المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب لاتحزن لشيخ عائض القرتي (كتاب مفيد جدا ببلااش)الدعاء ياخوان لشيخ ولنا



yahy6000
14-12-2001, 12:45 PM
كتاب "لاتحزن"للشيخ عائض بن عبدالله القرني في حلقات

المقدمة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسذول الله ، وآله وصحبه ، وبعد فهذا كتاب ( لا تحزن ) ، عسى أن تسعد بقراءته والاستفادة منه ، ولك قبل أن تقرأ هذا الكتاب أن تحاكمه إلى المنطق السليم والعقل الصحيح ، وفوق هذا وذاك النقل المعصوم .

إن من الحيف الحكم المسبق على الشيء قبل تصوره وذوقه وشمه ، وإن من ظلم المعرفة إصدار فتوى مسبقة ، قبل الاطلاع والتأمل ، وسماع الدعوى ، ورؤية الحجة وقراءة البرهان .

كتبت هذا الحديث لمن عاش ضائقة أو ألم به هم أو حزن ، أو طاف به طائف من مصيبة ، او أقض مضجعه أرقٌ ، وشرد نومه قلقٌ وأيُّنا يخلو من ذلك ؟!

هنا آيات وأبيات ، وصور وعبر ، وفوائد وشوارد ، وأمثال وقصص ، سكبتُ فيها عصارة ما وصل إليه اللامعون ، من دواء للقلب المفجوع ، والروح المنهكة ، والنفس الحزينة البائسة .

هذا الكتاب يقول : ابشر واسعد ، وتفاءل واهدأ بل يقول : عش الحياة كما هي ، طيبة رضية بهيجة .

هذا الكتاب يصحح لك أخطاء مخالفة الفطرة ، في التعامل مع السنن والناس ، والأشياء والزمان والمكان .

إنه ينهاك نهياً جازماً عن الإصرار على مصادمة الحياة ومعاكسة القضاء ، ومخاصمة المنهج ورفض الدليل بل يناديك من مكان قريب من أقطار نفسك ، ومن أطراف روحك أن تطمئن لحسن مصيرك ، وتثق بمعطياتك وتستثمر مواهبك ، وتنسى منغصات العيش وغصص العمر وأتعاب المسيرة .

وأريد التنبيه على مسائل هامة في أوله :

الأولى : أن المقصد من الكتاب جلب السعادة والهدوء والسكينة وانشرح الصدر ، وفتح باب الأمل والتفاؤل والفرج والمستقبل الزاهر .

وهو تذكير برحمة الله وغفرانه ، والتوكل عليه وحسن الظن به ، والإيمان بالقضاء والقدر ، والعيش في حدود اليوم ، وترك القلق على المستقبل ، وتذكر نعم الله تعالى .

الثانية : وهو محاولة لطرد الهم والغم ، والحزن والأسى ،والقلق والاضطراب ، وضيق الصدر والانهيار واليأس ، والقنوط والإحباط

الثالثة : جمعت فيه ما يدور في فلك الموضوع من التنزيل ، ومن كلام المعصوم ، ومن الأمثلة الشاردة والقصص المعبرة ، والأبيات المؤثرة ، وما قاله الحكماء والأطباء والأدباء وفيه قبس من التجارب الماثلة والبراهين الساطعة ، والكلمة الجادة ، وليس وعظاً مجرداً ولا ترفاً فكرياً ولا طرحاً سياسياً بل هو دعوة ملحة من أجل سعادتك .

الرابعة : هذا الكتاب للمسلم وغيره، فراعيت فيه المشاعر ومنافذ النفس الإنسانية ، آخذاً في الاعتبار المنهج الرباني الصحيح ، وهو دين الفطرة .

الخامسة : سوف تجد في الكتاب نقولات عن شرقيين وغربيين ، ولعله لا تثريب علي في ذلك ، فالحكمة ضالة المؤمن ، أني وجدها فهو أحق بها .

السادسة : لم أجعل للكتاب حواشي ، تخفيفاً للقارىء وتسهيلاً له ، لتكون قراءته مستمرة وفكره متصلاً وجعلت المرجع مع النقل في أصل الكتاب .

السابعة : لم أنقل رقم الصفحة ولا الجزء ، مقتدياً بمن سبق في ذلك ، ورأيته أنفع وأسهل ، فحيناً أنقل بتصرف وحيناً بالنص ، أو بما فهمته من الكتاب أو المقالة .

الثامنة : لم أرتب هذا الكتاب على الأبواب ولا على الفصول ، وإنما نوعت فيه الطرح ، فربما أداخل بين الفقرات ، وأنتقل من حديث إلى آخر وأعود للحديث بعد صفحات ، ليكون أمتع للقارىء وألذ له وأطرف لنظره .

التاسعة : لم أطل بأرقام الآيات أو تخريج الأحاديث ، فإن كان الحديث فيه ضعف بينته ،وإن كان صحيحاً أو حسناً ذكرت ذلك أو سكت وهذا كله طلباً للاختصار ، وبعداً عن التكرار والإكثار والإملال ،" والمتشبع بما م يعط كلابس ثوبي زور "

العاشرة : ربما يلحظ القارىء تكراراً لبعض المعاني في قوالب شتى وأساليب متنوعة ، وأنا قصدت ذلك وتعمدت هذا الصنيع لتثبت الفكرة بأكثر من طرح ، وترسخ المعلومة بغزارة النقل ، ومن يتدبر القرآن يجد ذلك .

تلك عشرة كاملة ، أقدمها لمن أراد أن يقرأ هذا الكتاب ، وعسى أن يحمل هذا الكتاب صدقاً في الخبر ، وعدلاً في الحكم ، وإنصافاً في القول ، ويقيناً في المعرفة ، وسداداً في الرأي ، ونوراً في البصيرة .

إنني أخاطب فيه الجميع وأتكلم فيه للكل ، ولم أقصد به طائفة خاصة أو جيلاً بعينه أو فئة متحيزة أو بلداً بذاته ، بل هو لكل من أراد أن يحيا حياة سعيدة .

ورصعت فيه الدر حتى تركته **** يضيء بلا شمس ويسري بلا قمر

فعيناه سحر والجبيـن مهنـد **** ولله در الرمش والجيد والحور



عائض بن عبدالله القرني
26/4/1415هـ

الحـــــــــلــــقـــة الأولـــى : يـــــــــــا الله
يا الله
) يسئله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن (29) ( إذا اضطراب البحر وهاج الموج وهبت الريح العاصف ، نادى أصحاب السفينة : يا الله .

إذا ضل الحادي في الصحراء ومال الركب عن الطريق وحارت القافلة في السير ، نادوا : يا الله .

إذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة ، نادى المصاب المنكوب : يا الله .

إذا أوصدت الأبواب أمام الطلاب ، وأسدلت الستور في وجوه السائلين ، صاحوا : يا الله .

إذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الآمال وتقطعت الحبال ، نادوا : يا الله

إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت ، فأهتف : يا الله

ولقد ذكرتك والخطوب كوالح **** سود ووجه الدهر أغبر قاتم

فهتفت في الأسحار باسمك صارخاً **** فإذا محيا كل فجر باسم

إليه يصعد الكلم الطيب ، والدعاء الخالص ، والهاتف الصادق ، والدمع البريء ، والفتجع الواله .

إليه تمد الأكف في الأسحار ، والأيادي في الحاجات ، والأعين في الملمات ، والأسئلة في الحوادث .

باسمه تشدو الألسن وتستغيث وتلهج وتنادي ، وبذكره تطمئن القلوب وتسكن الأرواح ن وتهدأ المشاهر وتبرد الأعصاب ، ويثوب الرشد ، ويستقر اليقين ن { الله لطيف بعباده }

الله :

أحسن الأسماء وأجمل الحروف ، وأصدق العبارات وأثمن الكلمات ، { هل تعلم له سمياً (65) } ؟!

الله :

فإذا الغنى والبقاء ، والقوة والنصرة ، والعز والقدرة والحكمة ، { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (16) } .

الله :

فإذا اللطف والعناية ، والغوث والمدد ، والود والإحسان ، { وما بكم من نعمة فمن الله } .

الله :

الجلال والعظمة ، والهيبة والجبروت .

مهما رسمنا في جلالك أحرفاً **** قدسية تشدو بها الأرواح

فلأنت أعظم و المعاني كلها **** يا رب عند جلالكم تنداح

اللهم فأجعل مكان اللوعة سلوة ، وجزاء الحزن سروراً ، وعند الخوف أمناً .

اللهم أبرد لاعج القلب بثلج اليقين ، وأطفىء جمر الأرواح بماء الإيمان .

يا رب ، ألق على العيون الساهرة نعاساً أمنة منك ، وعلى النفوس المضطربة سكينة ، وأثبها فتحاً قريباً .

يا رب أهد حيارى البصائر إلى نورك ، وضلال المناهج إلى صراطك ، والزائغين عن السبيل إلى هداك .

اللهم أزل الوساوس بفجر صادق من النور ، وأزهق باطل الضمائر بفيلق من الحق ، ورد كيد الشيطان بمدد من جنود عونك مسومين .

الهم أذهب عنا الحزن ، وأزل عنا الهم ، واطرد من نفوسنا القلق .

نعوذ بك من الخوف إلا منك ، والركون إلا إليك ، والتوكل إلا عليك ، والسؤال إلا منك ، والاستعانة إلا بك ، أنت ولينا ، نعم المولى ونعم المصير .



الحلقة الثانية ما مضى فات

تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره ، والحزن لمآسيه حمقٌ وجنون ، وقتلٌ للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة إن ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى ، يغلق عليه أبداً في زنزانة النسيان ، يقيد بحبال قوية في سجن الإهمال فلا يخرج أبداً ، ويوصد عليه فلا يرى النور ، لأنه مضى وانتهى ، لا الحزن يعيده ، لا الهم يصلحه ، لا الغم يصححه ، لا الكدر يحييه ، لأنه عدم ، لا تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت ، أنقذ نفسك من شبح الماضي ، أتريد أن ترد النهر إلى مصبه ، والشمس إلى مطلعها ، والطفل إلى بطن أمه ، واللبن إلى الثدي ، والدمعة إلى العين ، إن تفاعلك مع الماضي ، وقلقك منه واحتراقك بناره ن وانطراحك على أعتابه وضع مسأساوي رهيب مخيف مفزع

القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر ، وتمزيق للجهد ، ونسف للساعة الراهنة ، ذكر الله الأمم وما فعلت ثم )تلك أمة قد خلت ( انتهى الأمر وقضى ، ولا طائل من تشريح جثة الزمان ، وإعادة عجلة التاريخ .

إن الذي يعود للماضي ، كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلاً ن وكالذي ينشر نشارة الخشب . وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي : لا تخرج الأموات من قبورهم ، وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار لم لا تجتر ؟ قال : أكره الكذب .

إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا ، نهمل قصورنا الجميلة ، ونندب الأطلال البالية ، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا لأن هذا هو المحال بعينه .
إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف ، لأن الريح تتجه إلى الأمام والماء ينحدر إلى الأمام والقافلة تسير إلى الأمام ، فلا تخالف سنة الحياة .




من طلاب الشيخ الحبيب عائض القرني

الحلقة الثالثة

يومك يومك

إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، اليوم فحسب ستعيش ، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ، ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن اليوم الذي أظلتك شمسه ، وأدركك نهاره هو يومك فحسب ، عمرك يوم واحد ، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه ، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب ، لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدك وجلدك ، فلهذا اليوم لابد أن تقدم صلاة خاشعة وتلاوة بتدبر واطلاعاً بتأمل ، وذكراً بحضور ، واتزاناً في الأمور ، وحسناً في خلق ، ورضاً بالمقسوم ، واهتماماً بالمظهر ، واعتناءً بالجسم ، ونفعاً للآخرين .
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات ، ومن ثوانيه شهور ، تزرع فيه الخير ، تسدي فيه الجميل ، تستغفر فيه من الذنب ، تذكر فيه الرب ، تتهيأ للرحيل ، تعيش هذا اليوم فرحاً وسروراً ، وأمناً وسكينة ، ترضى فيه برزقك ، بزوجتك ، بأطفالك ، بوظيفتك ، ببيتك ، بعلمك ، بمستواك )فخذ ما ءاتيتك وكن من الشاكرين ( تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج ، ولا سخط ولا حقد ، ولا حسد .
إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة تجعلها أيضاً على مكتبك تقول العبارة : ( يومك يومك ) إذا أكلت خبزاً حاراً شهياً هذا اليوم فهل يضرك خبز الأمس الجاف الرديء ، أو خبز غد الغائب المنتظر .
إذا شربت ماءً عذباً زلالاً هذا اليوم ، فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الأجاج ، أو تهتم لماء غد الآسن الحار .
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة لأخضعتها لنظرية : لن أعيش إلا هذا اليوم حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك ، وتزكية عملك ، فتقول : لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هجراً أو فحشاً ، أو سباً ، أو غيبة ، لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي ، فلا ارتباك ولا بعثره ، وإنما نظام ورتابة ، لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي ، وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي ، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي .
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي ، وتأدية صلاتي على أكمل وجه ، والتزود بالنوافل ، وتعاهد مصحفي ، والنظر في كتبي ، وحفظ فائدة ، ومطالعة كتاب نافع .
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن .
لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الآخرين ، وأسدي الجميل إلى الغير ، أعود مريضاً ، أشيع جنازة ، أدل حيران ، أطعم جائعاً ، أفرج عن مكروب ، أقف مع مظلوم ، أشفع لضعيف ، أواسي منكوباً ، اكرم عالماً ، أرحم صغيراً ، أجل كبيراً .
لليوم فقط سأعيش فيه ماض ذهب وانتهى اغرب كشمسك ، فلن أبكي عليك ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة ، لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد الآبدين .
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام ، ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجل ميلاد مفقود ، لأن غداً لا شيء لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكوراً .
يومك يومك أيها الإنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها .




