المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيفرة الذاكرة



xuae_3
19-08-2007, 09:23 PM
شيفرة الذاكرة ... (1)
عندما يضرب زلزال منطقة معينة، فإن المرء الذي يقطن فيها تتشكل لديه ذكريات قوية مفعمة بالحيوية والتفاصيل: فهناك اهتزاز الأرض، والخوف الشديد، والصراخ والاستغاثة، والهواء الحافل بأصوات القعقعة، وتصدع الزجاج وتحطمه، وأصوات فتح أبواب الخزانات، وتساقط الكتب والأطباق والحلي من على الرفوف. إننا نتذكر مثل هذه الأحداث بشكل واضح ولسنوات عدة قادمة، لأن ما يقوم به الدماغ هنا هو: استخلاص المعلومات من تلك الأحداث البارزة ومن ثم استخدامها لتقود استجاباتنا على مواقف شبيهة قد نتعرض لها في المستقبل. إن القدرة على التعلم من التجارب السابقة تمكن الحيوانات من التأقلم على العيش في عالم معقد وكثير التغيرات. ومنذ عقود يحاول أخصائيو الأعصاب حل لغز كيفية تكوين الدماغ للذكريات.

ترجمة: أسماء أبو عمرة

والآن عن طريق الجمع بين تجارب جديدة وتحاليل رياضية قوية، ومع القدرة على التسجيل الفوري لنشاط أكثر من 200 خلية عصبية لفأر حي، فقد توصلت أنا وزملائي إلى ما نعتقد أنه الآلية الأساسية التي يستعملها الدماغ لاستخلاص المعلومات الحية من التجارب وتحويلها إلى ذكريات.
لقد أضافت نتائجنا تلك إلى الأعمال السابقة معلومات تتضمن أن تدفق الإشارات من خلية عصبية إلى أخرى ليس كافيا لشرح كيفية عرض الدماغ للمدركات الحسية والذكريات. وفي الواقع نحن بحاجة إلى نشاط متساو لكميات كبيرة من الخلايا العصبية.
وتشير دراستنا أيضا إلى أن الخلايا العصبية المستخدمة في إدخال الذكريات تستخلص المفاهيم العامة التي تمكننا من تحويل تجاربنا اليومية إلى معرفة وأفكار وقد قربت نتائجنا هذه علماء الأحياء من فك الشيفرة العصبية الشاملة: فهم القواعد التي يتبعها الدماغ لتحويل النبضات الكهربية إلى مدركات حسية، وذاكرة، ومعرفة، وسلوك في نهاية الأمر.
وهذا الفهم يمكن الباحثين من تطوير أجهزة شبيهة بالدماغ، وتصميم جيل جديد كليا من الحواسيب الآلية و الروبوتوتات الذكية، وربما يقود أيضا تجميع كتاب لشيفرة الدماغ، الأمر الذي يتيح معرفة ما يتذكره الشخص وما يفكر فيه، عن طريق مراقبة النشاط العصبي.
والواقع أن البحث الذي قامت به مجموعتي عن الشيفرة الدماغية ركز على الذاكرة وعملية التعلم في إطار المستوى الجزيئي.
ففي خريف 1999 حصلنا على سلالة من الفئران جرت هندستها وراثيا بحيث تتسم بذاكرة محسنة. وأطلق على هذا الفأر “الذكي” لقب “دوجي”، وهو الاسم الذي كان يحمله طبيب شاب في مسلسل تلفزيوني في تسعينات القرن الماضي.
ويتميز هذا الفأر بأنه يتعلم بصورة أسرع، ويتذكر الأشياء لفترة أطول مما يتعلمه ويتذكره الفأر العادي.
لقد استقطب هذا العمل اهتماما كبيرا ومناقشات عدة، وكان موضوع غلاف لمجلة “تايم” الأمريكية وهذه النتائج التي توصلنا إليها جعلتني أتساءل عن ماهية الذاكرة.
ماهية الذاكرة
يعرف العلماء أن تحويل التجارب الإدراكية الحسية إلى ذكريات تدوم لفترة طويلة، يتطلب وجود منطقة في الدماغ تدعى قرن آمون. ونعرف أيضا الجزيئات الضرورية لهذه العملية، مثل مستقبل في الدماغ الذي قمنا بتعديله عندما جرت هندسة دوجي وراثيا. ولكن لم يستطع أحد معرفة الطريقة الدقيقة التي تتكون فيها الذاكرة عن طريق تنشيط الخلايا العصبية.
ومنذ سنوات قليلة رحت أتساءل عما إذا كنا قادرين على العثور على طريقة نصف بها بشكل رياضي دقيق أو بشكل فسيولوجي، ماهية الدماغ.
هل نستطيع تمييز ديناميكية الشبكة العصبية المعنية، وتصور نموذج لما يحدث من نشاط عند تكوين الذاكرة؟
وهل نستطيع فهم المبادئ المنظمة التي تمكن الأعصاب من استخلاص وحفظ التفاصيل الأكثر حيوية لتجربة معينة؟
من أجل أن نتعلم شيئا عن الشيفرة العصبية التي تتطلبها الذاكرة، علينا أولا تصميم جهاز أكثر تطورا لرصد ومراقبة الدماغ. وقد رغبنا في مواصلة التجارب على الفئران، بحيث نتمكن في النهاية من إجراء تجارب على حيوانات جرى تعديل قدراتها الجينية النشطة لتصبح أكثر كفاءة في التعلم، مثل الفأر الذكي “دوجي” والفأر الذي جرت هندسته فأصبح ضعيف الذاكرة.
لقد راقب العلماء نشاط المئات من خلايا الأعصاب في قرود حية، لكن الباحثين الذين أجروا تجاربهم على الفأرين لم يستطيعوا تسجيل سوى 20 إلى 30 خلية في المرة الواحدة، وذلك مع بذل قصارى الجهد - وربما يرجع السبب لصغر حجم دماغ الفأر الذي لا يتعدى حبة الفول. لهذا طورت أنا وصديقي لونجنيان لين - الذي يعد لشهادة الدكتوراه - جهاز تسجيل يمكننا من مراقبة نشاط أعداد كبيرة من الأعصاب كل على حدة، في فئران يقظة، حرة التصرف.
