المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية الشيخ الشهيد عمر المختـــار



abeali
16-12-2001, 03:06 AM
الشيخ الشهيد عمر المختـــار

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن بآثارهم اقتفى وبعد

فقد كان الشيخ رمزا للهمم العالية ، وقدوة في العزائم الصلبة الحازمة ، وأسوة في الذود عن المبادئ الراقية ، رأى إيطاليا النصرانية وهي تجلب على البلد بخيلها ورجلها وتتغلغل بحدها وحديدها ، فوقف أمامها طودا شامخا وواجهها جبلا راسيا ، ولسان حاله يقول للحيارى المرتابين مناديا بصوت الواثقين المستيقنين: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين) لم تثنه الأعاصير أو تهزه العواصف أو تضعضعه الزلازل ، تحطمت عليه آمالهم فغدت كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، وغارت بشجاعته وبسالته آلامهم فسالت دماؤهم أنهرا وامتلأت به الأرض أبحرا ، كلما أخذوا مطارقهم لدقه ازداد بها ثباتا ورسوخا وشموخا ، ورجعت عليهم خيبة وحسرة وحيرة ، أسرت بطولاته ألباب أعدائه ، فأقعدتهم أغلال الخوف والهلع والفزع من وقع صيحاته وتكبيراته ، وحير صبره ومصابرته جموع أصحابه ، فكان بذلك أهلا لقيادتهم في خوض معامع الحرب الطاحنة ، استجدته الشيخوخة بأن يشفق على جسده الذي وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا ، ولكن أرجعته قوة الإيمان ويقين العقيدة وتحمل المسؤولية وحلاوة الجهاد إلى ريعان الشباب غضا طريا ، كان شيخا في جسده وبدنه شابا يافعا في همته وصبره وقوته ، أراد أن يعلم الجيل بل الأجيال أن ِسيَر شيوخ الصحابة أمثال أبي أيوب الأنصاري - الذي تفتخر القسطنطينية بمثواه - لا يمكن أن تتلاشى إذا ما وجد رجالها وقام لها أبطالها وأهلها ، وليقول لضعاف النفوس ومهزوزي القلوب إن الجهاد ليس حكرا على الشباب ، فصال وجال وكر فر وقتل وغنم وأرهب وأرعب ، طربت بوقع فرسه ساحات الوغى ، وتعطرت بعبير باروده أشجار الجبل الأخضر فاهتزت فرحا ، وتغنت بدوي رصاصه أوديته فزغرد بين جباله الصدى ، واستأنست بمقدمه وسكناه كهوفه ولسان حالها : حللت أهلا ونزلت سهلا ، ألفته الخيل وألفها وعرفته وعرفها فكان حاديه معها ورفيقه فوق صهواتها

والعز في صهوات الخيل مركبه - والمجد ينتجه الإسراء والسهر

فأبى فرسه بعد طول صحبة إلا أن يسقط وإياه ، ورفض أن يسلمه من ذروة السنام ومواضع العز والمجد إلا إلى عز الشهادة ونعيم الجنان فمضى شهيدا – نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله –كما يمضي الأبطال في ساحات النزال ، مدافعا عن دينه وعقيدته ومطهرا لأرضه ووطنه من رجس الصليب لتبقى كلمة الله عالية تناطح الثريا ، وتتمرغ كلمة الكفر في أوحال الثرى ذليلة مهينة

فحق للشاعر بعدها أن يتوجك بدرة تبرق فوق هام الزمان

مضى عمر المختار لله هانئـــا - سعيدا شهيدا وانطوت صفحة العمر

مخلفة للعالمين مـــــآثـرا - هي الغرر البيضاء في جبهة الدهـر

ومن دمه المسفوك سطر آيــة - سيحفظها التاريخ بالحمد والشكــر

فلله درك يا عمر وقد جاوزت السبعين فما كللت ولا مللت ولا ضعفت ولا وهنت فمضيت وقد أبقيت درسا لأبنائك منحوتا في ذاكرة التاريخ ، عنوانه : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) ، وختمه : ( والعاقبة للمتقين ) ، فبقي درسك حافزا متألقا سامقا لمن أراد أن يقرأه ليعتبر به ، ويأخذه بجد وإخلاص وصدق ومثابرة ، فنم – شيخنا – قرير العين ، هانئ النفس ، مطمئن القلب ، فقد وجدت دروسك التي سطرتها مواقفك النبيلة من أحفادك آذانا صاغية ، وقلوبا واعية ، ونفوسا صافية ، واستلم الراية ليوث من أحفادك الأشاوس ليسيروا بها على طريق التضحية والبذل والفداء في ثبات ويقين وحزم وعزم ، إنهم ليوث الجماعة الإسلامية المقاتلة ، الذين آلوا على أنفسهم أن يطهروا الأرض من رجس المرتدين كما طهرتها من دنس الصليبين ، ويعيدوا ثمرة جهادك وخلاصة عرقك ودمك بعد أن سرقها اللصوص المارقون ، ويفكوا قيد شعب قعيد ، بعد أن صار أسير الذل والهوان والقهر على أيدي الجلادين العتاة ، فارتفع دوي التكبير عبر أودية الجبل الأخضر فأعادت لذاكرته صيحات الماضي السحيق ، وتخضب ثراه بدماء زكية طاهرة فامتزج على صخوره الدم بالدم فتعارف وتآلف ، فما انقطع المسير بقتلكم ، ولا توقفت القافلة بذهابكم ، بل ازدادت النفوس حماسا ، وصرتم للسائرين على درب الشهادة معلما ونبراسا ، فكأني بشوقي يحكي قصتك مع أحفادك حين دثرك بقصيدته الرائعة الفذة

ركزوا رفاتك في الرمال لواء - يستنهض الوادي صباح مساء

يا ويحهم نصبوا منارا من دم - يوحي إلى جيل الغد البغضاء

وحقا لقد بقي رفاتك لواء يهز قلوب الصادقين ، ويشعل جذوة الجهاد كلما كادت تخبو ، ويبعث الحنين إلى التضحيات في قلوب المخلصين ، فلهذا لم يطق قطاع الطرق وسراق المبادئ أن تبقى المحرض بعد الشهادة بعد أن كنت الأستاذ في ساحات الوغى ، فلما علموا أن ذلك اللواء يهز مدينة بنغازي المجاهدة ليوقظها من رقادها ، ويخرجها من سباتها ، ضاقوا بها ذرعا فنبشوها لأنها تقض عليهم مضاجعهم ، وتنغص عليهم حياتهم ، وليكملوا ما بدأه أربابهم وأسيادهم من الإيطاليين الغزاة ، فأبعدوك إلى مدينة سلوك لتنسى ، ونقلوك لعلك من ذاكرة التاريخ تمحى ولكن هيهات هيهات

فهاهم فرسان الهيجاء وأبطال المعارك يقولون نعم شوقي قد سمعنا وسنريح شيوخنا من عناء الوغى حين ناديت مستصرخا

يا أيها الشعب القريب أسامع - فأصوغ في عمر الشهيد رثـاء

أم ألجمت فاك الخطوب وحرمت - أذنيك حين تخاطب الإصغـاء

ذهب الزعيم وأنت باق خالد - فانقذ رجالك واختر الزعمـاء

وأرح شيوخك من تكاليف الوغى - واحمل على فتيانك الأعباء

فإلى جنة الخلد – إن شاء الله – يا عمر وهناك بإذن الله يكون اللقاء