another moon
02-10-2007, 02:55 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,,
-
-
-
-
-
-
http://www.upload2world.com/pic50/upload2world_d9b6c.jpg (http://www.upload2world.com)
يحكى أن نملة عاشت في بيتٍ للنمل في مزرعة تملأ جوانبها بيوت النمل , كانت بالضبط 231 بيتا للنمل ,
منها الكبير و منها الصغير , منها ما هو مليء بالنمل و منها ما يكاد يخلو منهن , و كان يحكم كل بيت
منهم ملكة تأمر و تنهى , و تدبر شؤون البيت , و تسن القوانين و لا يعصى لها أمر أبدا , من تلكم الملكات
من راقبت الله في شعبها و منهن من عتت في أرض المزرعة فسادا , و لم تكن تلك البيوت متساوية في القدر ,
و لا في المكانة , بيوت علا شأنها و لعبت دورا هاما في تقدم شعوب النمل و رخائها , و بيوت أخرى كان وجودها كعدمه ,
كان يربط تلك البيوت علاقات سياسية و اقتصادية متينة , و لكن كثير من تلك العلاقات في الواجهة فقط ,
أما في الخفاء فكثيرا ما كانت تُحاك المؤامرات السوداء في ظلام الليل الحالك السواد !
,,,
بطلتنا هي نملة عاشت في أحد بيوت النمل الضعيفة نسبيا , كانت تدعى " عنبرة " , كانت نملتنا تستيقظ
متأخرا , و كانت _ كسائر شعبها _ لا تتقن العمل كثيرا , بل كان شعارها في الحياة هو بذل أقل الجهد للحصول
على أبسط مقومات العيش المرفه , لم تكن تملك ذلك الطموح الذي يسير بها للأعالي , لم تكن بذلك شاذة عما
كانت عليه زميلاتها , و لكنها كانت نملة لوامة , تعرف الخطأ و تعرف الصواب , و لكنها أيضا كانت نملة لا
تملك همة عالية , فالأوضاع المحيطة بها لم تكن تشجعها على المضي للأمام , و هي تدرك هذا كله , و لكن الذي
لا تعرفه هو السبب في ما هي عليه من الكسل !
,,,
بيت للنمل آخر يقع بعيدا عن موطن عنبرة , عاش فيه شعبه على النقيض من شعب بطلتنا , كانوا يستيقظون
باكرا و يبدؤون الجد , يجمعون الحبوب و فتات الخبز لقوت يومهم و يخزنون منه جزءا تحرزا , كانوا يتميزون
بعلو كلمتهم في المجتمع النملي , و كانوا يلعبون دورا هاما في صياغة العلاقات المختلفة بين شعوب النمل في أرض المزرعة ,
ربطتهم بشعب عنبرة تلك العلاقات التي تحدثت عنها في بداية حديثي .
,,,
استيقظت عنبرة ذات ظهر و خرجت من حجرتها و رأت جماعة من النملات يتبادلن أطراف الحديث مع بعضهن و يتناولن الشاي
مع الفصفص و الكعك , فدعتها إحداهن إلى جلستهن المثيرة , انضمت إليهن عنبرة مسرورة و بدأت في
" الفصفصة " معهن مستمتعين جميعا بأحاديث مثيرة عن النملة الفلانية و النملة العلانية , استمرت أحاديثهن
حتى الساعة الرابعة عصرا , تبادلن خلال تلك الجلسة النكات و القصص و الحسنات و السيئات , و بعد
ذلك قمن من مجلسهن مخلفات ورائهن أوراق المناديل و العلب و قشور الفصفص و بقايا سائل الشاي ,
التفت إليهن عنبرة و قالت ( هييه , تعالين لنزيل ما خلفناه وراءنا ) فردت إحداهن ( يا شيخة , دقائق
و يأتي عامل النظافة و يعمل ما عليه ) سكتت عنبرة و لحقت بهن .
