المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية التراشق الإعلامي بين الرياض وواشنطن:السعودية تدفع فاتورة أخطاء الإدارة الأمريكية في ا



الفهيد
18-12-2001, 07:44 PM
سعود الفيصل مع الرئيس بوش

كتب : مصطفى عبد الجواد
شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا غير مسبوق في حدة وشراسة الحملات الإعلامية الأمريكية ضد المملكة العربية السعودية والأسرة الحاكمة فيها ، وصلت إلى حد الدعوة لاحتلال آبار النفط السعودية ، والبحث عن بديل سياسي اكثر ملائمة - من وجهة نظر واشنطن - ليعتلي سدة الحكم في السعودية . ما يهدد بإنهاء اكثر من سبعة عقود من العلاقة " الاستراتيجية " بين البلدين .
ولعل ما يزيد من احتمالات تلك القطعية ، ما أشار إليه ولي العهد السعودي الأمير عبد الله من إن السعودية والولايات المتحدة تقفان الآن عند مفترق طرق وان الوقت حان لان ينظر البلدان إلى مصالحهما المختلفة. كما إن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد لم يكن اقل صراحة حينما أكد انه بعد تفجيرات 11 سبتمبر فان الكثير من الدول الصديقة قد تتحول إلى أعداء !! .
وتعرضت السعودية لحملة إعلامية أمريكية شبه منظمة ، حيث نشرت صحف " نيويورك تايمز " و"واشنطن بوست " و" واشنطن تايمز " و" بوسطن جلوب " و" شيكاغو تريبيون " و" لوس أنجلوس تايمز " في وقت شبه متزامن مقالات وتقارير تحمل هجوما عنيفا على سياسة السعودية وما اعتبرته - تلك الصحف - موقفا غير واضح الملامح بشأن دعم المملكة للتحالف الأمريكي ضد ما سمي بالإرهاب . واعتبرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز إن " السعودية على الرغم من إنها حليفا مقربا للولايات المتحدة ، إلا إنها لم تقدم سوى القليل - إن كانت قدمت شيئا - من المساعدة للقبض على بن لادن وامواله وشبكته " .
ومن جانبها اتهمت صحيفة " نيويورك تايمز " السعودية بأنها تتسامح مع الإرهاب وترفض التعاون مع واشنطن في التحقيقات حول المشتبه فيهم في خطف الطائرات التي استخدمت في كارثة 11 سبتمبر . وقالت الصحيفة إن واشنطن يجب أن تتوقف عن " غض النظر " عن هذا الموقف السعودي " ، مؤكدة أن اعتبار السعودية لا تدعم الإرهاب يعقد المشكلة .
وعلى الرغم من أن الهجوم على الرياض ركز في البداية على لائحة اتهامات شملت : عدم التعاون الكافي في مطاردة بن لادن وتنظيمه ، وتقاعس الرياض في اتخاذ خطوات فعلية لتجميد أموال بن لادن وتجفيف منابع الدعم المالي له ، إضافة إلى ما اعتبرته تلك الصحف دعما من النظام السعودي للجماعات الأصولية ، ودللت على ذلك بوجود 15 سعوديا ضمن قائمة الانتحاريين المزعومين التسعة عشر ، ولكن الهجوم الإعلامي الأمريكي اخذ بعدا اكثر وقاحة ، مع محاولة تلك الصحف الربط بين نمو الجماعات الأصولية وما أسمته بـ " الفساد والقمع " . وهو ما بلوره مارتن إنديك سفير واشنطن السابق في إسرائيل بقوله " إن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو " دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها ، وفضلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا ".
وفي هذا السياق اعتبرت لوس أنجلوس تايمز " أن الامتناع عن انتقاد الفساد والقمع السياسي في المملكة ليس له من نتيجة سوي التشجيع علي هذه العادات الهدامة " . وكال الصحفي الأمريكي المشهور سيمور هيرش - في تقرير لا يخلو من الفجاجة نشر في صحيفة " نيويوركر " - الاتهامات للعائلة المالكة السعودية زاعما إنها " نظام فاشل " ، واتهم هيرش النظام السعودي بأنه " ضعيف وخائف ". وواصل هيرش مزاعمه مشيرا إلى " إن وكالة الأمن القومي الأمريكي تقوم بالتقاط المحادثات الهاتفية لكبار الأمراء السعوديين منذ 1994 ، وإنها التقطت دليلا على إن إبقاء الملك فهد في الحكم رغم مرضه يرجع إلى الخلاف وحالة الانقسام داخل العائلة حول خلافته ، زاعما أن ولي العهد الأمير عبد الله لا يتمتع بتأييد كامل العائلة " .
وانضمت المراكز السياسية والاستراتيجية لحملة الهجوم ، ونشر مركز الدراسات الأمنية والدولية الأمريكي تقريرا أشار إلى انه علي الولايات المتحدة وحتى تتمكن من تحقيق النصر في حربها علي الإرهاب أن تحدث تغييرات جوهرية في سياستها الخارجية منها تشجيع التغير السياسي في مصر والسعودية . وزعم التقرير إن " الدافع الرئيسي وراء غضب المسلمين هو فشل العديد من الدول الإسلامية المعتدلة في تشكيل حكومات عصرية تستجيب لاحتياجات شعوبها التي لا يسمح لها سوى بأقل مستوي من النقاش والديمقراطية " .
وقدم التقرير المملكة العربية السعودية ومصر - في إطار حملة واشنطن الإعلامية عليهما - مثالين ، على ما يزعم إنها " دول فشلت في تقديم برنامج سياسي أو التقدم برؤية ملموسة " . وطالب التقرير الولايات المتحدة بان " تستعد لامكانية أن ينتهي الأمر بسقوط هذه الأنظمة ضحايا لهذه الحملة الدولية ما لم تتبن سياسات لا تهادن الإرهاب علي الاطلاق، كما تتبني في الوقت نفسه سياسات اكثر تحررا وتوفر المزيد من الفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية " .
الامير عبد الله ولي عهد السعوديه

