KilluaPica
25-09-2007, 05:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم..
وعلى رسولنا الصلاة والسلام..
حث الإسلام المسلمين على التداوي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء) وقد اعتبر فقهاء الإسلام العلوم والصناعات فرض كفاية ومنها علم الطب. وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم : (وإذا مرضت فهو يشفين ) صدق الله العظيم "سورة الشعراء - آية 80". ففي ظل الدولة الإسلامية كثر اشتغال الناس بالطب في حين كانت الكنيسة الغربية تحرم صناعته، حيث اعتبرت المرض في نظرها عقابا من الله لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن استحقه.
نجد أنه في العصر العباسي وفي عهد المقتدر بالله دعي للامتحان نحو 900 طبيب، مما يدل على مدى العناية بالطب والصحة. كما أن الأطباء لم يقتنعوا بما وجدوه من كتب الإغريق أو كتب الفرس أو كتب الهنود، بل توسعوا في البحوث، إذ كان أشهر الأطباء يضيف إلى علم الطب علما آخر كالفلسفة أو الهندسة أو الكيمياء، مما جعل كتبهم موسوعات طبية إسلامية ترجمت كلها إلى اللاتينية وقد كان لها الفضل في نقل أطباء أوروبا من حال إلى حال.
وكان أحد أشهر الأطباء وأكثرهم علمًا وتميزًا.. هو العالم الطبيب ابن سينا! قد يتردد اسم العالم المسلم إبن سينا بيننا ولكن الكثير لا يعرف من هو هذا العالم العظيم إبن سينا ؟ ومن هو هذا الأسطورة العلمية العظيمة ؟ والذى برع فى الكثير من ميادين العلم فى عصره. وحتى عصرنا هذا ما يزال العلماء الأجلاء يذكرونه ويذكرون كتبه ومؤلفاته بل حتى علماء الغرب كرموه واعتبروه أحد العباقرة ، وحرى بأمة الاسلام أن تكرمه وتذكر به أبناءها ليكون قدوة لهم ونبراساً للأجيال المسلمة فلقد كان أحد رموز حضارتنا الاسلامية العظيمة.
ابن سينا: الطبيب الفيلسوف العالم.
(370-428هـ/980-1036م)
http://www.balagh.com/thaqafa/images/272.jpg
اسمه ونسبه:
هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا.
مولده وأصله:
ولد في صفر (370هـ 980م) من أسرة فارسية الأصل في قرية أفشنة (أو خرميش) أحد قرى بخاري التي تقع في مفترق الطرق بين روسيا وإيران والهند والصين ، في ربوع الدولة السامانية الواقعة في أوزبكستان من أب من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليًا) و أم قروية من بخارى واسمها ستارة (النجمة) ، وتوفي في همذان سنة 427هـ (1037م).
ألقابه:
عرف ابن سينا بألقاب كثيرة، منها:
حجة الحق، شرف الملك، الشيخ الرئيس، الحكم الدستور،
المعلم الثالث (أي بعد أرسطو والفارابي)، أمير الأطباء وأرسطو الإسلام.
مختصر حياته:
وكانت بلده مركزًا ثقافيًا إسلاميًا في الفترة من القرن السابع إلي القرن العاشر الميلادي. وما كاد الحسين بن عبد الله بن على يشب حتى عين والده واليا على مدينة بخارى الشهيرة واستقرت الأسرة فى أحد قصور المدينة الجميلة. ولكن ما أن استقر الوالد عبد الله هناك حتى حرص أبو عبد الله بن سينا على تنشئته تنشئة علمية ودينية منذ صغره فحفظ القرآن وتعلم من علوم عصره. وبعد وفاة والده والاضطراب السياسي الذي اجتاح تلك المنطقة ، وبعد وفاة حاكمها ترك ابن سينا بخارى، وهو في الحادي والعشرين من عمره، وقضى بقية حياته متنقلا بين مدن فارس كركانج وخوارزم ودهستان وغيرها. قبل أن يغادر ابن سينا بخاري كان على اتصال بالمفكرين والعلماء من أمثال عبد الرحمن البيروني، وأبو نصر الأراك، وفي هذه الحقيقة بدأت المناظرات العلمية بين ابن سينا والبيروني في الطبيعة والفلك.
فرحل أبو علي الحسين بن سينا إلى جرجان، وأقام بها مدة، وألف كتابه "القانون في الطب". ولكنه ما لبث أن رحل إلى "همذان" في عام 1017 م فحقق شهرة كبيرة، وصار وزيرا للأمير "شمس الدين البويهي" ، لكنه وقع مع حاشية الامير وجنوده في خلافات ومشاكل حتى قبض عليه الجنود واخذوا أمواله، واضطر شمس الدولة إلى مراضاتهم فابعد عنه
ابن سينا ، واختفى ابن سينا في دكان صديق عطار. ثم احتاج إليه الأمير عندما اشتد به مرضه فعاد إليه ابن سينا يطببه وظل إلى جانبه حتى مات الأمير.
ولكن بعد موته وفي عام 1022 م، خلفه ابنه تاج الدولة الذي استمع لخصوم ابن سينا وامر بسجنه ، فسجن لمدة أربعة شهور ولكنه نجح في الفرار من السجن متخفيا في زي الصوفية كأحد الدراويش إلى أصفهان وحظي برعاية أميرها "علاء الدولة"، وظل بها حتى خرج من الأمير علاء الدولة في إحدى حملاته إلى همذان؛ حيث وافته المنية بها في رمضان 428 هـ= يونيو 1037م.
حياته وتعلّمه:
http://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/Avicenna22.jpg
كان أبوه من المشجعين للعلم ورباه في بيئة علمية ، فأخذ يستقبل في قصره كل ليلة صفوة من علماء الفقه واللغة والعلوم المختلفة كالطبيعة والرياضيات والفلك والمنطق والفلسفة فكان يدور بينهم حوار ونقاش طويل وفى شتى الموضوعات السياسية والدينية وكان الصبي الصغير يجلس فى طرف قريب يسمع لهم وشيئا فشيئا بدأ يناقشهم ولاحظ نبوغ الصبي الجميع شيئا فشيئا ولم يدخر الوالد وسعا لتعليم الصبي الذي أظهر حبا عظيما للعلم. وفى العاشرة من عمر الحسين أجاد حفظ القرآن ودراسة ما يلزم لفهمه من اللغة العربية والأدب وتعلم الفارسية. ولم يتوقف الصبي بل واصل الدراسة على أيدي بعض علماء مدينته بل أنه أخذ يبحث عن الكتب ويدرس ما فيها بنفسه وطاب من والده دعاة بعض العلماء المسلمين المشهورين في ذلك الزمان فتعلم الفقه والحساب والفلسفة وعلوم الطبيعة والهندسة وبعض من الطب وغيرها من علوم عصره.
وبدأ يلمع اسم الصبي رغم حداثة سنه حتى تفوق الصبي على أساتذته ومعلميه وأحب الحسين الطب وأهتم به كثيرا وكان منطقه أن العلوم تخدم بعضها بعضا. فأتقن علم القرآن والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين والحساب والجبر والمقابلة ثم قصدهم الحكيم أبو عبد اللّه الناتلي فأنزله الرئيس أبو علي عنده وقرأ عليه كتاب إيسا غوجي في المنطق وكتاب إقليدس والمجسطي وفاقه فيها حتى أوضح له منها رموزا وأفهمه إشكالات لم يكن الناتلي حلها وكان مع ذلك يأخذ الفقه عن إسماعيل الزاهد.
كان ابن سينا دائما ينشد الكمال ، شاهدُ ذلك أنه كرس ابن سينا ثلاث سنوات من عمره لدراسة اللغة العربية بنحوها وآدابها ، عندما علق أحد العلماء على مقدرة ابن سينا في اللغة العربية في جلسة حضرها الأمير، وأبدى فيها ابن سينا رأيه في كلمة عربية، فكان رأي العالم أنه "بالرغم من حكمة ابن سينا الواسعة في مجالات كثيرة إلا أنه ليس متمكنا من اللغة العربية لدرجة تمكنه من أن يعطي ما رآه في خصائصها". وبعث لإحضار الكتب من مناطق نائية جدا ثم قام بعد ذلك بكتابة ثلاث قصائد باللغة العربية مستعملا كلمات قديمة ونادرة، وكذلك ثلاث مقالات كل منها بأسلوب تقليدي مختلف، ثم جمعها في كتاب واحد. ولكي يبدو الكتاب قديما فقد غمره في التراب ثم قدمه للأمير مدعياً أنه عثر عليه في رحلة صيد وأنه لا يفهمه تمامًا ، ثم قدمه الأمير بناء على طلب ابن سينا إلى نفس العالم الذي أهانه من قبل حتى يقوم بشرحه، وشعر العالم بحرج شديد بعد أن أدرك أن هذه التحفة النادرة كانت نتاج ملاحظته منذ ثلاث سنوات.
ولما توجه الناتلي إلى خوارزم شاه مأمون بن محمد اشتغل أبو علي بتحصيل العلوم الطبيعية وغير ذلك ونظر في النصوص والشروح ثم رغب بعد ذلك في علم الطب ، فعكف على قراءة الكتب الطبية، وبرز في هذا العلم في مدة قصيرة، وهذا ما أكّده بقوله: "وعلمُ الطبِّ ليس من العلوم الصعبة، فلا جرم أني برزت فيه في أقلّ مدة". وكان عمره في ذلك الوقت ست عشرة سنة، ودرس على يد ابن سهل المسيمي وأبي المنصور الحسن بن نوح القمري. وعالج تأدبًا لا تكسبًا حتى فاق فيه الأوائل في أقل مدة وقصده الفضلاء يأخذون عنه ويقرأون عليه فنون الطب والمعالجات التي اقتبسها من التجربة ولم تكن سنه إذ ذاك أكثر من ست عشرة سنة! ويقال إنه في مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بتمامها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة وكان من عادته إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا اللّه عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له. ذكر عند الأمير نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان في مرض مرضه فأحضره وعالجه حتى برىء واتصل به وقرب منه ودخل إلى دار كتبه وكانت جامعة لكل نادر ، فظفر ابن سينا فيها بكتب من علم الأوائل وحصل نخب فوائدها واطلع على أكثر علومها واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة فتفرد بما حصله منها ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها.