,,,
كانت عنبرة في طريقها للدوام عندما رأت صغار النمل يمسكون بعلبة طلاء و فرشاة و يلونون بخبث
جدار حجرة أحد جيرانهم , أحست عنبرة حينها بالمسؤولية , و اتجهت إلى هذه المخلوقات الشريرة
و هي تصرخ عليهن متوعدة إياهن بالويل و الثبور , فلما رأوها مقبلة إليهم انتشروا كالجراد المبثوث
مطلقين ضحكاتهم في الهواء , و عندما بدأت تشعر عنبرة بالرضا عن نفسها و السعادة إذا بها تفاجئ بإحدى هذه النملات
الصغيرات تلتفت إليها و ترميها بحجرة صغيرة و تصرخ فيها ( خيييييييييير , ما شأنكِ أنت ِ) , هنا
شعرت عنبرة بالغضب و الحقد تجاههن بعد أن كانت تحس بالمسؤولية تجاههن , و لكنها لم تستطع
أن تمسك بتلك الصغيرة لأنها هربت و اختبأت بين الحجرات .
,,,
عندما انتهت عنبرة من الدوام , أخذت سيارة زميلتها لتعود إلى حجرتها , انطلقت السيارة بعنبرة في
شوارع القرية , كان الطريق مزدحما بعض الشيء و كانت تسير في مسارها في أمان الله و إذا بها
تفاجئ بسيارة من المسار الآخر تغير مسارها فجأة وتحتك بسيارة عنبرة قليلا , هنا جن جنونها و ضربت
المنبه بكل قوتها , و لكن صاحبة السيارة الأخرى مضت في طريقها و كأن شيئا لم يكن .
,,,
دخلت عنبرة حجرتها , و اتجهت إلى دورة المياه _ أعزكم الله _ لتغتسل , ثم رأت والدتها متجهة نحوها
بعصاها الخشبية المصنوعة من عود ثقاب مكسور و نظارتها الدائرية الذهبية الإطارات , كانت تمسك العصا
بيمينها و " الراديو " بشمالها و هي ترفعه إلى الأعلى عند أذنيها , ابتسمت عنبرة في وجهها حالما رأتها ,
لطالما كانت رؤية عنبرة والدتها تبعث السرور في نفسها , و تجعلها تشعر بشعور فريد لا تشعر به إلا عندما
ترى تجاعيد وجهها , قالت الأم و هي تمر بجانب عنبرة ( الله يستر ! بيت قارع و سور الطين قد ضربوا من
قبل بيت كورن فليكس بمعاونة من صراصير البالوعة في منزل المزرعة , الله يستر ) , ابتسمت عنبرة , فمنذ
اشترت لوالدتها ذلك الجهاز أصبحت تعرف بما كل يحدث في العالم من " مسلسلات " سياسية هزلية , و
لكنها في ذات الوقت شعرت بخوف بسيط , فالأوضاع السياسية في المنطقة لا تُطمئن أبدا , و البيوت
المسيطرة أصبحت على بعد خطوة أو خطوتين من الهجوم , قطع رنين هاتفها المحمول حبل أفكارها , كانت
صديقتها " زعفرانة " تدعوها لجلسة سمر ستقيمها النملات بعد صلاة العشاء , أنهت عنبرة المكالمة بعد
موافقتها على الحضور , ثم فتحت باب غرفتها لتنعم بساعتي قيلولة .
