المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاندلس تضيع مرتين



نبيل طارق خلييل
19-12-2007, 08:35 PM
الأندلس تضيع مرتين

بعد سنوات من الغربة قضيتها في دراستي الجامعية و الشهادات العليا قررت العودة الى مسقط رأسي ... حيث الوطن بكل ما يحمل من معاني و الذكريات و الاصدقاء ... رغم أني فقدت والدتي منذ الصغر ... و والدي بعد سفري بعام واحد ... إلا أني أحن الى بيتنا القديم و الشارع الضيق الذي طالما لعبت فيه مع أصدقاء الطفولة و الذين انقطعت أخبارهم بعد وفاة والدي ... والدي الذي ورثت عنه عشق القراءة ... القراءة في كل شيئ الادب و التاريخ و الفنون و العلوم فقد كان يصطحبني معه كل يوم جمعه بعد الصلاة الى مكتبة الأندلس أجلس على كرسي خشبي بلا مساند أنظر الى تلك الرفوف القديمة بكتبها المتناثره بعشوائية لا يعرف مواقعها إلا العم قاسم صاحب هذه المكتبة وكانت تدور أحاديث ثقافية كثيرة بينه و بين والدي ... و بالطبع لم أفهم أغلبها في حينها إلا أن ذكرتي إتسعت لكثير منها و الان بعد كل ما مضى من سنين لازلت أذكر حديث العم قاسم عن مشاكله مع أبناءه و أهمها اصرار أولاده على بيع المكتبة أو حتى تغيير نشاطها الى مشروع مربح لكنه يرفض بشده فقد أفنى حياته في هذا المكان ... و لم أكن أتململ من جلستي تلك بل أنتظر بشغف حتى يكلفني العم قاسم بأحظار كتاب معين بعد أن يصفه لي و يدلني على مكانه ...و أعود اليه بعد أن أمسح الغبار بباطن كفي و أعطيه الكتاب فيعيد مسحه بيده ذات العروق البارزة و الشعر الكثيف ... و عندما يتمم بيع الكتاب و ينصرف المشتري يلتفت اليّ بفم مبتسم و عينان حزينتان قائلا :
- بارك الله فيك يا أحمد ... تمنيت أن تكون أحد أولادي .
ثم يتوجه بالحديث الى أبي و كأنه ينفي عنه تهمة الحسد :
- الله يحفظه لك يا أستاذ عادل .
كان والدي يشتري في كل زيارة كتاب و في بعض الاحيان يرفض العم قاسم أن يأخذ ثمن الكتاب ... و كنت أمازح والدي حول هذا الموضوع فأقول له :
- هذا الكتاب المجاني من حقي لاني أساعد في بيع الكتب
فيضحك أبي بصوت عالي و يشير الى مكتبته الخاصة قائلا :
- أنظر هذه الكتب كلها لك بشرط أن تقرأ بها .
و فعلاً بدأت أقرأ و كان والدي يساعدني بفهمها في أوقات فراغه و أصبح يوم الجمعة أكثر تميزاً .
و اليوم ... أقف أمام بيتنا القديم أنظر من فوق البوابة الحديديه المغلقة و قد تأكلها الصدأ ... زادت الاهات و تقافزت الذكريات ... و عند زوية البيت رأيت دراجتي الهوائية و قد فرغت أطاراتها من الهواء و زال بريقها ... و لم أجرؤ على الدخول ... و أنما ذهبت بعيداً أبحث في ذاكرتي على شارع مكتبة الأندلس و حين وصولي فوجئت بتغير معالمه و بحثت و لم أجدها ... سألت عنها كل محل و شخص مستطرق و لم يدلني أحد ... أختلفت إجاباتهم فمنهم من قال أنه جديد في المنطقة و أخر قلب شفته قائلا ( يوجد مكتب تصوير وثائق قرب ذلك المطعم ) و ثالث ابتسم ببلاهة وقال ( لا توجد مكتبات هنا ) ... حتى وصلت الى نهاية الشارع وجدت رجلاً كهل يجلس على الرصيف يحتضن طفلاَ يبدو أنه حفيده … تقدمت نحوه و بعد عبارات السلام و الترحيب المعتاده سألته عن مكتبة الأندلس نظر اليّ بأهتمام قائلا :
- لقد توفي الحاج قاسم منذ مده طويلة ... و تنازع أولاده على الميراث فباعوا الاندلس .
قالها بمرارة و قبل أن أتكلم قال و هو يقلب كفيه بأستسلام :
- رغم إختلاف أهميه الحدث لكن التاريخ يعيد نفسه لقد ضاعت الأندلس مرتين.







تمت

Foxy.Rabbit
20-12-2007, 01:36 PM
لا جديد, لم تعد المكتبات و أجواءها تستهوي الكثيرين ...للأسف,
لم نعُد أمةً ترقى !!


قصيره لكنك أجدت اختيار الكلمات, و اخذتني في لحظة خارج الحدود,


يعطيك العافيه,
و أتطلع للمزيد من كتاباتك.