "أدولف" يحبه على أى حال. ويموت إدموند، ربما عن تدبير؛ وهكذا يخلو الجو لشقيقه أدولف الذى يضع يده على العش بأكمله.

هاجس التاريخ

عندما قال أدولف إنه يتوق إلى أن يصبح فنانا، لم يكن ذلك لأنه كان شديد الولع بالفن، وإنما سعيا منه إلى الاعتراف به كعبقرى فذ؛ أما أن يصبح فنانا عظيما، فذلك ما كان بالنسبة إليه هو السبيل الأقصر أمام شاب يكتنف حياته الغموض، ودون مال يذكر، أو علاقات وأواصر تساعده على نيل ذلك الاعتراف؛ ولم يلبث أن انخرط فى السياسة منذ العشرينات من القرن الماضي، وتخلى عن تطلعاته الفنية، وأوجد لنفسه نموذجا لدور أكثر معنى. فلقد وجد فى فريدريك الثانى أو فريدريك العظيم ملك بروسيا، مثلا أعلى يقتدى به: ففى الأشهر الأخيرة من الحرب، وهو محاصر فى مخبئه ببرلين، ولكى يشغل نفسه، دأب على الاستماع إلى حواديث من سيرة فريدريك كان وضعها توماس كارلايل المعادى للديمقراطية، والعاشق لأمة الجرمان، والداعية الأكبر لنظرية رجل التاريخ العظيم.

وكان هتلر مسكونا بهاجس مكانته فى التاريخ، أى بمسألة كيف سينظر إلى أعماله آنذاك فى المستقبل. وقد ذكر لصديقه ألبرت سبير يوما أنه: "بالنسبة لى هناك احتمالان، فإما النجاح الكامل للخطط التى وضعتها، وإما الفشل الذريع. ففى حال النجاح، سوف أكون واحدا من أعظم رجالات التاريخ، أما إذا فشلت، فسوف أدان وأبغض وألعن". وفى روايات فيودور دوستويفسكي، نجد شخصين اثنين على هوامش المجتمع الروسي، هما راسكولنيكوف فى "الجريمة والعقاب"، وستافروجين فى "المملوك" ، وكلاهما يظن أنه بوسعه الوصول سريعا إلى مقام العظمة بالطلاق بين الطيبة والعظمة، وباجتراح ما يحسبان انه جرائم كبرى: تقطيع أوصال النساء العجائز حتى الموت، على سبيل المثال، أو اغتصاب الأطفال. فالتزاوج بين فكرة العبقرية وفكرة الرجل العظيم، الذى يكتب التاريخ بدلا من أن يكون هو موضوعا لكتابته، وهو ما ازداد تشوها بفكرة المجرم العظيم والمتمرد الذى تتحد أفعاله اللوسفيرية "نسبة إلى لوسيفر، إبليس مسرحية فاوست"، بالمعايير الاجتماعية، هذا التزاوج كان له تأثير بالغ فى شخصية هتلر. ففى كتابه "كفاحي"، نجد إشارة إلى أنه علم بنظرية "رجل التاريخ العظيم" للمرة الأولى من أستاذ كان يدرسه التاريخ فى المعهد. وهو أصر على أن يكون عبقريا فى اللحظة التى بلغ فيها سن الخامسة عشرة.

أما بالنسبة للجرائم الكبرى، فإن حياة هتلر فى بيت الأسرة، وحسب رواية ميلر لها على الأقل، هى التى أتاحت الفرصة الكافية للفتى أدولف، لكى يمارس هذه الجرائم. وهتلر لم يكن يمتلك الوعى التاريخى ولا المسافة التى تفصله عن نفسه للإقرار بالمدى الذى كان يشده إلى نظرية الرجل العظيم الرومانسية؛ وليس من المرجح أنه قد أقر بذلك؛ فكل همه كان هو أن يصبح رجل تاريخ عظيم.

والماركسية من جانبها اشتهرت بإثارة الأسئلة عن الأفراد الذين يتوقون إلى فرض إرادتهم على التاريخ.

وستالين الذى وجد أن مقولة الماركسية تلك غير مناسبة، وشأنه شأن هتلر، وضع نصب عينيه أن يكون مشهورا، وأن يضيف إلى النظرية الماركسية فكرة الرجل العظيم، وهى الفكرة التى سوف تتحول فيما بعد إلى "عبادة الشخصية".