,,,
بعد صلاة العشاء اجتمعت النملات و قد أحضرن معدات السمر : الشاي , الفصفص , القهوة , و ورق البلوت ,
انقسمت النملات لقسمين , قسم يلعب البلوت و القسم الآخر أخذن يتبادلن أطراف الحديث , و فيما هن مستغرقات
في السوالف قالت عنبرة فجأة ( هل علمتن بما حدث في قارع و سور الطين ؟ ) ردت زعفرانة و هي ترتشف
الشاي ببرود( ماذا أيضا ! ) , امتعضت عنبرة من برودهن و لكنها تابعت ( لقد ضُربت بصواريخ طينية مسممة , و يُعتقد أن دور بيتنا قد دنا )
قالت " قرنفلة " بثقة:( لا , نحن علاقتنا متينة جدا ببيت كورن فليكس ) , ردت عنبرة ( و كيف يمكنك
أن تكوني متأكدة بهذا الشكل ؟ مابين طرفة عين و انتباهتها , يبدل الله من حال إلى حال ) , هنا قالت زعفرانة
بانزعاج ( أرجوك , اتركي السياسة و ارتاحي ) ثم أردفت موجهة كلامها للأخريات ( هل علمتن بما حدث
لـ " دعبولة " ؟ ) بدأت النملات يتضاحكن فيما بينهن ثم قلن في نفسٍ واحد ( ماذا؟ ) , ثم قالت عنبرة و هي
تحاول منع ضحكتها من الظهور ( حرامٌ عليكِ , استريها ) و لكن زعفرانة تجاهلتها قائلة بصوت مشوب
بضحك ( لقد ذكرت لي صباح اليوم أن ابن الملكة خطبها و عرض عليها نصف أملاك البيت و لكنها رفضت و
أنه الآن يمر بحالة نفسية حادة لرفضها له ) هنـــــــــــا تصاعدت ضحكات النملات بقوة
( كااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااك ) فقد أصبحت كذبات دعبولة مصدرا للترويح على النفس
لهن بعد أن كانت تغضبهن بكثرتها و سخافتها!
,,,
المكان : غرفة وزير الدولة ببيت كورن فليكس , الزمان : الساعة الثالثة صباحا , الأوضاع : وزراء
الدفاع في كل من : بيت كراميل , و بسابيس , و أبو جلمبو , يخططون من فائدة كل من : بيت الكفوف ,
العمارة , البسبوسة , صقر , المعول , الفانوس , البلوط , الرأسان , بيتوتي , بالنسبة لهم , بعد ثلاث ساعات
و بعد اجتماع دام 11 ساعة تقرر حذف بيت البسبوسة من على خارطة المزرعة !
,,,
في بيت البسبوسة , و ذات يوم , كانت عنبرة جالسة في مكتبها مع زعفرانة و زميلات أخريات فإذا بها ترى
قرنفلة مسرعة نحوهن , و ما إن وصلت إليهن حتى سكتت حتى تلتقط أنفاسها , ثم قالت و ابتسامة عريضة
قد ارتسمت على محياها ( اليووووووم ,, سننضم مسيرات طويلة في الشوارع الرئيسية للاحتفال ) قالت
عنبرة ( الاحتفال بماذا ؟ ) رمت عليها قرنفلة نظرة غاضبة ثم قالت ( صدق ما عندك و طنية ! ) هنا ابتسمت
عنبرة و تمتمت ( آها , الآن تظهر الوطنية ) , قالت زعفرانة ( راااائع , سننضم إليكم , يا الله , سوف نستمتع كثيرا )
قالت عنبرة ( أنا أعتذر , لن آتي معكن ) التفتت عليها النملات بغضب قائلات لها ( مااااذا ؟ و ما الذي يمنعك من
الحضور ؟ هذا وطنك و يجب أن تحتفلي بيومه الأول ) نظرت إليهن نظرة تحدي و هي تقول ( أنا أملك من
الوطنية ما لا تملكن أنتن نصفه ! ) ردت زعفرانة بقولها ( صحيح ! و الدليل رفضك للذهاب معنا , هيا بنا لننطلق ,
ستنطلق المسيرات قريبا ) , قالت زعفرانة و هي تخرج موجهة كلامها لعنبرة ( متى ما استيقظت وطنيتك الحقي بنا ! ) .
