الغريبـــــة
01-01-2008, 05:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخواني وأخواتي الأعضاء ..أشكركم جزيل الشكر على زيارة أول موضوع لي في هذا المنتدى، والذي سأقدم فيه قصة قصيرة من تأليفي:) ..بعنوان"لنخرج من القـــوقـــــــعة!!!" ..
علمًا بأن القصة تحوي رمزًا أدبيًا ...وقد كتبتها قبل شهر تقريبًا وشاركت بها في مسابقة ولم تظهر النتائج بعد:D.. لذا أرجو منكم بعد قراءتها أن تبدوا آراءكم فيها وأن توضحوا لي أهم نقطة وهي .. هل فهمتم الرمز فيها؟؟؟:33:
لنخرج من القوقعــــــة
الأب: انظر يا بني.. هذه المزرعة كانت ولازالت مصدر رزقنا ورزق آبائنا وأجدادنا منذ زمن بعيد.. لم يعرفوا يومًا مصدرًا للطعام والقوت غيرها .
نظر القزم (غيث) بتأمل في تلك المزرعة الصغيرة، كانت عبارة عن زروع وأعشاب متفرقة، تتخللها عدة مبان ٍ صغيرة، ويحيط بكل ذلك سور حجري مرتفع ليس به أي منفذ للخارج، وقد اتخذت مجموعة من الأقزام هذا المكان قرية لها، فعاشت هناك جيلاً بعد جيل.. تسكن في مبان ٍ بنتها، وتقتات من حصاد تلك المزرعة الصغيرة..
وعلى الرغم من أن هذا المشهد تكرر عليه كثيرًا، فأصبح يعرف أقسام المزرعة وأرجاءها؛ إلا أنه في كل مرة يراها تخطر بباله خواطر وأفكار مختلفة، وتساؤلات عديدة..
لقد تعود منذ نعومة أظفاره على الذهاب إليها كل يوم مع والده ليجد كل أقزام القرية يحرثون فيها ويغرسون الأشجار ويجنون الثمار ..
عاد (غيث) مع أبيه إلى بيتهم الصغير بعد يوم طويل من العناء والعمل ..لكنه على الرغم من التعب لم يستطع النوم بسبب فكرة كانت تؤرقه، وتساؤلات عديدة تلح عليه .. لماذا؟ .. كيف؟ .. متى؟ ..... وكلها تدور حول نفس الفكرة ..
وفي اليوم التالي ..
الأب: بنيّ ..هيا استيقظ ..هيا لنذهب..
غيث: إلى أين سنذهب اليوم يا أبي؟؟
الأب - غاضبًا - : ما رأيك؟؟!! كم مرة سألت نفس السؤال ؟! ألم تعتد هذا النظام بعد؟!
a: أتقصد أننا سنذهب للمزرعة اليوم أيضًا؟
الأب : لقد قلت لك ألف مرة.. اليوم وكل يوم سنذهب إلى المزرعة لنزرع ونحصد..إنها مصدر رزقنا.. وإن لم نعمل فيها سنموت جوعًا!
كان (غيث) يسأل أباه هذا السؤال كل يوم، ويتمنى أن يجيبه أباه بإجابة مختلفة ولو يومًا واحدًا.
سكت ( غيث) وذهب مع أبيه، لكن نفس الفكرة مازالت تدق ناقوس عقله..
وكالعادة بعد انتهاء يوم عمل طويل وشاق، قال الأب: هيا يا بني.. لنعد إلى المنزل..
غيث: اذهب أنت يا أبي وسألحق بك بعد قليل..
الأب – مستغربًا - : ولم لا تأت الآن؟؟!
غيث: لا رغبة لي في العودة إلى المنزل الآن، سأظل هنا قليلاً أتأمل جمال البدر.... كم تعجبني استدارته، وكذلك هالة النور التي تحتضنه تلك..
الأب –بتردد- : حسنًا ..لك ما أردت..