قمنا بعد ذلك بتجارب تنتفع من الأعمال التي يتقنها الدماغ مثل: حفظ الذكريات المتعلقة بالأحداث المحزنة التي يمكن أن تؤثر بشكل عميق في حياة الشخص.
وتعتبر الذكريات المتعلقة بالتعرض لهجمات 11 سبتمبر / أيلول، والنجاة من زلزال ذكريات صعبة النسيان. لهذا طورنا اختبارات تقلد هذه النوعية من الأحداث العارضة المملوءة بالانفعالات. ومثل هذه التجارب من الممكن أن تجلب ذكريات قوية تظل لفترات طويلة.
ويتطلب تخزين مثل هذه الذكريات في الدماغ و بالتحديد في منطقة تدعى قرن آمون عددا كبيرا من الخلايا، وعليه قد نتمكن من العثور على خلايا تنشيط بالتجارب، و تتيح تجميع معلومات كافية تقودنا إلى فك ألغاز النماذج والمبادئ المنظمة المستخدمة في هذه العملية.
لقد قمنا بتقليد تلك الحوادث العارضة في المختبر، ( فمثلا قلدنا الزلزال عن طريق هز العلبة التي يوجد فأر بداخلها )، وإحداث تيار هوائي مفاجئ يأتي خلف الحيوانات ( ويقصد به محاكاة هجوم للبوم في السماء)، وسقوط عمودي بسيط داخل “رافع” صغير ( عندما بدأنا عمل هذه التجارب وضعنا إناء به كعك محلى في المختبر)، و كان على كل حيوان التعرض لسبع وقائع لكل حادث معين يفصل بينها فترات من الراحة تستمر عدة ساعات.
وأثناء تعريض الحيوانات لهذه الحوادث - ولفترات الراحة - سجلنا نشاط 260 خلية في المنطقة التي تدعى (1A ) في منطقة قرن آمون في الدماغ. وهي المنطقة التي تعتبر مفتاحا لتشكيل الذاكرة لدى كل من الحيوانات والبشر.
بعد الانتهاء من جمع المعلومات حاولنا في البداية تحديد أي نموذج يعنى بتشفير ذكريات هذه الأحداث الدرامية المؤثرة وقمت مع ريموس أوسان - زميل يعد شهادة الدكتوراه - بتحليل المعلومات المسجلة باستخدام أساليب قوية للتعرف إلى النماذج، وخاصة التحاليل المتعددة جوانب التمييز، المعروفة باسم “MDA”. وهذه الطريقة الرياضية بدون ذلك قد تحصل ما يمكن أن يمثل مشكلة في حال وجود عدد كبير من الأبعاد ( مثل تفعيل 260 عصبا قبل التعرض للحدث و بعده، وهذا يعني وجود 520 بعدا ) فيها في فضاء بياني ثلاثي الأبعاد فقط.
وعندما قمنا بإسقاط الاستجابات المجموعة لتسجيلات الأعصاب المأخوذة من حيوان معين في هذا الفضاء ثلاثي الأبعاد، ظهرت لنا أربع “فقاعات” متميزة لنشاط الشبكة العصبية: الأولى مرتبطة بالدماغ وهو في حالة الراحة، والثانية مرتبطة بالزلزال، والثالثة بتيار الهواء، والرابعة بسقوط الرافعة. وبالتالي نتج عن كل حادثة من هذه الحوادث نموذج لنشاط واضح في منطقة (CA1) العصبية. ونعتقد أن هذه النماذج تمثل معلومات متكاملة عن الجوانب الإدراكية الحسية، والعاطفية، والواقعية لتلك الحوادث.
ولرؤية كيف تطورت هذه النماذج بشكل ديناميكي، حين كانت الحيوانات تحتمل تجاربها المتنوعة، قمنا باستخدام تقنية “النافذة المنزلقة” لساعات من المعلومات المسجلة لكل حيوان، وأخذنا نتنقل عبر هذه التسجيلات لحظة بلحظة، ونعيد التحليل المتعدد جوانب التمييز (MDA) لكل نافذة خلال نصف ثانية. وكانت النتيجة أننا تمكنا من رسم تصور لكيفية تغير النماذج الاستجابية عند الحيوان وهو يخزن ذكريات لكل حادثة أثناء حصولها. فعلى سبيل المثال في حالة الحيوان الذي تعرض لما يشبه الهزة الأرضية استطعنا مراقبة النشاط الموحد وهو يبدأ في فقاعة الراحة، ومن ثم ينطلق إلى فقاعة الزلزال، وبعد ذلك يعود إلى حالة الراحة، مشكلا منظورا هندسيا على هيئة مثلث.
وقد كشف هذا التحليل الوقتي شيئا أكثر تشويقا: فنماذج النشاط المصاحبة لتلك التجارب المروعة تتكرر تلقائيا في فترات معينة تتراوح مدتها من ثوان إلى دقائق بعد الحادث الحقيقي.
ويقدم تكرار نماذج النشاط دليلا على أن المعلومات التي تنتقل عبر نظام قرن آمون كانت مخزنة في دارات الذاكرة في الدماغ - ونحن نتصور أن هذا التكرار مرتبط بتذكر الحادثة بعد وقوعها.
وهذه القدرة على قياس نماذج تشفير عملية التنشيط التلقائي لذاكرة كما ونوعا - تفتح بابا يتيح إمكانية مراقبة كيف تتعزز آثار الذاكرة المتشكلة حديثا وتصبح ذكريات طويلة الأمد. ويتيح أيضا فحص كيف تأثر مثل هذه العمليات على الفئران الذكية وعلى الفئران الضعيفة التعلم.
قوة الزمر العصبية
بهذه النماذج المتوفرة لدينا الآن والتي تشير إلى ذكريات معينة، نأمل أن نستطيع فهم الطريقة التي تعمل فيها الأعصاب سويا لتشفير هذه الأحداث المختلفة. واكتشفت مع أوسان أن الشبكة الجماعية للنماذج تنشأ عن طريق مجموعة مميزة من الأعصاب أطلقنا عليها “الزمر العصبية”.
وتعرف الزمرة بأنها مجموعة من الأعصاب تستجيب بطريقة واحدة لأحداث معينه، وبالتالي تعمل بشكل جماعي كوحدة تشفير نشطة.