,,,
اتجهت عنبرة إلى المنزل بسيارتها , و ما أن وصلت إلى أول شارع رئيسي , حتى فاجئتها المسيرات الكثيفة للاحتفال ,
كانت النملات قد خرجن بسياراتهن للاحتفال و هن يحملن الأعلام و الصور , و يتراقصن في شوارع القرية ,
و يغنين أغانٍ وطنية , و أصوات المنبهات و المسجلات تصدح في كل مكان , كانت الفوضى تعم المكان ,
و الإزعاج يسبب الصداع المزمن ! كانت عنبرة في منتصف الطريق فقط و قد مر على وجودها في السيارة
ساعة كاملة ! و في أثناء ما كانت النملات مستغرقات في الغناء و الرقص و الاحتفال إذا مجوعة من الطائرات الصغيرة
نسبيا تحلق في السماء , لم تمر سوى لحظات معدودة حتى أتت مجموعة ثانية و ثالثة , و في حركة مسرحية
أطلقت تلك الطائرات صواريخ قمحية مدمرة , جعلت أشلاء النملات تتطاير في السماء , هنا زاد الصراخ و علت
الأصوات , ليس من فرح أو طرب و لكن من خوف و هلع , حاولت النملات الهروب و لكن الصواريخ لم تكن لترحمهن ,
فغرت عنبرة فاها و فتحت عينيها , و هي ترى النملات تتقطع أجسادهن فوج بعد فوج و جماعة بعد جماعة
, ترجلت عنبرة من السيارة و همت بالهروب و لكن قطعة حديد من إحدى السيارات ضربتها بقوة جعلتها تطير
قليلا في السماء ثم تقع مضرجة بدمائها , أحست عنبرة بالموت يدنو منها , اختلطت دموعها بدمائها و هي تقول
( وطنيتنا رقص و احتفال !
وطنيتنا شعارات تُرفع و أعلام ترفرف !
وطنيتنا مظهر بريء من الجوهر !
تبا لنا , تبا لنا , ثم تبا لنا ! )
رفعت عنبرة رأسها للسماء فإذا بها ترى صاروخا يسقط عليها كحد المقصلة , لمحت من بعيد شعار بيت كورن فليكس
ثم سقط الصاروخ القمحي المدمر بالقرب منها فخرت صريعة !
-
-
-
-
-
-
Another Moon
-
-
-
-
-
-
http://www.upload2world.com/pic50/upload2world_d9b6c.jpg (http://www.upload2world.com)
يحكى أن نملة عاشت في بيتٍ للنمل في مزرعة تملأ جوانبها بيوت النمل , كانت بالضبط 231 بيتا للنمل ,
منها الكبير و منها الصغير , منها ما هو مليء بالنمل و منها ما يكاد يخلو منهن , و كان يحكم كل بيت
منهم ملكة تأمر و تنهى , و تدبر شؤون البيت , و تسن القوانين و لا يعصى لها أمر أبدا , من تلكم الملكات
من راقبت الله في شعبها و منهن من عتت في أرض المزرعة فسادا , و لم تكن تلك البيوت متساوية في القدر ,
و لا في المكانة , بيوت علا شأنها و لعبت دورا هاما في تقدم شعوب النمل و رخائها , و بيوت أخرى كان وجودها كعدمه ,
كان يربط تلك البيوت علاقات سياسية و اقتصادية متينة , و لكن كثير من تلك العلاقات في الواجهة فقط ,
أما في الخفاء فكثيرا ما كانت تُحاك المؤامرات السوداء في ظلام الليل الحالك السواد !
,,,
بطلتنا هي نملة عاشت في أحد بيوت النمل الضعيفة نسبيا , كانت تدعى " عنبرة " , كانت نملتنا تستيقظ
متأخرا , و كانت _ كسائر شعبها _ لا تتقن العمل كثيرا , بل كان شعارها في الحياة هو بذل أقل الجهد للحصول
على أبسط مقومات العيش المرفه , لم تكن تملك ذلك الطموح الذي يسير بها للأعالي , لم تكن بذلك شاذة عما
كانت عليه زميلاتها , و لكنها كانت نملة لوامة , تعرف الخطأ و تعرف الصواب , و لكنها أيضا كانت نملة لا
تملك همة عالية , فالأوضاع المحيطة بها لم تكن تشجعها على المضي للأمام , و هي تدرك هذا كله , و لكن الذي
لا تعرفه هو السبب في ما هي عليه من الكسل !
