المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية من سيهزم من في أفغانستان ... !؟



الشاب الحزين
10-12-2001, 05:39 PM
منذ بداية الحملة الصليبية الأمريكية على أفغانستان وجل المتتبعين والخبراء ينظرون بعين الريبة والشك لمدى استعداد حركة طالبان ومعها تنظيم القاعدة لمواجهة حرب أمريكية شاملة في ظل بون شاسع في القدرات بين أقوى دولة في العالم وحركة صغيرة الحجم ضعيفة القدرات . ومع الانسحاب المفاجئ الذي لجأت إليه حركة طالبان زاد تيقن المراقبين من أن الحركة تعيش أيامها الأخيرة وأن المهمة الأمريكية حققت جزءا كبيرا من أهدافها بأقل الخسائر الممكنة، ولا سيما في ظل الحرب النفسية الضخمة التي يستعملها الأمريكيون بشكل أحادي الاتجاه لا يعترف بزلة ولا خطأ، بله أن يعترف بهزيمة ولو تكتيكية.

والسؤال الذي ينبغي طرحه هاهنا هل هذا التقويم صحيح من وجهة نظر استراتيجية مجردة.
من المعلوم عند الاستراتيجيين أن الهزيمة العسكرية تحصل غالبا إثر حصول خطأ ما في المجالات التالية :

· الفشل في استخلاص العبر الصحيحة من التجارب السابقة
· الفشل في توقع تحركات العدو مسبقا
· الفشل في التأقلم مع أوضاع جديدة
قد يؤدي السقوط في اثنين من هذه المطبات إلى جعل الهزيمة مركبة وآثارها مؤلمة، أما إذا اجتمعت هذه المطبات كلها فإن الهزيمة العسكرية توصف بالكارثية.
ولا شك أنه إذا طبقنا هذه الضوابط على حركة طالبان في خضم الحملة الراهنة سنعلم ما إذا كان الذي حصل في الأيام الأخيرة من تحركات ومناورات من جانب حركة الطالبان يعد هزيمة عسكرية لهذه الحركة أو على الأقل ينذر بوقوع هزيمة عسكرية ، أم أن الأمر غير ذلك.
فيما يخص النقطة الأولى لا يوجد ما يدل على أن حركة طالبان فشلت في التعلم من التجارب السابقة بل العكس هو الظاهر. فلدى الكثير من قادة الحركة العسكريين رصيد جيد في قتال قوات كبيرة مجهزة بأحدث الأسلحة كما كان الشأن بالنسبة للاتحاد السوفييتي السابق. ومما بينته هذه التجربة أن احتلال المدن الأفغانية لم يشكل قط مشكلة للاتحاد السوفييتي الذي سيطر عليها كلها في ظرف قياسي، ولكن هذه السيطرة لم تكن لتثبت أقدام الدب الروسي في التراب الأفغاني بل العكس تماما إذ أن الحفاظ على هذه المدن كلفه غاليا واضطره للخروج مذلولا مدحورا في الأخير. ولعل هذه الخبرة المتراكمة لدى القادة الأفغان هي التي دفعت الحركة أن تنسحب من أكثر المدن للحفاظ على القوات والاستمرار في القتال.

من جهة أخرى فإنه مما لا شك فيه أن حركة طالبان استفادت ولو بالقدر اليسير من التجارب القتالية الحديثة لأمريكا، إذ معلوم لدى القاصي والداني أن القوة الأمريكية الأساسية تكمن في القصف الجوي المكثف. وهذا ما ثبت منذ الحرب العالمية الثانية مرورا بحرب الخليج الثانية ووصولا إلى حرب كوسوفا. فاتخاذ حركة طالبان لقرار الانسحاب من جل المدن الرئيسية هو أخذ بعين الاعتبار لمكامن القوة الأمريكية، وهو عين الصواب أمام الاستراتيجية العسكرية الأمريكية إذ يفرغها من محتواها ويجعلها غير ذات جدوى. وهكذا يظهر بجلاء أن حركة طالبان لم تفشل في التعلم من التجارب السابقة سواء تعلق ذلك بتجاربها الذاتية أم تجارب عدوها الأول.