والسبيل الذى اختاره بنفسه إلى قمة العظمة، كان أكثر مباشرة من سبيل هتلر. فحكم التاريخ من وجهة نظر ستالين إنما كان يتمحور حول من كتبوا مؤلفات فى التاريخ. ووفقا لذلك، فإنه فرض على مؤسسات التعليم تدريس كتاب "دروس موجزة فى تاريخ الحزب الشيوعى للاتحاد السوفييتى بأكمله"، طبعة 1948، وذلك لكى يصدر عليه حكم التاريخ.

وبصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة السوفييتية، فإنه كتب يقول إن "عبقريته ساعدته على التنبؤ بخطط العدو وهزيمته" فى كل جولة من المعارك، كما فى جولات العمل من أجل السلام؛ ورغم أنه كان يتولى مهمة زعيم الحزب بخبرته المشهود بها، ويحظى بتأييد الشعب السوفييتى دون منازع، فإنه لم يسمح أبدا لعمله بأن يشوه بأدنى شبهة من الغرور أو الخداع، أو المبالغة فى إطراء الذات. وهتلر الذى بات بلا أب يزعجه ولا أم حانية تلبى حاجاته، أمضى عامين من الراحة بعد خروجه من المدرسة الثانوية، وبقى فى البيت يقرأ كل ليلة "وكان كارل ماى الكاتب الألمانى الذى ألف "حكايات وأساطير البر الغربى المتوحش"، هو أحد كتابه المفضلين"، واعتاد على النهوض متأخرا من النوم، والقيام ببعض الرسومات أو العزف غير المتقن على البيانو.

وحسب الناشرين، فإن ميلر يعد لكتابة ثلاثية سوف تتناول كامل حياة هتلر اليومية. وميلر نفسه يلمـح إلى أن الجزء الثانى سوف يأخذنا إلى الثلاثينات من القرن الماضي، ويركز على حكاية ابنة أخته أنجليكا روبال. فهذه القصة مع جيلى كما كانت تسمى تدليلا، جرى التطرق إليها من قبل فى كتاب ابنة أخت هتلر لمؤلفه رون هانسن، وهى رواية صدرت فى 1999، ولكنها تنوء بعبء البحث التاريخى الصعب الهضم، وإن احتوت على فصل يتحدث عن انحرافات ونزوات هتلر الجنسية، وهو فصل جدير بما عرف عن ميلر من قدرة فى تناول مسائل جريئة كهذه. والجزء الثانى لثلاثية ميلر، إن كتب له أن ينجز- سوف لن يتناول فى اغلب الظن، حكاية جيلى فحسب، وإنما أيضا السنوات التى سبقت الحرب وأمضاها هتلر فى فيينا، وكذلك وضعه فى الجيش الألمانى عندما بدأت يقظة وعيه السياسي.

وأيا كان الأمر، فإن مضمون هذا الكتاب "القلعة التى فى الغابة"، إنما يتعلق بالبذرة الخبيثة للمصائب والويلات التى سوف يكتوى العالم بنارها، وهى بذرة تكونت فى 1905، عندما كان هتلر لا يزال فى سن السادسة عشرة.

وإذا ما كنا نسعى إلى معرفة الحقيقة بشأن أدولف هتلر، والحقيقة الشعرية، كما يبدو أن ميلر ينشد قوله، فإن الأعوام الفاصلة بين حمل أمه به ومولده، وبين نهاية دراسته، "سوف تمدنا بما يكفى من المادة الضرورية".

وإنه لمن قبيل الحقيقة التى لا تشوبها شائبة أن الشخصية تتكون لدينا فى بواكير سنوات العمر، وأن الطفل هو أب الرجل. ولكن كان هناك الألوف من الصبيان فى النمسا الذين أحبوا أمهاتهم ونقموا على آبائهم، ولم يفلحوا فى المدارس، إلا أنهم لم يصبحوا سفاحين وقتلة للناس بالجملة. وبانتقال هتلر من الأقاليم إلى العاصمة فى 1906، تتغير الصورة، ويصبح السجل حافلا أكثر. فنحن نستطيع متابعة تحركاته والتعرف على الناس الذين كان يجتمع بهم وقراءة الكتب والصحف التى كان يقرأها، والاستماع إلى الموسيقى التى كان مغرما بالاستماع إليها.