عاد الأب إلى المنزل، لكن الريبة والشك كانا يساوران نفسه بشأن ابنه (غيث)..
وظل (غيث) يتأمل البدر قليلاً،ويتفكر في جماله وحسنه..
انتظر (غيث) حتى ابتعد والده عن المكان، وركض بسرعة باتجاه أطراف القرية حتى وصل إلى السور الحجري الذي تستره ظلال الأشجار، فأخذ يحرك صخرة كبيرة..وظل يسحبها جاهدًا حتى وصلت إلى جانب السور، فتأكد من ثباتها ثم نظر إليها بتأمل، وابتسامة ٌ خفية تداعب شفتيه، ثم عاد إلى المنزل وقد شعر ببعض الارتياح..
وعندما أشرقت شمس يوم جديد؛ذهب (غيث) مع أبيه كالعادة إلى المزرعة، ولازالت نفس الفكرة تدور برأسه..وقد عزم إكمال عمل الليلة السابقة..فانتظر حتى انتهى من العمل مع أبيه ثم قال: لقد أعجبني الجلوس هنا البارحة يا أبي، أود أن أقضي بعض الوقت هنا الليلة أيضاً..
شعر الأب بريبة أكثر وبفضول أكبر لمعرفة السبب،لكنه رد عليه قائلاً: كما تريد يا بني، لكن لا تتأخر في العودة إلى المنزل..
وانتظر (غيث) حتى اختفى والده بين ستائر الظلام وفعل كما فعل في الليلة السابقة؛ فأخذ صخرة ووضعها فوق الأولى، وتأكد من ثباتها، ثم جلس على الحشائش الرطبة ناظرًا إلى الصخرتين، آملاً أن ينال مراده..
وفي مكان آخر، كان الأب يعبر لأم غيث عن شكه وريبته وما يدور في خاطره حول تصرفات (غيث) العجيبة، قائلاً: أشعر بالقلق عليه ..إنه ولد عجيب..أسئلته غريبة، وتصرفاته مريبة..
الأم: لا تقلق عليه .. إنه - بأي حال- داخل القرية ..محميٌّ بأسوارها ، أما عن تصرفاته وتساؤلاته؛ فلا تنس أنه ما زال صغيرًا، ويجهل عن الحياة الكثير، وقد يتصرف بغرابة في البداية، لكنه سرعان ما سينضج ويتزن.
الأب: أتمنى ذلك..
* * *
ومرت الأيام والأيام ولازالت نفس الفكرة تلح على (غيث)، ومخططه يسير كما ينبغي، فكل يوم يضع صخرة فوق سابقتها حتى ارتفع مستوى الصخور وأصبح كالبرج، فنظر إليه بسعادة وقال لنفسه: لم يبق إلا القليل.. ويبدو أن الأوان قد اقترب لتبصر فكرتي النور..
لكن الشكوك ما زالت تساور الأب ، ومع مرور كل يوم يزداد فضوله حول سبب تأخر (غيث) كل ليلة، وعن ماهية ما يفعله في ذلك الوقت، لم يستطع عقله أن يصدق فكرة أن (غيث) يتأخر يوميًا ليتأمل في السماء، قال لنفسه: لابد أنه يفعل شيئًا ما .. كما أنه لم يعد يسأل أسئلته العجيبة كالسابق..لابد أن أرى بعينيّ ما يفعل..
وقد أفصح الأب عن ذلك للأم قائلاً: لقد قررت أن أتبعه في ليلة الغد لأرى ما يفعله..
قالت الأم : افعل ما تراه مناسبًا. ثم لاذت للصمت .. محاولة إخفاء قلقها..
وفي اليوم التالي، وبعد انتهاء العمل، تظاهر الأب بأنه يسير في طريق العودة إلى المنزل، لكنه انعطف في آخر الطريق، وعاد مرة أخرى مختبئًا خلف الشجيرات..