,,,
بيت للنمل آخر يقع بعيدا عن موطن عنبرة , عاش فيه شعبه على النقيض من شعب بطلتنا , كانوا يستيقظون
باكرا و يبدؤون الجد , يجمعون الحبوب و فتات الخبز لقوت يومهم و يخزنون منه جزءا تحرزا , كانوا يتميزون
بعلو كلمتهم في المجتمع النملي , و كانوا يلعبون دورا هاما في صياغة العلاقات المختلفة بين شعوب النمل في أرض المزرعة ,
ربطتهم بشعب عنبرة تلك العلاقات التي تحدثت عنها في بداية حديثي .
,,,
استيقظت عنبرة ذات ظهر و خرجت من حجرتها و رأت جماعة من النملات يتبادلن أطراف الحديث مع بعضهن و يتناولن الشاي
مع الفصفص و الكعك , فدعتها إحداهن إلى جلستهن المثيرة , انضمت إليهن عنبرة مسرورة و بدأت في
" الفصفصة " معهن مستمتعين جميعا بأحاديث مثيرة عن النملة الفلانية و النملة العلانية , استمرت أحاديثهن
حتى الساعة الرابعة عصرا , تبادلن خلال تلك الجلسة النكات و القصص و الحسنات و السيئات , و بعد
ذلك قمن من مجلسهن مخلفات ورائهن أوراق المناديل و العلب و قشور الفصفص و بقايا سائل الشاي ,
التفت إليهن عنبرة و قالت ( هييه , تعالين لنزيل ما خلفناه وراءنا ) فردت إحداهن ( يا شيخة , دقائق
و يأتي عامل النظافة و يعمل ما عليه ) سكتت عنبرة و لحقت بهن .
,,,
كانت عنبرة في طريقها للدوام عندما رأت صغار النمل يمسكون بعلبة طلاء و فرشاة و يلونون بخبث
جدار حجرة أحد جيرانهم , أحست عنبرة حينها بالمسؤولية , و اتجهت إلى هذه المخلوقات الشريرة
و هي تصرخ عليهن متوعدة إياهن بالويل و الثبور , فلما رأوها مقبلة إليهم انتشروا كالجراد المبثوث
مطلقين ضحكاتهم في الهواء , و عندما بدأت تشعر عنبرة بالرضا عن نفسها و السعادة إذا بها تفاجئ بإحدى هذه النملات
الصغيرات تلتفت إليها و ترميها بحجرة صغيرة و تصرخ فيها ( خيييييييييير , ما شأنكِ أنت ِ) , هنا
شعرت عنبرة بالغضب و الحقد تجاههن بعد أن كانت تحس بالمسؤولية تجاههن , و لكنها لم تستطع
أن تمسك بتلك الصغيرة لأنها هربت و اختبأت بين الحجرات .
,,,
عندما انتهت عنبرة من الدوام , أخذت سيارة زميلتها لتعود إلى حجرتها , انطلقت السيارة بعنبرة في
شوارع القرية , كان الطريق مزدحما بعض الشيء و كانت تسير في مسارها في أمان الله و إذا بها
تفاجئ بسيارة من المسار الآخر تغير مسارها فجأة وتحتك بسيارة عنبرة قليلا , هنا جن جنونها و ضربت
المنبه بكل قوتها , و لكن صاحبة السيارة الأخرى مضت في طريقها و كأن شيئا لم يكن .