أما فيما يخص النقطة الثانية فكذلك ليس هناك ما يدل على أن حركت طالبان فشلت في توقع تحركات العدو مسبقا وذلك رغم محاولة أمريكا الخداع والمناورة وإخفاء إستراتيجيتها الأساسية. فنظرا لأن أمريكا ملجمة بعدة عوامل أهمها حرص الإدارة الأمريكية على عدم وقوع أضرار كبيرة في صفوف قواتها ، فإن هذا الأمر يجعل خياراتها محدودة مهما حاولت إخفاء استراتيجيتها. وبالتالي كان من البديهي أن أمريكا سترتكز على التحالف الشمالي لأن ليس لديها خيار آخر ولا سيما أن محاولاتها شق الصفوف داخل حركة طالبان لم تكن مثمرة بشكل كبير.

وهكذا كانت حركة طالبان تعلم علم اليقين أن التحالف الشمالي سيكون حصان طراودة لأمريكا في أفغانستان ولهذا قامت الحركة بمساعدة تنظيم القاعدة بإجراء احترازي اعتبر بحق ضربة موجعة لهذا التحالف وذلك بتنظيم عملية اغتيال شاه مسعود وهو القائد المحنك الذائع الصيت لهذا التحالف، والذي تم تعويضه بثلاث رجال وهم وزير الحرب الجنرال عبد المالك ووزير الداخلية يونس قانوني ووزير خارجية التحالف عبد الله عبد الله. وهو الأمر الذي يعتبر في حد ذاته مشكلا للتحالف إذ أن الثلاثة يعبرون عن مآرب ومشارب مختلفة، كما أنهم لا يمتلكون الكاريزما التي كانت لشاه مسعود ولا قدرته على جمع الكلمة وسط قومية الطاجيك خصوصا.

كما أن حركة طالبان وقفت بصلابة لمحاولات شقها أو سلبها لمشروعيتها داخل أراضي البشتون خصوصا وما مثال العميل عبد القادر عنا ببعيد. أما من الناحية العسكرية فكان كذلك واضحا أن أهداف الحملة الأمريكية ستتركز على مدينة مزار الشريف ثم كابل ولذلك فإن انسحاب طالبان من هاتين المدينتين لم يكن نتيجة مفاجأة العدو لها ومهاجمتها في نقط لم تكن تتوقعها بل العكس هو الحاصل فالحركة انسحبت من محيط هاتين المدينتين وأخرى كذلك لتشتيت قوات العدو الضعيفة أصلا (لا تتجاوز العشرين ألف مقاتل) وإجبارها على خوض حرب دفاعية عوض حرب هجومية يتمتع خائضها باختيار الزمان والمكان والأسلوب. وهكذا يتبين أن حركة طالبان لم تفشل في توقع تحركات العدو بل بالعكس كانت على علم بالمخططات الأمريكية وتعاملت معها بواقعية تامة بل وبإجراءات احترازية فعالة.

فيما يخص النقطة الثالثة فالأدلة كثيرة على أن الحركة تأقلمت مع المعطيات الجديدة ، إذ أن قوة الحركة أصلا في قدرتها على الحركة والمبادأة والمفاجأة ، ولم يكن جيش الطالبان بالجيش الذي يقاتل وفق أساليب الجيوش النظامية وبالتالي فإن الانسحاب من جل المدن الرئيسية وخوض حرب الغوار الاستنزافية ليس فقط هو الواجب عمله للتأقلم مع الأوضاع الجديدة التي يتمتع العدو فيها بالتفوق الجوي بل هو كذلك الرجوع إلى موطن قوة حركة الطالبان الأول وبالتالي التفوق فيه لوجود تجربة كبيرة فيه وخبرة تراكمية لأجيال مضت. وقد أخطأ كثير من المحللين الغربيين وعلى رأسهم
Roy) (Olivier وذلك بتأكيدهم على أن حركة طالبان وليدة المدن وليست مؤهلة لخوض حرب الغوار. فالعكس هو الصحيح إذ أن أغلب كوادر الحركة تنحدر من المناطق الجبلية الشاهقة في الجنوب ولها خبرة ماضية في القتال ضد الروس.