انغماسه بالحياة العامة ورحلاته الكثيرة أثَّرت على نظرياته فكانت فلسفته أقرب إلى الناحية العقلية منها إلى الروحية والتصوفية، وكان للتجربة والقياس مكاناً عظيماً عنده، فنراه يحارب التنجيم وبعض نواحي الكيمياء بحجج العقل والبرهان، وكان يقدِّس العقل ويعتبره أعلى قوى الإنسان، وقال بسلطان العقل الذي يتغلَّب على سلطان النفس، هذا ما نلاحظه بقوله "حسبنا ما كُتِب من شروحٍ لمذاهب القدماء، فقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا"، ونراه يخالف أفلاطون وأرسطو وغيرهم من فلاسفة اليونان في كثير من النظريات والآراء، وبالرغم من هذا التقديس للعقل يؤكد ابن سينا محدودية العقل الإنساني وبالتالي حاجة الإنسان إلى القوانين المنطقية، لهذا يعتبر أن المنطق من الأبواب التي يدخل منها إلى الفلسفة كما أنه الموصل إلى الاعتقاد الحق.
كتب كثيراً في فضائل الأخلاق ورذائلها مؤكداً على فضائل القوة الشهوية وهي:"العفة، القناعة، السخاء"،
وفضائل القوة الغضبية وهي:"الشجاعة، الصبر، الحزم"،
وفضائل القوة النطقية وهي:"الحكمة، البيان، وجود الحس، أصالة الرأي، الحزم، الصدق، الرحمة، حسن العهد، التواضع …".
وهو القائل بأن السعادة القصوى لا تأتي إلا عن طريق العلم، وأفضل الحركات الصلاة، وأنفع البرّ الصدقة، وأزكى السِّر الاحتمال.
كثيراً ما كان ابن سينا يعطي من أوقاته لتدبير شؤون الدولة خدمة منه لعامة الناس، ويعبِّر عن هذا بقوله: عندما تلتقي السلطة بالحكمة، وتخضع السياسة للقيم الأخلاقية وإلى بعد النظر الفلسفي، فيخف عنها القهر ويبتعد الظلم وتعمُ النعم على البشر، لهذا نراه يجمع ثلاث صفات قلَّما تجتمع برجل واحد: السياسة والكتابة والصناعة. كان الشيخ الرئيس كثير الحركة غزير الحيوية لا يستقر على حال، يقضي الليالي بطولها ما بين القراءة والكتابة، وعندما تتعقَّد مسألة معه كان يذهب للمسجد ليعود منشرحاً صدره ليستكمل رائعة من روائعه.
اشتهر ابن سينا بمظهره البالغ الحسن، وسيرة حياته تبدو كأنها من أدب المغامرات، وعمل عند كل أمير، أو ملك ،أو حاكم كموسيقى، ووزير، ورفيق كذلك. كان ابن سينا مفكرا وكاتبا عبقريا. لقد كتب في حياته التي امتدت 57 عاما أكثر من مائتي كتاب، وكان أول إنتاج عظيم له كتاب " الشفاء " وفيه شرح نظرياته التي بناها على أفكار أرسطو، أما أكثر كتبه شهرة في الطب فهو (القانون) ويحوي أكثر من مليون كلمة.
جاء في سيرته كما كتبها أحد تلاميذه أبو عبيد الجوزجاني ، أن ابن سينا وهو في السادسة عشرة من عمره كان طبيب ذائع الصيت حتى أن حاكم بخاري في ذلك الحين نوح بن منصور دعاه لعلاجه، وبعد شفائه وضع مكتبة قصره تحت تصرفه ، فقرأ فيها كتبا نادرة ، وفي عامه الثامن عشر، كان ابن سينا قد قرأ كل ما عرف في عصره.
لم يكن ابن سينا يتقيد بكل ما وصل إليه ممن سبقوه من نظريات، وإنما كان ينظر إليها ناقدا ومحللا، ويعرضها على مرآة عقله وتفكيره، فما وافق تفكيره وقبله عقله أخذه وزاد عليه ما توصل إليه واكتسبه بأبحاثه وخبراته ومشاهداته، وكان يقول: إن الفلاسفة يخطئون ويصيبون كسائر الناس، وهم ليسوا معصومين عن الخطأ والزلل. كانت بدايات دراسته الفلسفية والمنطقية على يد عبد الله النائلي الذي كان يسمى بالمتفلسف، ويبدو أنه لم يكن متعمّقاً في علمه، فانصرف عنه ابن سينا بعد فترة وجيزة، وبدأ يقرأ بنفسه، ولكنه وجد صعوبة في دراستهما، فبذل وقتاً طويلاً كي يفهمهما جيداً، إذ يقول: "ثم توفّرت على العلم والقراءة، فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة، وفي هذه المدّة، ما نمت ليلة بطولها، ولا اشتغلت النهار بغيره، وجمعت بين يدي ظهوراً".
أعجب ابن سينا جدا بالمشائين وهو مذهب قائم على أفكار أرسطو ثم نظمها الفارابي، ولقد قال لأحد كتاب سيرته أنه قرأ نص أرسطو عن الميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة) أربعين مرة دون أن يفهمها تمامًا، ولكن ما كتبه الفارابي عن أفكار أرسطو فهمه ابن سينا في الحال مما زاد شغفه وإعجابه الشديد بالفارابي الذي توفي قبل ميلاد ابن سينا بحوالي اثنين وثلاثين عامًا، ولقد حاول ابن سينا في بعض كتاباته شرح ما وجده غامضًا في كتابات الفارابي، والحقيقة أن كلا من ابن سينا والفارابي استعملا أرسطو كقاعدة انطلاق، ثم وجدا حلولا جديدة للمشاكل كما وصفها أرسطو.
كان ابن سينا إذا تحير في مسألة ولم يجد حلاً لها مسألة، ولم يكن يظفر بالحدّ الأوسط في قياس، كان كما يقول: "ترددت إلى المسجد وصلّيت وابتهلت إلى مبدع الكل، حتى فتح لي المغلق، وتيسّر المعسر". وينسب إليه أيضاً أنه كان يقول: "وكنت أرجع ليلاً إلى داري وأضع السراج بين يدي وأشتغل بالقراءة والكتابة، فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف، عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إليّ قوتي، ثم أرجع إلى القراءة".
أفاد ابن سينا من نبوغه المبكر في الطبّ، فعالج المرضى حباً للخير واستفادة بالعلم، وليس من أجل التكسّب، وفتحت له الأبواب على أثر معالجته لمنصور بن نوح الساماني من مرض عجز الأطباء عن شفائه منه، فقرّبه إليه، وفتح له أبواب مكتبته التي كانت تزخر بنفائس الكتب والمجلّدات والمخطوطات، فأقبل عليها يقرأها كتاباً بعد كتاب.
ثم لقي رعاية وافية من قبل نوح بن منصور الساماني الذي خلف والده في الحكم، ما جعل ابن سينا يعيش حالةً من الاستقرار النفسي انعكس إيجاباً على نتاجه، فتبوّأ مكاناً مرموقاً من العلم، ولا سيّما في علم الطب وعلم النفس، وقد أضاف الكثير إلى هذه العلوم مما استحدث عنده، وقد كتب في الطبيعيات والهندسة والرياضيات والكيمياء وغيرها من الاختصاصات، مثل "كتاب المختصر الأوسط في المنطق"، و "المبدأ والمعاد"، وكتاب "الأرصاد الفلكية" و"القانون"، ولكن حدثت بعد ذلك اضطرابات توارى على أثرها عند صديق له يدعى ابن غالب العطّار، فصنّف جميع الطبيعيّات والإلهيات ما خلا كتاب الحيوان والنبات.. وابتدأ بالمنطق، وكتب جزءاً منه، ثم أودع السجن وبقي مسجوناً في قلعة "نردوان" أربعة أشهر كتب فيها كتاب الهداية.
كما تأثر به بعض الفلاسفة مثل " ألبرت الكبير " والقديس توما الاكوينى , ونقلوا عنه أعظم موسوعة في الفلسفة والعلوم هي " كتاب الشفاء " والذي كان يحوى عدة مجالات فقد كان مقسمًا إلى أربعة أقسام ... المنطق والطبيعة والرياضيات وما وراء الطبيعة.
بالرغم من الشهرة العريضة التي حققها ابن سينا كطبيب والمكانة العلمية العظيمة التي وصل إليها حتى استحق أن يلقب عن جدارة بأمير الأطباء، فإنه لم يسعَ يوما إلى جمع المال أو طلب الشهرة؛ فقد كان يعالج مرضاه بالمجان، بل إنه كثيرا ما كان يقدم لهم الدواء الذي يعده بنفسه. لقد سأله أحد تلاميذه ويدعى بيهمينار لماذا لم يدع رجل مثله النبوة؟ مما يدل على مدى المنزلة العظيمة التي وصل إليها، والرد على السؤال سهل للغاية لأن ابن سينا كان "مسلمًا ومؤمنًا طوال حياته"!
أقوال علماء أوروبا فيه:
-جورج ساتون: "إن ابن سينا ظاهرة فكرية عظيمة ربما لا نجد من يساويه في ذكائه أو نشاطه الإنتاجي".. "إن فكر ابن سينا يمثل المثل الأعلى للفلسفة في القرون الوسطى".
-هولميارد: "إن علماء أوربا يصفون "أبا علي" بأنه أرسطو طاليس العرب، ولا ريب في أنه عالم فاق غيره في علم الطب وعلم طبقات الأرض، وكان من عادته إذا استعصت عليه مسألة علمية أن يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة، ثم يعود إلى المسألة بعد الصلاة بادئا من جديد؛ فيوفق في حلها".