لكن (غيث) ظن أن والده قد عاد للمنزل، فاتجه إلى برجه ليكمل آخر صخرة فيه..
ذهب بسرعة وهو يشعر بالسعادة، ووالده يتبعه بخفة وهدوء، لكن قلقه وفضوله يزدادان، حتى وصل (غيث) إلى برجه العالي،فنظر إليه بإعجاب، ثم أخذ على عاتقه صخرة ليضعها في أعلى البرج..
وفي تلك اللحظة وصل والده إلى ذاك المكان.. ليصعق برؤية برج من الصخور يعلوه ابنه (غيث) حاملاً صخرة على عاتقه..
لم يتمالك الأب نفسه ، فصرخ: (غيث)!!! بني.. ماذا تفعل؟!! ما هذا الذي أراه!!
تفاجأ (غيث) بسماع صوت أبيه، حتى كاد يقع من أعلى البرج، والتفت وقد عقدت الصدمة لسانه...
وازدادت صدمته عندما رأى معظم أقزام القرية متجهين نحوه، لقد فزعوا إثر صراخ الأب، فتحلقوا حوله وقد أدهشهم ذلك المنظر العجيب..
تابع الأب صراخه: (غيث)!! انزل فورًا! ماذا تفعل بالأعلى؟؟! وما هذا البرج العجيب؟!! من بناه؟ ولماذا؟؟..
عندها .. لم يجد (غيث) مفرًا من إظهار الحقيقة ، فتمالك أعصابه..والتفت نحو برجه بصمت ليضع الصخرة الأخيرة... ثم وقف على قمة البرج ..وأخيرًا التفت نحو الأقزام الذين تعالت أصواتهم قائلين:
- لماذا؟ كيف؟
- انزل!
- لا بد أنه مجنون!!
- لا بد أن يقتل!!
- يا له من قزم ساذج..!
فأسكتهم (غيث) بصراخه قائلاً: وأخيرًا جاءت اللحظة التي انتظرتها بفارغ الصبر.. ها قد آن الأوان لفكرتي أن تبصر النور..يكفيها اختباءً بين طيات عقلي .. تلك الفكرة التي لطالما راودتني .. إنها الفكرة التي ستساعدني في إيجاد أجوبة لتساؤلاتي..
صرخ الأب قائلاً: ما هي فكرتك هذه؟! وما هي تساؤلاتك؟! ماذا تريد أن تعرف؟ ولماذا هذا البرج؟ ماذا تنوي أن تفعل؟؟!!!
أجاب (غيث) بانفعال: منذ ولدت وأنا أسأل نفسي .. لماذا أنا هنا؟ لماذا نعيش في هذا المكان الضيق؟؟! وإن كنتم ترونه واسعًا .. إلا أنني أراه مهما اتسع فهو محاط ومحدود بسور حجري عالٍ..
مذ كنت صغيرًا وأنا أتساءل.. لماذا نذهب كل يوم للمزرعة نفسها؟؟ لماذا نأكل الثمار والزروع نفسها؟؟!! لماذا نعيش في المكان نفسه ؟؟ لماذا نرى المناظر نفسها؟؟ لماذا أرى جزءًا من السماء ولا أراها كلها ؟؟ لماذا لا أرى الدنيا بأكملها؟؟ لماذا هذا السور؟؟ لماذا تـ...
قاطعه والده قائلاً: ألا تعرف لماذا؟! .. بعد كل هذه السنين وكل القصص التي سمعتها ألا تعلم لماذا؟! .. لقد قلت لك ألف مرة .. نحن نعيش هنا .. وقد عاش قبلنا آباؤنا وأجدادنا .. هذه المزرعة التي تراها ممتدة أمامك كانت ولازالت مصدر رزقنا منذ عشرات السنين.. نحن نعيش هنا بأمان وسلام.. وقد قام أجدادنا ببناء هذا السور لحمايتنا من الخطر الذي قد يتهددنا .. ماذا تريد أكثر؟؟!!!