وهكذا، فإن ضربا آخر من رواية السيرة يصبح ممكنا. وفى 1907، اشترك هتلر فى مناظرة للدخول إلى أكاديمية فيينا للفنون. ولدهشته وشعوره بالخيبة، فإنه اخفق فى اجتياز الامتحان بنجاح، إذ جاءت الملاحظة: "اختبار الرسم غير مرضي"، كان ذلك هو تقدير لجنة الامتحان؛ وقد نصحوه بأن يتجه إلى الهندسة المعمارية. وبما أنه كان يفتقر إلى مواهب تقنية تخوله دراسة المعمار، فإنه لم يكن بوسعه إتباع تلك النصيحة؛ ومن ثم، قضى السنة الموالية وهو يتسكع فى فيينا ويسكن فى المبيتات المدرسية ويكتب الرسائل إلى أهله، وظل حريصا على أن يوهمهم فيها بأنه فعلا طالب بالأكاديمية؛ إلا أنه كان يقرأ كثيرا ويذهب إلى الأوبرا كلما أسعفه جيبه بذلك. وكان "فاغنر" هو الموسيقى المفضل لديه، وزعم أنه حضر ما لا يقل عن ثلاثين عرضا لأوبيراته الشهيرة "تريستان وإيزولد". أما جنسيا، فإنه ظل متعففا ومحترزا، فقد كان يخشى ويفزع خشية من أن يصاب بمرض الزهري. وعند دعوته إلى لينتس ووالدته على فراش الموت، فإنه أقام على تمريضها وهى تحتضر بسبب سرطان أصابها.

وبعد وفاتها، عاد هتلر إلى فيينا ورسب مرة أخرى فى مناظرة أكاديمية الفنون. وكان الشتاء قاسيا، عندما نفد ما لديه من مال، وغدا مضطرا للسكن فى بيت لمن لا مأوى لهم. ثم إنه بمساعدة احد معارفه بدأ يبيع لوحاته، وبدا له وكأن المستقبل سوف يبتسم له، فذهب للإقامة بأحد نوادى العمال، يعيش حياة فنان يعمل نصف الوقت بتزويد متجر للسياحة بما يحتاج إليه من غذاء ولوازم أخرى. وفى 1913، غادر فيينا وذهب إلى ميونيخ، حيث استقر به المقام فى الحى البوهيمي.

ولعل ذلك الانتقال كان هروبا من استدعائه للتجنيد فى الجيش النمساوي. وسنوات فيينا وحدها تكفى لكتابة رواية بحالها، رواية تفعل بالنسبة لفترة إقامة هتلر بفيينا ما فعلته مذكرات مالت لوريفزبريدج بالنسبة لفترة الشاعر "ريلكه" الباريسية أو "الجوع" بالنسبة لفترة "كنوت هانسون" فى أوسلو، وذلك ينطوى على المزج والصهر بين التجربة الباطنية والأخرى الظاهرة، وهو ما سوف لن يمنحنا فقط صورة عن العالم الذى تحرك فيه الشخص، ولكن أيضا كيف كان شعوره إزاءه، وكيف تجاوب معه. واستنادا إلى التحريات الدقيقة التى قامت بها بريجيت هامان فى كتابها "سنوات هتلر فى فيينا" "1996"، فإن الروائى الذى يقبل التحدي، ربما لا يتقيد بتوجهات وتيارات العقيدة القومية الاشتراكية فحسب، بالرجوع إلى منابعها الأصلية، وإنما سوف يساعدنا ذلك على فهم واستيعاب كيف ولماذا جرى نسجها معا فى ذهن هتلر. ومن سمات الفترة التى عاشها هتلر فى فيينا، والتى ربما أسس عليها الروائى تاريخيا، ينبغى أن نشير إلى ثلاث: فالسمة الأولى هى أنه بالرغم من ضيق الحال وحتى البؤس أحيانا، فإن هتلر ظل يحتقر العمل اليدوي.

والثانية هى مقته وتبرمه بفيينا. أما الثالثة، فإنه فى هذا الطور من حياته، نجده قادرا على الفوز بصفة فنان ومثقف عن جدارة، ولو أنه لم يكن بارزا ومتميزا. وكان هتلر يستخف بالعمل اليدوي، لأنه آمن بأن ذلك لا يتناسب مع وضعه، وهو وضع من يتوق إلى التخلص من الشعور بالنقص بسبب تعليمه المبتور، وانتماء والديه إلى الشريحة الدنيا من طبقة الفلاحين. وقد انبثق عداؤه للاشتراكية من هاجس أن يجد نفسه محشورا ضمن بروليتاريا رثة من المهاجرين الريفيين العاطلين عن العمل، والذين كانوا يتدفقون على العاصمة من سائر أنحاء الإمبراطورية.

