المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر و نثر آه يا وجع الغريب ! ( نشرة أخبار العائلة بالشوكلاتة ! ) 1



عصام طنطاوي
11-05-2007, 07:34 AM
لماذا كلما سافرتُ إلى هذه الأصقاع البعيدة من الأرض تعتريني نفس المشاعر .. مفارقة المقارنة ..

أنت الآن في برلين ، وقبل ستة أشهر كنتَ في هامبورغ ، لسنا هنا بموقع الدعاية الشخصية لحضرتك !
قلنا : هنا يعيشون الحياة ، وهناك ( عندنا نحن ) نتحدث عن الحياة ..
تسير في شوارع برلين ورأسك يتحرك حول كتفيك بشكل دائري خشية أن يضيع عليك مشهد ما خلفك ، و تأخذك المدينة من ذاتك أو تعيدك بقسوة إلى هذه الذات الحائرة ، المعمار ، الناس ، المعرض و المتاحف ، الحضارة كلها و بأوج تألقها ..
وأنت أيها الغريب لا تتقن حتى فن الإستمتاع بما حولك ، لأنك مشغول دائماً بالمقارنة بين عالمك و عالمهم ,, كان عليك أن تتحررتماماً من هذه اللعبة المرهقة ( المقارنة حتى في أدق التفاصيل ) و ترمي تاريخك خلف ظهرك و تستسلم للفتنة الطاغية .. المدن تشبه النساء ، و اقسى النساء أو المدن التي تتركك تنام وحيداً لكي تنهشك الوحدة مجدداً آخر الليل .
أنت هنا فانسى قليلاً أنك تفتقد البعوض و أكياس القمامة المتنائرة على أرصفة مدينتك ..
أفهم كيف إستطاعوا السيطرة على نظافة المدينة و لكن البعوض ! كيف ؟ هل هو منتج خصيصاً للعالم الثالث ؟
هنا الحياة العامرة بالحركة والتي لا تجد فيها من لا يتقن عمله على أكمل وجه ، العمل مقدس عندهم ، يستحيل أن تدخل محلاً و تجد الموظف يأكل الفول و البصل أو الهامبرغر على طاولته ، و يدير لك ظهره لمتابعة المسلسل العربي في التلفازالذي صار موجوداً لدى معظم محلاتنا و يستحيل أن تجده هناك ..ثم بعد العمل لديهم الوقت الكافي للإستمتاع بالإسترخاء في الحديقة أو مقهى وتبادل الحوار الهاديء الذي أجزم أن السياسة ومشاكل الأقارب و النميمة بين الأصدقاء لايمكن أن تكون أحد موضوعاته الممتعة كما نفعل نحن ..
قال لي صديق أنه فكر مرة بدعوة زوجته للعشاء في مطعم أنيق في عمان ، فظلت تحدثه طوال العشاء الذي إبتلعه بمرارة عن مشاكل العائلة و أمراضها و الديون المتراكمة ، و لما إنتهت من العائلة و الأصدقاء حدثته عن مشاكل الجيران الذين لايعرفهم .. فال لها : بس ممكن يادام ننسى هذه المواضيع لساعتين فقط ؟ و قال لي : هذا الحكي أسمعه يومياً في البيت ببلاش و بالأمس دفعت ثمانية و عشرون ديناراً لأسمعة في المطعم و بمصاحبة موسيقى هادئة طبعاً ..
وحتى نخلص من هالسيرة .. فور وصولي البيت عائداً من برلين و فيينا تطوعت أمي بتقديم نشرة أخبار موجزة عن كل المصائب و الأمراض التي ألمت بالعائلة والأصدقاء في غيابي و كنت مشغولاً بفرحة بناتي بتوزيع الشوكلاته الفاخرة عليهن وسته بنات أخريات من العائلة ..
في البار تتأمل بفضول شرقي ماتراه أمامك مع أنهم هناك لايحبذون التحديق في وجوههم .. بإمكانك تأمل السقف و الخشب والزجاجات المتلألئة أمامك بألوانها الخلابةأو إعادة قراءة التعليمات على علبة السجائر أو إخراج هويتك للتاكد أنك رقمك الوطني لازال كما هو ، أما الجميلة التي أمامك وساهمت بزيادة سرعة دقات قلبك فهذا عيب و تصرف غير لائق .. إلزم حدودك يا غريب !
من أنتَ هنا ؟
ولماذا ترهقهم بنظراتك الفضولية ، لو عرفوا بماذل تفكر لطردوك من بلادهم، أو لأشفقوا عليك و وضعوك في إحدى جمعيات الإحتضان الخيرية ..
فقط ماكنتَ تحتاجه حضن دافي و إن لم تكن تلك الشقراء الفاتنة فلتكن العجوز الساهمة في عشق العجوزالوسيم الجالس أمامها ، فقط إحتضان حسن النية و بلا غايات غرائزية خبيثة ..بلا فلسفات معقدة لن يفهمما سواك .
معدتك صارت وكأنها قربة مثقوبة ، تشرب و تشرب ورأسك المزدحم بتاريخك و الأيدلوجيا يزداد صحواً ، لعلك نسيت إستبداله برأس آخر فارغ قبل سفرك أو تفريغ ملفاته الثقيلة على " سي دي " لأستعماله عند الحاجة للغم الوطني و الإجتماعي ، يجب أن تتعلم فن السفر برأس جديد نظيف
رأس بسعة جيدة ة وليس مزدحماً بملفات لاضرورة لها كما تفعل بكمبيوترك الذي يعاتي من الصداع والإحتقان جراء التحميل الزائد مثلك !
و لما زهقتت من حالي أخرجت دفتراً أحمله في حقيبتي و قلت لأتسلى في كتابة هذا الحكي !! و لما إنهمكت في الكتابة ولم أعد ألتفت حولي إقتربت مني فتاة ألمانية ( هل أبدو مملاً إذا قلت أنها جميلة ؟ ) تجلس بقربي مع صديقاتها و سألتني ضاحكة :
هل تعودتَ أن تكتب واجباتك المدرسية في البار !

غالي الساهر
11-05-2007, 03:07 PM
كم تعجبني مقالاتك سيدي :)

لا أدري على ماذا أعطيك ردّي ؟؟ ولكن بالفعل أنت ( كاتب متمكن )

لا عدمنا قلمك الرائع , وأنني فالأنتظار بما يجول في خاطرك :)

السـ تحيات ـاهر

عصام طنطاوي
12-05-2007, 03:14 AM
أشكرك أخي الكريم
هذا الموضوع قد ينشر على أكثر من حلقة
وهو بوح حقيقي آمل أن يُحظى برضاكم
كل الإحترام

أنــفــاسـ
12-05-2007, 09:44 AM
اخي عصام طنطاوي استمتعت كثيرا بما كتبت
احسك متمكن من ما تكتب
لا ادري ماذا اقول او اكتب هنا سوى ان سردك وموضوعك ممتع جدا


تحيااااااااااااااااتي