صاح (غيث): ماذا أريد أكثر؟؟!!!!! ... قل ماذا نلت من الحياة أصلاً..!! .. كيف تستطيعون عيش حياتكم دون أن يقتلكم التفكير في .. في .. في أشياء لا حصر لها.. ألم تتساءلوا يومًا: ماذا يوجد خارج أسوار هذه القرية؟؟ كيف هو منظر الطبيعة في الخارج؟؟ ما أنواع النبات والفاكهة والزهور الأخرى؟؟ .. هل هناك أطعمة أخرى غير التي نأكلها؟؟ كيف هو مذاقها؟؟ هل يوجد بالخارج كائنات مثلنا؟؟ هل هي أصغر منا.. أم أنها عملاقة ؟؟ ..... هذا هو ما أبحث عنه ..!
أجاب الأب: بني .. هكذا عاش آباؤنا وأجدادنا .. وهكذا سنعيش نحن.. إننا......
صرخ (غيث) يائسًا: أنتم ..!! ..أنتم .. أنتم ما حبستم أنفسكم بين هذه الأسوار إلا جبنًا.. وما حرمتم أنفسكم من لذة الحياة إلا خوفًا من التغيير .. خوفًا من المجهول.. خوفًا من شيء لم تجربوه قط...... أنتم تعيشون في قوقعة صغيرة .. وتنظرون إلى الحياة من زاوية واحدة.. وبمنظار واحد .. منظار ورثتموه عن أجدادكم .. إنه منظار الخوف.. تخافون رؤية شيءٍ لم تروه أو يروه هم ... لكنني لن أكون مثلكم لن أضيع حياتي هباءً بين المزرعة والمنزل .. بل سأكسر حاجز الخوف وأكون أول من يخرج من هذه القوقعة..!!
أنا لا أريد أمانًا ... أنا أريد حرية ....!!!
وما أن فرغ (غيث ) من كلامه حتى ضج المكان بالضحك.. الكل يضحك ويسخر.. أما والده فقد انهار وصعق من كلام ابنه .. وبدأت الأفكار تتضارب في رأسه..ولم يجد شيئًا ليقوله سوى: ماذا تنوي أن تفعل يا (غيث)؟ لماذا هذا الـ......
ولكن الأب لم يكمل كلامه، فقد قفز (غيث) - وسط ذهول الجميع- من البرج إلى خارج أسوار القرية ... صاح الأب مناديًا بابنه، ولكن ما من مجيب..
لم يجرؤ أحد على اللحاق به..ولا حتى أبوه..إذ أن الجميع يعتقد أن الخروج من هذه القرية يعني الهلاك..وأن محاولة اللحاق ب(غيث)، للبحث عنه واستعادته، هي مضيعة للوقت..لأنه – حسب اعتقادهم - ذهب بلا رجعة..
ظل أقزام القرية في حالة وجوم لثوان ٍ ، لكن سرعان ما تفرقوا..وعاد كل منهم إلى منزله وهو يفكر فيما حدث..
أما عن أبي (غيث ) وأمه فقد بكيا حسرة على ابنهما الذي ظنا أنهما فقداه للأبد..
* * *
- لابد أن الوحوش التهمته..!
- لقد كان مجنونًا بلا ريب .. لقد أحسست بهذا منذ أن ولد..
- إنه قزم أحمق!! لا يستحق حتى الحزن على فقدانه!
- يجب هدم هذا البرج السخيف .. لكيلا يفكر مجنون آخر بالخروج من هنا ..
ظل أهل القرية يتداولون هذه الأقاويل وغيرها لأيام عديدة ..
ومرت الأيام والأيام، ونسي معظم أهل القرية (غيث) وقصته.. لكن أباه لم ينس قط ..فقد أثرت الحادثة فيه كثيرًا، وظل يفكر أيامًا طوالاً، وأكثر ما أرقه هو سؤال واحد: أيعقل أن يكون (غيث) محقًا؟؟!! .. لا لا .. لا يمكن .. بدليل أنه لم يعد حتى الآن. واحسرتاه عليك يا بني ..