الحلقة الرابعة منة سلسلة كتاب [لا تحزن]
فكر واشكر

المعنى أن تذكر نعم الله عليك فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميـك (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ) صحة في بدن ، أمن في وطن ، غذاء وكساء ، وهواء وماء ، لديك الدنيا وأنت ما تشعر ، تملك الحياة وأنت لا تعلم (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) عندك عينان ، ولسان وشفتان ، ويدان ورجلان (فبأي ألاء ربكما تكذبان "13" ) هل هي مسئلة سهلة أن تمشي على قدميك ، وقد بترت أقدام ؟! وأن تعتمد على ساقيك ، وقد قطعت سوق ؟1 أحقير أن تنام ملء عينيك وقد طار الألم نوم الكثير ؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام ، ونغص عليه الشرب بأمراض وأسقام ؟! تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم ، وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى ، وانظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام ، والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول .
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهباً ؟! أتحب بيع سمعك وزن ثهلان فضة ؟! هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم ؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطه ؟! إنك في نعم عميقة وأفضال جسيمة ، ولكنك لا تدري ، تعيش مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً وعندك الخبز الدافىء ، والماء البارد ، والنوم الهانىء ، والعافية الوارقة ، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود ، تنزعج من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة ، وناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء ، فكر واشكر ، ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) فكر في نفسك ، وأهلك وبيتك ، وعملك ، وعافيتك ، وأصدقائك ، والدنيا من حولك
يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها



الحلقة الخامسة من سلسلة"لاتحزن"

اترك المستقبل حتى يأتي


(أتى أمر الله فلا تستعجلوه )فلا تستبق الأحداث ، أتريد إجهاض الحمل قبل تمامه ، وقطف الثمرة قبل النضج ، عن غداً مفقود لا حقيقة له ، ليس له وجود ، ولا طعم ، ولا لون ، فلماذا نشغل أنفسنا به ، ونتوجس من مصائبه ، ونهتم بحوادثه ، نتوقع كوارثه ، ولا ندري هل يحال بيننا وبينه ، أو نلقاه ، فإذا هو سرور وحبور ، المهم أنه في عالم الغيب لم يصل إلى الأرض بعد ، إن علينا أن لا نعبر جسراً حتى نأتيه ، ومن يدري ؟ لعلنا نقف قبل وصول الجسر ، أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا ، وربما وصلنا ومررنا عليه بسلام
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الإكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعاً ،لأنه طول أمل ومذموم عقلاً ، لأنه مصارعة للظل . إن كثيراً من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع العري والمرض والفقر والمصائب ، وهذا كله من مقررات مدارس الشيطان(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً )
كثير هم الذين يبكون ، لأنهم سوف يجوعون غداً ، وسوف يمرضون بعد سنة ، وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم ، والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له .
اترك غداً حتى يأتيك ، لا تسأل عن أخباره ، لا تنتظر زحوفه لأنك مشغول باليوم .

وإن تعجب فعجب هؤلاء يقترضون الهم نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ير النور ، فحذار من طول الأمل .

كيف تواجه النقد الآثم

الحلقة السادسة من سلسلة كتاب [لا تحزن]
كيف تواجه النقد الآثم

الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في علاه ، وشتموا الواحد الأحد لا إله إلا هو ، فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ ، إنك سوف تواجه في حياتك حرباَ ضروساً لا هوادة فيها من النقد الآثم المر ، ومن التحطيم المدروس المقصود ، ومن الإهانة المتعمدة ما دام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع ، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتفر من هؤلاء ، أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك ويبكي عينك ، ويدمي مقلتك ، ويقض مضجعك .
إن الجالس على الأرض لا يسقط ، والناس لا يرفسون كلباً ميتاً ، لكنهم يغضبون عليك لأنهك فقتهم صلاحاً ، أو علماً ، او أدباً ، او مالاً ، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم الله عليك ، وتنخلع من كل صفات الحمد ، وتنسلخ من كل معاني النبل ، وتبقى بليداً غبياً ، صفراً محطماً ، مكدوداً ، هذا ما يريدون بالضبط .
إذاً فاصمد لكلام هؤلاء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم " اثبت أحد " وكن كالصخرة الصامتة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء . إنك إذا أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك ، ألا فأصفح الصفح الجميل ، ألا فأعرض عنهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ، وبقدر وزنك يكون النقد الآثم المفتعل .
إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلاء ولن تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيع أن تدفن نقدهم وتجنيهم بتحافيك لهم ، وإهمالك لشأنهم ، وإطراحك لأقوالهم )قل موتوا بغيظكم ( بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك .
إن كنت تريد أن تكون مقبولاً عند الجميع ، محبوباً لدى الكل ، سليماً من العيوب عند العالم ، فقد طلبت مستحيلاً وأملت أملاً بعيداً .



الحلقة السابعة من كتاب لا تحزن

الحلقة السابعة من كتاب لاتحزن
لا تنتظر شكراً من أحد

خلق الله العباد ليذكروه ورزق الله الخليفة ليشكروه ، فعبد الكثير غيره ، وشكر الغالب سواه ، لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس ، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك ، وأحرقوا إحسنك ، ونسوا معروفك ، بل ربما ناصبوك العداء ، وأحرقوا إحسانك ، ونسوا عروفك ، بل ربما ناصبوك العداء ، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين ، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم )وما نقموا أن أغناهم الله ورسوله من فضله( .
وطالع سجل العالم المشهود ، فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه ، وأدبه ، وعلمه ، سهر لينام ، وجاع ليشبع ، وتعب ليرتاح ، فلما طر شارب هذا الإبن وقوى ساعده ، أصبح لوالده كالكلب العقور ، استخفافاً ، ازدراءً ، مقتاً ، عقوقاً صارخاً ، عذاباً وبيلاً .
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر ، ومحطمي الإرادات ، وليهنأوا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه .
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل ، وعدم الإحسان للغير ، وإنما يوطنك على انتظار الجحود والتنكير لهذا الجميل والإحسان ، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون .
اعمل الخير لوجه الله ، لأنك الفائز على كل حال ، ثم لا يضر غمط من غمطه ، ولا جحود من جحده ، واحمد الله لأنك المحسن ، وهو المسيء ، واليد العليا خير من اليد السفلى )إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً (
وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء ، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده )مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه( لا تفاجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك ، أو منحت جافياً عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه ، فشج بها رأسك ،
هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه ، فكيف بها معي ومعك .





الحلقة الثامنة من سلسلة كتاب "لاتحزن" الإحسان إلى الغير انشراح للصدر
الجميل كاسمه ، والمعروف كرسمه ، والخير كطعمه أول المستفدين من إسعاد الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد ، يجنون ثمرته عاجلاً في نفوسهم ، وأخلاقهم ، وضمائرهم ، فيجدون الانشراح والانبساط ، والهدوء والسكينة .
فإذا طاف بك طائف من هم أو ألم بك غم فامنح غيرك معروفاً واسد له جميلاً تجد الفرج والراحة . اعط محروماً ، انصر مظلوماً ، أنقذ مكروباً ، أطعم جائعاً ، عد مريضاً ، أعن منكوباً ، تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك .
إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه ، وعوائد الخير النفيسة عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذي عمرت قلوبهم بالبر والإحسان .
إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الأخلاق صدقة جارية في عالم القيم " ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " وإن عبوس الوجه إعلان حرب ضروس على الآخرين لا يعلم قيامها إلا علام الغيوب .
شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول الجنة عرضها السموات والأرض لأن صاحب الثواب غفور شكور جميل ، يحب الجميل ، غني حميد .
يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف وتشاغلوا بالغير ، عطاء وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعماً ولوناً وذوقاً[ وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ]


أطرد الفراغ بالعمل

الحلقة التاسعة من كتاب لا تحزن أطرد الفراغ بالعمل


الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات لأن اذهانهم موزعة )رضوا بأن يكونوا مع الخوالف(
إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمن وذات الشمال .
يوم تجد في حياتك فراغاً فتهيأ حينها للهم والغم والفزع ، لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريح ن ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلاً من هذا الاسترخاء القاتل لأنه وأد خفي، وانتحار بكبسول مسكن .
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة ، وفي فترات إنتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون .
الراحة غفلة ، والفراغ لص محترف ، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية .
إذاً قم الآن ، أو سبح ، أو طالع ، أو اكتب ، او رتب مكتبك ، أو أصلح بيتك ، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ وإني لك من الناصحين .
، أو سبح ، أو طالع ، أو اكتب ، او رتب مكتبك ، أو أصلح بيتك ، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ وإني لك من الناصحين .
، أو سبح ، أو طالع ، أو اكتب ، او رتب مكتبك ، أو أصلح بيتك ، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ وإني لك من الناصحين .
إذا قم الآن صلي او أقرأ ، أو سبح ، أو طالع ، أو اكتب ، او رتب مكتبك ، أو أصلح بيتك ، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ وإني لك من الناصحين .
اذبح الفراغ بسكين العمل ، ويضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة مقابل هذا الاجراء الطارىء فحسب ، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبناءين يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة وانت على فراشك تمسح دموعك وتضطرب لأنك ملدوغ .





الحلقة العاشرة من كتاب"لاتحزن"

لاتكن إمعة

لا تتقمص شخصية غيرك ولا تذب في الآخرين . إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم ، وكلامهم ، ومواهبهم ، وظروفهم ، لينصهروا في شخصيات الآخرين ، فإذا التكلف والصلف ، والاحتراق ، والإعدام للكيان وللذات .
من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق .
أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه .
أنت مختلف تماماً عن زيد وعمرو فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان .
انطلق على هيئتك وسجيتك )قد علم كل أناس مشربهم( )ولكل وجهه هو مولها فاستبقوا الخيرات ( عش كما خلقت لا تغير صوتك ، لا تبدل نبرتك ، لا تخالف مشيتك ، هذب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغي وجودك وتقتل استقلالك .
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ، لأنك خلقت هكذا وعرفناك هكذا " لا يكن أحدكم إمعة "
إن الناس في طبعائهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ، لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزاً ، إن إختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية من آيات الباري فلا تجحد آياته .




الحلقة العاشرة من كتاب"لاتحزن"

لاتكن إمعة

لا تتقمص شخصية غيرك ولا تذب في الآخرين . إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم ، وكلامهم ، ومواهبهم ، وظروفهم ، لينصهروا في شخصيات الآخرين ، فإذا التكلف والصلف ، والاحتراق ، والإعدام للكيان وللذات .
من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق .
أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه .
أنت مختلف تماماً عن زيد وعمرو فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان .
انطلق على هيئتك وسجيتك )قد علم كل أناس مشربهم( )ولكل وجهه هو مولها فاستبقوا الخيرات ( عش كما خلقت لا تغير صوتك ، لا تبدل نبرتك ، لا تخالف مشيتك ، هذب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغي وجودك وتقتل استقلالك .
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ، لأنك خلقت هكذا وعرفناك هكذا " لا يكن أحدكم إمعة "
إن الناس في طبعائهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ، لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزاً ، إن إختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية من آيات الباري فلا تجحد آياته .