واكتشفنا أيضا أن أي حدث معين تمثله دائما مجموعة من الزمر العصبية تقوم بتشفير الخصائص المختلفة التي تتراوح بين العام والخاص. وجرت ملاحظة أن واقعة الزلزال نشطت زمرة الخوف العام ( وهي زمرة استجابت للإثارات الثلاث المروعة )، كما نشطت زمرة ثانية استجابة فقط للأحداث التي تتضمن اختلالا حركيا ( في حالة الزلزال وسقوط الرافعة)، وزمرة ثالثة نشطت حصرا نتيجة الاهتزاز، وأخرى رابعة تبين مكان الحدث ( وضعنا الحيوان قبل كل هزة في علبة مختلفة).
وهكذا، فإن المعلومات عن هذه الأحداث العرضية تتمثل بمجموعات من الزمر العصبية التي تنتظم صورة ثابتة وتراتبية (من العام إلى الخاص). ونتصور أن الترتيب التسلسلي يمثل خاصية تشفير هرمية الشكل حيث تحول قاعدته رموزا عامة ( مثل الحوادث المرعبة) وتعرض قمته معلومات أكثر خصوصية (“كالاهتزاز” أو”الاهتزاز داخل صندوق أسود”).
وتستقبل منطقة (CA1) في قرن آمون معلومات من مناطق مختلفة في الدماغ وأيضا من أنظمة إحساس عديدة، وتؤثر هذه الخاصية بشكل كبير في نوعية المعلومات التي تشفرها زمرة معينة.
فعلى سبيل المثال قد تكون الزمرة التي تستجيب للأحداث الثلاث المروعة عبارة عن معلومات واردة من منطقة اللوزة الدماغية ( وهي المسؤولة عن بعض الأحاسيس مثل الخوف أو المرور بتجربة شيء جديد)، وبذلك تشفر معلومة (أن هذه الأحداث مخيفة وصاعقة)؛ والزمرة التي ينشطها كل من الزلزال وسقوط الرافعة تعالج المعلومات الواردة من النظام الدهليزي ( وهو النظام الذي يزود بمعلومات عن أي اختلال حركي)، وعليه يتم تشفير”أن هذه الأحداث تجعلني أفقد توازني”. وبطريقة مماثلة الزمرات التي تستجيب فقط لحدث معين وفي مكان ما، يمكن أن توحد معلومات إضافية من خلايا المكان ( وهي الخلايا التي تنشط عندما يمر المخلوق بمكان معين معتاد عليه في بيئته)، وهكذا يتم تشفير أن هذا الزلزال وقع في الصندوق الأسود.
الطريق للمعرفة
ان النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى عدة أمور بشأن المبادئ المنظمة التي تحكم عملية التشفير في الذاكرة.
وأول هذه الأمور حسب اعتقادنا أن الزمر العصبية تعمل كوحدات تشفير تنهض بالذكريات، وهذه الزمر نشطة بما فيه الكفاية لتمثيل معلومات معينه حتى لو اختلفت بعض الأعصاب المنفردة الموجودة داخل مجموعة بعض الشيء في نشاطها.
وعلى الرغم من فكرة أن الذكريات والإدراك الحسي قد تمثلها مجموعات عصبية، ليس بالأمر الجديد، إلا أننا نعتقد بأسبقيتنا في إجراء التجربة على المعلومات التي تميط اللثام عن الطريقة التي تنظم بها هذه المعلومات في الحقيقة داخل المجموعات العصبية.
والدماغ يعتمد على زمرة تشفير الذاكرة لحفظ واستخلاص خصائص أخرى لنفس الحدث، كما تنظم بشكل أساسي المعلومات المتعلقة بحادث معين داخل هرم ذي مستويات مرتبة بشكل تسلسلي، من الخاصية الأكثر عموما إلى الأكثر خصوصا.
ونعتقد أيضا أن كل هرم من هذه الأهرام يمكن أن يصنف ضمن مجموعات معينة “الأحداث المروعة”، “الأحداث السارة”، “الأحداث المحبطة”، وغيرها.
والواقع أن كل هرم لتشفير الذاكرة يتضمن بشكل ثابت زمرا تعمل على استخلاص معلومات أكثر، الأمر الذي يعزز فكرة أن الدماغ مجرد جهاز يحفظ جميع التفاصيل المتعلقة بحدث معين، بل ان الزمر العصبية تتيح له القيام بتشفير الخصائص الرئيسة لأحداث معينة. وفي الوقت نفسه، تسمح له باستخلاص معلومات عامة من تلك الأحداث.
ويمكن أن تعمم هذه المعلومات على مواقف قد يتعرض لها الكائن الحي في المستقبل، شريطة أن تحمل هذه المواقف بعض الخصائص الأساسية المشابهة، مع اختلاف في التفاصيل الجسدية.
وهذه القدرة على إنتاج مفاهيم ومعارف مستخلصة من الوقائع والأحداث اليومية تعتبر جوهر ذكاء الكائن الحي، إذ تجعله قادرا على حل مشاكل جديدة قد يتعرض لها في هذا العالم المتغير.
خذ على سبيل المثال مفهوم “السرير” بعين الاعتبار، هذا المفهوم يمكن المرء من التعرف فورا إلى السرير، حتى لو لم يشاهد مثله من قبل، وذلك عند الذهاب إلى أي غرفة في أي فندق. وهذا يعود إلى تركيب مجموعات التشفير في الدماغ التي لا تمكننا من الاحتفاظ بصورة لسرير معين فحسب، بل وتوفر لنا معرفة عامة عن ماهية السرير بالفعل.
وقد اكتشفت وزملائي دليلا على هذا عند الفأر. فأثناء إجراء التجارب اكتشفنا بصورة عرضية أعدادا صغيرة من أعصاب قرن آمون تستجيب للمفهوم المجرد “للعش أو البيت”. وهذه الخلايا تستجيب بقوة وحيوية لجميع أشكال الأعشاش أو البيوت، بغض النظر عن كونها مستديرة أو مربعة أو مثلثة، وبغض النظر إن كانت مصنوعة من القطن أو البلاستيك أو الخشب.