وهو كره فيينا أيضا، لأنه توصل فيها للمرة الأولى إلى إدراك أنه كألمانى من العرق الجرمانى كان ينتمى إلى أقلية، حتى وهى ذات بأس فى دولة متعددة الأعراق والأجناس. وكان عليه أن يحتك فى الشارع وأن يزاحم أناسا يتكلمون لغات لا يفهمها ويلبسون ثيابا مختلفة، وتفوح منهم روائح غريبة: سلوفينيون، تشيك، سلوفاك، مجريون، ويهود. وكراهية الغرباء والتى بدأت لديه مشوبة بالريبة ودفاعية، بل أقرب ما تكون إلى الاحتراز والخشية من الأغراب- لم تلبث أن اشتدت لتصبح عدائية غير متسامحة، وتنتهى إلى نزعة إلغاء وإبادة.

ولعل هتلر ما كان ليزيد على مجرد فنان مهما بلغ من شأو وشأن، بيد أنه كان شديد الحرص على تأكيد ذاته وإثبات وجوده وحضوره باستمرار، وهو هاجس ربما سيطر على زاوية اللاشعور فى أعماق وجدانه وتفكيره؛ إلا أن ما لا يرقى إليه شك هو أنه بدا فى سنواته الأولى على الأقل، وكأنه يبشر بمثقف على نحو ما. كان يقرأ دون انقطاع "ولو أنه اقتصر على قراءة ما يحلو له"، واهتم بالأفكار "ولو بما يتلاءم منها مع مداركه ورغباته وتصوراته القبلية"، وآمن بقوتها وتأثيرها، وزج بنفسه فى دنيا الفنون، حتى وإن ظل تذوقه لها من النوع غير الحضري، وإنما الميال إلى العفوية والمحافظة. وفى غمرة ثراء وتنوع الأفكار الجديدة التى شدته إليها، اتجه هتلر إلى انتقاء جملة منها والربط بينها ليؤلف منها فلسفة الاشتراكية القومية "النازية".

وقد تأثر فى ذلك بفلسفة غيدو فون ليست "Guido Von List" الأنثروبولوجية. و"ليست" هذا، قسم البشرية إلى جنس آرى سيد نشأ فى أقصى شمال أوروبا، وجنس من العبيد احتقره الآريون على مر العصور بشكل يدعو إلى الحسرة والأسى.. وقد شدد "ليست" على ضرورة إحياء السلالة الآرية النقية من خلال الانفصال العنصرى الصارم عن جنس العبيد، وذلك بإنشاء دولة من سادة آريين، وعبيد غير آريين يخضعون لحكم فوهرر "زعيم" يكون فوق القانون؛ ومن بين من وقع هتلر تحت تأثيره، كان "لانتز فون ليبنفيلس" مؤسس فرقة أمناء الهيكل الجدد وناشر مجلة "أوستارا"، والتى كان هتلر يثابر على قراءتها بشغف. وكان "ليبنفيلس" هذا، من أشد المبغضين لجنس المرأة، والذى رأى فى النساء مخلوقات أدنى منزلة "يجتذبهن الرجال السود لإشباع غرائزهن من جنس هو الآخر من منزلة دنيا".

وما تعلمه هتلر عن الأجناس وتطور النسل البشري، ثم ضمنه لاحقا فى السياسة القومية الاشتراكية "النازية"، لم يأت من القراءة العلمية، وإنما تسرب إلى فكرة من خلال "المنظرين" الشعبويين والعوام، من أدعياء المعرفة من أمثال "ليبنفيلس" المذكور.

وفى الجملة، فإن مغامرات أدولف هتلر فى ملكوت الأفكار، تقدم لنا حدوثة يكتنفها الاحتراس من ترك شاب عادي، منفلتا ولا يعنى بمواصلة تعليمه فى دولة متحررة تماما. فطوال سنوات سبع، عاش هتلر فى حاضرة أوروبية كبرى، وفى زمن تخمر للأفكار والاتجاهات الجديدة أو المتجددة كالعنصرية، إلى جانب المذاهب الاشتراكية والماركسية وغيرها، والتى تميزت بكونها هى الأكثر ثورية وإثارة فى القرن الجديد "أى القرن العشرين". وبعين غير زائغة، التقط هتلر أسوا الأفكار الرائجة من حوله، بدلا من اعتناق الأحسن والأفضل منها. ولأنه لم يكن طالبا بأتم معنى الكلمة، يتلقى محاضرات منتظمة ويتقيد بمراجع دراسية بعينها أو لديه زملاء من الطلاب يجادلهم فى الفروض الواجب القيام بها، والامتحانات التى لابد من اجتيازها- فإن الأفكار المبتسرة التى تبناها لنفسه، لم تكن لتخضع أبدا إلى أى ضرب من الاختبار والتحدي.