-أوبرفيل: "إن ابن سينا اشتهر في العصور الوسطى، وتردد اسمه على كل شفة ولسان، ولقد كانت قيمته قيمة مفكر ملأ عصره.. وكان من كبار عظماء الإنسانية على الإطلاق".
-دي بور: "كان تأثير ابن سينا في الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى عظيم الشأن، واعتبر في المقام كأرسطو".
ولا تزال صورة ابن سينا تزين كبرى قاعات كلية الطب بجامعة "باريس" حتى الآن؛ تقديرا لعلمه واعترافا بفضله وسبْقه. وعندما نقلت مؤلفات ابن سينا الى اللاتينية عرف باسمه العـــبري ( افيسينا ، Avicenna ) واعتبر من اعظم العقليات العلمية في التاريخ ، والطبيب الاوحد طوال العصور الوسطى وحتى القرن 19 الميلادي .
اهتم العلماء المعاصرون في الشرق والغرب بتحقيق كتب ابن سينا ونشرها، فوضعوا الدراسات عنها وأقاموا المهرجانات والندوات إحياءً لذكراه الألف، إن كان في الدول العربية أو في إيران وتركيا وأوزبكستان أو في منظمة اليونسكو كذلك في بعض الدول الأوروبية والأمريكية، إضافة إلى الفاتيكان الذي أسهم بتخليد ذكراه بأن فتح مكتباته أمام الفيلسوف المصري محمود الخضيري لمدة عام كامل للإطلاع على آثار ابن سينا العربية منها واللاتينية، هذا ولم تزل جامعة باريس، وعرفاناً منها بالجميل، تحتفظ بصورتين كبيرتين في قاعتها الكبرى، واحدة لابن سينا والأخرى للرازي، كذلك هو الحال في الكثير من الدول العربية والإسلامية، ومؤخراً وأثناء ترميم مكتبة "بودليين" الأثرية في مدينة اكسفورد وبعدما أُزيل طلاءٌ قديمٌ عن جدار إحدى القاعات، تبين للمهندسين وجود ثلاث صور كانت تُزيّن الجدار، اثنتان لأرسطو وأفلاطون والثالثة لابن سينا .
إنجازاته الطبية:
اعتمد في ممارسته الطبية على التجربة والاستفادة من تجارب من سبقوه ، والملاحظة في وصفه للعضو المريض وصفاً تشريحيًا وفيزيولوجيًا، فوصف مرض السل بدقة تصل إلى مرتبة الإعجاز , فهو يفصل مراحله الأساسية الثلاث في البدن.. قبل ألف عام وذلك دون توفر أي معدات تصوير أو أشعة دون خلاف بين ما ذكره وبين معلومات اليوم, ويوصي بعلاجه باستخدام التربنتين والعفص والجوز لانها بالفعل مضادة للسل وقد كانت مستخدمة لفترة قريبة. فكان أول من قال بالعدوى وانتقال الأمراض المعدية عن طريق الماء والتراب، ومنها عدوى السل الرئوي ، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء والجو، وقال: إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدا لا تُرى بالعين المجردة، وهي التي تسبب بعض الأمراض، وهو ما أكده "فان ليوتهوك" في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخرون من بعده،بعد اختراع المجهر.
وأوَّل من وصف التهاب السحايا، وأظهر الفرق بين التهاب الحجاب الفاصل بين الرئتين والتهاب ذات الجنب. وأول من وصف مرض الفيلاريا "داء الفيل" وانتشاره وطرق علاجه. واكتشف الدودة المستديرة أو دودة الإنكلستوما قبل الطبيب الإيطالي روبنتي بأكثر من ثمانمائة سنة. واكتشف الفرق بين إصابة اليرقان الناتج من انحلال كريات الدم، وإصابة اليرقان الناتج من انسداد القنوات الصفراوية. وهو أوَّل من وصف مرض الجمرة الخبيثة وسماها النار المقدسة. كما كان أول من شخص مرض التهاب العصب الخامس، وفرق بين أنواع شلل الوجه المختلفة. وأوَّل من تحدَّث وبشكل دقيق عن السكتة الدماغية، أو ما يسمى بالموت الفجائي الناتجة عن كثرة الدم، مخالفا بذلك ما استقر عليه أساطين الطب اليوناني القديم. وأكثر ما تتجلى عبقريته قدرته على التشخيص التفريقي للأمراض المتقاربة في أعراضها، فمثلاً يميّز بين التهاب الحجاب الحاجز وذات الجنب وذات الرئة والتهاب السحايا، وما بين حصى المثانة وحصى الكلية ويفصّل بين المغص (الكولنج ) المعوي والمراري والكلوي، أو ما بين الشلل النصفي واللقوة والشلل التالي لسبب محيطي أو بسبب مركزي في الدماغ، وكذلك ما بين السكتة الدماغية واحتقان الدماغ وما بين الصرع ونوبات الهستيريا وشرح لألم العصب مثلث التوائم .
وقد اتبع ابن سينا في فحص مرضاه وتشخيص المرض وتحديد العلاج الطريقة الحديثة المتبعة الآن، وذلك عن طريق جس النبض والقرع بإصبعه فوق جسم المريض، وهي الطريقة المتبعة حاليًا في تشخيص الأمراض الباطنية، والتي نسبت إلى "ليوبولد أينبرجر" في القرن الثامن عشر، وكذلك من خلال الاستدلال بالبول والبراز. اهتم ابن سينا كثيراً بفحص البول ويؤكد على "قوامه، رائحته، صفاته، كدرته، زبده، رواسبه، مقداره"، كذلك إلى لون البراز وقوامه ورائحته ولونه. وهو يرى أن للنبض توازناً موسيقيًا فيقول"وإن للنبض حركة موسيقارية", وقد كان ماهراً في تشخيص المرض من النبض وتشخيص نوع النبض....وقصة ابن أخت قابوس ومعالجة مرضه على يد ابن سينا معروفة .
ووصف في كتابه " القانون في الطب" تشريح أعضاء الإنسان وصفاً صحيحاً جداً فذكر أقسام العضلات والعظام واحداً واحدًا وإن لم يكن تشريح الإنسان ميسوراً في ذلك العهد , إلا أنه من المظنون أن تشريح القرد كان معمولا به. وأكثر ما يثير قارئ القانون المنهجية التي اعتمدها ابن سينا في كتابه، فنراه يبدأ بتشريح العضو، يذكر العضلات والعظام كلها واحداً واحداً تماماً كما هي معروفة اليوم، ثمّ يتكلم عن وظيفة العضو وكيفية وقايته من الأمراض وأخيراً يذكر الأمراض التي تصيبه فيتحدث عن أسبابها وطرق الاستدلال عليها وكيفية علاجها. في علم التشريح لم يترك عضواً إلا وتكلم عنه حتى عن تشريح الأسنان والشرايين والأوردة ، وفي كلامه عن الأعصاب والعضلات يتناول أعصاب الوجه والجبهة والمقلة والجفن واللسان والشفة فضلاً عن أعصاب النخاع الشوكي والصدر . كما يعتبر ابن سينا أول من اكتشف ووصف عضلات العين الداخلية، وهو أول من قال بأن مركز البصر ليس في الجسم البلوري كما كان يعتقد من قبل، وإنما هو في العصب البصري. يمكن الإطلاع على نص الكتاب هنا (http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=228&CID=1)!
ومن بين إنجازات ابن سينا وإبداعاته العلمية، اكتشافه لبعض العقاقير المنشّطة لحركة القلب. واكتشافه لأنواع من المرقدات أو المخدّرات التي يجب أن تعطى للمرضى قبل إجراء العمليّات الجراحية لهم تخفيفاً لما يعانونه من ألم أثناء الجراحات وبعدها. وابن سينا هو الذي اكتشف الزرقة التي تعطى للمرضى تحت الجلد لدفع الدواء منها إلى أجسام المرضى. كذلك وصف ابن سينا الالتهابات والاضطرابات الجلدية بشكل دقيق في كتابه الطبي الضخم "القانون"، وفي هذا الكتاب وصف ابن سينا الأمراض الجنسية وأحسن بحثها ، كما علَّل الميول الشاذة عند بعض الأشخاص، وتكلَّم عن الخنثى وأوصى فيها بقطع العضو الضعيف الخفي. كما كان له باع كبير في مجال الأمراض التناسلية، فوصف بدقة بعض أمراض النساء، مثل: الانسداد المهبلي والأسقاط، والأورام الليفية. وقد شخَّص حمّى النفاس التي تصيب النساء ، وتحدث عن الأمراض التي يمكن أن تصيب النفساء، مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يسببه من أورام وحميات حادة، وأشار إلى أن تعفن الرحم قد ينشأ من عسر الولادة أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفا من قبل، وتعرض أيضا للذكورة والأنوثة في الجنين وعزاها إلى الرجل دون المرأة. برع بدراسة أحوال العقم وتحدث عن أسبابه العضوية منها والنفسية وذكر أن إحدى مسبباته عدم التوافق النفسي والجنسي بين الزوجين. وقد أدرك أهمية الرضاعة الطبيعية للمولود والأم ، ووضع قائمة لأحسن الطرق للرضاعة ، وذلك من خلال كتابه عن تدبير الحبالى والصبيان. وهو الأمر الذي أكده مؤخرًا العلم الحديث.
وعالج ابن سينا داء الصرع وبعض الأمراض العصبية والعقلية بما يشبه العلاج بالصدمات الكهربائية قبل ألف عام ، وذلك بواسطة نوع من السمك يعرف بالرعاد، حيث يوضع في الماء شريطان من المعدن، ويمسك بهما المريض، فيحدث هذا النوع من السمك أثناء حركته الفجائية نوع من الموجات تؤدي إلى رعشة تصيب المريض مما يجعله لا يقوى على مسك الشريطين مدة طويلة، فيلقي بهما أرضاً ومن خلال عدد من الجلسات يحدث لديه الشفاء.
كشف وبدقة متناهية السرطان ووصفه بأنه الورم الذي ينتقل من عضو إلى عضو، وحدد السبيل لعلاجه يكون بالجراحة المبكرة في أطوار الورم الأولى، وأوصى بأن الاستئصال يجب أن يكون واسعاً وعميقاً وكبيراً، وأن يعقِّم الطبيب حواف المنطقة الباقية بعد الاستئصال بالكي، ويقول: مع هذا فإن الشفاء منه ليس أكيداً.