وقد بدأت آثار هذا التأقلم تظهر وبدأت ترد الأخبار ولو بصعوبة نظرا للتعتيم الإعلامي التام، على أن حركة الطالبان هاجمت مدينة مزار الشريف عدة مرات وأخذت التحالف الشمالي والقوات الصليبية على حين غرة، كما حدث نفس الشيء في مدينة هراة بقيادة القائد عبد الحنان، بل وقد أبانت الحركة وقواتها البطولية بقدرة كبيرة على الصمود بل والقيام بهجمات مضادة فتاكة في محيط مدينة قندوز رغم الحصار العسكري التام والقصف الجوي العشوائي والمتوحش للطائرات الأمريكية مما يبين أن الحركة ليست بالعدو السهل ولا ينبغي الاستهانة بقدراتها على الصمود إطلاقا.

كما أن القتلى الغربيون يعدون بالعشرات لكن الحصار الإعلامي المضروب يمنع من كشف الحقائق كاملة. وفي هذا السياق فإن مقتل عشرة صحفيين غربيين إلى حدود الساعة ، وهم الذين كانوا يواكبون تحرك التحالف الشمالي والقوات الصليبية هو في حد ذاته مؤشر ومقياس على حدوث كمائن قاتلة في صفوف هذه القوات، ولكن لا يتم إعلان سوى القتلى من الصحفيين لاستحالة إخفاء ذلك.

يتبين بعد هذا أن حركة طالبان لم تقصر في التعلم من التجارب السابقة سواء الذاتية منها أو المتعلقة بأمريكا كما أن الحركة لم تفشل في توقع تحركات العدو الاستراتيجي منها أو التكتيكي ، وأخيرا فإن الحركة لم تفشل في التأقلم مع المعطيات الجديدة والدليل هو ضرباتها المتزايدة يوما بعد يوم . وكل هذا يعني أن لفظ الهزيمة العسكرية لا ينطبق على انسحاب حركة الطالبان من بعض المدن الرئيسية.
ترى ماذا ستكون النتيجة لو طبقنا نفس المقاييس على المجهود الحربي الأمريكي.

فيما يخص النقطة الأولى يبدو لأول وهلة أن أمريكا خرجت ببعض العبر الصحيحة من حروبها السابقة ولا سيما حرب الفيتنام فأمريكا تعلمت من هذه التجربة أن الرأي العام الأمريكي لا يصبر على خسائر كبيرة في الأرواح إضافة إلى صعوبة القضاء على عدو يتبع استراتيجية حرب الغوار ويتمتع بمعنويات كبيرة ، كما أنها استفادت من تجربة الاتحاد السوفييتي السابق الذي اجتاح أفغانستان بمائة ألف جندي، ولذلك فأمريكا لم تحاول استعمال قوات كبيرة الحجم واكتفت عوض ذلك بالقصف الجوي المكثف مستعينة بعملائها من التحالف الشمالي. قد يبدو هذا الأمر أنه الخيار الصحيح والتوجه الأمثل لكن البعض لا يراه كذلك.

فالناظر مثلا في التجربة العسكرية الأمريكية خلال الحرب الكورية (1950-1953) يجد أن عبرها قد طواها النسيان من الذاكرة الأمريكية، إذ أن دخول الوحدات الصينية الحرب واستعمالها لتكتيكات فعالة قللت من فعالية القصف الجوي الأمريكي، فقد ابتعدت الوحدات الصينية عن الطرقات الرئيسية والمدن الكبيرة، وفضلت الهجوم في الليل والتصقت طلائعها بقوات الحلفاء مما جعل اللجوء إلى القصف الجوي محدودا. وتجدر الإشارة أن قوات الحلفاء والقوات الصينية الكورية تساوت في العدد لكن هذه الأخيرة هي التي انتصرت رغم تفوق الأمريكيين وحلفائهم في التسليح. بينما الحالة في أفغانستان أفضل من ذلك إذ أن عدد قوات التحالف الشمالي هزيل أصلا ولا يسمح بالسيطرة على كل البلاد، فإذا اجتمع التفوق العددي واستعمال تكتيكات فعالة فإن الاستراتيجية الأمريكية لن تصمد طويلا، إلا إذا جاءت بقواتها أو قوات أجنبية كبيرة. وهذا الحل قد يكون في حد ذاته سيئا إلى أبعد الحدود ، فقد أثبتت التجربة الأمريكية في الصومال، أن الإتيان بقوات غير متجانسة يطرح مشاكل كبيرة للغاية على مستوى الأهداف والتنسيق على الأرض. هذا والصومال بلد شبه صحراوي مكشوف فكيف سيكون الأمر في أراض جبلية وعرة. أما إذا جاءت بقواتها فإن هذا معناه عدم استيعاب درس فيتنام.