والناس الذين اقترن بهم كانوا هم أيضا من مستويات تعليمية بائسة، متقلبين ودون أى انضباط يذكر، شأنهم شأنه تماما. ولم يكن لأى أحد فى دائرته الريادة أو الزعامة الفكرية لوضع سلطاته كما هى فى مكانها الصحيح، والذى يحسن اختياره: فالجميع أو الكل فى الكل، كانوا عبارة عن دائرة سوء تسودها الفوضى والعبث وغياب الضبط والربط.

الزعيم القوي

ومن المألوف أن أى مجتمع يمكنه أن يتسامح، بل وحتى أن يكون رحيما إزاء شريحة أو شرذمة من العصاميين المتمردين والمهووسين بفكرة الخروج على أنماط التفكير والسلوك السائدة تقليديا فى المجتمع، ومن ثم يجدون أنفسهم يعيشون على هوامش مؤسساته الفكرية والثقافية. أما ما هو فريد حقا فى مسيرة حياة هتلر، فهو أنه من خلال تلاق واجتماع لأحداث لعب فيها الحظ بعض الدور، فإن الرجل أصبح بمقدوره ليس ترويج فلسفته الخرقاء فحسب، بين أبناء وطنه من الألمان، وإنما وضعها موضع التطبيق والممارسة عبر القارة الأوروبية، وبالنتائج الوخيمة المعروفة للجميع.

ووفقا لما ذكره هو شخصيا، فإن هتلر اجتذبته السياسة فى أواخر 1918، وذلك عندما بلغه أن ألمانيا قد استسلمت لأعدائها بشروط مهينة "فى نهاية الحرب العالمية الأولى"؛ ومن يومها أقسم على أن يكرس كل حياته وجهده، ومهما كانت الأعباء ثقيلة والثمن باهظا، من أجل أن يستعيد وطن الآباء والأجداد مكانته اللائقة فى أوروبا. وبهذه اليقظة والوعي، صمم هتلر على أن يكون لألمانيا زعيم قوي، هى فى أشد الحاجة إليه، ويكون أولا على استعداد لتطهير البلاد من أولئك اليهود "الرعاديد"، ومن الدهماء والرعاع الآخرين: الشيوعين واللواطيين وغيرهم من الأدنياء السفلة.

وقبل 1918، كان هتلر ضمن ألوف من أنصاف المتعلمين الحالمين الذين امتلأت رؤوسهم بالأفكار العنصرية الصوفية؛ وبعد 1918، أصبح خطرا محققا على البشرية. فهل بوسعنا إذن أن نقول إنه فى أواخر 1918، عندما أعلن عن قسمه "مهما كانت التكاليف"، فإنه دخل فى حلف مع الشيطان، وان الشر قد استوطن فى نفسه؟. بالنسبة للمؤرخ، فإن مثل هذا السؤال قد لا يعنى الشيء الكثير؛ ولكن بالنسبة لكل من يبحث متمعنا فى وجه الصبى الذى يبدو فى الصورة الشمسية الملتقطة له فى 1899، والتى تشى ملامحه فيها بالمعاناة، فإن هذا الصبى نفسه سوف يلحق بالعالم بعد زمن لن يطول خرابا كان نابعا من ذهنه المتحفز وتصميمه على الانتقام من أعداء وطنه.

وقد كتب ميلر يقول إن غالبية الناس المتعلمين جيدا يظلون جاهزين للتعلق بفكرة كائن رهيب كالشيطان، وهو ما لا يدعو إلى الاستغراب من ثم، بل إن العالم يفتقر إلى فهم متكامل وصحيح لشخصية أدولف هتلر. فليكن الاحتقار نصيبه، ولكن فهمه لا... فهو على أى حال، أكثر المخلوقات البشرية غموضا فى القرن العشرين. أما السؤال: متى استوطن الشر فى روح هتلر؟ فإنه يصبح له هكذا معنى محدد بالنسبة للكاتب ميلر. وجوابه هو أن ذلك الشر لازمه وهو لا يزال جنينا فى رحم أمه، تماما كما هو الحال أن الله فى العقيدة المسيحية كان حاضرا، عندما حملت مريم العذراء بالسيد المسيح عليهما السلام. وفى رواية ميلر، فإن الشيطان استولى على أدولف هتلر منذ 9 أشهر قبل مولده فى ابريل- نيسان 1889، وظل ملازما له حتى وفاته فى 1945، وذلك حتى يفعل بالعالم ما فعل.

