المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثقافات القشور!



الوبر
08-12-2001, 11:40 AM
ث
ق
ف


و(ثََـَقـُفَ) الرجل من باب ظرُفَ صار حاذقا خفيفا فهو (ثـَقـفٌ)..

جاء في مختار الصحاح للرازي

مثل ضَخُم فهو ضَخْمٌ ومنه (المثاقفة) و (ثـََقِفَ) من باب طَرِبَ لغةٌ فيه فهو (ثـََقِفٌ) و (ثـَقـُفٌ) كعضُدٍ و (الثِقافُ) ما تسوى به الرماح و (تثقيفها) أي تسويتها و ( ثَقِفَهُ) من باب فهم صادفه . وخل ( ثِقّيفٌ) بالكسر والتشديد أي حامض جدا مثل بصل حريف ...

وجاء في " الكوكبة" لإسماعيل صبري ( ورأيت الاحتذاء بسلفنا القريب حين نقلوا فعل " ثقف" من صقل السيف إلى صقل العقل ، وأدخلوا في لغة العرب الثقافة بالمعنى المتداول بيننا حاليا) ..

فهناك صلة تشبيه ما بين صقل السيوف وتقويم الرماح وما بين صقل العقول تشترك في لفظ واحد الفعل "ثقف" .. صلة جوهرية تقوم على الناتج النهائي من وراء الصقل الذي لا بد أن يؤدي فعله حتى تصبح الرماح قائمة والسيوف براقة ... ومن هنا تتكشف الإشكالية في الثقافة الحرة بين الخلط والتمحيص من خلال النمط السائد في ثقافات الشعوب والأمم ... ففعل الثقافة في العقل لا تقل عن فعل الصقل للسيوف وعليه جاءت الثقافة ضرورة من ضرورات البحث العلمي المرتكز في أساسه على لب القضية المبحوثة وجوهرها البراق ... فما تشكله المرحلة الحالية من تاريخنا الحديث ثقافيا ماهو إلا مزيج مختلط من ثقافات مختلفة ومتعددة تتابعت على مر العصور فأصبحت تغطي معظم احتياجاتنا الذهنية والثقافية .. غير أن الاختلاط يوحي بضرورة التمحيص والتنقيح في مجمل الثقافات المكتسبة حتى تقوم عملية " الصقل" و "الثقف" على أساس صحيح ومتين ... تغنينا عن المكتسبات الذهنية الغارقة في القشور مقصية بذلك الجانب الروحي والجوهري في ثقافتنا ... بالضبط كما يحدث في عملية عزل العسل عن الشمع بطريقة التصفية ... فيبدو العسل شهي جدا ولا يبدو الشمع مضر وليس كذلك ولكن عملية تناول العسل تستوجب عزله عن الشمع ..


في ذلك يقول المفكر الإسلامي : (الدكتور عبدالكريم بكار) :

( إن كل ثقافة حتى تكون عامل إبداع ووقود ارتقاء وتقدم تحتاج إلى نوع من المراقبة والمراجعة والتمحيص على نحو مستمر وإلا فمن الممكن أن تتحول إلى أغلال تكبل العقل وتمده بالمدخلات الخاطئة وتكون بمثابة قمح غزاه السوس فكل ما يصنع من طحينة فاسد) ..

ومن الملحوظ أن اهتماماتنا في البحث انصرفت إلى القشور دون التركيز على اللب والجوهر ومن ذلك المسائل المختلف فيها فهي بحاجة إلى نظرة متعمقة في لب القضية والوصول إلى جذورها الأصلية ... فحلول المشكلات لا تأتي عبر النظرة المجردة للقشور بل تقتضي توفير أنجع الوسائل للوصول إلى جذور المسألة الأصلية عبر تاريخها المعلوم منه والمجهول ..

وهكذا فان " الصقل" و "الثقف" ينبغي أن يكون دوره بارز في ترقية العقول وبريقها ليحميها من التآكل والصدأ كما أن السيوف تصقل كل ما صدأت أو تآكلت ... ذلك أن التمحيص والمتابعة والمراقبة والمراجعة بشكل مستمر ودقيق للثقافات المكتسبة من شأنه أن ينفذ عملية " الصقل" بأفضل صورة .. حتى نتحاشى الإصابة بثقافات القشور ..

