المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعر مَشَاهِدُ بَيْنَ الطَرَفَاتِ !



The Riotous
20-11-2007, 12:21 AM
مَشَاهِدُ بَيْنَ الطَرَفَاتِ !



تَصْديرُ :


بَيْنَ الطَرَفَاتِ ..
نقْضى اغْتباطنا في الْهَرْولةِ ..
فإدْراكنا – ولا عَزاء – يَموتْ ..
لنكْتفي بتَمْتَمة الْبَسْملةِ ..
ونُعَاود الدَّفْنَ ..
فيَتْراقص بيْن أيْدينا التَّابوتْ ..
(بقَسْوة نتشبَّث بألْواح الْخشبِ ..
علّنا نستأنف تَرْفَ الغضبِ ..)
فيحْتسينا – دون شهوة – الْقنوط ..
فلا بُكَاء يَنْفع .. ولا عَويل ..
وبالمِثْلِ .. لا يَنْفع سكُوتْ !



مَشْهَد الشّفَقِ
(مَشْهَد يَصْلُحُ للبَدْءِ)

مَضَى .. مَضَى !

يومها حدّثني ..
قبل خطْوته الأولى ..
قبل وطْأة الثّرى :

" أتراني راغباً في الْبَقاءْ ؟!
أبْصِر النّاس حَوْلك !
كيف يَغْترفون مِن الْبَلاءْ !
لَنْ أزدْهم ولَنْ أُنْقِصهم ..
سأمْضى – وحدي – باحثاً عَنْ صفاءْ . "

" هكذا حياتنا صديقي ..
نحياها بالمُصادفةْ ..
جُلُّ الوقت للحديث ..
والباقي للمُلاطفةْ ! "

" مَللتُ أنَاْ ..
مِنْ (ديوجينْ) ..
ومِنْ البحث عَنْ الْأمينْ ..
وإغْراقي لنَفْسِي ..
المرة تلو المرة ..
في تِرْياق سقيمْ ..
فَكُلّ مَنْ دُون الْقَوم ..
لهُوَ شيْطَان زَنِيم ! "

لَمْ يُقْبَل بَيْن الْقَوْمِ ..
فالْبَشرُ لا يقْبلُون بَيْنهم اخْتلافْ ..
لأنَّه لَمْ يَكُنْ نبياً ..
أو قَائداً ..
أو مِنْ الأشْرافْ ..
كَانَ دُون ذَلِكَ ..
مِنْ المُخْتلِفين المُهْمَلين ..
مَنْ إذَا تَكلَّموا ..
قُطْعتَ أيْديهم وأرْجُلهم مِنْ خِلافْ ..
فهَذَا دَأبنا ..
حَالهم وحَالنَا ..
وَلَن تَتغيَّرْ – عَلَى غَفْلَةِ – كُلُّ الأعْرَافْ !

كَمْ حَاولتُ مَعْهُ بلا جَدْوى ..
فَكَانَ مِنْ هَؤُلاءْ !
مَنْ لَيْس لَهم أسْمَاءْ !
تِلْك الْفِرْقَة الْمَنْسِيِّة ..
أصْحاب أكْبر الْعيوبِ ..
أصْحاب الأيْدي في الْجيوبِ ..
لا رغْبة مِنْهم في الْخيلاءْ ..
فمِنْهم يَأمنُ الْجَميع ..
ولَعَلّ الْواحِد مِنْهم يُصْبح خطراً ..
إنْ شَاءْ !
لَكِنَهم بُسطَاءْ ..
تَكْفِيهم كَسْرة الْخُبْزِ ..
مُغَمَّسَة بالمَاء ..
وأيْديهم مُنْدسَّة في جيوبهم ..
فقط لأنَّ تِلْك الْجيوب خَاوية ..
عَذْرَاءْ !

أصرَّ على الانْسِلالِ ..
فنَاجيْته ..
بالأرْض ..
بالسَّمَاء ..
بالْخُلُودْ ..
لَكِنَّه غَضِبَ ..
وزعمَ أنَّنَا أشدُّ بطْشاً ..
مِنْ عَادٍ وثَمُودْ ..
بل زعمَ فنائنا الوشيك ..
برِِجْزِ مِنْ السَّمَاء ..
وانْصِهار للْجلودْ ..
فلَعَلّ حريقنا يُنْسينا ..
تعنُّتنا القديم ..
وفرْقتنا على الْحِدودْ ..
أو جدالنا المُسْتديم ..
حول الطّريقة المُثلى ..
لـحَرْقِ اللّحمِ على السَّفُودْ !

ثم عاد ليسْألني :

" أصدقني بلا مواربة !
مَنْ أنَاْ في رأيكْ ؟! "

أجبْته قبل رجْفتي الأولى :

" أنتَ هُوَ أنتَ ..
لا يشابهك غيركْ ! "

أطْرق بعيْنين لا بريق لهما ..
قبل أن يُصارحني للمَرّة الأولى :

" لهذا أرْحل ..
لأنَّ أشْباهي لا حَصْر لهمْ ..
فكُلّنا هُنَا عَبيد عِنْدهمْ . "

" مَنْ هُم ؟! "

" هُم مَنْ أضْرموا الْفِتْنَةَ ..
فجعلوا عِيْشتنا جَهَنَّم مُوقَدةْ ..
ألَمْ تَلْحَظها بعد ؟!!
تِلْك الشَّواظ الَّتِي حَسبْناها خَامِدةْ ! "

آثرَ الابْتعادَ عَنْ تِلْك النَّار ..
مُسْتَأنِساً رحْمة الْكرَى ..
والنَّار مِنِّي تقْتربُ ..
ولا نجاة تُرَى ..

