المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنت أنت الله



كلاودو
03-06-2007, 04:49 PM
أنت أنت الله


من[خواطر نفس] للدكتور منصور فهمي



إذا ما اتجه الفكر في السماوات حيث انتشرت النجوم في الليل، وإذا ما كلّ البصر فيما لا نهاية له في الآفاق المظلمة، وإذا ما خشعت النفس خشعتها من رهبة السكون الشامل، فإنك تشرف بوجهك الكريم من خلال هذه الآفاق ، ،وتُسمِع صوتك في السكون ، وتمس بعظمتك النفس الخاشعة المطمئنة.
حينئذ تبدو الآفاق المظلمة كأنها باسمة مشرقه ، ويتحول السكون إلى نبرات مطربه ، وتنبعث من كل صوب وحينئذ تتغنى النفس الخاشعة لتقول


((أنت أنت الله))


وإذا ما كان المتأمل على شاطيء البحر الخِضم ، وأرسل الطرف بعيداً ، حيث تختلط زُرقة السماء بزرقة الماء ، وحيث تنحدر شمس الأصيل رويداً كأنها الإبريز المسحور ، لتغيب في هذا المتسع المِلحِ الأجاج ، وحيث تتهادى الفلك ذات الشراع الأبيض في حدود الأفق الملون بألوان الشفق ، كأنها طائر يسبح في النعيم.
إذ ذاك يشعر المتأمل بعظمة واسعة عظمة البحر الواسع.
وإذ ذاك تقر العين باطمئنان الفلك الجاري على أديم الماء الممهد ، وفي رعاية الله الصمد ، حيث تكون مظهر العظمة ، وحيث تطمئن النفس لرؤية ماتطمئن إليه في منظر جميل .
إذ ذاك يدق الفؤاد بدقات صداها في النفس .


((أنت أنت الله))


وإذا ما انطلقت السفينة بعيداً في البحر اللجّي ، وهبّت الزوابع ، وتسابقت الرياح ، وتلبد بالسحب الفضاء ، واكفهرّ وجه السماء ، وأبرق البرق ، وارعد الرعد ، وكانت ظلمات بعضها فوق بعض ، ولعبت بالسفينه الأمواج ، وأجهد البحار جهده ، وأفرغ الربان حيلته ،وأشرفت السفينة على الغرق ، وتربص الموت من كل صوبٍ وحدب ، إذ ذاك يشق ضياؤك هذه الظلمات والمسالك ، وتحيط رأفتك بهذه الأخطار والمهالك ، وتصل بجبال نجدتك المكروبين البائسين.
وإذ ذاك يردد القلب واللسان :


((أنت أنت الله))


وإذا ما اشتد السقم بمن أحاطت به عناية الأطباء ، وسهر الأوفياء ونام بين آمال المخلصين ودعوات المحبين ، ثم ضعفت حيلة الطبيب ، ولم ينفع وفاء الحبيب ، واستحال الرجاء إلى بلاء .
إذ ذاك يتجلى مستوياً على عرش عظمتك ، والنواصي خاشعه ، والنفوس جازعه ، والأيادي راجفه ، والقلوب واجفه لتقول ((أنا قضيت)) ، ويقول الطبيب والقريب والحبيب:[أنت أنت الله]
وأذا ما باين الدنيا انسان وباينته ، وإذ ينتظر إلى المال فيلقاه فانياً ، وإلى الجاه فيلقاه ذاوياً ، وإلى الأماني فيلقاها زائلة ، وإلى الآمال فيجدها باطله ، وإلى الشهوات فيجدها خادعه كاذبه ، وإلى المسرات فيجدها آفله غاربه ، إذ ذاك يستغني عن الجاه والمال ، وتشل في نفسه حركة الآمال ، وبين جاه يدول ، وأمل يزول لا يملأ فراغ النفس إلا ذكرك :


(( أنت أنت الله))


وإذا ما وقعت العين على زهرة تتفتق في الأكمام ، أو تلاقت العين بعين يملؤها الحين والابتسام ، وإذا أعجب المعجبون بجمال الفجر المتنفس ، وتغريد الطير المتربص ، وعاود الصدر انشراحه ، وملأ القلب ارتياحه .
إذ ذاك يشرق في قلوبنا نورك الجميل فنراك


((أنت أنت الله))


فيما يمس النفس من مظاهر العظمة ، ومظاهر لسعة ، ومظاهر الرحمة ، ومظاهر القدرة والقضاء ، ومظاهر الدوام والبقاء ، ومظاهر الجمال والجلال ، اعتاد الناس أن يصفوك بالعظيم ، والواسع والرحيم ، والقادر والدائم ، والجميل والجليل ، وأوتار القلوب تردد :


((أنت أنت الله))


:) :) :)


تحياتي