صنيعة الصدفة؟

تنطوى "القلعة التى فى الغابة"، دون ريب، على رؤية أدبية نافذة بحقبة مؤلمة من تاريخ العالم الحديث. ونورمان ميلر المشهور بثقافته الواسعة وحسه التاريخى العميق ومعرفته بسائر المذاهب والتيارات الفكرية والسياسية التى برزت فى الغرب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكان لها أبلغ التأثير فى صياغة وتوجيه النظم الاجتماعية والسياسية المعاصرة، نورمان ميلر هذا نجح فى رأينا بشكل مثير، فى الجمع بين كل هذه العناصر وتضمينها فى روايته "القلعة التى فى الغابة".

ففيها قراءة للتاريخ الحديث، وفيها إثارة لمسائل وقضايا فكرية وفلسفية وسياسية لا تزال موضوعا للجدل والصراع. فهل انتهى النقاش فى مسألة الخير والشر؟ وهل ذهب الفكر المركسى والاشتراكى عموما إلى غير رجعة؟ وهل أن أمثال جوزيف ستالين وأدولف هتلر، ذكرا لا حصرا، لن يستنسخوا مرة أخرى ومرات؟.

ونورمان ميلر يبدو واعيا تماما بخطورة أسئلة كهذه، وقد سعى إلى طرحها مجددا، ولكن بأسلوب يجمع بين جدية المفكر وأريحية الأديب. ولعل ذلك ما يجعل من قراءة هذه الرواية أمرا ممتعا حقا، وإن كانت هذه القراءة تحتاج فى حقيقة الأمر، إلى خلفية ثقافية معينة، حتى يستطيع من يقرأها أن يدرك مضامينها وما حفلت به من إشارات ومرجعيات كبرى.

فهى من ثم، وفى تقديرنا، تكاد تبدو عملا أدبيا خاصا بالنخبة، وهى تحرض أيضا على البحث والتفكير بما يدفع القارئ ربما إلى بذل جهود إضافية كبيرة، حتى يصبح قادرا على استيعاب ما وضعه فيها ميلر من معان وتلميحات وأفكار لابد لفهمها من الرجوع إلى مصادرها وأصولها، سواء على مستوى المرجعيات التاريخية أو فى مجال الفكر الفلسفى والدينى والمعتقدات والأساطير والخرافات التى تظل تلازم الإنسان فى حياته الروحية الخاصة، وفى أعماق وجدانه الفطرى وخوفه الدائم من المجهول. فالغيب يظل دائما ذلك العالم الماورائى الغامض. ولقد أبدع نورمان ميلر فى جعلنا نذهب مع روايته فى جولة حرة، وطاف بنا فى عوالم غريبة عنا، ولكنها تعيش فى أعماق نفوسنا وفى مستوى الشعور واللاشعور، فى الوعى الباطن وفى واقع حياتنا اليومية، بما تزخر به من أحداث ومفارقات وتناقضات، وما تنطوى عليه من مصادفات ربما تبدو لنا غريبة أحيانا.

فهل كان أدولف هتلر من صنع الصدفة، وهل توجد صدفة أصلا؟ ذلك سؤال نخال أن ميلر قد خامره بل وسيطر على تفكيره، ولم يفارقه فى أية لحظة، وهو يحدثنا عن سيرة هتلر الشاب العجيبة المليئة بالمفارقات. ويبقى السؤال الكبير هو عن ماهية وجوهر الصراع بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين عالمى الغيب والشهادة.


انا ما قريت الموضوع كله بس قريت شوي منه وعجبني وقلت اوريكم الموضوع
وانشاء الله يعجبكم:)

جوليا بندلتون
25-04-2007, 06:37 PM
تسلم اخوي ,, اول مره اقرا هالمعلومات عن هتلر ^^
ثاانكس..

رابعة العدوية
28-04-2007, 11:29 PM
:أفكر: مرحبا جميعا ومرحبا لصاحب الموضوع

أعتقد و أرجو أن لا أكون مخطئة باعتقادي أن هذا الموضوع ينتمي الى هنا

تحيتي