الحلقة الحادية عشرة من كتاب لا تحزن.
قـــــــضـــــــاء و قـــــــــــــــــــــدر
قضاء وقدر
{ ما اصاب من مصيبة فى الارض ولا فى انفسكم الا فى كتاب من قبل ان نبراها } ، جف القلم ، رفعت الصحف ، قضي الأمر ، كتبت المقادير ، { لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا } ، ما أصابك لم يكن ليخطأك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقرت في ضميرك صارت البلية عطية ، والمحنة منحة ، وكل الوقائع جوائز وأوسمة ("ومن يرد الله به خيرأيصب منه )" فلا يصيبك قلق من مرض أو موت ابن ، أو خسارة مالية ، أو احتراق بيت ، فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل ، والاختيار هكذا ، والخيرة لله، والأجر حصل ، والذنب كفر.
هنيئأ لأهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الاخذ ، المعطي ، القابض ، الباسط ، { لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون }
ولن تهدأ أعصابك وتسكن بلابل نفسك ، وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر ، جف القلم بما أنت لاه فلا تذهب نفسك
حسرات ، لا تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار ، وحبس الماء أن ينسكب ، ومنع الريح أن تهب ، وحفظ الزجاج أن ينكسر ، هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك ، وسوف يقع المقدور ، وينفذ القضاء ، ويحل المتكوب { فعسى الله ان ياتى بالفتح او امر من عنده }
استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعويل ، اعترف بالقضاء قبل أن يدهمك سيل الندم ، اذا فليهدا بالك إذا فعلت الأسباب ، وبذلت الحيل ، ثم وقع ما كنت تحذر ، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ، ولا تقل"لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ").





الحلقة الثانية عشرة من كتاب لا تحزن
إن مـــع الـــــعــسر يـــســــــــــرا
يا إنسان بعد الجوع شبع ، وبعد الظمأ ري ، وبعد السهر نوم ، وبعد المرض عافية ، سوف يصل الغائب ، ويهتدي الضال ، ويفك العاني ، وينقشع الظلام )فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده (
بشر الليل بصبح صادق يطارده على روؤس الجبال ، ومسارب الأودية ، بشر المهموم بفرج مفاجىء يصل في سرعة الضوء ، ولمح البصر ، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة .
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد ، فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال .
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد ، فاعلم أنه سوف ينقطع مع الدمعة بسمة ، ومع الخوف أمن ، ومع الفزع سكينة ، النار لا تحرق إبراهيم التوحيد ، لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة )برداً وسلاماً (
البحر لا يغرق كليم الرحمن ، لأن الصوت القوي الصادق نطق بـ )كلا إن معي ربي سيهديني(
المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده معنا فنزل الأمن والفتح والسكينة .
إن عبيد ساعاتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة ، لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب . ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحجب وليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار
إذا فلا تضيق ذرعاً فمن المحال دوام الحال ، وأفضل العبادة إنتظار الفرج ، الأيام دول ، والدهر قلب ، والليالي حبالى ، والغيب مستور ، والحكيم كل يوم هو في شأن ، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً وغن مع العسر يسراً .







الحلقة الثالثة عشرة من كتاب لا تحزن
اصنع من الليمون شراباً حلواً

الذكي الأريب يحول الخسائر إلى أرباح ، والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين .
طرد الرسول r من مكة فأقام في المدينة ، دولة ملأت سمع التاريخ وبصره .
سجن أحمد بن حنبل وجلد ، فصار إمام السنة ، وحبس ابن تيمية فأخرج من حبسه علماً جماً ، ووضع السرخسي في قعر بئر معطلة فأخرج عشرين مجلداً في الفقه ، وأقعد ابن الأثير فصنف جامع الأصول والنهاية من أشهر وأنفع كتب الحديث ، ونفي ابن الجوزي من بغداد ، فجود القراءات السبع ، وأصابت حمى الموت مالك بن الريب فأرسل للعالمين قصيدته الرائعة الذائعة التي تعدل دواوين شعراء الدولة العباسية ، ومات أبناء أبي ذوئيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر ، وذهل منها الجمهور ، وصفق لها التاريخ .
إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها ، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فاضف إليه حفنة سكر ، وإذا أهدى لك ثعباناً فخذ جلده الثمين واترك باقيه ، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واقي ومناعة حصينة ضد سم الحيات .
تكيف في ظرفك القاسي ، لتخرج لنا منه زهراً وورداً وياسميناً )وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم(
سجنت فرنسا قبل ثورتها العارمة شاعرين مجيدين متفائلاً ومتشائماً فأخرجا رأسيهما من نافذة السجن فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك وأما المتشائم فنظر إلى الطين في الشارع المجاور فبكى انظر إلى الوجه الآخر للمأساة ، لأن الشر المحض ليس موجوداً بل هناك خير ومكسب وفتح وأجر .





الحلقة الرابعة عشرة من كتاب لاتحزن
)أمن يجيب المضطر إذا دعاه(

من الذي يفزع إليه المكروب ، ويستغيث به المنكوب ، وتصمد إليه الكائنات ، وتسأله المخلوقات ، وتلهج بذكره الألسن ، وتألهه القلوب إنه الله لا إله إلا هو .
وحق علي وعليك أن ندعوه ، ونتوسل إليه في الكربات ، وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيبين ، حينها يأتي مدده ، ويصل عونه ، ويسرع فرجه ، ويحل فتحه )أمن يجيب المضطر إذا دعاه( فينجي الغريق ، ويرد الغائب ، ويعافي المبتلي ، وينصر المظلوم ، ويهدى الضال ، ويشفي المريض ، ويفرج عن المكروب )فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين(
ولن أسرد عليك هنا أدعية إزاحة الهم والغم والحزن والكرب ، ولكن أحيلك إلى كتب السنة لتتعلم شريف الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه ن فإن وجدته وجدت كل شيء وإن فقدت الإيمان به فقدت كل شيء ، إن دعاءك ربك عبادة أخرى ، وطاعة عظمى ثانية فوق حصول المطلوب ، وإن عبداً يجيد فن الدعاء حري أن لا يهتم ولا يغتم ولا يقلق ، كل الحبال تتصرم إلا حبله ، كل الأبواب توصد إلا بابه ، وهو قريب سميع مجيب ، يجيب المضطر إذا دعاه يأمرك – وأنت الفقير الضعيف المحتاج ، وهو الغني القوي الواحد الماجد – بأن تدعوه )اعني استجب لكم ( إذا نزلت بك النوازل ، ألمت بك الخطوب فالهج بذكره ، واهتف باسمه ، واطلب مدده واسأله فتحه ونصره ، مرغ الجبين لتقديس اسمه ، لتحصل على تاج الحرية ، وارغم أنفك في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة ، مد يديك ، ارفع كفيك ، انتظر لطفه ، ترقب فتحه ، أشد باسمه ، أحسن ظنك فيه ، انقطع إليه ، تبتل إليه تبتيلا حتى تسعد وتفلح .




الحلقة الخامسة عشرة من كتاب لاتحزن
وليسعك بيتك
العزلة الشرعية السنية : بعدك عن الشر وأهله ، والفارغين واللاهين والفوضويين ، فيجتمع عليك شملك ، ويهدأ بالك ، ويرتاح خاطرك ، ويجود ذهنك بدرر الحكم ، ويسرح طرفك في بستان المعارف .
إن العزلة عن كل ما يشغل عن الخير والطاعة دواء عزيز جربه أطباء القلوب فنجح إيما نجاح ، وأنا أدلك عليه ، في العزلة عن الشر واللغو وعن الدهماء تلقيح للفكر ، وإقامة لناموس الخشية ، واحتفال بمولد الإنابة والتذكر ، وإنما كان الإجتماع المحمود والاختلاط الممدوح في الصلوات والجمع ومجالس العلم والتعاون على الخير ، أما مجالس البطالة والعطالة فحذار حذارِ ، اهرب بجلدك ، إبك على خطيئتك ، وأمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، الاختلاط الهمجي حرب شعواء على النفس ، وتهديد خطير لدنيا الأمن والاستقرار في نفسك ، لأنك تجالس أساطين الشائعات ، وابطال الأراجيف ، وأساتذة التبشير بالفتن والكوارث والمحن ، حتى تموت كل يوم سبع مرات قبل أن يصلك الموت [لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ]
إذا فرجائي الوحيد إقبالك على شانك والانزواء في غرفتك إلا من قول خير أو فعل خير ، حينها تجد قلبك عاد إليك ، فسلم وقتك من الضياع ، وعمرك من الإهدار ، ولسانك من الغيبة ، وقلبك من القلق ، وأذنك من الخنا ونفسك من سوء الظن ، ومن جرب عرف ، ومن أركب نفسه مطايا الأوهام ، واسترسل مع العوام فقل عليه السلام .




الحلقة السادسة عشرة من كتاب لاتحزن
الـــــعـــــوض مـــن الله
لا يسلبك الله شيئاً إلا عوضك خيراً منه ، إذا صبرت واحتسبت " من أخذت حبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " يعني عينيه " من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجنة " من فقد ابنه وصبر بني له بيت الحمد في الخلد ، وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال .
فلا تأسف على مصيبة فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم .
إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس[سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار]
وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وفي ثوابها وفي خلفها الخير [أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة و أؤلئك هم المهتدون] هنيئاً للمصابين ، بشرى للمنكوبين .
إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ، والآخرة خير وأبقى فمن أصيب هنا كوفيء هناك ، ومن تعب هنا ارتاح هناك ، أما المتعلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها ، فأشد ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها وتنغيص راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظم عليهم المصائب وتكبر عندهم النكبات لأنهم ينظرون تحت أقدامهم فلا يرون إلا الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة .
أيها المصابون ما فات شيء وأنتم الرابحون ، فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطف وعطف وثواب وحسن اختيار إن على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة )فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب( ، وما عند الله خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى .





الحلقة الخامسة عشرة من كتاب:
لا تــــحــــزن
للشيخ عائض بن عبدالله القرني
الإيــــمــــــان هـــــــو الــحـــيـــــــــاة

الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفسلون من كنوز الإيمان ، ومن رصيد اليقين ، فهم أبداً في تعاسة وغضب ومهانة وذلة )ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا( لا يسعد النفس ويزكيها ويطهرها ويفرحها ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين ، لا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان .
إن الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن يتحروا ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار والأغلال والظلمات والدواهي ، يالها من حياة تعيسة بلا إيمان ، يالها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض )ونقلب أفدئهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ( وقد آن الأوان للعالم أن يقتنع كل القناعة وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة والكفر لعنة ، والإلحاد كذبة ، وأن الرسل صادقون ، وأن الله حق له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
وبقدر إيمانك قوة وضعفاً ، حرارة وبرودة ، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك .
(من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم لحسن موعود ربهم ، وثبات قلوبهم بحب باريهم ، وطهارة ضمائرهم من أوضار الانحراف ، وبرود أعصابهم أمام الحوادث ، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء ، ورضاهم في مواطن القدر ، لأنهم رضوا بالله ربا ن وبالإسلام ديناً ، وبمحمد r نبياً ورسولا.




الحلقة السادسة عشرة من كتاب"لاتحزن"
اجــــن الــعـــســل ولا تــكــســر الــخــلــيــــة
الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، اللين في الخطاب ، البسمة الرائقة على المحيا ، الكلمة الطيبة عند اللقاء ، هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء ، وهي صفات المؤمن كالنحلة تأكل طيباً وتصنع طيباً ، وإذا وقعت على زهرة لا تكسرها لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف إن من الناس من تشرئب لقدومهم الأعناق ، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار ، وتحييهم الأفئدة وتشيعهم الأرواح ، لأنهم محبوبون في كلامهم في أخذهم وعطاءهم ، في بيعهم وشراءهم ، في لقاءهم ووداعهم .
إن اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار ، فهم محفوفون دائماً وأبداً بهالة من الناس إن حضروا فالبشر والأنس ، وإن غابوا فالسؤال والدعاء .
إن هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد )فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة ، وحلمهم الدافيء ، وصفحهم البريء ، يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان ، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج آذانهم بل تذهب بعيداً هناك إلى غير رجعة هم في الراحة ، والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلام " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دماءهم وأموالهم " " إن الله أمرني أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن اعطي من حرمني " ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والهدوء .