ويظهر ابن سينا براعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة وكان جراحًا بارعًا ، فقد ذكر عدة طرق لإيقاف النزيف، سواء بالربط أو إدخال الفتائل أو بالكي بالنار أو بدواء كاو، أو بضغط اللحم فوق العرق. وتحدث عن كيفية التعامل مع السهام واستخراجها من الجروح، ويُحذر المعالجين من إصابة الشرايين أو الأعصاب عند إخراج السهام من الجروح، وينبه إلى ضرورة أن يكون المعالج على معرفة تامة بالتشريح. وقام بعمليات جراحية ودقيقة للغاية مثل استئصال الأورام السرطانية في مراحلها الأولى وشق الحنجرة والقصبة الهوائية، واستئصال الخراج من الغشاء البلوري بالرئة، وعالج البواسير بطريقة الربط، ووصف بدقة حالات النواسير البولية كما توصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الناسور الشرجي لا تزال تستخدم حتى الآن، وتعرض لحصاة الكلى وشرح كيفية استخراجها والمحاذير التي يجب مراعاتها، كما ذكر حالات استعمال القسطرة، وكذلك الحالات التي يحذر استعمالها فيها. وابتكر ما يشبه كيس الثلج واستخدمه فى حالة الحميات فأنقذ بذلك الملايين من المرضى بارتفاع الحرارة.
وفي طب الأسنان كان ابن سينا واضحًا دقيقًا في تحديده الغاية والهدف من مداواة نخور الأسنان حين قال: "الغرض من علاج التآكل منع الزيادة على ما تآكل؛ وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه وتحليل المادة المؤدية إلى ذلك". فكان علاجه بقوله: "كثيرًا ما يحتاج إلى ثقب السن بمثقب دقيق؛ ليُنَفِّس عنه المادة المؤذية، وتجد الأدوية نفوذًا إلى قعره". وفي موضع آخر يشرح ابن سينا هذه الطريقة فيقول: "تؤخذ مِسلة تُحمى وتُغْمَس في ذلك، وتنفذ في تجويف أنبوب متهندم على السن الوجعة حتى تبلغ السن وتكويها، وقد جُعِلَ على ما حواليها شمع أو عجين أو شيء آخر يحول بين السن وما حواليها من الأسنان والعمور، وقد يُقطر أيضًا في الأنبوب الدهن المغلي". ويستخدم ابن سينا بعد ذلك مادة الكافور مادة حاشية، ويصفها بقوله: "وقد جُرِّب الكافور في الحشو فكان نافعًا ويمنع زيادة التآكل ويسكن الألم". ولا يفوته أن يوصي عند استخدام المادة الحاشية، فيقول: "يجب أن يرفق ولا يحشى بعنف وشدة فيزيد في الوجع".
كما اعتبر أنَّ الرياضة إحدى الأركان الهامة لسلامة الصحة، ومن الغريب فعلاً أن نجد شرحاً لمختلف أنواع الرياضات التي تناسب الإنسان في كافة مراحل حياته مع تأكيد على الأثر الجيد الذي تتركه الرياضة في الوضع النفسي وفي الحياة الروحية، وكان يحضُّ دائماً على الالتزام بقواعد حفظ الصحة والوقاية ويفضلها على العلاج الدوائي، وإذا أمكن تدبير بعض الحالات بواسطة الأغذية فلا داعي للجوء إلى الأدوية، ويوصي بشرب مياه الينابيع لأنها الأفضل للصحة.
وكان لابن سينا معرفة جيدة بالأدوية وفعاليتها، وقد صنف الأدوية في ست مجموعات، وكانت الأدوية المفردة والمركبة (الأقرباذين) التي ذكرها في مصنفاته وبخاصة كتاب القانون لها أثر عظيم وقيمة علمية كبيرة بين علماء الطب والصيدلة، وبلغ عدد الأدوية التي وصفها في كتابه نحو 760 عقَّارًا رتبها ألفبائيًا ، ولا تزال معظم هذه الأدوية تحتفظ باسمها العربي حتى الآن، منها: المسك، العنبر، الكافور، الصندل، الزعفران، الحشيش. ومن المدهش حقا أنه كان يمارس ما يعرف بالطب التجريبي ويطبقه على مرضاه، فقد كان يجرب أي دواء جديد يتعرف عليه على الحيوان أولا، ثم يعطيه للإنسان بعد أن تثبت له صلاحيته ودقته على الشفاء. كما تحدث عن تلوث البيئة وأثره على صحة الإنسان فقال: "فما دام الهواء ملائما ونقيا وليس به أخلاط من المواد الأخرى بما يتعارض مع مزاج التنفس، فإن الصحة تأتي".
كتاب القانون في الطب:
http://ddc.aub.edu.lb/projects/saab/avicenna/640/graphics/F_003.jpg
كان كتابه "القانون" في الطب موسوعة طبية تحتوي على ما ذكره الأطباء اليونان الأقدمون بالإضافة إلى ما ساهم به العرب في هذا المجال ، والذي تكون من 14 مجلدا يعد من أعظم الكتب في التاريخ قسمت فيه الأمراض لأول مرة في تاريخ الطب إلى أمراض رأسية وصدرية وباطنية وعصبية ونسائية وتناسلية وشرح فيه كل قسم شرحا دقيقًا.. ويتحدث فيه عن كل مرض مبينًا نشأته وأسبابه وأعراضه وطرق علاجه. ولم يقف الكتاب الموسوعة على وصف الأمراض وطرق علاجها فقط بل اشتمل على أسماء سبعمائة وستين من العقاقير والأدوية ، وذكر مواطن الجراحات وكذلك أدوات الجراحة. وتم كل ذلك بنظام عجيب جعل كل من يدرس الطب يحتاج إليه كمرجع أول للطب في الدنيا.. فجمع بذلك ابن سينا علم الطب بعدما كان مشتتًا. ويمكن الإطلاع على نص الكتاب هنا (http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=227&CID=1)!
ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر على يد ". "جيرارد أوف كريمونا" ، وأعيد طبع الترجمة ست عشرة مرة في أواخر القرن الخامس وعشرين مرة في القرن السادس عشر حتى بلغت طبعاته في أوربا وحدها أكثر من 40 طبعة كان أفضلها في أوائل القرن السادس عشر من قبل "أندريا ألباجو". بعد أن قضى ثلاثين سنة في الشرق، وزاد على من سبقوه بأن وضع قاموسًا للمصطلحات التي كان يستعملها ابن سينا ، ونشرت هذه الترجمة في عام 1527م. ثم أدخلت تحسينات كبيرة على القانون، ولكن ترجمة "جان بول مونجيوس" ظلت هي الترجمة الوحيدة التي كان يعتمد عليها أساتذة وطلاب الطب في العالم وكانت آخر ترجمة في غضون القرن الثامن عشر التي قام بها الأستاذ "بلمبيوس" وأضاف إلى الترجمة تعليقات وشروح.. وظل يدرس في معاهد الطب الأوربية حتى القرن السابع عشر. حتى قال عنه السيد (وليم أوسلر): "إنه كان الإنجيل الطبي لأطول فترة من الزمن". لم يشتهر كتاب القانون بالطب فقط بل اشتهر ككتاب فلسفي أيضا ، ويقوم على تجارب بعض الأطباء اليونانيين خلال عصور الإمبراطورية الرومانية، وبعض الأعمال العربية ، ومن المعروف أنه درس في جامعات مونبليه ولوفان عام 650 م وفي فرنسا. وكان ثاني كتاب في تاريخ الطباعة يطبع باللغة العربية عام 1593 م.
http://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/Latin%20Canon.jpg
يشتمل كتاب القانون على خمسة كتب:
الكتاب الأول:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a531b.jpgمخصص للعلوم الكليَّة من علم الطب، ويبحث في وظائف الأعضاء وعلم تصنيف الأمراض وعلم الأمراض والأمزجة والأخلاط وأسباب الأمراض بصفة عامة من جهة النبض والهضم وتدبير الصحة ومبادئ المعالجات.
الكتاب الثاني:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a5386b.jpgخاص بالأدوية المفردة، وهو قسمان الأول درس دقيق في ماهيَّة الدواء: صفاته، مفعوله، طريقة حفظه، مع بيانات تشرح أثر كل دواء في كل عضو، والقسم الثاني يحتوي على المفردات الطبية نفسها مرتبة ترتيباً أبجدياً.
ويشتمل وصف العقار على النقاط التالية:-
ا- التعرف على العقار.
2- الجزء المستعمل.
3- الخصائص المزاجية.
4- تأثير العقار على كل جهاز من أجهزة الجسم وعلى أمراض معينة.
5- تأثيراته لنوعية
6- هل العقار ترياق؟
7- العلاج البديل
8- المواد المساعدة لتأثيره.
الكتاب الثالث:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a53157b.jpgيهتم بالأمراض الموضعية لكل عضو بشكل منفصل، ومصنفة من شعر الرأس حتى أخمص القدم .
الكتاب الرابع:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a53368b.jpgيدرس الأمراض التي تصيب الجسم عامة ولا تختص بعضو واحد مثل: الحميات، السموم، القروح، الأورام، الجذام، الكسور، وخصص باباً فيه للزينة.
الكتاب الخامس:
http://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/The_Canon_of_Medicine_by_ibn_Sina.jpghttp://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/The_Canon_of_Medicine_by_ibn_Sina2.jpg وضع فيه ابن سينا من القانون الأدوية المركبة أو "الأقرباذين"، وشرح فيه كيفية تركيبها وكيف يمكن للصيدلي أن يصنعها، وحدَّد فيه خمسة مقاييس غير التأثيرات العلاجية يجب أن تؤخذ بالحسبان أثناء تصنيع الدواء، وهي: سرعة استحالته وبطؤها، سرعة جموده وبطؤها، طعم الدواء، رائحته، لونه.
متبوع..