,,,
دخلت عنبرة حجرتها , و اتجهت إلى دورة المياه _ أعزكم الله _ لتغتسل , ثم رأت والدتها متجهة نحوها
بعصاها الخشبية المصنوعة من عود ثقاب مكسور و نظارتها الدائرية الذهبية الإطارات , كانت تمسك العصا
بيمينها و " الراديو " بشمالها و هي ترفعه إلى الأعلى عند أذنيها , ابتسمت عنبرة في وجهها حالما رأتها ,
لطالما كانت رؤية عنبرة والدتها تبعث السرور في نفسها , و تجعلها تشعر بشعور فريد لا تشعر به إلا عندما
ترى تجاعيد وجهها , قالت الأم و هي تمر بجانب عنبرة ( الله يستر ! بيت قارع و سور الطين قد ضربوا من
قبل بيت كورن فليكس بمعاونة من صراصير البالوعة في منزل المزرعة , الله يستر ) , ابتسمت عنبرة , فمنذ
اشترت لوالدتها ذلك الجهاز أصبحت تعرف بما كل يحدث في العالم من " مسلسلات " سياسية هزلية , و
لكنها في ذات الوقت شعرت بخوف بسيط , فالأوضاع السياسية في المنطقة لا تُطمئن أبدا , و البيوت
المسيطرة أصبحت على بعد خطوة أو خطوتين من الهجوم , قطع رنين هاتفها المحمول حبل أفكارها , كانت
صديقتها " زعفرانة " تدعوها لجلسة سمر ستقيمها النملات بعد صلاة العشاء , أنهت عنبرة المكالمة بعد
موافقتها على الحضور , ثم فتحت باب غرفتها لتنعم بساعتي قيلولة .
,,,
بعد صلاة العشاء اجتمعت النملات و قد أحضرن معدات السمر : الشاي , الفصفص , القهوة , و ورق البلوت ,
انقسمت النملات لقسمين , قسم يلعب البلوت و القسم الآخر أخذن يتبادلن أطراف الحديث , و فيما هن مستغرقات
في السوالف قالت عنبرة فجأة ( هل علمتن بما حدث في قارع و سور الطين ؟ ) ردت زعفرانة و هي ترتشف
الشاي ببرود( ماذا أيضا ! ) , امتعضت عنبرة من برودهن و لكنها تابعت ( لقد ضُربت بصواريخ طينية مسممة , و يُعتقد أن دور بيتنا قد دنا )
قالت " قرنفلة " بثقة:( لا , نحن علاقتنا متينة جدا ببيت كورن فليكس ) , ردت عنبرة ( و كيف يمكنك
أن تكوني متأكدة بهذا الشكل ؟ مابين طرفة عين و انتباهتها , يبدل الله من حال إلى حال ) , هنا قالت زعفرانة
بانزعاج ( أرجوك , اتركي السياسة و ارتاحي ) ثم أردفت موجهة كلامها للأخريات ( هل علمتن بما حدث
لـ " دعبولة " ؟ ) بدأت النملات يتضاحكن فيما بينهن ثم قلن في نفسٍ واحد ( ماذا؟ ) , ثم قالت عنبرة و هي
تحاول منع ضحكتها من الظهور ( حرامٌ عليكِ , استريها ) و لكن زعفرانة تجاهلتها قائلة بصوت مشوب
بضحك ( لقد ذكرت لي صباح اليوم أن ابن الملكة خطبها و عرض عليها نصف أملاك البيت و لكنها رفضت و
أنه الآن يمر بحالة نفسية حادة لرفضها له ) هنـــــــــــا تصاعدت ضحكات النملات بقوة
( كااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااك ) فقد أصبحت كذبات دعبولة مصدرا للترويح على النفس
لهن بعد أن كانت تغضبهن بكثرتها و سخافتها!
,,,
المكان : غرفة وزير الدولة ببيت كورن فليكس , الزمان : الساعة الثالثة صباحا , الأوضاع : وزراء
الدفاع في كل من : بيت كراميل , و بسابيس , و أبو جلمبو , يخططون من فائدة كل من : بيت الكفوف ,
العمارة , البسبوسة , صقر , المعول , الفانوس , البلوط , الرأسان , بيتوتي , بالنسبة لهم , بعد ثلاث ساعات
و بعد اجتماع دام 11 ساعة تقرر حذف بيت البسبوسة من على خارطة المزرعة !