:)

Hossa
08-12-2001, 12:31 PM
اخي الوبر

لا يسعني الا ان ازف لك التهاني الحارة على هذا الموضوع البديع الغني بمحتواه

لقد استفدت منه كثيرا والتفت الى مصطلحات لم اتفكر فيها من قبل

احببت ان اضيف شيئاً تعليقاً على قولك في دور الثقافة في ترقية العقول ان كل عقل يولد على الفطرة ووسائل اعلامنا والمجتمع الذي نعيش فيه والضروف التي نركب قواربها وغيرها من العوامل يهودانه او ينصرانه او يمجسانه

تقبل تحياتي واحترامي

جيم بوي ادفانس
08-12-2001, 01:50 PM
موضوع حلو ونتمنى المزيد":"

الوبر
09-12-2001, 11:53 PM
أيضا :
وهب الله تعالى الإنسان طاقات ذهنية فطرية خارقة مهمتها الإدراك والتجميع والتخزين والتحليل والتركيب والتمحيص والتنقيح والاستفادة من مجمل التجارب والخبرات والمعارف المتراكمة في ذهنه عبر تاريخه ووعيه والتي يدركها من خلال معايشته وتفاعله مع هذا التاريخ على صعيد الحياة الإنسانية ...
وهذا بحسب القدرات المتفاوتة وتختلف تلك القدرات من شخص لآخر لكنها على مستوى الشعوب والأمم متقاربة وموزعة بالتساوي ولا يفصلها كبير فوارق ..

اليوم أصبح العالم الغربي يروج لمصطلحاته ومفاهيمه متحايلا على فكر الأمم والشعوب وثقافاتها ومستغلا نقاط الضعف ومكامن الخلل والقصور .. حتى أصبحت المصطلحات المتعددة والمتنوعة لدينا تتماشى مع المفاهيم والمعايير الغربية والتي من شأنها تسيير أمور مختلفة ترتبط بهذه المصطلحات بما يتفق مع السياسات والاستراتيجيات والرغبات الغربية ... وهذا يكون من خلال إنشاء وعي ثقافي على قاعدة غربية ...
لقد تجاهلنا في يوم من الأيام أن العالم الإسلامي هو منبع الحضارات وموطنها الأصلي والأهم من ذلك أننا نسينا أو تجاهلنا أن المصطلحات المختلفة بمفاهيمها الوافدة من الغرب هي في الأصل جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية والمسلمون في الأصل هم من بدأها منذ بزوغ فجر الإسلام لتحقيق أغراض إسلامية ... ولكنها اليوم بنفس المصطلحات وبنفس السياسات ولكنها بأهداف مختلفة ومفاهيم مضللة أصبحت تحقق رغبات الغرب وأهدافهم ... فالطريقة كما هي لم تتغير والأسلوب يكاد يكون مشابها لولا أن العصر الحديث زاد عن السابق بالتطور التكنلوجي .. ولكن المختلف هو الهدف والغاية والمفاهيم ..

لقد علق على ذلك أبو عبد الرحمن الظاهري قائلا : ( إن وجودنا الكياني أمة ذات دين ولغة ورقعة وقيم .. ولا تكون التنمية والتقدم إلا بعد تحقق الكياني .. ونحن الآن أمة تصدير مستهلكة – بصيغة اسم الفاعل واسم المفعول معا – نستورد ما تمليه شهواتنا لا ما تريده عقولنا .. وما تريده عقولنا مشروط علينا استيراده بمعايير تجعلنا أمة متخلفة واقعا نامية مظهريا بوسائل التمدين التي لا نملك بقوانا ومواهبنا استمرارها ، فذلك هو رذائل الاستعمار وباطلة وقبحه العدواني ، وقبح الطائفية والتجزئة والأممية والأيديولوجيات التي هي ضد الكياني بكل شروطه )..

ونحن اليوم في ظل ثقافات القشور :
الحجاب أصبح عادات وتقاليد
والعادات أصبحت أغلال
وصلة الرحم أصبحت أهواء
والرشوة أصبحت هدية
والمكافئة أصبحت زكاة
وقول الحق شذوذ وانشقاق
والمال معيار تقييم
والتقليد الأعمى نمو وتطور
ومحاكاة الغرب حضارة وتفتح
والذل والانكسار طاعة
والطيبة سذاجة وغباء


باختصار اختلطت المفاهيم وتبدلت الأحوال ..
وهكذا فان التأثير ممتد وحاصل مهما أنكرنا ومهما قلنا فان المسائل تبدو بحاجة لعلاج جذري ليس قشري

:)

aseer1
10-12-2001, 12:13 AM
كلام رائع رائع رائع بمعنى الكلمه ولو أ،ي مشرف لثبت الموضوع
وأشكرك أخي ونريد منك المزيد من المواضيع الهامه:)

الوبر
11-12-2001, 07:55 AM
أخي هوسا

شكرا للاطلالة المشرفة والمداخلة الضافية ..

تحياتي .. :)

الوبر
11-12-2001, 07:57 AM
أخوي جيم
أنت الأحلى وابشر بالجايات ... :)
شكرا لمداخلتك واطلاعك

تحياتي .. :)

الوبر
11-12-2001, 07:58 AM
أخوي أسير

شكرا لك عزيزي وأنت الأروع وابشر بالجايات ... :)
مشكور للمداخلة والاطلاع

تحياتي ..:)