وعلى رسولنا الصلاة والسلام..
حث الإسلام المسلمين على التداوي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء) وقد اعتبر فقهاء الإسلام العلوم والصناعات فرض كفاية ومنها علم الطب. وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم : (وإذا مرضت فهو يشفين ) صدق الله العظيم "سورة الشعراء - آية 80". ففي ظل الدولة الإسلامية كثر اشتغال الناس بالطب في حين كانت الكنيسة الغربية تحرم صناعته، حيث اعتبرت المرض في نظرها عقابا من الله لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن استحقه.
نجد أنه في العصر العباسي وفي عهد المقتدر بالله دعي للامتحان نحو 900 طبيب، مما يدل على مدى العناية بالطب والصحة. كما أن الأطباء لم يقتنعوا بما وجدوه من كتب الإغريق أو كتب الفرس أو كتب الهنود، بل توسعوا في البحوث، إذ كان أشهر الأطباء يضيف إلى علم الطب علما آخر كالفلسفة أو الهندسة أو الكيمياء، مما جعل كتبهم موسوعات طبية إسلامية ترجمت كلها إلى اللاتينية وقد كان لها الفضل في نقل أطباء أوروبا من حال إلى حال.
وكان أحد أشهر الأطباء وأكثرهم علمًا وتميزًا.. هو العالم الطبيب ابن سينا! قد يتردد اسم العالم المسلم إبن سينا بيننا ولكن الكثير لا يعرف من هو هذا العالم العظيم إبن سينا ؟ ومن هو هذا الأسطورة العلمية العظيمة ؟ والذى برع فى الكثير من ميادين العلم فى عصره. وحتى عصرنا هذا ما يزال العلماء الأجلاء يذكرونه ويذكرون كتبه ومؤلفاته بل حتى علماء الغرب كرموه واعتبروه أحد العباقرة ، وحرى بأمة الاسلام أن تكرمه وتذكر به أبناءها ليكون قدوة لهم ونبراساً للأجيال المسلمة فلقد كان أحد رموز حضارتنا الاسلامية العظيمة.
ابن سينا: الطبيب الفيلسوف العالم.
(370-428هـ/980-1036م)
http://www.balagh.com/thaqafa/images/272.jpg
اسمه ونسبه:
هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا.
مولده وأصله:
ولد في صفر (370هـ 980م) من أسرة فارسية الأصل في قرية أفشنة (أو خرميش) أحد قرى بخاري التي تقع في مفترق الطرق بين روسيا وإيران والهند والصين ، في ربوع الدولة السامانية الواقعة في أوزبكستان من أب من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليًا) و أم قروية من بخارى واسمها ستارة (النجمة) ، وتوفي في همذان سنة 427هـ (1037م).
ألقابه:
عرف ابن سينا بألقاب كثيرة، منها:
حجة الحق، شرف الملك، الشيخ الرئيس، الحكم الدستور،
المعلم الثالث (أي بعد أرسطو والفارابي)، أمير الأطباء وأرسطو الإسلام.
مختصر حياته:
وكانت بلده مركزًا ثقافيًا إسلاميًا في الفترة من القرن السابع إلي القرن العاشر الميلادي. وما كاد الحسين بن عبد الله بن على يشب حتى عين والده واليا على مدينة بخارى الشهيرة واستقرت الأسرة فى أحد قصور المدينة الجميلة. ولكن ما أن استقر الوالد عبد الله هناك حتى حرص أبو عبد الله بن سينا على تنشئته تنشئة علمية ودينية منذ صغره فحفظ القرآن وتعلم من علوم عصره. وبعد وفاة والده والاضطراب السياسي الذي اجتاح تلك المنطقة ، وبعد وفاة حاكمها ترك ابن سينا بخارى، وهو في الحادي والعشرين من عمره، وقضى بقية حياته متنقلا بين مدن فارس كركانج وخوارزم ودهستان وغيرها. قبل أن يغادر ابن سينا بخاري كان على اتصال بالمفكرين والعلماء من أمثال عبد الرحمن البيروني، وأبو نصر الأراك، وفي هذه الحقيقة بدأت المناظرات العلمية بين ابن سينا والبيروني في الطبيعة والفلك.
فرحل أبو علي الحسين بن سينا إلى جرجان، وأقام بها مدة، وألف كتابه "القانون في الطب". ولكنه ما لبث أن رحل إلى "همذان" في عام 1017 م فحقق شهرة كبيرة، وصار وزيرا للأمير "شمس الدين البويهي" ، لكنه وقع مع حاشية الامير وجنوده في خلافات ومشاكل حتى قبض عليه الجنود واخذوا أمواله، واضطر شمس الدولة إلى مراضاتهم فابعد عنه
ابن سينا ، واختفى ابن سينا في دكان صديق عطار. ثم احتاج إليه الأمير عندما اشتد به مرضه فعاد إليه ابن سينا يطببه وظل إلى جانبه حتى مات الأمير.
ولكن بعد موته وفي عام 1022 م، خلفه ابنه تاج الدولة الذي استمع لخصوم ابن سينا وامر بسجنه ، فسجن لمدة أربعة شهور ولكنه نجح في الفرار من السجن متخفيا في زي الصوفية كأحد الدراويش إلى أصفهان وحظي برعاية أميرها "علاء الدولة"، وظل بها حتى خرج من الأمير علاء الدولة في إحدى حملاته إلى همذان؛ حيث وافته المنية بها في رمضان 428 هـ= يونيو 1037م.
حياته وتعلّمه:
http://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/Avicenna22.jpg
كان أبوه من المشجعين للعلم ورباه في بيئة علمية ، فأخذ يستقبل في قصره كل ليلة صفوة من علماء الفقه واللغة والعلوم المختلفة كالطبيعة والرياضيات والفلك والمنطق والفلسفة فكان يدور بينهم حوار ونقاش طويل وفى شتى الموضوعات السياسية والدينية وكان الصبي الصغير يجلس فى طرف قريب يسمع لهم وشيئا فشيئا بدأ يناقشهم ولاحظ نبوغ الصبي الجميع شيئا فشيئا ولم يدخر الوالد وسعا لتعليم الصبي الذي أظهر حبا عظيما للعلم. وفى العاشرة من عمر الحسين أجاد حفظ القرآن ودراسة ما يلزم لفهمه من اللغة العربية والأدب وتعلم الفارسية. ولم يتوقف الصبي بل واصل الدراسة على أيدي بعض علماء مدينته بل أنه أخذ يبحث عن الكتب ويدرس ما فيها بنفسه وطاب من والده دعاة بعض العلماء المسلمين المشهورين في ذلك الزمان فتعلم الفقه والحساب والفلسفة وعلوم الطبيعة والهندسة وبعض من الطب وغيرها من علوم عصره.
وبدأ يلمع اسم الصبي رغم حداثة سنه حتى تفوق الصبي على أساتذته ومعلميه وأحب الحسين الطب وأهتم به كثيرا وكان منطقه أن العلوم تخدم بعضها بعضا. فأتقن علم القرآن والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين والحساب والجبر والمقابلة ثم قصدهم الحكيم أبو عبد اللّه الناتلي فأنزله الرئيس أبو علي عنده وقرأ عليه كتاب إيسا غوجي في المنطق وكتاب إقليدس والمجسطي وفاقه فيها حتى أوضح له منها رموزا وأفهمه إشكالات لم يكن الناتلي حلها وكان مع ذلك يأخذ الفقه عن إسماعيل الزاهد.
كان ابن سينا دائما ينشد الكمال ، شاهدُ ذلك أنه كرس ابن سينا ثلاث سنوات من عمره لدراسة اللغة العربية بنحوها وآدابها ، عندما علق أحد العلماء على مقدرة ابن سينا في اللغة العربية في جلسة حضرها الأمير، وأبدى فيها ابن سينا رأيه في كلمة عربية، فكان رأي العالم أنه "بالرغم من حكمة ابن سينا الواسعة في مجالات كثيرة إلا أنه ليس متمكنا من اللغة العربية لدرجة تمكنه من أن يعطي ما رآه في خصائصها". وبعث لإحضار الكتب من مناطق نائية جدا ثم قام بعد ذلك بكتابة ثلاث قصائد باللغة العربية مستعملا كلمات قديمة ونادرة، وكذلك ثلاث مقالات كل منها بأسلوب تقليدي مختلف، ثم جمعها في كتاب واحد. ولكي يبدو الكتاب قديما فقد غمره في التراب ثم قدمه للأمير مدعياً أنه عثر عليه في رحلة صيد وأنه لا يفهمه تمامًا ، ثم قدمه الأمير بناء على طلب ابن سينا إلى نفس العالم الذي أهانه من قبل حتى يقوم بشرحه، وشعر العالم بحرج شديد بعد أن أدرك أن هذه التحفة النادرة كانت نتاج ملاحظته منذ ثلاث سنوات.
ولما توجه الناتلي إلى خوارزم شاه مأمون بن محمد اشتغل أبو علي بتحصيل العلوم الطبيعية وغير ذلك ونظر في النصوص والشروح ثم رغب بعد ذلك في علم الطب ، فعكف على قراءة الكتب الطبية، وبرز في هذا العلم في مدة قصيرة، وهذا ما أكّده بقوله: "وعلمُ الطبِّ ليس من العلوم الصعبة، فلا جرم أني برزت فيه في أقلّ مدة". وكان عمره في ذلك الوقت ست عشرة سنة، ودرس على يد ابن سهل المسيمي وأبي المنصور الحسن بن نوح القمري. وعالج تأدبًا لا تكسبًا حتى فاق فيه الأوائل في أقل مدة وقصده الفضلاء يأخذون عنه ويقرأون عليه فنون الطب والمعالجات التي اقتبسها من التجربة ولم تكن سنه إذ ذاك أكثر من ست عشرة سنة! ويقال إنه في مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بتمامها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة وكان من عادته إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا اللّه عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له. ذكر عند الأمير نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان في مرض مرضه فأحضره وعالجه حتى برىء واتصل به وقرب منه ودخل إلى دار كتبه وكانت جامعة لكل نادر ، فظفر ابن سينا فيها بكتب من علم الأوائل وحصل نخب فوائدها واطلع على أكثر علومها واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة فتفرد بما حصله منها ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها.
