المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية شعلة الغضب: القصة التي لم تنته بعد



Black_Horse82
17-12-2001, 07:49 PM
زهير فهد الحارثي

بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، شعر الغالب منا بأن ثمة تحولات جديدة، لم تدر بلخد أي منا، او تخيلها اكثر الحالمين قدرة وابتداعا، فالعالم الآني تحرر من بيئته السالفة مستندا الى الاحداث وما ادراك ما الاحداث، ومن ثم رسم لنفسه ـ وفي دقة فائقة ـ ملامح وخصائص لوجه توانى توهجه وخفت صوته وانطفأ شجنه، فتحول وفي لحظة من الزمن الى تمزق مأسوي وكأنه يستل خنجرا راميا الشر والالم في كل مكان.
هذا عالمنا الجديد، وتلك لغته الجديدة، وليس من جديد في القول بأن من يحمل تلك الشعلة، شعلة الغضب ونزقه، والقلق واضطرابه هو دولة الديمقراطية وحقوق الانسان والقوة الاعظم على كوكب الارض التي ما لبثت ان ضربت عرض الحائط بكل تلك المفاهيم السامية وانسلخت من التشبث بالمثل العليا والضمير الانساني بدعوى مكافحة الارهاب.
انتصر الشر على الخير، فانطلقت عازمة على الانتقام دون اعتبار للقيم والقوانين والشرائع، ومارست في عقر دارها وخارجها، اساليب اقل ما يقال عنها انها نابعة من صدر يغلي حقدا وعنفا وبانفعال غريزي وباندفاع طفولي، كشفت حقيقتها العارية والعفوىة، فعندما تمس أميركا، فلتذهب القيم والمثل والقوانين الى الجحيم. هذا ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر، وما زالت تلك (السيناريوات) تشهد فصولا مثيرة للدهشة في بلد يزعم حماية حقوق الانسان ويحارب العنصرية وتمييزها. على ان ليس المقام هنا للتحقق او للبحث عن العلل ـ ان كان هناك علل فعلا ـ بقدر ما ان التساؤلات تفرض نفسها حول هذه الاشكالية التي تلبست عالمنا الجديد بقيادة أميركا.
هل هي اذن ضلال عقل ام منقصة ادراك، ام شيء من هذا وذاك؟! او ربما حالة انفصامية لا تعرف الا الافتراس والشراسة مخلوطة بحب الذات وداء العظمة وفردية مغالية في السيطرة والكراهية.
قد اكون قاسيا بعض الشيء على الدولة العظمى ونهجها بعد اعتداءات سبتمبر، ولكن عند الارتهان الى المنطق والموضوعية والعقلانية، فان ما قلته آنفا له ما يبرره، لا سيما ان الوقائع والاحداث الراهنة تدعمني فيما ذهبت اليه من طرح وتحليل.
وحتى لا نخلط الاوراق، فاننا نأخذ من الوضع الراهن بين السعودية وأميركا، كمثال حي على الصورة الآنفة الذكر، ولذلك فانه ليس من جديد بأن نقول ان العلاقات السعودية ـ الأميركية يشوبها شيء من الفتور وعدم الارتياح، رغم ان بعض الاصوات في الدولتين تنكر هذا، وتؤكد على التعاون والتفاهم، لكن المراقب المحايد يعلم ان ذلك الفتور قد بدأت ملامحه الاولى منذ انفجار العليا ومرورا بانفجار الخبر الى احداث سبتمبر الاخيرة.