وفي يوم من الأيام .. وبينما كان الأب يعمل في المزرعة كالمعتاد؛ إذ به يسمع صوتًا من خلفه، إنه صوت يعرفه... التفت ليجده (غيث).....
غيث: مرحبًا يا أبي!
صعق الأب عند رؤيته لابنه، بعدما فقد آخر أمل في أن يعود، وظن أنه فقده للأبد، وفي تلك اللحظة لم يسعه سوى أن يحضنه باكيًا ويقول: (غيث)!! بني.. لم فعلت ذلك!! حمدًا لله على عودتك..!
غيث: لقد اشتقت إليك كثيرًا يا أبي .. وقد جئت لأخبرك بأنني فعلت عين الصواب!!
وما أن مرت دقائق معدودة حتى انتشر خبر عودة (غيث) في القرية كما تنتشر النار في الهشيم.. وتحلق حوله أقزام القرية؛ ناظرين إليه بدهشة وتعجب، ولسان حالهم يقول: ياللعجب!! كيف عاد دون أن يصيبه مكروه!!!
قال (غيث) مخاطبًا الجميع: ها قد خرجت من قريتكم - أو بالأحرى من قوقعتكم- وعدت دون أن يصيبني مكروه، بل على العكس... لقد رأيت ما لم تره عينيّ قط .. رأيت الحدائق الغناء.. والأزهار الفاتنة.. والطيور المغردة.. رأيت أنهار الماء العذب تسري في كل وادٍ.. رأيت شموخ الجبال، وسعة الصحراء.. رأيت روعة شروق الشمس، وبهاء غروبها.. رأيت كل هذه العناصر تتجمع وتترتب في تناسق بديع، لتكون لوحة الكون الفاتنة..
رأيت مخلوقات شتى ..كبيرة وصغيرة .. ذقت ألوانًا مختلفة من الطعام والشراب والفاكهة..وشممت عبير ورود لم تستنشق رئتاي مثله من قبل... قضيت خارج القرية فترة تعتبر قصيرة، لكن يومًا منها كان أعظم وأجمل من حياتي كلها في هذا الحيز المحدود ..
ظل الأقزام يحدقون فيه فاغري أفواههم دهشةً.. لا يستطيعون تخيل ما يقوله ويصفه..
لقد شعروا بالإثارة والفضول.. ودّوا لو يخرجون للخارج ويرون ما رآه.. لكن الخوف مجددًا هو ما منعهم .. عرف (غيث) في تلك اللحظة ما يفكرون فيه، عرف أن عليه التصرف بحزم في موقف كهذا؛ لقد أيقن أن هذه هي اللحظة الحاسمة التي لن تتكرر مرة أخرى .. فوجوه الأقزام تبدو عليها – ولأول مرة - مسحة من الاقتناع بما يقول، فما كان منه إلا أن أخذ فأسًا واتجه نحو سور القرية العريق.. وأخذ يضربه بكل ما أوتي من قوة .. لم يمنعه أحد، ولم يستطع أحد أن يمنعه أصلاً ..لقد شلّتهم الصدمة عن الحركة..ربما كان تحطيم جزءٍ من السور هو دفعة من الشجاعة التي يحتاجونها.. وربما كان هدم السور رغبة دفينة في نفوسهم يخافون تحقيقها..
ظل (غيث) يضرب السور بالفأس حتى تكونت فجوة كبيرة ، تسللت خلالها أشعة الشمس فخرج (غيث ) منها إلى الخارج وصاح بهم : هيا!! .. إلى متى سيمنعكم جبنكم من الخروج من هذه القرية؟!!