انغماسه بالحياة العامة ورحلاته الكثيرة أثَّرت على نظرياته فكانت فلسفته أقرب إلى الناحية العقلية منها إلى الروحية والتصوفية، وكان للتجربة والقياس مكاناً عظيماً عنده، فنراه يحارب التنجيم وبعض نواحي الكيمياء بحجج العقل والبرهان، وكان يقدِّس العقل ويعتبره أعلى قوى الإنسان، وقال بسلطان العقل الذي يتغلَّب على سلطان النفس، هذا ما نلاحظه بقوله "حسبنا ما كُتِب من شروحٍ لمذاهب القدماء، فقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا"، ونراه يخالف أفلاطون وأرسطو وغيرهم من فلاسفة اليونان في كثير من النظريات والآراء، وبالرغم من هذا التقديس للعقل يؤكد ابن سينا محدودية العقل الإنساني وبالتالي حاجة الإنسان إلى القوانين المنطقية، لهذا يعتبر أن المنطق من الأبواب التي يدخل منها إلى الفلسفة كما أنه الموصل إلى الاعتقاد الحق.
كتب كثيراً في فضائل الأخلاق ورذائلها مؤكداً على فضائل القوة الشهوية وهي:"العفة، القناعة، السخاء"،
وفضائل القوة الغضبية وهي:"الشجاعة، الصبر، الحزم"،
وفضائل القوة النطقية وهي:"الحكمة، البيان، وجود الحس، أصالة الرأي، الحزم، الصدق، الرحمة، حسن العهد، التواضع …".
وهو القائل بأن السعادة القصوى لا تأتي إلا عن طريق العلم، وأفضل الحركات الصلاة، وأنفع البرّ الصدقة، وأزكى السِّر الاحتمال.
كثيراً ما كان ابن سينا يعطي من أوقاته لتدبير شؤون الدولة خدمة منه لعامة الناس، ويعبِّر عن هذا بقوله: عندما تلتقي السلطة بالحكمة، وتخضع السياسة للقيم الأخلاقية وإلى بعد النظر الفلسفي، فيخف عنها القهر ويبتعد الظلم وتعمُ النعم على البشر، لهذا نراه يجمع ثلاث صفات قلَّما تجتمع برجل واحد: السياسة والكتابة والصناعة. كان الشيخ الرئيس كثير الحركة غزير الحيوية لا يستقر على حال، يقضي الليالي بطولها ما بين القراءة والكتابة، وعندما تتعقَّد مسألة معه كان يذهب للمسجد ليعود منشرحاً صدره ليستكمل رائعة من روائعه.
اشتهر ابن سينا بمظهره البالغ الحسن، وسيرة حياته تبدو كأنها من أدب المغامرات، وعمل عند كل أمير، أو ملك ،أو حاكم كموسيقى، ووزير، ورفيق كذلك. كان ابن سينا مفكرا وكاتبا عبقريا. لقد كتب في حياته التي امتدت 57 عاما أكثر من مائتي كتاب، وكان أول إنتاج عظيم له كتاب " الشفاء " وفيه شرح نظرياته التي بناها على أفكار أرسطو، أما أكثر كتبه شهرة في الطب فهو (القانون) ويحوي أكثر من مليون كلمة.
جاء في سيرته كما كتبها أحد تلاميذه أبو عبيد الجوزجاني ، أن ابن سينا وهو في السادسة عشرة من عمره كان طبيب ذائع الصيت حتى أن حاكم بخاري في ذلك الحين نوح بن منصور دعاه لعلاجه، وبعد شفائه وضع مكتبة قصره تحت تصرفه ، فقرأ فيها كتبا نادرة ، وفي عامه الثامن عشر، كان ابن سينا قد قرأ كل ما عرف في عصره.
لم يكن ابن سينا يتقيد بكل ما وصل إليه ممن سبقوه من نظريات، وإنما كان ينظر إليها ناقدا ومحللا، ويعرضها على مرآة عقله وتفكيره، فما وافق تفكيره وقبله عقله أخذه وزاد عليه ما توصل إليه واكتسبه بأبحاثه وخبراته ومشاهداته، وكان يقول: إن الفلاسفة يخطئون ويصيبون كسائر الناس، وهم ليسوا معصومين عن الخطأ والزلل. كانت بدايات دراسته الفلسفية والمنطقية على يد عبد الله النائلي الذي كان يسمى بالمتفلسف، ويبدو أنه لم يكن متعمّقاً في علمه، فانصرف عنه ابن سينا بعد فترة وجيزة، وبدأ يقرأ بنفسه، ولكنه وجد صعوبة في دراستهما، فبذل وقتاً طويلاً كي يفهمهما جيداً، إذ يقول: "ثم توفّرت على العلم والقراءة، فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة، وفي هذه المدّة، ما نمت ليلة بطولها، ولا اشتغلت النهار بغيره، وجمعت بين يدي ظهوراً".
أعجب ابن سينا جدا بالمشائين وهو مذهب قائم على أفكار أرسطو ثم نظمها الفارابي، ولقد قال لأحد كتاب سيرته أنه قرأ نص أرسطو عن الميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة) أربعين مرة دون أن يفهمها تمامًا، ولكن ما كتبه الفارابي عن أفكار أرسطو فهمه ابن سينا في الحال مما زاد شغفه وإعجابه الشديد بالفارابي الذي توفي قبل ميلاد ابن سينا بحوالي اثنين وثلاثين عامًا، ولقد حاول ابن سينا في بعض كتاباته شرح ما وجده غامضًا في كتابات الفارابي، والحقيقة أن كلا من ابن سينا والفارابي استعملا أرسطو كقاعدة انطلاق، ثم وجدا حلولا جديدة للمشاكل كما وصفها أرسطو.
كان ابن سينا إذا تحير في مسألة ولم يجد حلاً لها مسألة، ولم يكن يظفر بالحدّ الأوسط في قياس، كان كما يقول: "ترددت إلى المسجد وصلّيت وابتهلت إلى مبدع الكل، حتى فتح لي المغلق، وتيسّر المعسر". وينسب إليه أيضاً أنه كان يقول: "وكنت أرجع ليلاً إلى داري وأضع السراج بين يدي وأشتغل بالقراءة والكتابة، فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف، عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إليّ قوتي، ثم أرجع إلى القراءة".
أفاد ابن سينا من نبوغه المبكر في الطبّ، فعالج المرضى حباً للخير واستفادة بالعلم، وليس من أجل التكسّب، وفتحت له الأبواب على أثر معالجته لمنصور بن نوح الساماني من مرض عجز الأطباء عن شفائه منه، فقرّبه إليه، وفتح له أبواب مكتبته التي كانت تزخر بنفائس الكتب والمجلّدات والمخطوطات، فأقبل عليها يقرأها كتاباً بعد كتاب.
ثم لقي رعاية وافية من قبل نوح بن منصور الساماني الذي خلف والده في الحكم، ما جعل ابن سينا يعيش حالةً من الاستقرار النفسي انعكس إيجاباً على نتاجه، فتبوّأ مكاناً مرموقاً من العلم، ولا سيّما في علم الطب وعلم النفس، وقد أضاف الكثير إلى هذه العلوم مما استحدث عنده، وقد كتب في الطبيعيات والهندسة والرياضيات والكيمياء وغيرها من الاختصاصات، مثل "كتاب المختصر الأوسط في المنطق"، و "المبدأ والمعاد"، وكتاب "الأرصاد الفلكية" و"القانون"، ولكن حدثت بعد ذلك اضطرابات توارى على أثرها عند صديق له يدعى ابن غالب العطّار، فصنّف جميع الطبيعيّات والإلهيات ما خلا كتاب الحيوان والنبات.. وابتدأ بالمنطق، وكتب جزءاً منه، ثم أودع السجن وبقي مسجوناً في قلعة "نردوان" أربعة أشهر كتب فيها كتاب الهداية.
كما تأثر به بعض الفلاسفة مثل " ألبرت الكبير " والقديس توما الاكوينى , ونقلوا عنه أعظم موسوعة في الفلسفة والعلوم هي " كتاب الشفاء " والذي كان يحوى عدة مجالات فقد كان مقسمًا إلى أربعة أقسام ... المنطق والطبيعة والرياضيات وما وراء الطبيعة.
بالرغم من الشهرة العريضة التي حققها ابن سينا كطبيب والمكانة العلمية العظيمة التي وصل إليها حتى استحق أن يلقب عن جدارة بأمير الأطباء، فإنه لم يسعَ يوما إلى جمع المال أو طلب الشهرة؛ فقد كان يعالج مرضاه بالمجان، بل إنه كثيرا ما كان يقدم لهم الدواء الذي يعده بنفسه. لقد سأله أحد تلاميذه ويدعى بيهمينار لماذا لم يدع رجل مثله النبوة؟ مما يدل على مدى المنزلة العظيمة التي وصل إليها، والرد على السؤال سهل للغاية لأن ابن سينا كان "مسلمًا ومؤمنًا طوال حياته"!
أقوال علماء أوروبا فيه:
-جورج ساتون: "إن ابن سينا ظاهرة فكرية عظيمة ربما لا نجد من يساويه في ذكائه أو نشاطه الإنتاجي".. "إن فكر ابن سينا يمثل المثل الأعلى للفلسفة في القرون الوسطى".
-هولميارد: "إن علماء أوربا يصفون "أبا علي" بأنه أرسطو طاليس العرب، ولا ريب في أنه عالم فاق غيره في علم الطب وعلم طبقات الأرض، وكان من عادته إذا استعصت عليه مسألة علمية أن يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة، ثم يعود إلى المسألة بعد الصلاة بادئا من جديد؛ فيوفق في حلها".
-أوبرفيل: "إن ابن سينا اشتهر في العصور الوسطى، وتردد اسمه على كل شفة ولسان، ولقد كانت قيمته قيمة مفكر ملأ عصره.. وكان من كبار عظماء الإنسانية على الإطلاق".