الحلقة السابعة عشرة من كتاب لاتحزن
ألا بذكر الله تطمئن القلوب

الصدق حبيب الله ، والصراحة صابون القلوب ، والتجربة برهان ، والرائد لا يكذب أهله ، ولم يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر)فاذكروني أذكركم( وذكره سبحانه جنته في أرضه من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح طالع دواوين الوحي لترى فوائد الذكر ، وجرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء .
بذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى .
ولا عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا هو الأصل الأصيل ، لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون عن ذكره )أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون(
يا من شكى الأرق وبكى من الألم وتفجع من الحوادث ، ورمته الخطب هيا اهتف باسمه المقدس ، هل تعلم له سمياً .
بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خارك ، يهدأ قلبك ، تسعد نفسك ، يرتاح ضميرك ، لأن في ذكره جل في علاه معاني التوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه والرجوع إليه ، وحسن الظن فيه ، وانتظار الفرج منه ، فهو قريب إذا دعي ، سميع إذا نودي ، مجيب إذا سئل ، فاضرع واخضع واخشع ، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك توحيداً وثناءً ومدحاً ودعاءً وسؤالاً واستغفاراً ، وسوف تجد – بحوله وقوته – السعادة والأمن والسرور والنور والحبور )فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة(





الحلقة الثامنة عشرة من كتاب لاتحزن
أم يــحــســدون الــناس عـلـى مــا أتــاهــم الله مــن فــضــلــه

الحسد كالأكلة الملحة تنخر العظم نخراً ، إن الجسد مرض مزمن يعيث في الجسم فساداً ، وقد قيل : لا راحة لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم ، وعدو في جلباب صديق وقد قالوا : لله در الحسد ما اعدله ، بدأ بصاحبه فقتله
أنني أنهي نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك ، قبل أن نرحم الآخرين ، لأننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا ، ونسقى الغم دماءنا ونوزع نوم جفوننا على الآخرين .
إن الحاسد يشعل فرناً ساخناً ثم يقتحم فيه التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقضي على الراحة والحياة الطيبة الجميلة .
بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء الأدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج .
يا للحسد من مرض لا يؤجر عليه صاحبه ، ومن بلاء لا يثاب عليه المبتلى به ، وسوف يبقى هذا الحاسد في حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الناس عنهم كل يصالح إلا الحاسد فالصلح معه أن تتخلى عن نعم الله وتتنازل عن مواهبك ، وتلغي خصائصك ، ومناقبك ، فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض ، نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد ن فإنه يصبح كالثعبان الأسود السام لا يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء.
فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ بالله من الحاسد فإنه لك بالمرصاد .



الحلقة التاسعة عشرة من كتاب لاتحزن
نعمة المعرفة
{ وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما } الجهل موت للضمير وذبح للحياة ، ومحق للعمر { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } .
والعلم نور البصيرة ، وحياة للروح ، ووقود للطبع ، { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منه } إن السرور والانشراح ياتي مع العلم ، لأن العلم عثور على الغامض ، وحصول على الضالة ، واكتشاف للمستور ، والنفس مولعة بمعرفة الجديد والاطلاع على المستطرف.
أما الجهل فهو ملل وحزن ، لأنه حياة لا جديد فيها ولا طريف ، و لا مستعذب ، أمس كاليوم ، واليوم كالغد.
فإن كنت تريد السعادة فاطلب العلم وابحث عن المعرفة وحصل الفوائد ، لتذهب عنك الغموم والهموم والأحزان ، { وقل ربي زدني علما } ، { اقرأ باسم ربك الذى خلق } .(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). ولا يفخر أحد بماله أو بجاهه ، وهو جاهل صفر من المعرفة ، فإن حياته ليست تامة وعمره ليس كاملا : { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى } .
قال الزمخشري المفسر :
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصة أشهى وأحلى من مدامة ساقي
وصرير أقلامي على أوراقها أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لألقي الرمل عن أوراقي
يا من يحاول بالأماني رتبتي كم بين مستغل وآخر راقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
ما أشرف المعرفة ، وما أفرح النفس بها ، وما أثلج الصدر ببردها ، وما أرحب الخاطر بنزولها ، { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواهم } .




الحلقة العشرون من كتاب لا تحزن
فن السرور
من أعظم النعم سرور القلب ، واستقراره وهدوءه ، فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس ، وقالوا. إن السرور فن يدرس ، فمن عرف كيف يجلبه ويحصل عليه ، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار العيش ، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه. والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال ، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث ، ولا ينزعج للتوافه. وبحسب قوة القلب وصفائه ، تشرق النفس.
إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس ، رواحل للهموم والغموم والأحزان ، فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات ، وخفت عليه الأزمات.
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما تمر به الوحول
ومن أعداء السرور ضيق الأفق ، وضحالة النظرة ، والاهتمام بالنفس فحسب ، ونسيان العالم وما فيه ، والله قد وصف أعداءه بأنهم ( أهمتهم أنفسهم ، فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم ، فلا يفكرون في غيرهم ، ولا يعيشون لسواهم ، ولا يهتمون للآخرين. إن على وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحيانا ، ونبتعد عن ذواتنا أزمانا لننسى جراحنا وغمومنا وأحزاننا ، فنكسب أمرين : إسعاد أنفسنا ، وإسعاد الآخرين.
من الأصول في فن السرور : أن تلجم تفكيرك وتعصمه ، فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش ، فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح ، وأعاد عليك ملف الأحزان وقرأ عليك كتاب المآسي منذ ولدتك أمك. إن التفكير إذا شرد أعاد لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف ، فزلزل أركانك وهز كيانك وأحرق مشاعرك ، فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد ، { وتوكل على الحى الذي لا يموت } .
ومن الأصول أيضا في دراسة السرور : أن تعطي الحياة قيمتها ، وأن تنزلها منزلتها ، فهي لهو ، ولا تستحق منك إلا الإعراض والصدود ، لأنها أم الهجر ومرضعة الفجائع ، وجالبة الكوارث ، فمن هذه صفتها كيف يهتم بها ، ويحزن على ما فات منها. صفوها كدر ، وبرقها خلب ، ومواعيدها سراب بقيعة ، مولودها مفقود ، وسيدها محسود ، ومنعمها مهدد ، وعاشقها مقتول بسيف غدرها.
أبني أبينا نحن أهل منازل أبدا غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الجبابرة الأكاسرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بعيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق
وفي الحديث : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) وفي فن الآداب : وإنما السرور باصطناعه واجتلاب بسمته ، واقتناص أسبابه ، وتكلف بوادره ، حتى يكون طبعا.
إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم.
حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبرا ألفيتة خبرا من الأخبار
طبعت على كدر، وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هاو
والعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري
فاقضوا مآربكم عجالا إنما أعماركم سفر من الأسفار
وتركضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما طبع الزمان عداوة الأحرار
والحقيقة التي لاريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن ، لأن الحياة خلقت هكذا { لقد خلقنا الإنسان في كبد.

الحلقة الواحدة والعشرون من كتاب لا تحزن
اقبل الحياة كما هي
إقبل الحياة كما هي

حال الدنيا منغصة اللذات ، كثيرة التبعات ، جاهمة المحيا ، كثيرة التلون ، مزجت بالكدر ، وخلطت بالنكد ، وأنت منها في كبد .
ولن تجد والداً أو زوجة ، أو صديقاً ، أو نبيلاً ، ولا مسكناً ولا وظيفة إلا وفيه ما يكدر ، وعنده ما يسوء أحياناً ، فاطفيء حر شره ببرد خيره ، لتنجو رأساً برأس والجروح قصاص .
أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة للضدين والنوعين والفريقين والرأيين خير وشر ، وصلاح وفساد ، سرور وحزن ، ثم يصفو الخير كله والصلاح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار وفي الحديث :" الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم " فعش واقعك ولا تسرح مع الخيال وحلق في عالم المثاليات ، اقبل دنياك كما هي ، وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها ، فسوف لا يصفو لك فيها صاحب ولا يكمل لك فيها أمر ، لأن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها ولا من صفاتها .
لن تكمل لك زوجة وفي الحديث ط لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"
فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الطرف أحياناً ونسدد الخطى ، ونتغافل عن أمور .





الحلقة الثانية والعشرون من كتاب لاتحزن
تعز بأهل البلاء

تلفت يمنة ويسرة فهل ترى إلا مبتلى وهل تشاهد إلا منكوباً ، في كل دار نائحة ، وعلى كل خد دمع ، وفي كل واد بنو سعد .
كم من المصائب ، وكم من الصابرين ، فلست أنت وحدك المصاب بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل ، كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من الألم ويصيح من السقم .
كم من محبوس مر به سنوات ما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته .
كم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر
كم من مكروب ومدين ومصاب ومنكوب .
آن لك أن تتعز بهؤلاء ، وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجن للمؤمن ، ودار للأحزان والنكبات ، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها ، بينما الشمل مجتمع والأبدان في عافية والأموال وافرة ، والأولاد كثر ، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض) وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال( فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة ، وعليك أن توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر ، ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلاء وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة فاحمد الله على لطفه واشكره على ما أبقى ، واحتسب ما أخذ ، وتعز بمن حولك .
ولك في الرسول r قدوة وقد وضع السلى على رأسه وأدميت قدماه وشج وجهه وحوصر في الشعب حتى أكل ورق الشجر ، وطرد من مكة ، وكسرت ثنيته ، ورمي عرض زوجته الشريف ، وقتل سبعون من أصحابه ، وفقد إبنه ، وأكثر بناته في حياته ، وربط الحجر على بطنه من الجوع ، واتهم بأنه شاعر ساحر كاهن مجنون كذاب ، صانه الله من ذلك ، وهذا بلاء لابد منه وتمحيص لا أعظم منه ، وقد قتل قبل زكريا وذبح يحيى ، وهجر موسى ، ووضع الخليل في النار ، وسار الأئمة على هذا الطريق فضرج عمر بدمه ، واغتيل عثمان ، وطعن علي ، وجلدت ظهر الأئمة وسجن الأخيار ، ونكل بالأبرار (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا)





الحلقة الثالثة والعشرون من كتاب لاتحزن
الـــصــلاة الصــلاة
الصلاة 00 الصلاة

(يا أيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة )
إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن ، وأخذ الهم بتلابيبك ، فقم حالاً إلى الصلاة ، تثوب لك روحك وتطمئن نفسك ، إن الصلاة كفيلة بإذن الله باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فلول الاكتئاب .
كان r إذا حزبه أمر قال ك ط أرحنا بالصلاة يا بلال " فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته .
وقد طالعت سير قوم أفذاذ كانت إذا ضاقت بهم الضوائق ، وكشرت في وجوههم الخطوب فزعوا إلى صلاة خاشعة فتعود لهم قواهم وإراداتهم وهممهم .
إن صلاة الخوف فرضت لتؤدى في ساعة الرعب ، يوم تتطاير الجماجم ، وتسيل النفوس على شفرات السيوف ، فإذا أعظم تثبيت وأجل سكينة صلاة خاشعة .
إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد ، وأن يمرغ جبينه ليرضي ربه أولاً ، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه ، والحزن سوف يحطم أعصابه ، وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة
من أعظم النعم لو كنا نعقل هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا ، رفع لدرجاتنا عند ربنا ، ثم هي علاج عظيم لمآسينا ودواء ناجع لأمراضنا ، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين وتملأ جوانحنا بالرضا أما أولئك الذين جانبوا المسجد وتركوا الصلاة ، فمن نكد إلا نكد ، ومن حزن إلى حزن ، ومن شقاء إلى شقاء (فتعساً لهم وأضل أعمالهم)




الحلقة الرابعة والعشرون من كتاب لاتحزن
حسبنا الله ونعم الوكيل

تفويض الأمر إلى الله ، والتوكل عليه ، والثقة بوعده ، والرضا بصنيعه ، وحسن الظن به ، وانتظار الفرج منه من أعظم ثمرات الإيمان ، ومن أجل صفات المؤمنين ، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة ويعتمد على ربه في كل شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة .
لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً ، ورسولنا r وأصحابه لما هددوا بجيوش الكفار وكتائب الوثنية قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث ، ولا يقاوم الملمات ، ولا ينازل الخطوب ، لأنه خلق ضعيفاً عاجزاً ، ولكنه حينما يتوكل على ربه ويثق بمولاه ، ويفوض الأمر إليه ، وإلا فما حيلة هذا العبد الفقير الحقير إذا احتوته المصائب ، وأحاطت به النكبات ( وعلى الله فتوكلوا عن كنتم مؤمنين)
فيا من أراد أن ينصح نفسه : توكل على القوي الغني ذي القوة المتين ، لينقذك من الويلات ، ويخرجك من الكربات ، واجعل شعارك ودثارك حسبنا الله ونعم الوكيل ، فإن قل مالك ، وكثر دينك ، وجفت مواردك ، وشحت مصادرك ، فناد حسبنا الله ونعم الوكيل .
وإذا خفت من عدو ، أو رعبت من ظالم ، او فزعت من خطب فاهتف حسبنا الله ونعم الوكيل .
(وكفى بربك هادياً ونصيراً)