ضع حاجزا من الزجاج فوق العش أو مكان الراحة بحيث يراه الحيوان ولكن لا يستطيع دخوله، عندها تتوقف الخلايا العصبية المتعلقة بالعش عن الاستجابة. وهكذا استنتجنا أن هذه الخلايا لا تستجيب للخصائص الفيزيائية المحددة لمكان الراحة، مثل شكله أو حجمه أو مادة صنعه وإنما تستجيب للوظيفة التي يؤديها: أي أن العش أو البيت هو المكان الذي يستلقي فيه الكائن من أجل النوم.
ويعرض التنظيم الهرمي التراتبي للزمر العصبية آلية عامة لا تقتصر على تشفير الذاكرة، وإنما أيضا تقوم بمعالجة وتمثيل أنواع أخرى من المعلومات في مناطق الدماغ خارج قرن آمون، من المدركات الحسية إلى أفكار الشعور والوعي.
وهناك بعض الأدلة تشير إلى صحة هذه الافتراضية، ففي نظام الإبصار على سبيل المثال، اكتشف الباحثون أعصابا تستجيب لرؤية “الوجوه” بما فيها وجوه البشر،والقردة،أو حتى الأوراق التي رسم عليها شكل وجه ما.
وقد وجد آخرون أن هناك خلايا عصبية تستجيب فقط لنوعية معينة من الوجوه. وبالعودة إلى قرن آمون، اكتشف الباحثون الذين يجرون دراساتهم على مرضى مصابين بالصرع مجموعة فرعية من الخلايا التي تزيد معدلات استجابتها عند رؤية هؤلاء المرضى لصور المشاهير. وقام اسحاق فريد من جامعة كاليفورنيا،لوس أنجلوس، بخطوة متقدمة عبر تسجيل مشاهدة مثيرة تتمثل في استجابة خلية معينة في قرن آمون فقط لصورة الممثل هالي بيري عند أحد المرضى. ومثل هذه المشاهدات تدعم فكرة أن الهرم التراتبي من العام إلى الخاص لوحدات معالجة المعلومات يمثل مبدأ تنظيميا عاما في الدماغ.
تذكر 1001
لقد زودتنا تجاربنا على الفأر بطريقة تمكننا من مقارنة نماذج من دماغ معين بنماذج من دماغ اخر، ناهيك عن أنها قد تمكننا من تمرير المعلومات من الدماغ إلى جهاز الحاسب الآلي، عن طريق استخدام معالجة رياضية تدعى “ماتريكس انفيرشون”، والتي تتيح لنا ترجمة أنشطة الزمر العصبية المجتمعة إلى تشفير ثنائي، حيث يمثل الرقم 1 حالة نشطة، ويمثل الرقم 0 حالة خاملة في وحدة التشفير. فالذاكرة المتعلقة بالزلزال يرمز إليها على سبيل المثال ب ،11001 ويمثل رقم 1 الأول تنشيط الزمرة الأشياء المروعة العامة، أما الرقم 1 الثاني فيمثل تنشيط الزمرة التي تستجيب للاختلالات الحركية، والصفر الأول يشير إلى عدم وجود هواء في زمرة التيار الهوائي، والصفر الثاني يشير إلى عدم وجود نشاط في زمرة سقوط الرافعة، في حين يشير الرقم 1 الأخير إلى وجود نشاط في زمرة الزلزال.
طبقنا شيفرة ثنائية مشابهة لنشاط المجموعة العصبية لأربعة فئران مختلفة، واستطعنا أن نخمن بدقة تصل إلى 99% نوعية الأحداث التي تعرضت لها، ومكان وقوع تلك الأحداث.
وبمعنى آخر، بالرجوع إلى الشيفرة الثنائية استطعنا قراءة ومقارنة عقول تلك الكائنات بطريقة رياضية.
يمكن للشيفرة الثنائية في الدماغ أيضا تزويد إطار عمل موحد لدراسة الإدراك، حتى لدى الحيوانات، ويمكن لهذه الشيفرة أن تسهل بشكل كبير تصميم اتصال بين الدماغ والآلة دون التحام.
فعلى سبيل المثال، قمنا بتصميم نظام يحول النشاط العصبي لفأر يتعرض لزلزال إلى شيفرة ثنائية ترشد إلى فتح باب صغير للفرار، بحيث يخرج الحيوان من العلبة المهتزة.
ونعتقد أن ما توصلنا إليه يقدم لنا طريقة بديلة لحل الشيفرة بصورة أكثر بديهية، ولتشغيل أنواع الأجهزة.
أما بالنسبة للقرود فهذه الطريقة تمكنها من تحريك ذراع آلية باستعمال إشارات جرى تسجيلها من الخلايا المسؤولة عن الحركة في قشرة الدماغ، وفضلا عن ذلك، فإن المعالجة الفعلية لشيفرات الذاكرة في الدماغ، قد تقود في يوم ما إلى تحميل تلك الذكريات مباشرة لجهاز الحاسب الآلي لتخزن فيه رقميا بشكل دائم.
لقد بدأنا وبعض المهندسين بتطبيق ما تعلمناه عن أسلوب تنظيم الذاكرة في الدماغ، لتصميم جيل جديد كليا من الحواسيب الآلية، وأنظمة الشبكات المركزية،لأن الأجهزة التي بحوزتنا الآن تعتبر نسبيا فاشلة بشكل رهيب في اتخاذ بعض القرارات التي يسهل على البشر اتخاذها، مثل التعرف إلى زميل من المدرسة الثانوية على الرغم من تغير شكله نتيجة وجود الذقن وتقدم عمره.
والمتوقع أن الحواسيب الذكية والآلات المزودة بأجهزة استشعار معقدة ومعمار منطقي شبيه بوحدات تشفير الذاكرة الهرمية التراتبية الموجودة في منطقة قرن آمون في الدماغ،ستتمكن من تجاوز مستوى تقليد القدرات البشرية، وربما التفوق عليها في القيام بمهارات إدراكية معقدة.
وبالنسبة لي فإن دراستنا هذه تثير العديد من الاحتمالات الفلسفية المثيرة: إذا كنا قادرين على ترجمة جميع ذكرياتنا، وعواطفنا، ومعرفتنا، وتخيلاتنا إلى أرقام 1,0 فمن الذي يعلم ما الذي سيعنيه هذا بشأن من نكون، وكيف سنتصرف في المستقبل. هل سيتحقق هذا بعد 5000 سنة من الآن، فنصبح قادرين على تحميل عقولنا إلى الحواسيب، والسفر لعالم بعيد، والعيش للأبد على الشبكة؟