ظلت الصدمة مؤثرة فيهم لثوان ٍ.. إلى أن شعروا بأقدامهم تتحرك بتلقائية لتدفعهم للخروج من تلك الفجوة.. فتحركوا ببطء وبدأوا بالخروج منها ليشاهدوا منظرًا خلابًا يعبق جمالاً وحسنًا وروعةً.. فبدأوا بالتراكض في أرجاء ذلك المكان ليتمتعوا -ولأول مرة في حياتهم- بجمال الطبيعة الغناء..
نظر إليهم (غيث) والنشوة تغمره.. وصاح يحثهم قائلاً:
هيا .. هيا .. هيا لنخرج من القوقعة..!!
هيا أيتها البشرية.. لتتحرري من سجن الخوف والروتين، إلى حرية التغيير والإبداع...!!
- تمت بحمد الله تعالى وبعونه -
"الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله"
:biggthump شكرًا جزيلا لقراءتكم القصة .. وأرجو عدم نقلها لمنتديات أخرى قبل أن تظهر نتائج المسابقة التي اشتركت فيها..(أخاف يتحسبوني نقلتها من النت!!!)
مع تحياتي.. أختكم الغريبـــــــة:)
أخواني وأخواتي الأعضاء ..أشكركم جزيل الشكر على زيارة أول موضوع لي في هذا المنتدى، والذي سأقدم فيه قصة قصيرة من تأليفي:) ..بعنوان"لنخرج من القـــوقـــــــعة!!!" ..
علمًا بأن القصة تحوي رمزًا أدبيًا ...وقد كتبتها قبل شهر تقريبًا وشاركت بها في مسابقة ولم تظهر النتائج بعد:D.. لذا أرجو منكم بعد قراءتها أن تبدوا آراءكم فيها وأن توضحوا لي أهم نقطة وهي .. هل فهمتم الرمز فيها؟؟؟:33:
لنخرج من القوقعــــــة
الأب: انظر يا بني.. هذه المزرعة كانت ولازالت مصدر رزقنا ورزق آبائنا وأجدادنا منذ زمن بعيد.. لم يعرفوا يومًا مصدرًا للطعام والقوت غيرها .
نظر القزم (غيث) بتأمل في تلك المزرعة الصغيرة، كانت عبارة عن زروع وأعشاب متفرقة، تتخللها عدة مبان ٍ صغيرة، ويحيط بكل ذلك سور حجري مرتفع ليس به أي منفذ للخارج، وقد اتخذت مجموعة من الأقزام هذا المكان قرية لها، فعاشت هناك جيلاً بعد جيل.. تسكن في مبان ٍ بنتها، وتقتات من حصاد تلك المزرعة الصغيرة..
وعلى الرغم من أن هذا المشهد تكرر عليه كثيرًا، فأصبح يعرف أقسام المزرعة وأرجاءها؛ إلا أنه في كل مرة يراها تخطر بباله خواطر وأفكار مختلفة، وتساؤلات عديدة..
لقد تعود منذ نعومة أظفاره على الذهاب إليها كل يوم مع والده ليجد كل أقزام القرية يحرثون فيها ويغرسون الأشجار ويجنون الثمار ..
عاد (غيث) مع أبيه إلى بيتهم الصغير بعد يوم طويل من العناء والعمل ..لكنه على الرغم من التعب لم يستطع النوم بسبب فكرة كانت تؤرقه، وتساؤلات عديدة تلح عليه .. لماذا؟ .. كيف؟ .. متى؟ ..... وكلها تدور حول نفس الفكرة ..
وفي اليوم التالي ..
الأب: بنيّ ..هيا استيقظ ..هيا لنذهب..
غيث: إلى أين سنذهب اليوم يا أبي؟؟
الأب - غاضبًا - : ما رأيك؟؟!! كم مرة سألت نفس السؤال ؟! ألم تعتد هذا النظام بعد؟!
a: أتقصد أننا سنذهب للمزرعة اليوم أيضًا؟
الأب : لقد قلت لك ألف مرة.. اليوم وكل يوم سنذهب إلى المزرعة لنزرع ونحصد..إنها مصدر رزقنا.. وإن لم نعمل فيها سنموت جوعًا!