,,,
في بيت البسبوسة , و ذات يوم , كانت عنبرة جالسة في مكتبها مع زعفرانة و زميلات أخريات فإذا بها ترى
قرنفلة مسرعة نحوهن , و ما إن وصلت إليهن حتى سكتت حتى تلتقط أنفاسها , ثم قالت و ابتسامة عريضة
قد ارتسمت على محياها ( اليووووووم ,, سننضم مسيرات طويلة في الشوارع الرئيسية للاحتفال ) قالت
عنبرة ( الاحتفال بماذا ؟ ) رمت عليها قرنفلة نظرة غاضبة ثم قالت ( صدق ما عندك و طنية ! ) هنا ابتسمت
عنبرة و تمتمت ( آها , الآن تظهر الوطنية ) , قالت زعفرانة ( راااائع , سننضم إليكم , يا الله , سوف نستمتع كثيرا )
قالت عنبرة ( أنا أعتذر , لن آتي معكن ) التفتت عليها النملات بغضب قائلات لها ( مااااذا ؟ و ما الذي يمنعك من
الحضور ؟ هذا وطنك و يجب أن تحتفلي بيومه الأول ) نظرت إليهن نظرة تحدي و هي تقول ( أنا أملك من
الوطنية ما لا تملكن أنتن نصفه ! ) ردت زعفرانة بقولها ( صحيح ! و الدليل رفضك للذهاب معنا , هيا بنا لننطلق ,
ستنطلق المسيرات قريبا ) , قالت زعفرانة و هي تخرج موجهة كلامها لعنبرة ( متى ما استيقظت وطنيتك الحقي بنا ! ) .
,,,
اتجهت عنبرة إلى المنزل بسيارتها , و ما أن وصلت إلى أول شارع رئيسي , حتى فاجئتها المسيرات الكثيفة للاحتفال ,
كانت النملات قد خرجن بسياراتهن للاحتفال و هن يحملن الأعلام و الصور , و يتراقصن في شوارع القرية ,
و يغنين أغانٍ وطنية , و أصوات المنبهات و المسجلات تصدح في كل مكان , كانت الفوضى تعم المكان ,
و الإزعاج يسبب الصداع المزمن ! كانت عنبرة في منتصف الطريق فقط و قد مر على وجودها في السيارة
ساعة كاملة ! و في أثناء ما كانت النملات مستغرقات في الغناء و الرقص و الاحتفال إذا مجوعة من الطائرات الصغيرة
نسبيا تحلق في السماء , لم تمر سوى لحظات معدودة حتى أتت مجموعة ثانية و ثالثة , و في حركة مسرحية
أطلقت تلك الطائرات صواريخ قمحية مدمرة , جعلت أشلاء النملات تتطاير في السماء , هنا زاد الصراخ و علت
الأصوات , ليس من فرح أو طرب و لكن من خوف و هلع , حاولت النملات الهروب و لكن الصواريخ لم تكن لترحمهن ,
فغرت عنبرة فاها و فتحت عينيها , و هي ترى النملات تتقطع أجسادهن فوج بعد فوج و جماعة بعد جماعة
, ترجلت عنبرة من السيارة و همت بالهروب و لكن قطعة حديد من إحدى السيارات ضربتها بقوة جعلتها تطير
قليلا في السماء ثم تقع مضرجة بدمائها , أحست عنبرة بالموت يدنو منها , اختلطت دموعها بدمائها و هي تقول
( وطنيتنا رقص و احتفال !
وطنيتنا شعارات تُرفع و أعلام ترفرف !
وطنيتنا مظهر بريء من الجوهر !
تبا لنا , تبا لنا , ثم تبا لنا ! )
رفعت عنبرة رأسها للسماء فإذا بها ترى صاروخا يسقط عليها كحد المقصلة , لمحت من بعيد شعار بيت كورن فليكس
ثم سقط الصاروخ القمحي المدمر بالقرب منها فخرت صريعة !
-
-
-
-
-
-
Another Moon