جزيئات الذاكرة


* في سنة ،1949 افترض عالم النفس الكندي دونالد هيب أن الذاكرة تتكون عندما تتفاعل خليتان عصبيتان بطريقة تعزز بث الإشارات مستقبلا عن طريق نقاط الاشتباك العصبي، وهي نقطة الاتصال بين عصبين.ولكن الأمر استغرق إلى فترة الثمانينات حتى استطاع العلماء رؤية فرضية هيب وهي تمارس عملها في شرائح الدماغ.
وقد يتم ذلك عن طريق تحفيز الأزواج العصبية في قرن امون بالأقطاب الكهربية، حيث وجد هولجر ويجستروم وزملاؤه في جامعة جوتبورغ في السويد أن تنشيط الخلايا الواقعة قبل نقاط الاشتباك ( خلايا الإرسال) وفي الوقت ذاته الخلايا الواقعة بعد نقاط الاشتباك (خلايا الاستقبال)، يؤدي إلى تعزيز كفاءة نقاط الاشتباك العصبي: إذ استجابت خلايا الاستقبال بصورة عالية لكمية المعلومات الواردة نفسها من خلايا الارسال. ويشير العلماء إلى أن مستقبل بروتيني يوجد في نسيج خلايا الاستقبال، يعمل وكأنه كاشف عرضي مسئوول عن تعزيز كفاءة نقطة الاشتباك.
ولاختبار هذه الفرضية قرر العاملون التلاعب جينيا بنسخة من المستقبل، والذي تتعدد أشكاله. وتأكد لنا أن الفأر البالغ الذي يفتقر إلى المستقبل البروتيني في منطقة قرن امون أظهر عجزا كبيرا في الذاكرة. وأظهرنا أيضا أن العكس صحيح: فعندما قمنا بزيادة إنتاج مجموعة معينة من المستقبل البروتيني (تعرف باسم NR2B)) في منطقة قرن امون والقشرة الدماغية، أظهرت النتائج أن الفأر دوجي تعلم بشكل أسرع واحتفظ بالذكريات لمدة أطول من الفأر الآخر الذي يفتقر للمستقبل البروتوني.
نعتقد أن تنشيط، وإعادة تنشيط، المستقبل NMDA قد يفيد في إدخال ونقش مجموعة نماذج الأنشطة في الزمر العصبية التي تشفر الذاكرة، وبذلك تربط آثار الذاكرة من المستوى الجزيئي إلى مستوى الشبكات.


المفاهيم الرئيسية


* يعتمد الدماغ على أعداد كبيرة من الأعصاب تعمل بانسجام لتمثل وتشكل الذاكرة المتكونة من تجارب الكائن الحي.
* اظهرت التجارب ان منطقة قرن آمون (هيبوكامبوس) في الدماغ (وهي منطقة ضرورية لتشكيل الذاكرة)، وتتكون من مجموعة ضمن مجموعة أخرى تدعى الزمرة العصبية، استجابت لجوانب مختلفة لحدث معين، فبعضها يمثل معلومات عامة مستخلصة عن الموقف، أما البعض الآخر فيمثل خصائص أكثر انتقائية.
* التنظيم الهرمي المستخدم في تكوين الذكريات يمكن أن يطبقه الدماغ لتحويل مجموعة من النبضات الكهربية إلى مدركات حسية، ومعرفة، وسلوك. وإذا حصل هذا فإن عمل الذاكرة سيجعل الباحثين قريبين من إماطة اللثام عن الشيفرة العصبية الشاملة: وهي القواعد التي يستخدمها الدماغ في التعرف إلى الأشياء وتحديدها، واستخلاص معنى من التجارب الجسدية.
* قام الكاتب وزملاؤه بتحويل تسجيلات لنشاط الزمر لشيفرة ثنائية. ومثل هذا التحويل الرقمي في إشارات الدماغ قد يخلق أساسا لتجميع “كتاب عن شيفرات الدماغ” واستخدامه أداة لفهرسة الأفكار والتجارب ومقارنتها بين الأفراد وربما بين السلالات أيضا.