نعم للسعودية علاقات.. ولكن

فالسعودية تعتقد ان لها سيادة مشروعة في القيام بالتحقيقات للجرائم التي تقع على ارضها ـ وهذا من حقها ـ ويسندها في ذلك مواد القانون الدولي التى ترى في ذلك من قواعد السيادة الوطنية لأي دولة. ورغم اصرار الأميركيين على المشاركة في التحقيقات ومساءلة المتهمين، كانت القيادة السعودية تؤكد انه لا يمكن القبول بهذا، وانه يعتبر تدخلا سافرا غير مشروع، ويبدو ان الأميركيين قبلوا على مضض، ولكن هذا لا يعني انهم حاولوا بالضغط تارة وبالتهديد تارة اخرى الا ان السعودية تمسكت بمبادئها الثابتة. نعم للسعودية علاقات مميزة ومصالح مشتركة مع أميركا، ولكن عندما تمس الثواتب، ولا تحترم المكانة، فلتذهب المصالح الى الجحيم. غير ان أميركا تجد صعوبة في ادراك تلك المسألة، فالسعودية ليست نيكاراجوا او موزامبيق تفرض عليها الولايات المتحدة ما تراه مناسبا، بل هي دولة تحترم الآخرين، وتعرف دورها وقدرتها، وتتمنى من الغير ان يعي هذه النقطة ويعاملها بالمثل، بيد ان الاوراق ما تزال مختلطة في الملعب الأميركي، وما زالت هذه القضية ملتبسة لديهم وجاءت احداث سبتمبر لتدفع ـ ربما ـ أميركا لمحاولة الانتقام من الغير، والسعودية تحديدا، والا ما هو التفسير للتعامل الأميركي مع السعوديين الدارسين فيها، او حتى مع السلطات السعودية المتخصصة بعد احداث سبتمبر!!
فمنذ الاسبوع الأول لأحداث انفجارات نيويورك وواشنطن، كان مكتب التحقيقات الأميركي (FBI) في حالة غير مستقرة، فتوالت الاعتقالات التعسفية للعرب والسعوديين تحديدا دون محاكمة او احترام لقوانين الحريات المدنية الأميركية، وتسرعا في الاعلان عن اسماء سعوديين دون الارتهان الى ادلة قاطعة تسوغ فيما ذهبوا اليه من اجراءات.
ولعل حديث الأمير نايف قبل ايام لصحيفة «نيويورك تايمز» يكرس حالة الفتور ما بين الدولتين، ويكشف ان ثمة خللا في الاجهزة الأميركية التي حتى لم ترهق نفسها قليلا، فتقدم للسعودية الادلة والقرائن بشأن السعوديين المتهمين ـ على حد زعمها ـ للدولة التي ينتمون اليها ـ على اقل تقدير ـ والقانون الدولي يفرض على أميركا وغيرها ان تلتزم بهذا، لأنه حق مشروع لأي دولة يتعرض مواطنوها لمواقف، او يقوموا بارتكاب جرائم مرفوضة دوليا، بشرط توافر الادلة التي تدعم هذه التهمة او تلك.
على ان وزير الداخلية السعودي ما زال مصرا على ان الحقيقة لا تزال مفقودة حتى الآن، وشكك في ان الذين خطفوا الطائرات ونفذوا الاعتداءات هم سعوديون، مشيرا الى انه كان على الأميركيين الانتظار حتى يتم التثبت من تلك التهم، ولعل المثير في ما قاله الأمير نايف ان السعودية لم تتسلم أي شيء مما يفيد بارتكاب اولئك ذلك الجرم، كما انه افترض انه «حالة ثبوت قيام سعوديين بتلك الحادثة، فانه من غير المقبول اخلاقيا ان يتحمل شعب السعودية اخطاء ارتكبها افراد ينتمون الى هذه الدولة، واكد وبكل جرأة انه «لو استمر الوضع بهذا السوء، فاننا سنقول لمواطنينا عودوا لأوطانكم او ابحثوا عن مكان آخر للدراسة او التطبب او العمل».
حديث الأمير يأتي بعد 3 أشهر من الاحداث، لكن أميركا رأت ان في تلك الاحداث تبريرا لها ومنطقا مقبولا، لتقوم بفرض ما تراه مناسبا، وبغطرسة تتمثل في عدم الانصياع للمعاهدات الدولية والالتزام بالغطاء الشرعي الدولي لممارستها التي تكرس الذاتوية وداء العظمة، وترفض وبكل عنجهية التعاون مع الدول الاخرى، وان تعاونت فالنظرة (الفوقية) أهم ما يميزها (ما حدث في اليمن والسعودية ونيروبي ودار السلام) مكرسة تفوقها الذاتي (CIA وFBI) دون احترام قدرات الاجهزة المتخصصة في الدول الاخرى، والتي قد تماثلها قدرة ان لم تزد، لا سيما بعدما كشفت احداث سبتمبر هشاشة الاجهزة الأميركية وتعاملها الارتجالي مع ذلك الحادث البشع.

ازدواجية الخير والشر

نعم.. أميركا تحمل شعلة الغضب التي بدأت تقلق الجميع، وبدت وكأنها ثور هائج يبحث عن ضحية... وما اكثر ضحاياها.
ويحضرني هنا السفير الأميركي في الرياض، الذي سئل عن سبب الهجمة الشرسة تجاه السعودية من قبل الصحافة الأميركية، ولماذا لا تتدخل الادارة الأميركية للضغط على تلك الصحف والكتاب من اجل ايقاف تلك الهجمة؟! كان جوابه ان الصحافة حرة في بلاده، ولا يمكن للدولة ان تتدخل، وعندما هاجمت الصحافة السعودية السياسة الأميركية في المنطقة، ثارت الادارة الأميركية وهاجت، وطالبت السعودية بتكميم الافواه وكبح الاصوات، وكأنها تكرس ـ حقيقة ـ مأساتها مرسومة بأدق ظلالها من مآس وتمزق وتجارب، فازدواجية الخير والشر، ومادة التناقض، وشعلة الغضب، صارت كلها من مفردات القاموس الاميركي.