كما أن تجربة أمريكا في فيتنام بينت عدم جدوى القصف الجوي على قوات الغوار، رغم أن أمريكا استعملت لمدة طويلة كل القنابل المحرمة دوليا باستثناء القنبلة النووية. وقد كان حضورها على الأرض مكثفا ، ومع ذلك خرجت من تلك التجربة تجر أذيال الخيبة والهزيمة.

قد يقول قائل أن تجارب أمريكا الحديثة في حرب الخليج الثانية وحرب كوسوفا أظهرت بلا جدال جدوى القصف الجوي سواء المكثف منه أو المركز. والحقيقة أن قياس فعالية القصف الجوي في هاتين الحربين مع الحملة على أفغانستان هو قياس مع الفارق، فالعراق ويوغوسلافيا دولتين تحتويان على الكثير من المنشآت الاستراتيجية الحساسة والتي أدى قصفها في الحالتين إلى استسلام الدولتين، رغم أن الأضرار التي لحقت الآليات العسكرية في الحالة اليوغوسلافية كانت أقل من 20% لكن الأضرار التي لحقت بالبنيات التحتية كانت السبب في إنهاء الحرب. .
ويعضض بعض المحللين الغربيين المحايدين مثل Jean Philippe Loired الرأي القائل بأن حملة القصف الجوي الأمريكية أقرب إلى استعراض العضلات منه إلى النكاية الحقيقية، إضافة إلى التكلفة العالية للقنابل الموجهة بالليزر والتي استخدمت بكثافة (2300 قنبلة "ذكية" من جملة 6000 قنبلة ألقيت على أفغانستان حسب إحصائه) وهو ما يجعل استعمال القنابل الذكية في أفغانستان في حدود 40% مقابل 6% في حرب الخليج الثانية الشيء الذي يعتبر هدرا لأموال طائلة دون أن تكون الأهداف في مستوى تلك التكلفة العالية.

بل وقد يذهب آخرون إلى انعدام جدوى مقارنة التجارب العسكرية بعضها ببعض، لاختلاف الظروف الذاتية والموضوعية في كل مرة. ولكن هذا الكلام مرجوح إذ أن أغلب المنظرين الاستراتيجيين على خلافه، وهو الشيء الذي دافع عليه Michael Howard وهو من أبرز الإستراتيجيين في القرن العشرين، حين قال بأنه لا شيء يتشابه أكثر من تشابه الحروب ببعضها . فلا شك أن العبر المستوفاة تنطبق على هذه الحرب كذلك وأن الأخطاء الملاحظة على المجهود الحربي الأمريكي قد تتحول إلى هزيمة نكراء إذا تم استثمارها بشكل فعال من طرف المجاهدين.

وهكذا يظهر أن التفوق الأمريكي المعهود في تجارب سابقة لن يثمر في الحالة الأفغانية ، إذ يعد التخلف وانعدام البنية التحتية سبقا استراتيجيا لحركة الطالبان وتبين بعد أكثر من شهر على بدء الحملة أن القصف الجوي لم يفلح سوى في إلحاق أضرار محدودة لقدرات حركة الطالبان بينما كان أكثر آثاره إزهاق أرواح المدنيين المستضعفين، ومع هذا فإن انسحاب الحركة من جل المدن كفيل بإضعاف هذا الخيار بشكل نهائي وكلي.

والخلاصة أن أمريكا وإن استخلصت بعض العبر من حملاتها السابقة وكذا من التدخل السوفييتي في أفغانستان إلا أنها لم تستخلص كل العبر والأهم من ذلك أنها لم تنظر بعد بجدية إلى محدودية خياراتها في الحملة الجارية على أفغانستان والتي عملت حركة طالبان بجدية إلى إفراغها من محتواها.