" أحْترق .. أحْترق !
لَسْتُ أنَاْ مَنْ عَصَى ! "

لَمْ يسْمعني مُنصهِراً..
فَقَدْ مَضَى .. مَضَى !


مَشْهَد خُشُوع الظِّلِّ المُتَرَاقِص
(مَشْهَد خَاص)

مَضَى .. مَضَى !

تركني مع أسْئلتي الأثيرةْ ..
(كيف ومتى)
حيث الْحِيْرَة مُتّقِدة ..
فكُلّما تذكّرته مَزَّقني الشّك ..
في فطْنتي الْبصيرةْ ..
لكني سأنسي الأمر برُمّته ..
مثله كغيره ..
على نَفْسِ الوتيرةْ ..
كعادتنا نحْزن بُرْهَة ..
فنُقاسِم الضجر شُرْفَة ..
ثم نألف كُلَّ الأجواء الْمريرةْ ..
لنبْدأ في كتابة أُغْنية جديدة ..
لا عُمْق لها ..
تتلاءم مع أنْغامنا الْوثيرةْ ..
لذا ستمُرّ الأوقات ..
فدائماً ما تمُرّ ..
والخَطْبُ على ذاته لا يَسْتَقرّ ..
لأتساءل – ببلاهة – مِنْ جديد ..
هل كان حقاً هُوَ مَنْ مَضَى ؟!
وهل خَطَى مُترّيثاً ؟!
أم تَراه عَدَا ؟!


مَشْهَد مُتَعاقِبُ
(المَشْهَد الرَّئيس)

مَضَى .. مَضَى !

لأنه أراد الْمعرفة ..
وعليه الشّغف طَغَى ..
كـعبْدِ عَاشَ في الْعرْبدةْ ..
تَجرَّأ يوْماً ..
فتطاول برفع النّظرِ ..
صوب القصور الْمشيَّدةْ ..
لَمْ يُبْصِر سوى الأواني ..
بَيْنما أصْحابها يرْفلون ..
في مسائلهم الْمُعقَّدةْ ..
عَنْ مصْرع شغفهم ..
عَنْ عَدَمِيِّة دَيْنهم ..
وعَنْ الْمَقْتِ داخل الْأفْئدةْ !

رَأى الْعبد كل ذاك ..
فتذكَّّر رقِّه وعبوديّته ..
وتدلَّت رقبته ..
لتسْقُط على الْمنْضدةْ ..
أبْصر الرؤية كما لما يُبْصرها أحد ..
بينما يتأهّب للموت في رضَا :
(الأرض مَنْثورة في أُنْشُودَةْ ..
والطَّهُر مُدلَّى مِنْ أُنْشُوطَةْ ..
ورِسَالة الْوطن غائمة ..
لَمْ يُكْتب فوقها : مِنْ أو إلى ..
ولَمْ يُكْتب لآل الوطن مِنْ هَوَى)

سَمعَ كُلَّ ذاك وأكْثرْ ..
فسقط في الْعَدمِ ..
وكُلّما قامَ ..
من جديد تعثَّرْ ..
بعْدها وجوده – كُلِّه – أنْسدلَ ..
وإحْساسه الرّخو انْدملَ ..
والعِشْق المُتدفِّق تخثَّرْ ..
حاول الخَدَرَ أنْ يغْلُبه ..
لكنَّه أبَى ..

لتُتمْتِم شَفْتاه :

" عَجَباً لنا !
نُمجِّدُ الغريب .. كُلّما أتَى ..
ونحْتكمُ بجَوْرِه .. كُلّما قَضَى ..
نُقْترُ في تَرْتِِيلنا ..
ونُضَاعِفُ الْمَقْتَ بالربَا !
نَصْرخُ حَتَّى تَتفحَّم الْحَناجِرُ ..
فتَنْدثرُ صَرْختُنا في الْفَضَا ..
رُبَمَا كُلّ ما نقوله ..
وما قُلْناه ..
وما يُقال بعْدنا ..
سيَذْهَب سُدَى ! "

مَضَى .. مَضَى !
لَيْتَهُ عَلََمَ ..
أنَّهُ بَعْدمَا مَضَى ..
أصْبحَ عَلَى الْقَوْمِ سَيِّدَا !


مَشْهَدُ الْأُفق
(مَشْهَدُ يَصْلُحُ للْخِتامِ)

مَضَى .. مَضَى !

وَمَضَ كبُرْهة النّشوى ..
بَرَقَ كابْتهال النّجوى ..
رأيته فتَرَاءَى لي ..
صَمُوتاً كـلَحَدِ ..
ينْظُرني لأنْتظرَ ..
قفول صَدَى ..
فهجرني لأنْشطرَ ..
على طول مَدَى ..
فقط – للمرَّة الأخيرة – غمد خِنْجره ..
ثم ضَحَكَ .. فبَكَى ..
ليَفُضَّ طَرِيقْهُ ..
مُتخبِطاً في الأنْحاء ..
بغير هُدى ..
كان كسابق عهْده ..
تجاسر فغزى ..
باحثاً عَنْ صفاء مزْعوم ..
مُبتعِداً عَنْ نعيق الْبوم ..
ثُمَّ انْقشعَ لي مَآلهُ ..
مُدثَّراً بالرّدَى ..
وهُوَ مُطْبِقُ على حُلْمه المُغْتال ..
لا أكْثر مِنْ رَحيقِ زَهْرة ..
ومِنْ مناوشة الشّذَا ..
لا أكْثر مِنْ مَاء عَذْبِ ..
يُرطّب به جفاف حَلْقِه ..
لا أكْثر مِنْ قطرات النّدَى !

مَضَى .. مَضَى !


إهْدَاء ..
إلى مَنْ مَضَى !