الحلقة الخامسة والعشرون من كتاب لا تحزن
قل سيروا في الأرض

مما يشرح الصدر ويزيح سحب الهم والغم ، السفر في الديار ، وقطع القفار ، والتقلب في الأرض الواسعة ، والنظر في كتاب الكون المفتوح لتشاهد أقلام القدرة وهي تكتب على صفحات الوجود آيات الجمال ، لترى حدائق ذات بهجة ، ورياضاً أنيقة وجنات ألفافاً ، أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلفك ، إصعد الجبال ، إهبط الأودية ، تسلق الأشجار ، عب من الماء النمير ، ضع أنفك على أغصان الياسمين ، حينها تجد روحك حرة طليقة ، كالطائر الغريد تسبح في قضاء السعادة ، أخرج من بيتك ، الق الغطاء الأسود عن عينيك ، ثم سر في فجاج الله الواسعة ذاكراً مسبحاً .
إن الإنزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار ، وليست غرفتك هي العالم ولست أنت كل الناس ، فلم الاستسلام أما كتائب الأحزان ، ألا فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك : انفروا خفافاً وثقالاً ، تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور وهي تتلو خطب الحب ، وبين الماء وهو يروي قصة وصوله من التل .
إن الترحال في مسارب الأرض متعة يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه ، وأظلمت عليه غرفته الضيقة ، فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر(ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربما ما خلقت هذا باطلاً سبحانك )



الحلقة السادسة والعشرون من كتاب لاتحزنفصبر جميل
التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة وبمناعة أبية وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع ؟!
هل عندك حل لنا غير الصبر ؟ هل تعلم لنا زاداً غيره ؟
كان أحد العظماء مسرحاً تركض فيه المصائب وميداناً تتسابق فيه النكبات كلما خرج من كربة زارته كربة أخرى ، وهو متترس بالصبر متدرع بالثقة بالله .
هكذا يفعل النبلاء ، يصارعون الملمات ويطرحون النكبات أرضاً دخلوا على ابي بكر وهو مريض ، قالوا : ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال : الطبيب قد رآني قالوا : فماذا قال ؟ قال : يقول : إني فعال لما أريد .
واصبر وما صبرك إلا بالله ، اصبر صبر واثق بالفرج ، عالم بحسن المصير ، طالب للأجر ، راغب في تكفير السيئات ، اصبر مهما ادلهمت الخطوب ، وأظلمت أمامك الدروب ، فإن النصر مع الصبر ، وإن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسراً .
قرأت سير عظماء مرواً في هذه الدنيا وذهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم ، كانت المصائب تقع على رؤوسهم كأنها قطرات ماء باردة ، وهم في ثبات الجبال ، وفي رسوخ الحق ، فما هو إلا وقت قصير فتشرق وجوهم على طلائع فجر الفرج ن وفرحة الفتح ، وعصر النصر وأحدهم ما اكتفى بالصبر وحده ، بل نازل الكوارث ، وصاح في وجه المصائب متحدياً .





الحلقة السابعة والعشرون من كتاب لاتحزن
لاتحمل الكرة الأرضية على رأسك

نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية ، وهم على فرش النوم ، فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة المعدة ، وضغط الدم والسكري يحترقون مع الأحداث ، يغضبون من غلاء الأسعار ، يثورون لتأخر الأمطار ، يضجون لانخفاض سعر العملة ، فهم في انزعاج دائم ، وقلق واصب يحسبون كل صيحة عليهم 
ونصيحتي لك أن لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك ، دع الأحداث على الأرض ولا تضعها في أمعاءك إن البعض عنده قلب كالأسفنجة يتشرب الشائعات والأراجيف ينزعج للتوافه ، يهتز للواردات ، يضطرب لكل شيء ، وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حامله ..
أهل المبدأ الحق تزيدهم العبر والعظات إيماناً إلى إيمانهم ، وأهل الخور تزيده الزلازل خوفاً إلى خوفهم ، وليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلب شجاع ، فإن المقدام الباسل واسع البطان ، ثابت الجأش ، راسخ اليقين ، بارد الأعصاب ، منشرح الصدر ، أما الجبان فهو يذبح نفسه كل يوم مرات بسيف التوقعات والأراجيف والأوهام والأحلام ، فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه الأمور بشجاعة وجلد ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ، ولا تك في ضيق مما يمكرون ، كن أصلب من الأحداث ، وأعتى من رياح الأزمات ، وأقوى من الأعاصير ، وارحمتاه لأصحاب القلوب الضعيفة كم تهزهم الأيام هزاً ولتجدنهم أحرص الناس على حياةٍ ، وأما الأباة فهم من الله في مدد ، وعلى الوعد في ثقة فأنزل السكينة عليهم 



الحلقات الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون من كتاب لاتحزن[/
COLOR]
[COLOR=blue]لا تحطمك التوافه

كم من مهموم سبب همه أمرٌ حقير تافه لا يذكر .
انظر إلى المنافقين ، ما أسقط هممهم وما أبرد عزائمهم هذه أقوالهم : لا تنفروا في الحر ، إئذن لي ولا تفتني ، بيوتاً عورة ، نخشى أن تصيبنا دائرة ، ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً يا لخيبة هذه المعاطس يا لتعاسة هذه النفوس .
همهم البطون والصحون والدور والقصور ، لم يرفعوا أبصارهم إلى سماء المثل ، لم ينظروا أبداً إلى نجوم الفضائل هم أحدهم ومبلغ علمه : دابته وثوبه ونعله ومأدبته ، وانظر لقطاع هائل من الناس تراهم صباح مساء سبب همومهم خلاف مع الزوجة أو الابن أو القريب أو سماع كلمة نابية أو موقف تافه . هذه مصائب هؤلاء البشر ، ليس عندهم من المقاصد العليا ما يشغلهم ، ليس عندهم من الاهتمامات الجلية ما يملأ وقتهم ، وقد قالوا : إذا خرج الماء من الإناء ملأه الهواء ، إذا ففكر في الأمر الذي تهتم له وتغتم ، هل يستحق هذا الجهد وهذا العناء ، لأنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك ، وهذا غبن في الفقة ، وخسارة هائلة ثمنها بخس ، وعلماء النفس يقولون : أجعل لكل شيء حدا معقولاً ، وأصدق من هذا قوله تعالى : )قد جعل الله لكل شيء قدراً ( فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو .
هؤلاء الصحابة الأبرار همهم تحت الشجرة الوفاء بالبيعة ، فنالوا رضوان الله ، ورجل معهم أهمه جمله حتى فاته البيع فكان جزاءه الحرمان والمقت .
فاطرح التوافه والاشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك وعدت فرحاً مسروراً .


الحلقة التاسعة والعشرون من كتاب لاتحزن[/
COLOR]

[COLOR=blue]إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس

مر فيما سبق بعض معاني هذا السبب لكنني أبسطه هنا ليفهم أكثر وهو : أن عليك أن تقنع بما قسم لك من جسم ومال وولد وسكن وموهبة ، وهذا منطق القرآن ) فخذ ما إتيتك وكن من الشاكرين( إن غالب علماء السلف وأكثر الجيل الأول كانوا فقراء لم يكن لديهم أعطيات ولا مساكن بهية ، ولا مراكب ، ولا حشم، ومع ذلك أثروا الحياة وأسعدوا أنفسهم والإنسانية ، لنهم وجهوا ما آتاهم الله من خير في سبيله الصحيح فبورك لهم في أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم ، ويقابل هذا الصنف المبارك ملاء أعطوا من الأموال والأولاد والنعم ، فكانت سبب شقاءهم وتعاستهم ، لأنهم انحرفوا عن الفطرة السوية والمنهج الحق وهذا برهان ساطع على أن الأشياء ليست كل شيء أنظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه نكرة من النكرات في عطاءه وفهمه وأثره ، بينما آخرون عندهم علم محدود ، وقد جعلوا منه نهراً دافقاً بالنفع والإصلاح والعمار .
إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك الله فيها ، وارض بوضعك الأسري ، وصوتك ، ومستوى فهمك ، ودخلك ، بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون لك : أرض بأقل مما أنت فيه وبدون ما أنت عليه .
هاك قائمة رائعة مليئة باللامعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية :
عطاء بن رباح عالم الدنيا في عهده ،مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر .
الأحنف بن قيس ، حليم العرب قاطبة ، نحيف الجسم ، أحدب الظهر ، أحنى الساقين ، ضعيف البنية .
الأعمش محدث الدنيا ، من الموالي ، ضعيف البصر ، فقير ذات اليد ، ممزق الثياب، رث الهيئة والمنزل .
بل الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم ، كل منهم رعي الغنم ، وكان داود حداداً و زكريا نجاراً ، وإدريس خياطاً ، وهم صفوة الناس وخير البشر .
إذا فقيمتك مواهبك ، وعملك الصالح ، ونفعك ، وخلقك فلا تأس على ما فات من جمال أو مال أو عيال ، وارض بقسمة الله )نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا(


الحلقة الثلاثون من كتاب لاتحزن

ذكــر نـفـسـك بـجـنــة عــرضــهــا الســمــاوات والأرض

حقاً أو ذقت ظلماً فذكر نفسك بالنعيم ، إنك إن اعتقدت هذه العقيدة وعملت لهذا المصير تحولت خسائرك إلى أرباح ، وبلاياك إلى عطاك إن أعقل الناس هم الذين يعملون للآخرة لأنها خير وأبقى ، وإن أحمق وأبله هذه الخليقة هم الذين يرون إلا حياتهم الزهيدة الحقيرة ، لا ينظرون إلا إلى هذه الفاتنة ، لا يتفكرون في غيرها ولا يعلمون لسواها ، فلا يريدون أن يعكر لهم سرورهم ولا يكدر عليهم فرحهم ، ولو انهم خلعوا حجاب الران عن قلوبهم ، وغطاء الجهل عن عيونهم لحدثوا أنفسهم بدار الخلد ونعيمها ودورها وقصورها ، ولسمعوا وأنصتوا لخطاب الوحي في وصفها ، إنها والله الدار التي تستحق الاهتمام والكد والجهد .
هل تأملنا طويلاً وصف أهل الجنة بأنهم لا يمرضون ولا يحزنون ولا يموتون ،ولا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم ، في غرف يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، فيها ما لا عين رأت ن ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، يسير الراكب في شجرة من أشجارها مائة عام لا يقطعها ، طول الخيمة فيها ستون ميلاً ، أنهارها مطردة ، قصورها منيفة ، قطوفها دانية ن عيونها جارية ، سررها مرفوعة ، أكوابها موضوعة ، نمارقها مصفوفة ، زرابيها مبثوثة ، ثم سرورها ، عظم حبورها ، فاح عرفها ، عظم وصفها ، منتهى الأماني فيها ، فأين عقولنا لا تفكر ؟! ما لنا لا نتدبر ؟!
إذا كان المصير إلى هذه الدار فلتخف المصائب على المصابين ولتقر عيون المنكوبين ولتفرح قلوب المعدومين .
فيا أيها المسحوقون بالفقر ، المنهكون بالفاقة المبتلون بالمصائب ، اعملوا صالحاً لتسكنوا جنة الله وتجاوروه تقدست أسماؤه سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار 




الحلقة الواحدة والثلاثون من كتاب لا تحزن

أمة وسطا

وكذلك جعلنكم أمة وسطا

العدل مطلب عقلي وشرعي ، لا غلو ولا جفاء ، لا إفراط ولا تفريط ، ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه ، واندفاعاته ، وليكن عادلاً في رضاه وغضبه وسروره وحزنه ، لأن الشطط والمبالغة في التعامل مع الأحداث ظلم للنفس ، وما أحسن الوسطية ، فإن الشرع نزل بالميزان ، والحياة قامت على القسط ، ومن أتعب الناس من طاوع هواه ، واستسلم لعواطفه وميولاته ، حينها تتضخم عنده الحوادث ، وتظلم لديه الزوايا ، وتقوم في قلبه معارك ضارية من الأحقاد والدخائل والضغائن ، لأنه يعيش في أوهام وخيالات ، حتى إن بعضهم يتصور أن الجميع ضده ، وأن الآخرين يحبكون مؤامرة لإبادته ، وتملي عليه وساوسه أن الدنيا له بالمرصاد ، فلذلك يعيش في سحب من الخوف والهم والغم .
إن الإرجاف ممنوع شرعاً ، رخيص طبعاً ، ولا يمارسه إلا أناس مفلسون من القيم الحية والمبادئ الربانية




الحلقة الثانية والثلاثون من كتاب لا تحزن

يحسبون كل صيحة عليهم
أجلس قلبك على كرسيه ، فأكثر ما يخاف لا يكون ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ الاحتمالات ، ثم وتوطن نفسك على تقبل هذا الأسوأ ، حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الحدث فيبقى .
فيا أيها العاقل النابه أعط كل شيء حجمه ، ولا تضخم الأحداث والمواقف والقضايا ، بل اقتصد واعدل ولا تجر ، ولا تذهب مع الوهم الزائف ، والسراب الخادع ، اسمع ميزان الحب والبغض في الحديث : " أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوما ما " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير واله غفور رحيم 
إن كثيراً من التخويفات والأرجيف لا حقيقة له .