ووصف بول ويلبي الخبير في معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية الوضع في المملكة الآن بأنه يشبه " أيام شاه إيران الأخيرة " . داعيا الولايات المتحدة إلى أن تعيد التفكير بشان السعودية ، حتى لا تقوم بتكرار نفس السياسات التي حدثت مع الشاه .
ولم يكن أعضاء الكونجرس بعيدين عن تلك الحملة ، وشن السيناتور الديمقراطي جوزيف ليبرمان هجوما عنيفا على الرياض ، مشيرا إلى إن واشنطن " لا يمكن أن تتقبل أن بلدا مثل المملكة العربية السعودية التي ما زالت حكومتها قائمة لأننا ندعمها ، يشجع هذا الحقد ". وأضاف أن السعوديين "يتبعون إستراتيجية مزدوجة حيث أعتقد أنهم ركبوا موجة الخطر، وإذا استمروا في هذا الأمر فإن الخطر سيرتد عليهم. أعتقد أنه يتوجب عليهم أن يختاروا " معسكرهم.
ويرى العديد من المحللين في تلك اللهجة الأمريكية غير المسبوقة في الهجوم على السعودية ، مؤشرا على قلق أمريكي عميق بسبب ميل السعودية في السنوات الأخيرة لانتهاج سياسات جديدة تفرضها مصالحها الخاصة وليست بوحي من المصالح الأمريكية .
فالرياض امتنعت عن التطبيع مع الكيان الصهيوني برغم الضغوط المكثفة التي مارستها واشنطن ، كما إنها ساندت عرفات في رفضه لتقديم تنازلات في مفاوضات كامب ديفيد أثناء ولاية الرئيس كلينتون . ومارست السعودية ضغوطا مكثفة على واشنطن للتدخل لوقف ممارسات إسرائيل القمعية ، ورفض الأمير عبد الله اكثر من دعوة لمقابلة الرئيس بوش احتجاجا على موقف واشنطن المنحاز لإسرائيل ، بل انه هدد بمراجعة علاقات البلدين ، ووصفها بأنها وصلت لمفترق طرق .
وفيما يتعلق بالملف العراقي فان السعودية امتنعت عن دعم ما عرف بـ " العقوبات الذكية " ،
وأصدرت بيانا مشتركا مع سوريا نددت فيه بالقصف الأمريكي للعراق ، فضلا عن رفضها لانطلاق الطائرات الأمريكية من أراضيها لضرب أهداف داخل العراق .
رامسفيلد مع الملك فهد

ورفضت السعودية الضغوط الأمريكية لتوجيه أصابع الاتهام لإيران في تفجير الخبر ، بل رفضت مجرد إعطاء مكتب التحقيقات الفيدرالية صلاحية التحقيق في الانفجار ، ورفضت تسليم مواطنيها لواشنطن . واستمرت السعودية في تعميق علاقاتها مع إيران برغم الرفض والضغوط الأمريكية ، ووقعت اتفاقية للتعاون الأمني معها .
وفيما يتعلق بالملف النفطي فقد اصبح القرار السعودي اكثر تحررا من الهيمنة الأمريكية ، وعمقت الرياض مع تنسيقها مع شركائها في الاوبك للمحافظة على سعر متوازن لبرميل
النفط يراعي مصالح المملكة الاقتصادية ، حتى إن إدارة الرئيس كلينتون اضطرت للسحب من المخزون النفطي الاستراتيجي لمواجهة ارتفاع أسعار النفط ، بعدما فشلت في الضغط على السعودية لزيادة إنتاجها.
وكانت السعودية اكثر ميلا نحو الاستقلالية وعدم التورط خلال الأزمة الحالية ، حيث رفضت السماح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية في دعم القصف الجوي لأفغانستان ، وأكد وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان أن المملكة لن تقبل بوجود أي جندي على أراضيها لمحاربة العرب والمسلمين. كما تحفظت الرياض على دعم القصف الأمريكي لأفغانستان ، وشدد وزير الداخلية السعودي على إن السعودية لا تساند القصف ، وترى ضرورة التركيز علي الإرهابيين وتجنب ضرب المدنيين.
الامير الوليد بن طلال

