المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجيه!



dream catcher
26-09-2007, 01:52 PM
سبقت ان شاركت بهذه القصة في المسابقة الادبية..
لكن احببت ان اطرحها هنا.

وجيه

ليلة اخرى هادئة...مراقبة اكوام المتسكعين هي تسليتي الوحيدةفي مثل هذه الليالي...مجموعات من الشباب تعاني من الفراغ القاتل..
تراهم هنا..
تراهم هناك..
هم امامك اينما نظرت..حين تسال احدهم عما يفعلونه يرد عليك بسرعة وكانه كان ينتظر السؤال: نحن فقط نضيع الوقت!! اصبحت هذه العبارة تتردد كثيرا هذه الايام..
وهي ترعبني حقاً..
"نضيع الوقت" يقولونها كأنه لا يوجد ما يشغلهم في هذه الدنيا..


لا يزالون شباباً..على حد اعتبارهم..
اضاعة الوقت هي واجبهم المقدس في الحياة..ياللغرور!!
(الغرور)..مشكلة عانينا منها جميعاً...
حين كان احدنا يؤمن تماماً بأنه الأفضل في كل شيء...
وان الاخرين مجرد مجموعة من المدعين غايتهم هي افساد متعتنا وتنغيص
حياتنا...
كان احدنا يحاول ان يقنع نفسه بان في العمر متسع.. كأننا سنعيش الى الأبد..
رغم يقيننا التام ان نهايتنا التراب..نعلم ذلك جيداً لكننا نتجاهله...
ننفي الحقيقة الى اعماق وعينا و نغطيها بطبقات وطبقات من الملهيات.


كانو هادئين اليوم على غير العادة...
مجموعةٌ منهم تقترب..في يد كل منهم هاتفه المحمول..بعضهم يمسك "الباكيت" المسموم..
اشكالهم متطابقة كأنما تنظر في مراّة..اثار ما يسمونه "الموضة"..
ينظرون اليك بتلك النظرة الخاوية..كأنهم لا يرونك..
لامبالاة فظيعة تشعرك انك واجهة زجاجية اخرى..تباً لها من حياة!!
كنت ممتلأً بالأحلام مثلهم في يوم من الأيام..اربعة لا تزال الحياة تخبئ لهم الكثير..لا بد ان لكل منهم خططاً مرسومة واحلاماً لا تنام...
من قبل الأهل طبعاً!! لا بد ان هذا سيصبح عالم ذرة يوماً ما..ذاك طبيب والاخر ر....!!
هذا الوجه!!
هذا الوجه!!
العيون الزرقاء بلون السماء..الشعر الأشقر...تلك الشامة على شفته العليا...
الملامح الغربية الصارخة!!!
رحماك يارب...

***


لا مجال للخطأ.انا لم انس تلك الملامح يوماً...ولن افعل طالما انا حيٌ ارزق...
أهز رأسي بأقوى ما أستطيع لأتأكد من أنني لا أهذي وأن هذا ليس كابوساً اّخر!!


لم يكن الأمر مجرد شائعات اذاً!! فقد نجا حقاً!!
و لكن ما ادراني انه هو؟! قد يكون مجرد شبيه!!
كل شيء يقول بأنه هو...كل ذرة في جسدي تصرخ بذلك!!
كما فعلت في تلك الليلة المشؤومة, تخبرني ان الأمر لن ينتهي على خير.

***


عبدالرحمن..عرفت ان ذلك كان اسمه..كما كان يقال له وجيه..
كان عربياً مسلماً على الرغم من ان ملامحه كان تصرخ عكس ذلك..ولد لأم غربية واب عربي..
رغم كل ما حدث تلك الليلة هاهو..ينظر الي بعيون زجاجية لا تحمل اي تعبير..
بالنسبة له..انا غير موجود..
مجرد بائع اخر في افضل الأحوال...
رباه!! كيف لو عرف؟؟!!
التقت العيون في لحظة مجنونة تحطم فيها حاجز الزمن لتعود بي الذاكرة الى ليلة رقص فيها الشيطان طرباً.

***

غريبٌ كف ان الماضي ينهض من مقبرة الأيام فجأةً..ينفض عنه غبار الذكريات..
يجثم على واقعك كغول ينهش قلبك...ينسف الأكاذيب..يقتلع حاضراً زائفاً من جذوره...
رباه!! لم اعد ذلك الشخص لكن..هل هناك من يهتم حقاً؟؟!
بركان يغلي في اعماقي..رغبة ملحة تستبد بي لأناديه..
"وجيه"...
لوهلة بد كأنه لم يسمع..وبدأت اندم على ما أقدمت عليه..
"هل اعرفك يا سيد؟؟!"
اخترق السؤال اذني كطلقة غادرة..
انه هو!!
بالحق هو!! رحماك يارب!!