قراءات في الدماغ


* ان القدرة المتنامية على قراءة خواطر فأر تطرح احتمالا مثيرا للاهتمام: اذا أمكن القيام بتسجيل فوري لعدد كاف من الأعصاب داخل الدماغ البشري، فإن هذه التسجيلات قد تكون قادرة بصورة جيدة على كشف أفكار البشر.
وبشكل عملي، يجب أن لا تستعمل هذه التقنية لأغراض انتهاك الخصوصية،بل لأغراض نافعة. الأدوات المتوفرة حاليا مثل شاشات تخطيط الدماغ بالموجات فوق الصوتية وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي هي أجهزة لا تنتهك الخصوصية ولكنها ليست حساسة بما فيه الكفاية. هذه الإشارة تسجل معدل الإشارات الصادرة من ملايين الخلايا العصبية، أو معدل الأكسجين الذي تستهلكه تلك الخلايا. واستخدام مثل هذه الأجهزة سيكون مثل الاستماع بين حشود داخل ملعب لكرة القدم، حيث تغطي الضوضاء على أي حوار بين فردين.
وفي حال وجود مثل هذه الطريقة الحساسة، فإنه يمكن استخدامها في تحديد إن كان هناك شخص يبدو في حالة خمول قادرا بالفعل على التفكير، أو إن كان شخصا مصابا بمرض الزهايمر ولا يستطيع التحدث، قادرا على فهم الحوارات والنقاشات. وطريقة “قراءة الدماغ” هذه، قد تكون مفيدة في تشخيص بعض الاختلالات الذهنية أو تحديد مدى فعالية الأدوية المأخوذة. ويمكن أيضا عبر هذه الطريقة تطوير أجهزة عالية الكفاءة لكشف الكذب.
ومع وجود مثل هذه المنافع، فإن هناك أسئلة أخلاقية وفلسفية واجتماعية لا بد من طرحها والتعامل معها والوصول إلى قرارات بشأنها. فعلى سبيل المثال ربما يرغب كل واحد منا في قراءة ما يدور في عقول الآخرين، ولكن من منا يرغب في قيام الآخرين بقراءة ما يدور في خلده؟

http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=417176

xuae_3
19-08-2007, 09:26 PM
شيفرة الذاكرة ... (2)


الدماغ ودوره في صحة البدن





شهد العام الماضي تطورات كبيرة على صعيد صحة الدماغ، هذه الكتلة المتجعدة التي تزن ثلاثة أرطال وتوجه حركاتنا وأفكارنا وذاكرتنا وآمالنا وأحلامنا. إنه العضو الذي يجعلك تعرف من أنت، أو تنسى من أنت من خلال أمراض عديدة مثل مرض الزهايمر الذي يصيب نحو 50% من الأشخاص فوق الخامسة والثمانين. والآن نعرف أن الدماغ يلعب دورا أكبر مما كنا نتوقع، في الصحة عموما.


وقد سلطت الموجة العارمة من التطورات التقنية، الضوء بشكل غير مسبوق على جوانب آلية عمل الدماغ البشري واعتلالاته، الأمر الذي أدى بدوره، إلى علاجات جديدة تم تصميمها لإصلاح المشاكل الدماغية. وكشفت الدراسات العلمية الكثير عن القوة المدهشة للدماغ في علاج البدن، عندما تستخدم بالشكل الصحيح.


تخطيط الدماغ
شهد شهر سبتمبر/أيلول 2006 إنجازا كبيرا تمثل في اكتمال أطلس الدماغ الذي يعد أول خريطة جينية لهذا العضو المعقد.
بدأت الحكاية في عام ،2002 عندما بدأ المليونير باول آلان، المؤسس الشريك في “مايكروسوفت”، في استقطاب نخبة من أبرز العلماء في العالم، وطلب منهم تطوير طريقة مبتكرة لتعزيز فهمنا لآلية عمل الدماغ. وخصص آلان 100 مليون دولار لتأسيس “معهد آلان لعلوم الدماغ” في مدينة سياتل الأمريكية.
وباستخدام تقنيات روبوتية وبرمجيات خاصة، أجرى 60 خبيراً متخصصاً اختبارات على 250 ألف شريحة من دماغ الفأر الذي يشبه الدماغ البشري لدرجة أن جميع النتائج التي يتم التوصل إليها تنطبق على البشر.
وقد حصل العلماء على كمية كبيرة من البيانات الخام التي كشفت موضع ال 21 ألف جينة التي تم تنشيطها. وتبين أن الأنواع المختلفة من الخلايا الدماغية قامت بتنشيط مجموعات مختلفة من الجينات، مما أنتج لائحة من البروتينات التي مكنت كل خلية من القيام بمهامها، بما في ذلك تخزين الذاكرة، وتوجيه الحركات وغيرها.
وكشفت الخريطة أن نحو 80% من جينات الجسم تشتغل، أي أكثر مما كان متوقعا. وهذا يعني أن على شركات الأدوية أن تكون دقيقة جدا في تطوير منتجاتها، لأنه إن لم تكن كذلك، فإن العقاقير الموجهة نحو أعضاء أخرى يمكن أن تقود إلى تأثيرات سلبية على الدماغ. وكشفت الخريطة أيضا، دليلاً يمكن أن يساعد في كشف الأخطاء التي تكمن وراء الاضطرابات الدماغية مثل الفصام والتوحد. وتمثلت نتيجة هذه الجهود في خريطة ثلاثية الأبعاد لدماغ فأر (brain-map.org)، وتتسم بأهمية كبيرة جدا لخبراء العلوم العصبية.