وبرز اتجاه السعودية نحو مزيدا من الاستقلالية - واضحا - خلال مواجهتها للحملة الإعلامية الأخيرة ، حيث تخلت عن سياسة " الصمت والتجاهل " التي كانت تتبعها في السابق . وشن ولي العهد الأمير عبد الله هجوما مضادا ، أكد فيه إن المملكة لن تساوم حول عقيدتها الإسلامية مهما تزايدت الحملات العالمية المغرضة ، معتبرا أن ما تتعرض له المملكة من حملة شرسة في الإعلام الغربي ما هو إلا نتاج حقد دفين علي النهج الإسلامي للمملكة ، وان الإسلام سينتصر مهما صار ومهما كان . ولعل تركيز الأمير عبد الله على البعد الديني للحملة الأمريكية يدحض ما تحاول واشنطن إخفائه من إنها لا تستهدف الإسلام في حربها الحالية .
وحذر ولي العهد السعودي واشنطن من أن الحكومات التي لا تشعر بنبض شعوبها وتستجيب له ستلقي نفس مصير شاه إيران ، وذلك في إشارة للضغوط الأمريكية على المملكة لاتخاذ مواقف لا تتفق مع اتجاه الشارع السعودي ، الذي يميل إلى التعاطف مع بن لادن وإدانة القصف الوحشي الأمريكي للشعب الأفغاني .
وبغض النظر عن حقيقة وأهداف الحملة الإعلامية الأخيرة على السعودية ، فان العديد من المراقبين يؤكدون إن النظام السعودي بحاجة لإدخال تغييرات واسعة على طريقة عمله وتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار . خاصة في ظل الأزمة الطاحنة التي تضرب الاقتصاد السعودي ، حيث وصلت نسبة البطالة لأعلى من 30% ، وانخفض متوسط الدخل من 20 آلف دولار سنويا للفرد إلى اقل من 7 آلاف دولار سنويا . ومما دعا الأمير عبد الله لمطالبة السعوديين بـ " شد الأحزمة " لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية .
ويمكن اعتبار تصريحات الأمير الوليد بن طلال ، ابن شقيق الملك فهد ، بشان ضرورة إجراء إصلاحات سياسية في المملكة وصولا إلى الانتخابات البرلمانية ، مؤشرا على وجود فريق داخل الأسرة المالكة يتجاوب مع دعوات الإصلاح والتغيير . فالنظام الحالي في المملكة لا يسمح سوى بمجلس للشورى له سلطات استشارية ، ويتم اختيار أعضائه الـ 210 عن طريق التعيين .
واعتبر الأمير الوليد الطريقة الوحيدة والناجحة لاحتواء السعوديين، خاصة الشباب منهم ، هي فتح المجال لهم للتحدث بحرية وإشراكهم في الحياة السياسية وجعلهم جزءا من العملية السياسية . وتتفق دعوة الأمير الوليد مع ما طالبت به دراسة أكاديمية سعودية في العام الماضي ، من ضرورة الاستماع لهموم وطموحات الجيل الجديد من السعوديين .
ومن المفارقة إن دعوة الولايات المتحدة لتوسيع مساحة الديمقراطية في السعودية ، تتجاهل حقيقة انه في الحالات التي تم إجراء انتخابات ديمقراطية في دول عربية أو إسلامية ، فان النجاح الكاسح كان من نصيب الأحزاب ذات التوجه الإسلامي ، مثلما حدث في الجزائر وتركيا . وفي تلك الحالتان تدخل الجيش لإجهاض التجربة وإبعاد الإسلاميين المنتخبين بإرادة الجماهير عن مقاعد السلطة ، وسط مباركة أمريكية .
والسؤال هنا : هل سترضى الولايات المتحدة عن وجود نظام إسلامي ، بالقرب من آبار النفط في الخليج ، حتى لو آتى هذا النظام عن طريق صناديق الاقتراع .