كان (غيث) يسأل أباه هذا السؤال كل يوم، ويتمنى أن يجيبه أباه بإجابة مختلفة ولو يومًا واحدًا.
سكت ( غيث) وذهب مع أبيه، لكن نفس الفكرة مازالت تدق ناقوس عقله..
وكالعادة بعد انتهاء يوم عمل طويل وشاق، قال الأب: هيا يا بني.. لنعد إلى المنزل..
غيث: اذهب أنت يا أبي وسألحق بك بعد قليل..
الأب – مستغربًا - : ولم لا تأت الآن؟؟!
غيث: لا رغبة لي في العودة إلى المنزل الآن، سأظل هنا قليلاً أتأمل جمال البدر.... كم تعجبني استدارته، وكذلك هالة النور التي تحتضنه تلك..
الأب –بتردد- : حسنًا ..لك ما أردت..
عاد الأب إلى المنزل، لكن الريبة والشك كانا يساوران نفسه بشأن ابنه (غيث)..
وظل (غيث) يتأمل البدر قليلاً،ويتفكر في جماله وحسنه..
انتظر (غيث) حتى ابتعد والده عن المكان، وركض بسرعة باتجاه أطراف القرية حتى وصل إلى السور الحجري الذي تستره ظلال الأشجار، فأخذ يحرك صخرة كبيرة..وظل يسحبها جاهدًا حتى وصلت إلى جانب السور، فتأكد من ثباتها ثم نظر إليها بتأمل، وابتسامة ٌ خفية تداعب شفتيه، ثم عاد إلى المنزل وقد شعر ببعض الارتياح..
وعندما أشرقت شمس يوم جديد؛ذهب (غيث) مع أبيه كالعادة إلى المزرعة، ولازالت نفس الفكرة تدور برأسه..وقد عزم إكمال عمل الليلة السابقة..فانتظر حتى انتهى من العمل مع أبيه ثم قال: لقد أعجبني الجلوس هنا البارحة يا أبي، أود أن أقضي بعض الوقت هنا الليلة أيضاً..
شعر الأب بريبة أكثر وبفضول أكبر لمعرفة السبب،لكنه رد عليه قائلاً: كما تريد يا بني، لكن لا تتأخر في العودة إلى المنزل..
وانتظر (غيث) حتى اختفى والده بين ستائر الظلام وفعل كما فعل في الليلة السابقة؛ فأخذ صخرة ووضعها فوق الأولى، وتأكد من ثباتها، ثم جلس على الحشائش الرطبة ناظرًا إلى الصخرتين، آملاً أن ينال مراده..
وفي مكان آخر، كان الأب يعبر لأم غيث عن شكه وريبته وما يدور في خاطره حول تصرفات (غيث) العجيبة، قائلاً: أشعر بالقلق عليه ..إنه ولد عجيب..أسئلته غريبة، وتصرفاته مريبة..
الأم: لا تقلق عليه .. إنه - بأي حال- داخل القرية ..محميٌّ بأسوارها ، أما عن تصرفاته وتساؤلاته؛ فلا تنس أنه ما زال صغيرًا، ويجهل عن الحياة الكثير، وقد يتصرف بغرابة في البداية، لكنه سرعان ما سينضج ويتزن.
الأب: أتمنى ذلك..
* * *
ومرت الأيام والأيام ولازالت نفس الفكرة تلح على (غيث)، ومخططه يسير كما ينبغي، فكل يوم يضع صخرة فوق سابقتها حتى ارتفع مستوى الصخور وأصبح كالبرج، فنظر إليه بسعادة وقال لنفسه: لم يبق إلا القليل.. ويبدو أن الأوان قد اقترب لتبصر فكرتي النور..