الحلقة الثالثة والثلاثون من كتاب لا تحزن

الحزن ليس مطلوباً شرعاً ، ولا مقصوداً أصلاً

فالحزن منهي عنه في قول تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وقوله : ولا تحزن عليهم  ، في غير موضوع . وقوله:لا تحزن إن الله معنا والمنفي كقوله :فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون فالحزن خمود لجذوة الطلب ، وهمود لروح الهمة ، وبرود في النفس ، وهو حمى تشل جسم الحياة
وسر ذلك : أن الحزن موقف غير مسير ، ولا مصلحة فيه للقلب ، وأحب شيء إلى الشيطان : أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ، ويوقفه عن سلوكه ، قال الله تعالى :إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين أمنوا ونهى النبي  الثلاثة : " ان يتناجى اثنان منهم دون الثالث ، لأن ذلك يحزنه " وحز المؤمن غير مطلوب ولا مرغوب فيه ، لأنه من الأذى الذي يصيب النفس ، وقد طلب من المسلم طرده وعدم الاستسلام له ، ودحضه ورده ومقاومته ومغالبته ، بالوسائل المشروعة .
فالحزن ليس بمطلوب ، ولا مقصود ن ولا فائدة فيه ، وقد استعاذ منه النبي  فقال " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن " فهو قرين الهم ، والفرق بينهما : أن المكروه الذي يرد على القلب إن كان لما يستقبل أورثه الهم ، وإن كان لما مضى أورثه الحزن ، وكلاهما مضعف للقلب عن السير ، مفتر للعزم .
والحزن تكدير للحياة وتنغيص للعيش ، وهو مصل سام للروح ، يورثها الفتور والنكد والحيرة ، ويصيبها بوجوم قاتم متذبل أمام الجمال ، فتهوي عند الحسن ، وتنطفىء عند مباهج الحياة ، فتحتسي كأس الشؤم والحرة والألم .
ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع ، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن ، كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم فإذا حل الحزن وليس للنفس فيه حلية ، وليس لها في استجلابه سبيل ، فهي مأجورة على ما أصابها ، لنه نوع من المصائب ، فعلى العبد أن يدافعه إذا نزل بالأدعية والوسائل الحية الكفيلة بطرده .
وأما قوله تعالى : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون  فلم يمدحوا على نفس الحزن ، وغنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم ، حيث تخلفوا عن رسول الله  لعجزهم عن النفقة ، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم ، بل غبطوا أنفسهم به .
فإن الحزن المحمود إن حمد بعد وقوعه - وهو ما كان سببه فوت طاعة ، أو وقوع معصية - فإن حزن العبد على تقصيره مع ربه وتفريطه في جنب مولاه : دليل على حياته وقبوله الهداية ، ونوره وهدايته .
أما قوله  في الحديث الصحيح : " ما يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا حزن ، إلا كفر الله به خطاياه " فهذا يدل على أنه مصيبة من الله يصيب بها العبد ، يكفر بها من سيئاته ، ولا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه واستيطانه فليس للعبد أن يطلب الحزن ويستدعيه ويظن أنه عبادة ، وأن الشارع حث عليه ، أو أمر به ، أو رضيه ، أو شرعه لعباده ، ولو كان هذا صحيحاً لقطع  حياته بالأحزان ، وصرفها بالهموم كيف وصدره منشرح ووجه باسم ، وقلبه راض ، وهو متواصل السرور ؟‍
وأما حديث هند بن أبي هالة ، في صفة النبي  : " انه كان متواصل الأحزان " ، فحديث لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف ، وهو خلاف واقعة وحالة  .
وكيف يكون متواصل الأحزان ، وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها ، ونهاه عن الحزن على الكفار ، وغفر له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر ؟‍فمن أين يأتيه الحزن ؟ّ وكيف يصل إلى قلبه ؟‍ومن أي الطرق ينساب إلى فؤاده ، وهو معمور بالذكر ، ريان بالاستقامة ، فياض بالهداية الربانية ، مطمئن بوعد الله راض بأحكامه وأفعاله ؟‍بل كان دائم البشر ، ضحوك السن ، كما في صفته " الضحوك القتال " ، صلوات الله وسلامه عليه ومن عاض في أخباره ودقق في أعماق ودقق في أعماق حياته واستجلى أيامه ، عرف أنه جاء لإزهاق الباطل ودحض القلق والهم والغم والحزن ، وتحرير النفوس من استعمار الشبه والشكوك والشرك والحيرة والاضطراب ، وإنقاذها من مهاوي المهالك ، فلله كم له على البشر من منن .
وأما الخبر المروي :" إن لله يحب كل قلب حزين " ، فلا يعرف إسناده ، ولا من رواه ولا نعلم صحته وكيف يكون هذا صحيحاً ، وقد جاءت الملة بخلافة ، والشرع بنقضه ؟‍وعلى تقدير صحته : فالحزن مصيبة من المصائب التي يبتلي الله بها عبده ، فإذا ابتلي به العبد فصبر عليه ، أحب صبره على بلائه والذين مدحوا الحزن وأشادوا به ونسبوا إلى الشرع الأمر به وتحبيذه ، أخطئوا في ذلك ، بل ما ورد إلا النهي عنه ، والأمر بضده ، من الفرح برحمة الله تعالى وبفضله وبما أنزل على رسول الله  ، والسرور بهداية الله والانشراح بهذا الخير المبارك الذي نزل من السماء على قلوب الأولياء .
وأما الأثر الآخر : " إذا أحب الله عبداً نصب في قلبه نائحة ، وإذا أبغض عبداً جعل في قلبه مزماراً " فأثر إسرائيلي ، قيل : إنه في التوارة . وله معنى صحيح ، فإن المؤمن حزين على ذنوبه ، والفاجر لاهٍ لاعب ، مترنم فرح . وإذا حصل كسر في قلوب الصالحين فإنما هو لما فاتهم من الخيرات ، وقصروا فيه من بلوغ الدرجات ، وارتكبوه من السيئات خلاف حزن العصاة ، فإنه على فوت الدنيا وشهواتها وملاذها ومكاسبها وأغراضها فهمهم وغمهم وحزنهم لها ، ومن أجلها وفي سبيلها .
وأما قوله تعالى عن نبيه " إسرائيل " وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم  : فهو إخبار عن حاله بمصابه بفقد ولده وحبيبه ، وأنه ابتلاه بذلك كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه ومجرد الإخبار عن الشيء لا يدل عن استحسانه ولا على الأمر به و لا الحث عليه ، بل أمرنا أن نستعيذ بالله من الزن ، فإنه سحابة ثقيلة وليل جاثم طويل ، وعائق في طريق السائر إلى معالى الأمور .
وأجمع أرباب السلوك على أن حزن الدنيا غير محمود ، إلا أبا عثمان الجبري ، فإنه قال : الحزن بكل وجه فضيلة ، وزيادة للمؤمن ، ما لم يكن بسبب معصية قال : لأنه إن لم يوجب تخصيصاً ، فإنه يوجب تمحيصاً.
فيقال : لا ريب أنه محنة وبلاء من الله ، بمنزلة المرض والهم والغم وأما أنه من منازل الطريق، فلا .
فعليك بجلب السرور واستدعاء الانشراح ، وسؤال الله الحياة الطيبة والعيشة الرضية ، وصفاء الخاطر ، ورحابة البال ، فإنه نعم عاجلة ، حتى قال بعضهم : إن في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
والله المسؤول وحده أن يشرح صدورنا بنور اليقين ، ويهدي قلوبنا لصراطة المستقيم ، وأن ينقذنا من حياة الضنك والضيق .




وقفة

هيا نهتف نحن وإياك بهذا الدعاء الحار الصادق فإنه لكشف الكرب والهم والحزن :
"لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله غلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ، يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث "
" اللهم رحمتك أرجو ،فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت "
" استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه "
" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "
" اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكم أسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي "
" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال "
" حسبنا الله ونعم والوكيل "