-دي بور: "كان تأثير ابن سينا في الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى عظيم الشأن، واعتبر في المقام كأرسطو".
ولا تزال صورة ابن سينا تزين كبرى قاعات كلية الطب بجامعة "باريس" حتى الآن؛ تقديرا لعلمه واعترافا بفضله وسبْقه. وعندما نقلت مؤلفات ابن سينا الى اللاتينية عرف باسمه العـــبري ( افيسينا ، Avicenna ) واعتبر من اعظم العقليات العلمية في التاريخ ، والطبيب الاوحد طوال العصور الوسطى وحتى القرن 19 الميلادي .
اهتم العلماء المعاصرون في الشرق والغرب بتحقيق كتب ابن سينا ونشرها، فوضعوا الدراسات عنها وأقاموا المهرجانات والندوات إحياءً لذكراه الألف، إن كان في الدول العربية أو في إيران وتركيا وأوزبكستان أو في منظمة اليونسكو كذلك في بعض الدول الأوروبية والأمريكية، إضافة إلى الفاتيكان الذي أسهم بتخليد ذكراه بأن فتح مكتباته أمام الفيلسوف المصري محمود الخضيري لمدة عام كامل للإطلاع على آثار ابن سينا العربية منها واللاتينية، هذا ولم تزل جامعة باريس، وعرفاناً منها بالجميل، تحتفظ بصورتين كبيرتين في قاعتها الكبرى، واحدة لابن سينا والأخرى للرازي، كذلك هو الحال في الكثير من الدول العربية والإسلامية، ومؤخراً وأثناء ترميم مكتبة "بودليين" الأثرية في مدينة اكسفورد وبعدما أُزيل طلاءٌ قديمٌ عن جدار إحدى القاعات، تبين للمهندسين وجود ثلاث صور كانت تُزيّن الجدار، اثنتان لأرسطو وأفلاطون والثالثة لابن سينا .
إنجازاته الطبية:
اعتمد في ممارسته الطبية على التجربة والاستفادة من تجارب من سبقوه ، والملاحظة في وصفه للعضو المريض وصفاً تشريحيًا وفيزيولوجيًا، فوصف مرض السل بدقة تصل إلى مرتبة الإعجاز , فهو يفصل مراحله الأساسية الثلاث في البدن.. قبل ألف عام وذلك دون توفر أي معدات تصوير أو أشعة دون خلاف بين ما ذكره وبين معلومات اليوم, ويوصي بعلاجه باستخدام التربنتين والعفص والجوز لانها بالفعل مضادة للسل وقد كانت مستخدمة لفترة قريبة. فكان أول من قال بالعدوى وانتقال الأمراض المعدية عن طريق الماء والتراب، ومنها عدوى السل الرئوي ، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء والجو، وقال: إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدا لا تُرى بالعين المجردة، وهي التي تسبب بعض الأمراض، وهو ما أكده "فان ليوتهوك" في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخرون من بعده،بعد اختراع المجهر.
وأوَّل من وصف التهاب السحايا، وأظهر الفرق بين التهاب الحجاب الفاصل بين الرئتين والتهاب ذات الجنب. وأول من وصف مرض الفيلاريا "داء الفيل" وانتشاره وطرق علاجه. واكتشف الدودة المستديرة أو دودة الإنكلستوما قبل الطبيب الإيطالي روبنتي بأكثر من ثمانمائة سنة. واكتشف الفرق بين إصابة اليرقان الناتج من انحلال كريات الدم، وإصابة اليرقان الناتج من انسداد القنوات الصفراوية. وهو أوَّل من وصف مرض الجمرة الخبيثة وسماها النار المقدسة. كما كان أول من شخص مرض التهاب العصب الخامس، وفرق بين أنواع شلل الوجه المختلفة. وأوَّل من تحدَّث وبشكل دقيق عن السكتة الدماغية، أو ما يسمى بالموت الفجائي الناتجة عن كثرة الدم، مخالفا بذلك ما استقر عليه أساطين الطب اليوناني القديم. وأكثر ما تتجلى عبقريته قدرته على التشخيص التفريقي للأمراض المتقاربة في أعراضها، فمثلاً يميّز بين التهاب الحجاب الحاجز وذات الجنب وذات الرئة والتهاب السحايا، وما بين حصى المثانة وحصى الكلية ويفصّل بين المغص (الكولنج ) المعوي والمراري والكلوي، أو ما بين الشلل النصفي واللقوة والشلل التالي لسبب محيطي أو بسبب مركزي في الدماغ، وكذلك ما بين السكتة الدماغية واحتقان الدماغ وما بين الصرع ونوبات الهستيريا وشرح لألم العصب مثلث التوائم .
وقد اتبع ابن سينا في فحص مرضاه وتشخيص المرض وتحديد العلاج الطريقة الحديثة المتبعة الآن، وذلك عن طريق جس النبض والقرع بإصبعه فوق جسم المريض، وهي الطريقة المتبعة حاليًا في تشخيص الأمراض الباطنية، والتي نسبت إلى "ليوبولد أينبرجر" في القرن الثامن عشر، وكذلك من خلال الاستدلال بالبول والبراز. اهتم ابن سينا كثيراً بفحص البول ويؤكد على "قوامه، رائحته، صفاته، كدرته، زبده، رواسبه، مقداره"، كذلك إلى لون البراز وقوامه ورائحته ولونه. وهو يرى أن للنبض توازناً موسيقيًا فيقول"وإن للنبض حركة موسيقارية", وقد كان ماهراً في تشخيص المرض من النبض وتشخيص نوع النبض....وقصة ابن أخت قابوس ومعالجة مرضه على يد ابن سينا معروفة .
ووصف في كتابه " القانون في الطب" تشريح أعضاء الإنسان وصفاً صحيحاً جداً فذكر أقسام العضلات والعظام واحداً واحدًا وإن لم يكن تشريح الإنسان ميسوراً في ذلك العهد , إلا أنه من المظنون أن تشريح القرد كان معمولا به. وأكثر ما يثير قارئ القانون المنهجية التي اعتمدها ابن سينا في كتابه، فنراه يبدأ بتشريح العضو، يذكر العضلات والعظام كلها واحداً واحداً تماماً كما هي معروفة اليوم، ثمّ يتكلم عن وظيفة العضو وكيفية وقايته من الأمراض وأخيراً يذكر الأمراض التي تصيبه فيتحدث عن أسبابها وطرق الاستدلال عليها وكيفية علاجها. في علم التشريح لم يترك عضواً إلا وتكلم عنه حتى عن تشريح الأسنان والشرايين والأوردة ، وفي كلامه عن الأعصاب والعضلات يتناول أعصاب الوجه والجبهة والمقلة والجفن واللسان والشفة فضلاً عن أعصاب النخاع الشوكي والصدر . كما يعتبر ابن سينا أول من اكتشف ووصف عضلات العين الداخلية، وهو أول من قال بأن مركز البصر ليس في الجسم البلوري كما كان يعتقد من قبل، وإنما هو في العصب البصري. يمكن الإطلاع على نص الكتاب هنا (http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=228&CID=1)!
ومن بين إنجازات ابن سينا وإبداعاته العلمية، اكتشافه لبعض العقاقير المنشّطة لحركة القلب. واكتشافه لأنواع من المرقدات أو المخدّرات التي يجب أن تعطى للمرضى قبل إجراء العمليّات الجراحية لهم تخفيفاً لما يعانونه من ألم أثناء الجراحات وبعدها. وابن سينا هو الذي اكتشف الزرقة التي تعطى للمرضى تحت الجلد لدفع الدواء منها إلى أجسام المرضى. كذلك وصف ابن سينا الالتهابات والاضطرابات الجلدية بشكل دقيق في كتابه الطبي الضخم "القانون"، وفي هذا الكتاب وصف ابن سينا الأمراض الجنسية وأحسن بحثها ، كما علَّل الميول الشاذة عند بعض الأشخاص، وتكلَّم عن الخنثى وأوصى فيها بقطع العضو الضعيف الخفي. كما كان له باع كبير في مجال الأمراض التناسلية، فوصف بدقة بعض أمراض النساء، مثل: الانسداد المهبلي والأسقاط، والأورام الليفية. وقد شخَّص حمّى النفاس التي تصيب النساء ، وتحدث عن الأمراض التي يمكن أن تصيب النفساء، مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يسببه من أورام وحميات حادة، وأشار إلى أن تعفن الرحم قد ينشأ من عسر الولادة أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفا من قبل، وتعرض أيضا للذكورة والأنوثة في الجنين وعزاها إلى الرجل دون المرأة. برع بدراسة أحوال العقم وتحدث عن أسبابه العضوية منها والنفسية وذكر أن إحدى مسبباته عدم التوافق النفسي والجنسي بين الزوجين. وقد أدرك أهمية الرضاعة الطبيعية للمولود والأم ، ووضع قائمة لأحسن الطرق للرضاعة ، وذلك من خلال كتابه عن تدبير الحبالى والصبيان. وهو الأمر الذي أكده مؤخرًا العلم الحديث.
وعالج ابن سينا داء الصرع وبعض الأمراض العصبية والعقلية بما يشبه العلاج بالصدمات الكهربائية قبل ألف عام ، وذلك بواسطة نوع من السمك يعرف بالرعاد، حيث يوضع في الماء شريطان من المعدن، ويمسك بهما المريض، فيحدث هذا النوع من السمك أثناء حركته الفجائية نوع من الموجات تؤدي إلى رعشة تصيب المريض مما يجعله لا يقوى على مسك الشريطين مدة طويلة، فيلقي بهما أرضاً ومن خلال عدد من الجلسات يحدث لديه الشفاء.
كشف وبدقة متناهية السرطان ووصفه بأنه الورم الذي ينتقل من عضو إلى عضو، وحدد السبيل لعلاجه يكون بالجراحة المبكرة في أطوار الورم الأولى، وأوصى بأن الاستئصال يجب أن يكون واسعاً وعميقاً وكبيراً، وأن يعقِّم الطبيب حواف المنطقة الباقية بعد الاستئصال بالكي، ويقول: مع هذا فإن الشفاء منه ليس أكيداً.