أما فيما يخص النقطة الثانية فإن أمريكا قطعا فشلت في توقع ردة فعل حركة طالبان ، فقد ظنت أمريكا أن الحركة متخلفة وغارقة في بحر من الدوغماتية وأنها بالتالي ستحرص على حفظ ماء وجهها وستدافع على المدن إلى آخر رمق لديها ، متكبدة بالتالي خسائر لا حد لها تجعل الحركة تتلاشى تدريجيا وتفقد بسرعة تأييد الشعب الأفغاني . لكن انسحاب الطالبان أربك الحسابات الأمريكية فالتحالف دخل كابل رغم التحذيرات الرسمية مما سبب مشكلة مع باكستان، وبدأت الخلافات القديمة تعود وسط التحالف الشمالي بعدما ظهرت الغنائم وعادت الانقسامات بين التاجيك والأوزبك والهازارا ، وبدأت النغمات تتباين حتى بين الدول الغربية بين مؤيد لانخراط أكبر في توفير المساعدات للأهالي من باب إظهار الوجه "الإنساني" للحملة الصليبية وبين أتباع الحل النهائي وعلى رأسهم أمريكا والتي لا تهتم سوى بمحاولة القضاء عسكريا على حركة طالبان وتنظيم القاعدة. كما أربكت الجرائم الفظيعة التي ارتكبها التحالف الشمالي منظمة الأمم المتحدة والتي تبين لها بالدليل الملموس وبمقاييسها أن حركة طالبان أفضل بكثير من أعدائها.

وبفشل أمريكا في توقع انسحاب حركة الطالبان من جل المدن الرئيسية ، دخلت هذه القوة العظمى في متاهات لا حصر لها وأجبرت على الخوض في مشاكل سياسية عالقة يشيب لها الولدان، بعدما كانت تأمل في التركيز فقط على الجانب العسكري إلى حين. وقد أجبر هذا التحرك أمريكا على البحث في بدائل للقصف الجوي وذلك إما بإدخالها للآلاف من قواتها العسكرية لأفغانستان وهو ما سيجعلها تكرر خطأ الدب الروسي، أو الاستعانة بطيف من القوات وهو خيار أثبت فشله كما قلنا في الصومال.

أما فيما يخص النقطة الثالثة فيبدو أن أمريكا فشلت وستفشل حتما في التأقلم مع الوضع الجديد، فليس هناك جيش كبير تواجهه وتقسم مفاصله ، وليس هناك ما يقصف سوى المدنيين العزل، كما أن الظروف الطبيعية مختلفة جدا عن الأوضاع التي تدرب عليها الجيش الأمريكي والذي لم يخض معارك في الجبال مطلقا. كما أن حرب الغوار سترهق أفراده وستجعلهم لا يهنئون ولو للحظة، إذ أن أصعب ما فيها هو الانتظار الدائم لعدو مختف لا يظهر إلا عندما يكون الظهور في مصلحته.

وقد ظهر التخبط على البنتاغون أمام التغيير الجديد الذي حصل، ولم يغط عورته إلا المناورات السياسية الجارية لتكوين حكومة انتقالية إضافة إلى الحرب الدعائية المسعورة التي تهب لإيجاد مواضيع تستهلكها الشعوب والتي يهدف معظمها إلى تشويه صورة المسلمين والنيل من دينهم .

يبدو أن الضوابط التي تتسبب في الهزيمة العسكرية كلها متوفرة في الحملة الأمريكية على حركة الطالبان، ويعضض هذا الأمر الارتباك الظاهر على الاستراتيجيين الأمريكيين الذين لم يحسموا بعد بين البدائل القليلة المطروحة لديهم .

طبعا ستحاول أمريكا ومعها بريطانيا أن تستعمل المكر والدهاء السياسي لتحقيق مكاسب لا تستطيع تحقيقها عسكريا، وهو ما سبق وأن قامت به لعدة مناسبات سابقة بنجاح، ولكن كثرة المصالح المحلية الإقليمية والدولية المتضاربة حول أفغانستان يجعل هذا الخيار مدعاة للتساؤل في أرض رفضت التدخلات الأجنبية السياسي منها والعسكري ، وعدت منذ القديم مقبرة للغزاة.