الحلقة الرابعة والثلاثون من كتاب لا تحزن

ابـــــــــتــــســــــــــــــم

الضحك المعتدل بلسم للهموم ومرهم للأحزان ، وله قوة عجيبة في فرح الروح ، وجذل القلب ، حتى قال أبو الدرداء : إني لأنصحك حتى يكون إجماماً لقلبي وكان اكرم الناس  يضحك أحياناً حتى تبدو نواجذه ، وهذا ضحك العقلاء البصراء بداء النفس ودواءها .
والضحك ذروة الإنشراح وقمة الراحة ونهاية الانبساط ولكنه ضحك بلا إسراف : ط لا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب " ولكن التوسط : وتبسمك في وجه أخيك صدقة ، فتبسم ضاحكاً من قولها  وليس ضحك الاستهزاء والسخرية : فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون  ومن نعيم أهل الجنة الضحك : فاليوم الذين أمنوا من الكفار يضحكون
وكانت العرب تمدح ضحوك السن ، وتجعله دليلاً على سعة النفس وجودة الكف ، وسخاوة الطبع ، وكرم السجايا ، ونداوة الخاطر :
ضحوك السن يطرب للعطايا **** ويفرح إن تعرض بالسؤال
وقال زهير في "هرم" :
تراه إذا ما جئته متهللاً **** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
والحقيقة أن الإسلام بني على الوسطية والاعتدال في العقائد والعبادات والأخلاق والسلوك ، فلا عبوس مخيف قاتم ، ولا قهقهة مستمرة عابثة ، لكنه جد وقور ، وخفة روح واثقة .
يقوم أبو تمام :
نفسي فداء أبي علي إنه **** صبح المؤمل كوكب المتأمل
فكه يجم الجد أحياناً وقد **** ينضو ويهزل عيش من لم يهزل
إن انقباض الوجه والعبوس علامة على تذمر النفس ، وغليان الخاطر ، وتعكر المزاج : ثم عبس وبسر
وجوهم من سواد الكبر عابسة **** كأنما أوردوا غصباً إلى النار
ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً **** مثل النجوم التي يسري بها الساري
"ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق "
يقول أحمد أمين في " فيض الخاطر " : " ليس المبتسمون للحياة أسعد حالاً لأنفسهم فقط ، بل هو كذلك أقدر على العمل ، وأكثر احتمالاً للمسؤولية ، وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب ، والإتيان بعظائم الأمور إلي تنفعهم وتنفع الناس .
لو خيرت بين مال كثير أو منصب خطير ، وبين نفس راضية باسمة ، لاخترت الثانية ، فما المال مع العبوس؟! وما المنصب مع انقباض النفس ؟! وما كل ما في الحياة إذا كان صاحبه ضيقاً حرجاً كأنه عائد من جنازة حبيب ؟! وما جمال الزوجة إذا عبست وقلبت بيتها جحيماً ؟! لخير منها - ألف مرة - زوجة لم تبلغ مبلغها في الجمال وجعلت بيتها جنة .
ولا قيمة للبسمة الظاهرة إلا إذا كانت منبعثة مما يعتري طبيعة الإنسان من شذوذ ، فالزهر باسم والغابات باسمة ، والبحار والأنهار والسماء والنجوم والطيور كلها باسمة وكان الإنسان بطبعه باسماً في نغمات الطبيعة المنسجمة ومن أجل هذا لا يرى الجمال من عبست نفسه ، ولا يرى الحقيقة من تدنس قلبه ، فكل إنسان يرى الدنيا من خلال عمله وفكره وبواعثه فإذا كان العمل طيباً والفكر نظيفاً والبواعث طاهرة ، كان منظاره الذي يرى به الدنيا نقياً فرأى الدنيا جميلة كما خلقت ، وإلا تغبش منظاره ، واسود زجاجه ، فرأى كل شيء أسود مغبشاً .
هناك نفوس تستطيع أن تصنع من كل شيء شقاء ، ونفوس تستطيع أن تصنع من كل شيء سعادة ، هناك المرأة في البيت لا تقع عينها إلا على الخطأ ، فاليوم أسود ، لأن طبقاً كسر ، ولأن نوعاً من الطعام زاد الطاهي في ملحه ، أو لأنها عثرت على قطعة من الورق في الحجرة ، فتهيج وتسب ، ويتعدى السباب إلى كل من في البيت ، وإذا هو شعلة من نار ، وهناك رجل ينغص على نفسه وعلى من حوله ، من كلمة يسمعها أو يؤولها تأويلاً سيئاً ، أو من عمل تافه حدث له ، أو حدث منه ، أو من ربح خسره ، أو من ربح كان ينتظره فلم يحدث ، أو نحو ذلك ، فإذا الدنيا كلها سوداء في نظره ، ثم هو يسودها على من حوله هؤلاء عندهم قدرة على المبالغة في الشر ، فيجعلون من الحبة قبة ، ومن البذرة شجرة ، وليس عندهم قدرة على الخير ، فلا يفرحون بما أوتوا ولو كثيراً ، ولا ينعمون بما نالوا ولو عظيماً .
الحياة فن ، وفن يتعلم ، ولخير للإنسان أن يجد في وضع الأزهار والرياحين والحب في حياته ، من أن يجد في تكديس المال في جيبه أو في مصرفه ما الحياة إذا وجهت كل الجهود فيها لجمع المال ، ولم يوجه أي جهد لترقية جانب الجمال والرحمة والحب فيها ؟! .
أكثر الناس لا يفتحون أعينهم لمباهج الحياة ، وإنما يفتحونها للدرهم والدينار ، يمرون على الحديقة الغناء والأزهار الجميلة والماء المتدفق والطيور المغردة ، فلا يأبهون لها ، وغنما يأبهون لدينار يأتي ودينار يخرج قد كان الدينار وسيلة للعيشة السعيدة ، فقلبوا الوضع وباعوا العيشة السعيدة ، فقلبوا الوضع وباعوا العيشة السعيدة من أجل الدينار ، وقد ركبت فينا العيون لنظر الجمال ، فعودناها ألا تنظر إلا إلى الدينار .
ليس يعبس النفس والوجه كاليأس ، فإن أردت الابتسام فحارب اليأس إن الفرصة سانحة لك وللناس ، والنجاح مفتوح بابه لك وللناس ن فعود عقلك تفتح الأمل وتوقع الخير في المستقبل .
إذا اعتقدت أنك مخلوق للصغير من الأمور لم تبلغ في الحياة إلا الصغير ، وإذا اعتقدت أنك مخلوق لعظائم الأمور شعرت بهمة تكسر الحدود والحواجز ، وتنفذ منها إلى الساحة الفسيحة والغرض الأسمى ، ومصداق ذلك حادث في الحياة المادية ، فمن دخل مسابقة مائة متر شعر بالتعب إذا هو قطعها ، ومن دخل مسابقة أربعمائة متر لم يشعر بالتعب من المائة والمائتين فالنفس تعطيك من الهمة بقدر ما تحدد من الغرض ، حدد غرضك ، وليكن سامياً صعب المنال ، ولكن لا عليك في ذلك ما دمت كل يوم تخطو إليه خطواً جديداً إنما يصد النفس ويعبسها ويجعلها في سجن مظلم : اليأس وفقدان الأمل ، والعيشة السيئة برؤية الشرور ، والبحث عن معايب الناس والتشدق بالحديث عن سيئات العالم لا غير .
وليس يوفق الإنسان في شيء كما يوفق إلى مرب ينمي ملكاته الطبيعية ، ويعادل بينها ويوسع أفقه ، ويعوده السماحة وسعة الصدر ، ويعلمه أن خير غرض يسعى إليه أن يكون مصدر خير للناس بقدر ما يستطيع ، وأن تكون نفسه شمساً مشعة للضوء والحب والخير ، وأن يكون قلبه مملوءاً عطفاً وبراً وإنسانية ، وحباً لإيصال الخير لكل من اتصل به .
النفس الباسمة ترى الصعاب فيلذها التغلب عليها ، تنظرها فتبسم ، وتعالجها فتبسم ، وتتغلب عليها فتبسم ، والنفس العابسة لا ترى صعاباً فتخلفها ، وإذا رأتها أكبرتها واستصغرت همتها وتعللت لو وإذا وإن وما الدهر الذي يلعنه إلا مزاجه وتربيته ، إنه يود النجاح في الحياة ولا يريد أن يدفع ثمنه ، إنه يرى في كل طريق أسداً رابضاً، إنه ينتظر حتى تمطر السماء ذهباً أو تنشق الأرض عن كنز .
إن الصعاب في الحياة أمور نسبية ، فكل شيء صعب جداً عند النفس الصغيرة جداً ، ولا صعوبة عظيمة عند النفس العظيمة وبينما النفس العظيمة تزداد عظمة بمغالبة الصعاب إذا بالنفوس الهزيلة تزداد سقماً بالفرار منها وإنما الصعاب كالكلب العقور ، إذا رءاك خفت منه وجريت ، نبحك وعدا وراءك ، وإذا رءاك تهزأ به ولا تعيره اهتماماً وتبرق له عينيك أفسح الطريق لك وانكمش في جلده منك .
ثم لا شيء أقتل من شعورها بضعتها وصغر شأنها وقلة قيمتها ، وأنها لا يمكن أن يصدر عنها عمل عظيم ، ولا ينتظر منها خير كبير . هذا الشعور بالضعة يفقد الإنسان الثقة بنفسه والإيمان بقوتها ، فإذا أقدم على عمل ارتاب في مقدرته وفي إمكان نجاحه ، وعالجه بفتور ففشل فيه الثقة بالنفس فضيلة كبرى عليها عماد النجاح في الحياة ، وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة ، والفرق بينهما أن الغرور اعتماد النفس على الخيال وعلى الكبر الزائف ، والثقة بالنفس اعتمادها على مقدرتها على تحمل المسؤولية وعلى تقوية ملكاتها وتحسين استعدادها .
يقول إيليا أبو ماضي :
قال : " السماء كئيبة !"وتجهما **** قلت : ابتسم يكفي التجهنم في السما!
قال : الصبا ولى ! فقلت له : ابتسم **** لن يرجع الأسف الصبا المنصرما!
قال : التي كانت سمائي في الهوى **** صارة لنفسي في الغرام جهنما
خانت عهودي بعدما ملكتها **** قلبي ، فكيف أطيق أن أتبسما!
قلت : ابتسم و اطرب فلو قارنتها **** قضيت عمرك كله متألماً !
قال : التجارة في صراع هائل **** مثل المسافر كاد يقتله الظما
أو غادة مسئلولة محتاجة **** لدم وتنفث كلما لهثت دما !
قلت : ابتسم ما أنت جالب دائها **** وشفائها ، فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرماً ، وتبيت في **** وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال : العدى حولي علت صيحاتهم **** أأسر والأعداء حولي في الحمى ؟
قلت : ابتسم ، لم يطلبوك بذمهم **** لو لم تكن منهم أجل وأعظما !
قال : المواسم قد بدت أعلامها **** وتعرضت لي في الملابس والدمي
وعلي للأحباب فرض لازم **** لكن كفى ليس تملك درهما
قلت : ابتسم : يكيفيك أنك لم تزل **** حياً ، ولست من الأحبة معدما!
قال : الليالي جرعتني علقماً **** قلت : ابتسم ولئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنماً **** طرح الكآبة جانباً وترنما
أتراك تغنم بالتبرم درهماً **** أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح ، لا خطر على شفتيك أن **** تتثلما ، والوجه أن يتحطما
فاضحك فغن الشهب تضحك والدجى **** متلاطم ولذا نحب الأنجما !
قال : البشاشة ليس تسعد كائناً **** يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما
قلت : ابتسم ما دام بينك والردى **** شبر ، فإنك بعد لن تتبسما .
ما أحوجنا إلى البسمة وطلاقة الوجه ، وانشراح الصدر وأريحية الخلق ، ولطف الروح ولين الجانب ، " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا ، حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد "

لا تحزن : لأنك جربت الحزن بالأمس فما نفعك شيئاً ، رسب ابنك فحزنت ، فهل نجح ؟! مات ولدك فحزني فهل عاد حيا؟! خسرت تجارتك فحزنت ، فهل عادت الخسائر أرباحاً ؟!
لا تحزن : لأنك حزنت من المصيبة فصارت مصائب ، وحزنت من الفقر فازددت نكداً ، وحزنت من كلام أعدائك فأعنتهم عليك ، وحزنت من توقع مكروه فما وقع .
لا تحزن : فإنه لن ينفعك مع الحزن دار واسعة ، ولا زوجة حسناء ، ولا مال وفير ، ولا منصب سام ، ولا أولاد نجباء .
لا تحزن : لأن الحزن يريك الماء الزلال علقماً ، والوردة حنظلة والحديقة الصحراء قاحلة ، والحياة سجناً لا يطاق .
لا تحزن : وأنت عندك عينان وأذنان وشفتان ، ويدان ورجلان ولسان ، وجنان و أمن وأمان ، وعافية في الأبدان :فبأى ألاء ربكما تكذبان 
لا تحزن : ولك دين تعتقده ، وبيت تسكنه ، وخبز تأكله ، وماء تشربه ، وثوب تلبسه ، وزوجة تأوي إليها ، فلماذا تحزن ؟!




الحلقة الخامسة والثلاثون من كتاب لاتحزن
نـــــعـــمـــة الألــــم
نعمة الألم

الألم ليس مذموماً دائماً ولا مكروهاً أبداً ، فقد يكون خيراً للعبد أن يتألم
إن الدعاء الحار يأتي مع الألم ، والتسبيح الصادق يصاحب الألم ، وتألم الطالب زمن التحصيل وحمله لأعباء الطلب يثمر عالماً جهبذاً ، لأنه احترق في البداية فأشرق في النهاية وتألم الشاعر ومعاناته لما يقول تنتج أدباً مؤثراً خلاباً ، لأنه انقدح مع الألم من القلب والعصب والدم فهز المشاعر وحرك الأفئدة ومعاناة الكاتب تخرج نتاجاً حياً جذاباً يمور بالعبر والصور والذكريات .
إن الطالب الذي عاش حياة الدعة والراحة ولم تلذعه الأزمات ولم تكوه الملمات ، إن هذا الطالب يبقى كسولاً مترهلاً فاتراً .
وإن الشاعر الذي ما عرف الألم ولا ذاق المر ولا تجرع الغصص تبقى قصائده ركاماً من رخيص الحديث ، وكتلا ًمن زبد الفول ، لأن قصائده خرجت من لسانه ولم تخرج من وجدانه ، وتلفظ بها فمه ولم يعشها قلبه وجوانحه .
وأسمى من هذه الأمثلة وأرفع : حياة المؤمنين الأولين الذين عاشوا فجر الرسالة ومولد الملة ، وبداية البعث ، فإنهم أعظم إيمانهم ، وأبر قلوباً ، وأصدق لهجة ، وأعمق علماً ، لأنهم عاشوا الألم والمعاناة : ألم الجوع والفقر التشريد ، والأذى والطرد والإبعاد ، وفراق المألوفات ، وهجر المرغوبات ، وألم الجراح ، والقتل والتعذيب ، فكانوا بحق الصفوة الصافية ، والثلة المجتباة ، آيات في الطهر ، وأعلاماً في النبل ، ورموزاً في التضحية ، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئاً يغيط الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين 
وفي عالم الدنيا أناس قدموا أروع نتاجهم ، لأنهم تألموا ، فالمتنبي وعكته الحمى فأنشد رائعته :
وزائرتي كأن بها حياءً **** فليس تزور إلا في الظلام
والنابغة خوفه النعمان بن المنذر بالقتل ، فقدم للناس :
فإنك شمس والملوك كواكب **** إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وكثير أولئك الذين آثروا الحياة ، لأنهم تألموا .
إذن فلا تجزع من الألم ولا تخف من المعاناة ، فربما كانت قوة لك ومتاعاً إلى حين ، فإنك إن تعش مشبوب الفؤاد محروق الجوى ملذوع النفس أرق وأصفى من أن تعيش بارد المشاعر فاتر الهمة خامد النفس ، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين 
ذكرت بهذا شاعراً عاش المعاناة والأسى وألم الفراق ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في قصيدة بديعة الحسن ، ذائعة الشهرة ، بعيدة عن التكلف والتزويق : إنه مالك بن الريب ، يرثي نفسه :
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى **** وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
فلله دري يوم أترك طائعا **** بني بأعلى الرقمتين وماليا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا **** برابية إني مقيم لياليا
أقيما علي اليوم أو بعض ليلة **** ولا تعجلاني قد تبين ما بيا
و بأطراف الأسنة مضجعي **** وردا على عيني فضل ردائيا
ولا تحسداني بارك الله فيكما **** من الأرض ذات العرض أن توسع ليا
إلى آخر ذاك الصوت المتهدج ، والعويل الثاكل ، والصرخة المفجوعة التي ثارت حمماً من قلب هذا الشاعر المفجوع بنفسه المصاب في حياته .
إن الوعظ المحترق تصل كلماته إلى شغاف القلوب ، وتغوص في أعماق الروح ، لأنه يعيش الألم والمعاناة ، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً 
لا تعذل المشتاق في أشواقه **** حتى يكون حشاك في أحشائه
لقد رأيت دواوين لشعراء ولكنها باردة لا حياة فيها ولا روح ، لأنهم قالوها بلا عناء ، نظموها في رخاء ، فجاءت قطعاً من الثلج وكتلا من الطين
ورأيت مصنفات في الوعظ لا تهز في السمع شعرة ، ولا تحرك في المنصت ذرة ، لأنهم يقولونها بلا حرقة ولا لوعة ولا ألم ولا معاناة يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم 
فإذا أردت أن تؤثر بكلامك أو بشعرك ، فاحترق به أنت قبل ، وتأثر به ، وذقه وتفاعل معه، وسوف ترى أنك تؤثر في الناس ، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج 