ويظهر ابن سينا براعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة وكان جراحًا بارعًا ، فقد ذكر عدة طرق لإيقاف النزيف، سواء بالربط أو إدخال الفتائل أو بالكي بالنار أو بدواء كاو، أو بضغط اللحم فوق العرق. وتحدث عن كيفية التعامل مع السهام واستخراجها من الجروح، ويُحذر المعالجين من إصابة الشرايين أو الأعصاب عند إخراج السهام من الجروح، وينبه إلى ضرورة أن يكون المعالج على معرفة تامة بالتشريح. وقام بعمليات جراحية ودقيقة للغاية مثل استئصال الأورام السرطانية في مراحلها الأولى وشق الحنجرة والقصبة الهوائية، واستئصال الخراج من الغشاء البلوري بالرئة، وعالج البواسير بطريقة الربط، ووصف بدقة حالات النواسير البولية كما توصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الناسور الشرجي لا تزال تستخدم حتى الآن، وتعرض لحصاة الكلى وشرح كيفية استخراجها والمحاذير التي يجب مراعاتها، كما ذكر حالات استعمال القسطرة، وكذلك الحالات التي يحذر استعمالها فيها. وابتكر ما يشبه كيس الثلج واستخدمه فى حالة الحميات فأنقذ بذلك الملايين من المرضى بارتفاع الحرارة.
وفي طب الأسنان كان ابن سينا واضحًا دقيقًا في تحديده الغاية والهدف من مداواة نخور الأسنان حين قال: "الغرض من علاج التآكل منع الزيادة على ما تآكل؛ وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه وتحليل المادة المؤدية إلى ذلك". فكان علاجه بقوله: "كثيرًا ما يحتاج إلى ثقب السن بمثقب دقيق؛ ليُنَفِّس عنه المادة المؤذية، وتجد الأدوية نفوذًا إلى قعره". وفي موضع آخر يشرح ابن سينا هذه الطريقة فيقول: "تؤخذ مِسلة تُحمى وتُغْمَس في ذلك، وتنفذ في تجويف أنبوب متهندم على السن الوجعة حتى تبلغ السن وتكويها، وقد جُعِلَ على ما حواليها شمع أو عجين أو شيء آخر يحول بين السن وما حواليها من الأسنان والعمور، وقد يُقطر أيضًا في الأنبوب الدهن المغلي". ويستخدم ابن سينا بعد ذلك مادة الكافور مادة حاشية، ويصفها بقوله: "وقد جُرِّب الكافور في الحشو فكان نافعًا ويمنع زيادة التآكل ويسكن الألم". ولا يفوته أن يوصي عند استخدام المادة الحاشية، فيقول: "يجب أن يرفق ولا يحشى بعنف وشدة فيزيد في الوجع".
كما اعتبر أنَّ الرياضة إحدى الأركان الهامة لسلامة الصحة، ومن الغريب فعلاً أن نجد شرحاً لمختلف أنواع الرياضات التي تناسب الإنسان في كافة مراحل حياته مع تأكيد على الأثر الجيد الذي تتركه الرياضة في الوضع النفسي وفي الحياة الروحية، وكان يحضُّ دائماً على الالتزام بقواعد حفظ الصحة والوقاية ويفضلها على العلاج الدوائي، وإذا أمكن تدبير بعض الحالات بواسطة الأغذية فلا داعي للجوء إلى الأدوية، ويوصي بشرب مياه الينابيع لأنها الأفضل للصحة.
وكان لابن سينا معرفة جيدة بالأدوية وفعاليتها، وقد صنف الأدوية في ست مجموعات، وكانت الأدوية المفردة والمركبة (الأقرباذين) التي ذكرها في مصنفاته وبخاصة كتاب القانون لها أثر عظيم وقيمة علمية كبيرة بين علماء الطب والصيدلة، وبلغ عدد الأدوية التي وصفها في كتابه نحو 760 عقَّارًا رتبها ألفبائيًا ، ولا تزال معظم هذه الأدوية تحتفظ باسمها العربي حتى الآن، منها: المسك، العنبر، الكافور، الصندل، الزعفران، الحشيش. ومن المدهش حقا أنه كان يمارس ما يعرف بالطب التجريبي ويطبقه على مرضاه، فقد كان يجرب أي دواء جديد يتعرف عليه على الحيوان أولا، ثم يعطيه للإنسان بعد أن تثبت له صلاحيته ودقته على الشفاء. كما تحدث عن تلوث البيئة وأثره على صحة الإنسان فقال: "فما دام الهواء ملائما ونقيا وليس به أخلاط من المواد الأخرى بما يتعارض مع مزاج التنفس، فإن الصحة تأتي".
كتاب القانون في الطب:
http://ddc.aub.edu.lb/projects/saab/avicenna/640/graphics/F_003.jpg
كان كتابه "القانون" في الطب موسوعة طبية تحتوي على ما ذكره الأطباء اليونان الأقدمون بالإضافة إلى ما ساهم به العرب في هذا المجال ، والذي تكون من 14 مجلدا يعد من أعظم الكتب في التاريخ قسمت فيه الأمراض لأول مرة في تاريخ الطب إلى أمراض رأسية وصدرية وباطنية وعصبية ونسائية وتناسلية وشرح فيه كل قسم شرحا دقيقًا.. ويتحدث فيه عن كل مرض مبينًا نشأته وأسبابه وأعراضه وطرق علاجه. ولم يقف الكتاب الموسوعة على وصف الأمراض وطرق علاجها فقط بل اشتمل على أسماء سبعمائة وستين من العقاقير والأدوية ، وذكر مواطن الجراحات وكذلك أدوات الجراحة. وتم كل ذلك بنظام عجيب جعل كل من يدرس الطب يحتاج إليه كمرجع أول للطب في الدنيا.. فجمع بذلك ابن سينا علم الطب بعدما كان مشتتًا. ويمكن الإطلاع على نص الكتاب هنا (http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=227&CID=1)!
ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر على يد ". "جيرارد أوف كريمونا" ، وأعيد طبع الترجمة ست عشرة مرة في أواخر القرن الخامس وعشرين مرة في القرن السادس عشر حتى بلغت طبعاته في أوربا وحدها أكثر من 40 طبعة كان أفضلها في أوائل القرن السادس عشر من قبل "أندريا ألباجو". بعد أن قضى ثلاثين سنة في الشرق، وزاد على من سبقوه بأن وضع قاموسًا للمصطلحات التي كان يستعملها ابن سينا ، ونشرت هذه الترجمة في عام 1527م. ثم أدخلت تحسينات كبيرة على القانون، ولكن ترجمة "جان بول مونجيوس" ظلت هي الترجمة الوحيدة التي كان يعتمد عليها أساتذة وطلاب الطب في العالم وكانت آخر ترجمة في غضون القرن الثامن عشر التي قام بها الأستاذ "بلمبيوس" وأضاف إلى الترجمة تعليقات وشروح.. وظل يدرس في معاهد الطب الأوربية حتى القرن السابع عشر. حتى قال عنه السيد (وليم أوسلر): "إنه كان الإنجيل الطبي لأطول فترة من الزمن". لم يشتهر كتاب القانون بالطب فقط بل اشتهر ككتاب فلسفي أيضا ، ويقوم على تجارب بعض الأطباء اليونانيين خلال عصور الإمبراطورية الرومانية، وبعض الأعمال العربية ، ومن المعروف أنه درس في جامعات مونبليه ولوفان عام 650 م وفي فرنسا. وكان ثاني كتاب في تاريخ الطباعة يطبع باللغة العربية عام 1593 م.
http://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/Latin%20Canon.jpg
يشتمل كتاب القانون على خمسة كتب:
الكتاب الأول:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a531b.jpgمخصص للعلوم الكليَّة من علم الطب، ويبحث في وظائف الأعضاء وعلم تصنيف الأمراض وعلم الأمراض والأمزجة والأخلاط وأسباب الأمراض بصفة عامة من جهة النبض والهضم وتدبير الصحة ومبادئ المعالجات.
الكتاب الثاني:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a5386b.jpgخاص بالأدوية المفردة، وهو قسمان الأول درس دقيق في ماهيَّة الدواء: صفاته، مفعوله، طريقة حفظه، مع بيانات تشرح أثر كل دواء في كل عضو، والقسم الثاني يحتوي على المفردات الطبية نفسها مرتبة ترتيباً أبجدياً.
ويشتمل وصف العقار على النقاط التالية:-
ا- التعرف على العقار.
2- الجزء المستعمل.
3- الخصائص المزاجية.
4- تأثير العقار على كل جهاز من أجهزة الجسم وعلى أمراض معينة.
5- تأثيراته لنوعية
6- هل العقار ترياق؟
7- العلاج البديل
8- المواد المساعدة لتأثيره.
الكتاب الثالث:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a53157b.jpgيهتم بالأمراض الموضعية لكل عضو بشكل منفصل، ومصنفة من شعر الرأس حتى أخمص القدم .
الكتاب الرابع:
http://www.nlm.nih.gov/hmd/arabic/images/a53368b.jpgيدرس الأمراض التي تصيب الجسم عامة ولا تختص بعضو واحد مثل: الحميات، السموم، القروح، الأورام، الجذام، الكسور، وخصص باباً فيه للزينة.
الكتاب الخامس:
http://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/The_Canon_of_Medicine_by_ibn_Sina.jpghttp://www.muslimphilosophy.com/sina/gal/The_Canon_of_Medicine_by_ibn_Sina2.jpg وضع فيه ابن سينا من القانون الأدوية المركبة أو "الأقرباذين"، وشرح فيه كيفية تركيبها وكيف يمكن للصيدلي أن يصنعها، وحدَّد فيه خمسة مقاييس غير التأثيرات العلاجية يجب أن تؤخذ بالحسبان أثناء تصنيع الدواء، وهي: سرعة استحالته وبطؤها، سرعة جموده وبطؤها، طعم الدواء، رائحته، لونه.
متبوع..