لم اعد اسمع شيئاً...صمت مطلق احاط بي..مادت الأرض من تحت قدمي..
لم يعد قلبي كما كان..ليس منذ تلك الليلة..
"هل اعرفك يا سيد؟؟!" السؤال يدوي في اعماقي كألف ألف مدفع..
يزلزل كياني..
يعيدني الى اسوأ ساعات حياتي.

"هل انت بخير يا رجل؟" الصوت يمزق السكون كالرعد في جوف الليل..
لم تعد قدماي تقدران على حملي..
تتهاوى السنين مع سقطتي في سباق محموم ليعود شريط الذاكرة الى ظلمة ليلتنا الكئيبة..
اذكر كل شيء كأنما كان بالأمس!! خروجنا من وكر الدمار ذاك مترنحين..
غنائنا المنكر يدوي في سكون الليل..خطواتنا المتعثرة..ركوبنا في السيارة..
صوت المحرك وهو يعمل..اكاد اسمع ذلك الان..مزاحنا الفج..
كنا نعلم اننا سننتهي في احدى الحفر على جانب الطريق ونحن على حالتنا هذه...
لكن من قال ان السكارى يتمتعون بحس المنطق؟؟!



اذكر انطلاقتنا بسرعة كبيرة في الطريق الخالي و المظلم..
قائدنا لا يرى ابعد من ارنبة انفه لكن ..من يهتم؟ بعد ذلك يبدو كل شيء سريالياً..
السيارة الواقفة على جانب الطريق..الرجل الذي يفعل شيئاً ما عند المؤخرة..
صراخ احدنا على السائق ان يبصر امامه..التحام الحديد بالحديد..الدماء..الألم الحاد في صدري..
صوت امرأة تصيح..صبيٌ يبكي..صوت الغناء المنبعث من سيارتنا المحطمة يجعل كل شيء يبدو و كأنه جزء من فيلم لا علاقة له بالواقع..
خرجت من السيارة وانا احس بأن كل جسدي قد تحطم..نظرت الى المشهد الدامي..
الرجل العالق بين العربتين..المرأة بداخل العربة الواقفة ورأسها ينزف..
الصبي الذي يبكي بالقرب منها و يصيح بأشياء لم استوعبها..
ذهابي اليه..محاولتي لحمله..مقاومته..صياحه..
كل ذلك بدا لي غير حقيقي ابداً..
لم استوعب اننا تسببنا بهذه المجزرة باستهتارنا..عدت الى السيارة لأرى ما قد حلَ بالرفاق..
ياللهول!!
تباًً للخمر..تباً لعلب الليل..هل كنت سأنتهي مثلهم؟!
سيطر علي الفزع من ذلك الخاطر الأخير...
رحماك يارب!
عدت الى الصبي لأحمله..كنت ارى ان سيارتنا قد بدأت في الاشتعال..حاولت ان احمله..
لم يتزحزح من مكانه..
استغربت من وزن هذا الفتى قبل ان افطن الى انه محشور بين المقاعد..
قرقعة النيران تتعالى..نظرت الى وجهه..
العيون الزرقاء..
الشعر الأ شقر..
الملامح الغربية الصارخة!!


تباً!! عليَ ان ارحل..
كان لدي احساس انه اذا وصل احدهم فسيحملونني المسؤولية بالكامل...
افزعني ذلك حقاً..هل نجوت لأقضي بقية حياتي في السجن؟!!
اطلقت ساقي للريح مبتعداً عن المكان..
تتناهى الى مسامعي قرقعة النيران وصياح الصبي...
فليرحمني الله!

***


عدت الى الحاضر لأحدق في ذلك الشاب الممتلئ حيوية وقوة..
شعرت بالحياة تنساب مني..
يجب ان اقول شيئاً:
انا اّسف!
خرج الكلام من فمي كهمهمة غير مفهومة..
لم تعد لدي القوة على لأقول شيئاً اخر..الظلام يغمر كل شيء..
ياالهي..
نظرة اخيرة..
العيون الزرقاء..
الشعر الأشقر..
الشامة على شفته العليا...
الملامح الغربية الصارخة!!
.
.
.
الشامة عل شفته العليا؟؟!
سحقاً!!