الحلقة السادسة والثلاثون من كتاب لاتحزن

فـــــــــــــن الــســــــرور

فن السرور

من أعظم النعم سرور القلب ، واستقراره وهدوءه ، فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس ، وقالوا : إن السرور فن يدرس ، فمن عرف كيف يجلبه ويحصل عليه ، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار العيش ، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه .
والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال ، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث ، ولا ينزعج للتوافه وبحسب قوة القلب وصفائه تشرق النفس .
إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس ، رواحل للهموم والغموم والحزان ، فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات ، وخفت عليه الأزمات .
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا **** فأهون ما تمر به الوحول
ومن أعداء السرور ضيق الأفق ، وضحالة النظرة ، والاهتمام بالنفس فحسب ، ونسيان العالم وما فيه ، والله قد وصف أعداءه بأنهم أهمتهم أنفسهم، فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم ، فلا يفكرون في غيرهم ، ولا يعيشون لسواهم ، ولا يهتمون للآخرين إن علي وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحياناً ، ونبتعد عن ذواتنا أزماناً لننسي جراحنا وغمومنا وأحزاننا ، فنكسب أمرين : إسعاد أنفسنا ، وإسعاد الآخرين .
من الأصول في فن السرور : أن تلجم تفكيرك وتعصمه ، فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش ن فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح ، وأعاد عليك ملف الأحزان ، وقرأ عليك المآسي منذ ولدتك أمك إن التفكير إذا شرد أعاد لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف ، فزلزل وهز كيانك وأحرق مشاعرك ، فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد ،وتوكل على الحى الذي لا يموت
ومن الأصول أيضاً في دراسة السرور : أن تعطي الحياة قيمتها ، وأن تنزلها منزلتها ، فهي لهو ، ولا تستحق منك إلا الإعراض والصدود ، لأنها أم الهجر ومرضعة الفجائع ، وجالبة الكوارث ، فمن هذه صفتها كيف يهتم بها ، ويحزن على ما فات منها صفوها كدر ، وبرقها خلب ، ومواعيدها سراب بقيعة ، مولودها مفقود ، سيدها محسود ، ومنعمها مهدد ، وعاشقها مقتول بسيف غدرها . أبني أبينا نحن أهل منازل **** أبداً غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر **** جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الجبابرة الأكاسرة الألى **** كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بعيشه **** حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا **** أن الكلام لهم حلال مطلق
وفي الحديث : " إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم "
وفي فن الآداب : وإنما السرور باصطناعه واجتلاب بسمته ، واقتناص أسبابه ، وتكلف بوادره ، حتى يكون طبعاً .
إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم
حكم المنية في البرية جاري **** ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبراً **** ألفيته خبراً من الأخبار
طبعت على كدر ، وأنت تريدها **** صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها **** متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما **** تبني الرجاء على شفير هار
والعيش نوم والمنية يقظة **** والمرء بينهما خيال ساري
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما **** أعماركم سفر من الأسفار
وتركضوا خيل الشباب وبادروا **** أن تسترد فإنهن عوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالماً **** طبع الزمان عداوة الأحرار
والحقيقة التى لا ريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن ، لأن الحياة خلقت هكذا لقد خلقنا الإنسان في كبد ، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ، ليبلوكم أيكم أحسن عملا ، ولكن المقصود أن تخفف من حزنك وهمك وغمك ، أما قطع الحزن بالكلية فهذا في جنات النعيم ، ولذلك يقول المنعمون في الجنة :الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وهذا دليل على أنه لم يذهب عنه إلا هناك ، كما أن كل الغل لا يذهب إلا في الجنة ، ونزعنا ما في صدورهم من غل  ، فمن عرف حالة الدنيا وصفتها ، عذرها على صدودها وجفائها وغدرها ، وعلم أن هذا طبعها وخلقها ووصفها .
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا **** فكأنها حلفت لنا أن لا تفي
فإذا كان الحال ما وصفنا والأمر كما ذكرنا ، فحري بالأريب النابه أن لا يعينها على نفسه ، بالاستسلام للكدر والهم والغم والحزن ، بل يدافع هذه المنغصات بكل ما أوتى من قوة ،وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم  ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا

وقفـــــــــــــــــة

لا تحزن : إن كنت فقيراً فغيرك محبوس في دين ، وإن كنت لا تملك وسيلة نقل ، فسواك مبتور القدمين ، وإن كنت تشكو من آلام فالآخرون مرقدون على الأسرة البيضاء ومن سنوات ، وإن فقدت ولداً فسواك فقد عدداً من الأولاد في حادث واحد .
لا تحزن : لأنك مسلم آمنت بالله وبرسله وملائكته واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره ، وأولئك كفروا بالرب وكذبوا الرسل واختلفوا في الكتاب ، وجحدوا اليوم الآخر ، وألحدوا في القضاء والقدر .
لا تحزن : إن أذنبت فتب ، وإن أسأت فاستغفر ، وإن أخطأت فأصلح ، فالرحمة واسعة ، والباب مفتوح ، والغفران جم ، والتوبة مقبولة .
لا تحزن : لأنك تقلق أعصابك ، وتهز كيانك وتتعب قلبك ، وتقض مضجعك ، وتسهر ليلك .
قال الشاعر :
ولرب نازلة يضيق بها الفتى **** ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها **** فرجت وكان يظنها لا تفرج




الحلقة السابعة والثلاثون من كتاب لا تحزن

ضــــــــــبـــــــط الـــــعـــــواطــــــــف

تتأجج العواطف وتعصف المشاعر عند سببين : عند الفرحة الغامرة ، والمصيبة الداهمة ، وفي الحديث :" إن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نعمة ، وصوت عند مصيبة " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم  ولذلك قال  :" إنما الصبر عند الصدمة الأولى " فمن ملك مشاعره عند الحدث الجاثم وعند الفرح الغامر ، استحق مرتبة الثبات ومنزلة الرسوخ ، ونال سعادة الراحة ، ولذة الانتصار على النفس ، والله جل في علاه وصف الإنسان بأنه فرح فخور ، وإذا مسه الشر جزوعاً ، وإذا مسه الخير منوعاً ، إلا المصلين فهم على وسطية في الفرح والجزع ، يشكرون في الرخاء ويصبرون في البلاء .
إن العواطف الهائجة تتعب صاحبها أيما تعب ، وتعنيه وتؤلمه وتؤرقه ، فإذا غضب احتد وأزبد وأرعد وتوعد وثارت مكامن نفسه ، والتهبت حشاشته ، فيتجاوز العدل ، وإن فرح طرب وطاش ، ونسي محاسنه وطمس فضائله ، وإذا أحب آخر خلع عليه أوسمة التبجيل وأوصله إلى ذروة الكمال وفي الأثر : " أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوما ما " وفي الحديث : " وأسالك العدل في الغضب والرضا "
فمن ملك عاطفته وحكم عقله ، ووزن الأشياء وجعل لكل شيء قدراً ، أبصر الحق وعرف الرشد ووقع على الحقيقة ، لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط 
إن الإسلام جاء بميزان القيم والأخلاق والسلوك مثلما جاء بالنهج السوي والشرع الرضي والملة المقدسة ، وكذلك جعلناكم أمة وسطا  ، فالعدل مطلب ملح في المثل مثلما هو مطلوب في الأحكام ، فإن الدين بني على الصدق والعدل ، الصدق في الأخبار ، والعدل في الأحكام والأقوال والأفعال والأخلاق ، وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً



الحلقة الثامنة والثلاثون من كتاب لاتحزن
ســـعـــادة الــــصـــــحـــابةِ بمــــحمـــــد صلى الله عليه وسلم


لقد جاء رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى الناس بالدعوة الربانية ، ولم يكن له دعاية من دنيا ، فلم يلق إليه كنز ، وما كانت له جنة يأكل منها ، ولم يسكن قصراً ، فأقبل المحبون يبايعون على شظف من العيش ، وذروة من المشقة ، يوم كانوا قليلاً مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم ، ومع ذلك أحبه أتباعه كل الحب .
حوصروا في الشعب ، وضيق عليهم في الرزق ، وابتلوا في السمعة وحوربوا من القرابة ، وأوذوا من الناس ، ومع هذا أحبوه كل الحب .
سحب بعضهم على الرمضاء ، وحبس آخرون في العراء ، ومنهم من تفنن الكفار في تعذيبه وتأنقوا في النكال به ، ومع هذا أحبوه كل الحب .
سلبوا أوطانهم ودورهم وأهليهم وأموالهم ، طردوا من مراتع صباهم وملاعب شبابهم ومغاني أهلهم ، ومع هذا أحبوه كل الحب .
ابتلي المؤمنون بسبب دعوته ، وزلزلوا زلزالاً شديداً ، وبلغت منهم القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا ومع هذا أحبوه كل الحب .
عرض صفوة شبابهم للسيوف المصلتة فكانت على رؤوسهم كأغصان الشجرة الوارفة.
وكأن ظل السيف ظل حديقة **** خضراء تنبت حولنا الأزهارا
وقد رجالهم للمعركة فكانوا يأتون الموت كأنهم في نزهة ، أو في ليلة عيد ، لأنهم أحبوه كل الحب .
يرسل أحدهم برسالة ويعلم أنه لن يعود بعدها إلى الدنيا فيؤدي رسالته ويبعث الواحد منهم في مهمة ويعلم أنها النهاية فيذهب راضياً لأنهم أحبوه كل الحب .
ولكن لماذا أحبوه وسعدوا برسالته ، واطمأنوا لمنهجه واستبشروا بقدومه ، ونسوا كل ألم وكل مشقة وجهد ومعاناة من أجل اتباعه ؟
إنهم رأوا فيه كل معاني الخير والفرح وكل علامات البر والحق ، لقد كان آية للسائلين في معالي الأمور . لقد أبرد غليل قلوبهم بحنانه ، وأثلج صدورهم بحديثه ، وأفعم أرواحهم برسالته .
لقد سكب في قلوبهم الرضا ، فما حسبوا للآلام في سبيل دعوته حساباً وأفاض على نفوسهم من اليقين ما أنساهم كل جرح وكدر وتنغيص .
صقل ضمائرهم بهداه ، وأنار بصائرهم بسناه ، ألقى عن كواهلهم آصار الجاهلية ، وحط عن ظهورهم أوزار الوثنية ، وخلع من رقابهم تبعات الشرك والضلال ن وأطفأ من أرواحهم نار الحقد والعداوة ، وصب على المشاعر ماء اليقين ، فهدأت نفوسهم وسكنت أبدانهم ، واطمأنت قلوبهم وبردت أعصابهم .
وجدوا لذة العيش معه ، والأنس في قربه ، والرضا في رحابه ، والأمن في اتباعه ، والنجاة في امتثال أمره ، والغنى في الاقتداء به
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين  ، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم  ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، هو الذي بعث في الأمين رسولاً منهم يتلوا عليهم آيته ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين  ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم  ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها
لقد كانوا سعداء حقاً مع إمامهم وقدوتهم ، وحق لهم أن يسعدوا ويبتهجوا .
يا ليلة الجزع هلا عدت ثانية **** سقى زمانك هطال من الديم
اللهم صل وسلم على محرر العقول من أغلال الانحراف ، ومنقذ النفوس من ويلات الغواية ، وارض عن الأصحاب والأمجاد ، جزاء ما بذلوا وقدموا .