جينات الذاكرة
يستخدم الدكتور ديتريش ستيفان، الذي يشرف على أبحاث العلوم العصبية الجينية في معهد دراسات علم الجينوم الانتقالي في مدينة فونيكس الأمريكية، أطلس آلان لإجراء دراسة معمقة على جينة تسمى “كيبرا” تلعب دورا في الذاكرة القصيرة. وكشف الأطلس أنه تم تشغيل الجينة في “قرن آمون”، وهو جزء من الدماغ يشبه فرس البحر ويساعد في تخزين الذكريات. ويخطط المعهد إلى تسويق عقاقير تعمل على خفض مستوى النسيان الناجم عن التقدم في العمر، بما في ذلك نسيان الذاكرة القصيرة.
وهناك العديد من عقاقير الزهايمر التي تمنح المرضى وضوحا عقليا لسنوات إضافية، ومع ذلك يتواصل موت الخلايا الدماغية، وتستمر حالة المريض في التراجع. وفي المقابل، هناك عقاقير جديدة قيد التجربة، تم تصميمها لاستئصال جذور المشكلة من خلال كبح نشاط العنصر السيئ في هذه المسرحية، وهو جزيء يسمى “أميلويد بتا”، وذلك من أجل منعه من تشكيل الكتل الضارة التي تقتل الخلايا الدماغية.
وتعتبر آنا هيكرسون، 71 عاما، من أوكلاهوما، أحد تلك العقاقير إنجازا كبيرا. فقبل 3 سنوات، فقدت إدراك الأوامر في متجر الأزهار الذي تديره مع زوجها جيمس هيكرسون، 75 عاما، حيث كانت تنسى اليوم والتاريخ، وتتوه في غالب الأحيان، الأمر الذي حرمها قيادة السيارة، إلى أن قام الدكتور رالف ريختر، أستاذ العلوم العصبية والنفسية، بتشخيص إصابتها بالمرحلة الأولى من الزهايمر.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني ،2004 سجلت آنا اسمها في المرحلة الثالثة من التجربة الإكلينيكية على عقار “الزهيميد” الذي طورته شركة “نيوروتشيم” في مونتريال بكندا. والآن بعد عامين من تناولها الدواء، عادت آنا إلى ترتيب زهورها، وقيادة سيارتها بمفردها متجهة إلى متجرها الذي يبعد 23 كيلومترا عن منزلها.
وقد نشر الباحثون النتائج المشجعة للمرحلة الثانية من التجارب على عقار “الزهيميد”، وقالوا: إن المرضى حافظوا على معدل 30 نقطة في اختبار الوظيفة الدماغية، في حين أن المرضى الذين تناولوا العلاجات الحالية، خسروا 3 نقاط في السنة. ويضاف إلى ذلك، أن الزهيميد خفض مستوى مادة “أميولويد بيتا” (المادة الضارة التي تقتل الخلايا الدماغية) في السائل النخاعي الشوكي، مما يشير إلى انخفاض مستوى هذه المادة في الدماغ أيضا. ومن المتوقع أن يكشف النقاب على نتائج المرحلة الثالثة خلال الفترة القصيرة القادمة. وهناك تجارب على ثمانية عقاقير مختلفة من شركات أخرى، يتوقع أن تكتمل خلال عامين إلى خمسة أعوام من الآن.


اكتشافات جينية
من شأن العلاجات الجينية الموجهة أن تساعد الأشخاص الذين يعانون الأمراض الدماغية التي لم تستطع العقاقير علاجها. وتعمل هذه العلاجات على توصيل الجينات السليمة إلى أجزاء الجسم التي تعيث فيه الجينات المريضة فساداً. في الماضي، كان العلماء يعتبرون العلاجات الجينية أخطر مما كانوا يتوقعون، حتى إن وفاة ما بات يعرف ب “مراهق أريرزونا” خلال التجارب الإكلينيكية في عام ،1999 عطلت هذا المجال وعادت به سنوات إلى الوراء. بيد أن طريقة جديدة لتوصيل الجينات إلى الدماغ عبر فيروس غير ضار يسمى “AAV”، أثبتت جدواها وسلامتها في المراحل الأولى من التجارب البشرية.
ويستطيع أحد علاجات الفيروس “AAV” أن يوقف تقدم مرض باركنسون من خلال إصلاح دارة دماغية مفرطة النشاط تقف وراء الأعراض النموذجية للمرض مثل البطء وتصلب الجسم. وتعمل تلك الدارة بمثابة قرميدة على فرامل سيارة، حيث تتدخل في قدرة الشخص على الحركة. ويقوم جراحو الدماغ في الوقت الراهن، بإزالة تلك القرميدة من خلال زرع جهاز شبيه بالناظم القلبي لمعايرة الدارة الدماغية. غير أن هذا العلاج الذي يسمى “الحفز العميق للدماغ” يتطلب زيارة أسبوعية على مدى ثلاثة أشهر، إلى عيادة طبيب متخصص في الجراحة العصبية، وهذا مهمة صعبة لاسيما إذا كانت المسافة بعيدة حسب قول الدكتور مايكل كابليت، من كلية ويل كورنيل الطبية.
وطريقة الدكتور كابليت ترفع تلك القرميدة عن الفرامل من خلال توصيل مادة كيميائية عصبية تسمى “جابا”، إلى الدماغ. وخلال التجارب الخاصة بسلامة الاستخدام التي انتهت في عام ،2006 أثبت العلاج الجيني سلامته، فقد قدم للمرضى المساعدة بقدر ما يقدمه علاج الحفز الدماغي العميق. وإذا ما أثبت هذا العلاج فاعليته في الدراسات الموسعة، فقد يتمكن الأشخاص المصابين بمرحلة متقدمة من مرض باركنسون، يوما ما من الخضوع لعملية جراحية لزرع جينة ما في المكان المناسب تماما، ومن ثم الخروج من المستشفى باتجاه المنزل في غضون يومين. وقال الدكتور كابليت: “نهدف إلى توفير هذا العلاج لآلاف الناس الذين يحتاجون إليه”.


عبور الحاجز الدموي الدماغي
قطع العلماء أشواطاً كبيرة في سعيهم إلى التغلب على واحدة من أعقد المشاكل التي تصادفهم في علاج أمراض الدماغ، والتي تتمثل في توصل العقاقير إلى الدماغ.
يقول البروفيسور وليام برادبريدج في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس: إن 98% من مكونات الأدوية لا تستطيع عبور الدم باتجاه الدماغ، على الرغم من أنها تنتقل إلى بقية أعضاء الجسم بسهولة.
ولا تستطيع العقاقير المنشودة القيام بهذه المهمة لأن جدران الأوعية الدموية للدماغ تعمل بمثابة خفر حدود. فهي تسمح بمرور الجزيئات التي لها أعمال أساسية تستوجب عبورها إلى الدماغ. ولكي يتيح للعقار المرور عبر نقطة التفتيش، لجأ برادبريدج إلى أسلوب التهريب بالاعتماد على الهندسة الوراثية لربط العقاقير الدماغية المحتمل أن تكون مفيدة، مع نوع محدد من الأجسام المضادة التي تحظى بترحيب واستقبال حافلين في الدماغ.
وخلال دراسة جرت في عام ،2006 تمكن أحد هذه العقاقير الهجينة من خفض مستوى تضرر الدماغ بمقدار الثلثين لدى الجرذان التي أعطيت الدواء بعد ساعتين من إصابتها بسكتة دماغية مصطنعة. ويحتوي هذا الدواء على بروتين دماغي طبيعي يحفز الخلايا على النمو، ولكنه يوجد عادة بكميات ضئيلة لا تمكنه من منع الأضرار الناجمة عن السكتات الدماغية. وهناك حاجة ماسة إلى مثل هذه العقاقير لحماية ضحايا السكتات من تلك الأضرار التي تلحقها بالدماغ. وعليه، تعتزم شركة “جين تكنولوجيز” التي ساهم برادبريدج في تأسيسها لتسويق تقنيته، إطلاق تجربة على العقار الجديد في أواخر عام ،2007 لدراسة سلامة استخدامه على البشر.
واستراتيجية التهريب هذه يمكن أن تكون فعالة مع أي عقار خاص بالدماغ. وحسب قول الدكتور برادبريدج، فإن شركة “أرماجين” تعكف على تطوير عقاقير لعلاج الزهايمر وباركنسون، إضافة إلى مجموعة من الأمراض الدماغية الوراثية التي تكمن وراء التشوهات الخلقية والتخلف العقلي وغيرها من الأمراض الخطيرة.


دماغك يعالج أمراضك
وفي واحد من أهم التطورات على صعيد بيولوجيا الدماغ، تبين للعلماء أن الدماغ يستطيع أن يساعد نظام المناعة في مكافحة الأمراض. فقد استغرق الأمر من الدكتور كيفن تراسي، نحو 20 عاماً من التجارب الدقيقة، لاكتشاف هذا الأمر، كما تطلب أيضا مريضة خاصة جدا وهي طفلة في شهرها الحادي عشر اسمها جانيس. وعندما يتحدث الدكتور تراسي، جراح الأعصاب وخبير أمراض المناعة في معهد فينشتاين للأبحاث الطبية في نيويورك، عن الطفلة يقول: “لقد غيرت حياتي”.
وفي عام ،1985 كان الدكتور تراسي طبيبا متدربا في مستشفى نيويورك يعالج الأشخاص المصابين بجروح نتيجة طلق ناري أو ما شابه، عندما أدخلت جانيس المستشفى. كانت الرضيعة تدب على أرضية المطبخ بينما كانت جدتها تطهو الطعام. وفي غفلة من أمرها، انهمرت كمية من الماء المغلي من وعاء في يد الجدة على الرضيعة، مما تسب في إصابتها بحروق من الدرجة الثانية والثالثة في أكثر من 75% من جسمها. وبعد أسبوع من دخولها المستشفى، أصيبت الطفلة بإنتان جعل نظام المناعة حساسا جدا للبكتيريا مما دفعه إلى توجيه مدافعه باتجاه أنسجة الجسم من دون تمييز.
وبقيت جانيس على مدى الأسبوعين اللاحقين معلقة بين الحياة والموت في المستشفى، بينما كان الدكتور تراسي وزملاؤه يجربون أسلوباً بعد آخر لإنعاش الطفلة. وتعافت جانيس لدرجة أنها تمكنت من الاحتفال بعيد ميلادها في وحدة الحروق مع والديها وجدتها والطاقم الطبي، وكان من المتوقع أن يتم تخريجها من المستشفى بعد وقت قصير. ولكن في اليوم التالي، ومن دون سابق إنذار توقف قلب الطفلة فجأة وفارقت الحياة. ويقول الدكتور تراسي: “كانت الطفلة الوحيدة التي سببت لي كوابيس، ما كان يجب أن تموت”.
ولم يعرف أحد حينذاك السبب وراء الإنتان الذي أصيبت به الطفلة، الأمر الذي دفع الدكتور تراسي إلى الإصرار على تعلم المزيد عن هذه الحالة. وبعد عقدين من الزمن، بدأت أبحاثه تؤتي ثمارها. فمن خلال سلسلة من الدراسات التي بدأ بها منذ عام ،2000 تبين للدكتور تراسي أن تحفيز العصب المبهم (عصب رئيسي ينطلق من جذع الدماغ إلى الخصر وينظم ضربات القلب والتنفس والأمعاء) يوقف الانتان العصبي، وذلك من خلال استخدام مواد كيميائية عصبية لتوصيل الإشارات إلى الخلايا المناعية والتي تمنعها من إطلاق جزيئات الإنذار التي تطلق شرارة الالتهاب وتسبب الضرر. وفي دراسة جرت في عام ،2006 اكتشف الدكتور تراسي دارة دماغية تحفز العصب المبهم وتدفعه إلى كبح الالتهاب.
ومن خلال هذه النتائج، توصل الدكتور تراسي إلى رابط عصبي بين الدماغ ونظام المناعة أطلق عليه اسم “الانعكاس الالتهابي”. ومعروف أنه عندما ينتشر الالتهاب، يوجه الدماغ أمرا إلى نظام المناعة بتثبيطه. وفي حالة الإنتان الحاد التي أصيبت بها جانيس، يتعطل الانعكاس الالتهابي.
وعليه، فإن عقارا يستطيع تشغيل الانعكاس الالتهابي قد يتمكن يوما ما من خفض الالتهاب المزمن ذي الدرجة المنخفضة، وهو النوع الذي يسبب مرض كروهن والتهاب المفاصل الروماتويدي. وحسب قول الدكتور تراسي، فإن تمارين التأمل قد تفيد في هذه الحالة. فباستطاعة البشر أن يتمرنوا على إبطاء ضربات القلب عبر تعزيز نشاط العصب المبهم، الأمر الذي يشير إلى أن الناس يستطيعون ضبط أدمغتهم لتهدئة الدماغ ومكافحة الأمراض بما في ذلك السرطان.

http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=417177

سلام:wiggle:

A.N.G.E.L
19-08-2007, 11:18 PM
موضوع مفيد أخوي..تسلم ماتقصر :)
بإذن الله بكمل الموضوع..