لكن الشكوك ما زالت تساور الأب ، ومع مرور كل يوم يزداد فضوله حول سبب تأخر (غيث) كل ليلة، وعن ماهية ما يفعله في ذلك الوقت، لم يستطع عقله أن يصدق فكرة أن (غيث) يتأخر يوميًا ليتأمل في السماء، قال لنفسه: لابد أنه يفعل شيئًا ما .. كما أنه لم يعد يسأل أسئلته العجيبة كالسابق..لابد أن أرى بعينيّ ما يفعل..
وقد أفصح الأب عن ذلك للأم قائلاً: لقد قررت أن أتبعه في ليلة الغد لأرى ما يفعله..
قالت الأم : افعل ما تراه مناسبًا. ثم لاذت للصمت .. محاولة إخفاء قلقها..
وفي اليوم التالي، وبعد انتهاء العمل، تظاهر الأب بأنه يسير في طريق العودة إلى المنزل، لكنه انعطف في آخر الطريق، وعاد مرة أخرى مختبئًا خلف الشجيرات..
لكن (غيث) ظن أن والده قد عاد للمنزل، فاتجه إلى برجه ليكمل آخر صخرة فيه..
ذهب بسرعة وهو يشعر بالسعادة، ووالده يتبعه بخفة وهدوء، لكن قلقه وفضوله يزدادان، حتى وصل (غيث) إلى برجه العالي،فنظر إليه بإعجاب، ثم أخذ على عاتقه صخرة ليضعها في أعلى البرج..
وفي تلك اللحظة وصل والده إلى ذاك المكان.. ليصعق برؤية برج من الصخور يعلوه ابنه (غيث) حاملاً صخرة على عاتقه..
لم يتمالك الأب نفسه ، فصرخ: (غيث)!!! بني.. ماذا تفعل؟!! ما هذا الذي أراه!!
تفاجأ (غيث) بسماع صوت أبيه، حتى كاد يقع من أعلى البرج، والتفت وقد عقدت الصدمة لسانه...
وازدادت صدمته عندما رأى معظم أقزام القرية متجهين نحوه، لقد فزعوا إثر صراخ الأب، فتحلقوا حوله وقد أدهشهم ذلك المنظر العجيب..
تابع الأب صراخه: (غيث)!! انزل فورًا! ماذا تفعل بالأعلى؟؟! وما هذا البرج العجيب؟!! من بناه؟ ولماذا؟؟..
عندها .. لم يجد (غيث) مفرًا من إظهار الحقيقة ، فتمالك أعصابه..والتفت نحو برجه بصمت ليضع الصخرة الأخيرة... ثم وقف على قمة البرج ..وأخيرًا التفت نحو الأقزام الذين تعالت أصواتهم قائلين:
- لماذا؟ كيف؟
- انزل!
- لا بد أنه مجنون!!
- لا بد أن يقتل!!
- يا له من قزم ساذج..!
فأسكتهم (غيث) بصراخه قائلاً: وأخيرًا جاءت اللحظة التي انتظرتها بفارغ الصبر.. ها قد آن الأوان لفكرتي أن تبصر النور..يكفيها اختباءً بين طيات عقلي .. تلك الفكرة التي لطالما راودتني .. إنها الفكرة التي ستساعدني في إيجاد أجوبة لتساؤلاتي..
صرخ الأب قائلاً: ما هي فكرتك هذه؟! وما هي تساؤلاتك؟! ماذا تريد أن تعرف؟ ولماذا هذا البرج؟ ماذا تنوي أن تفعل؟؟!!!
أجاب (غيث) بانفعال: منذ ولدت وأنا أسأل نفسي .. لماذا أنا هنا؟ لماذا نعيش في هذا المكان الضيق؟؟! وإن كنتم ترونه واسعًا .. إلا أنني أراه مهما اتسع فهو محاط ومحدود بسور حجري عالٍ..
مذ كنت صغيرًا وأنا أتساءل.. لماذا نذهب كل يوم للمزرعة نفسها؟؟ لماذا نأكل الثمار والزروع نفسها؟؟!! لماذا نعيش في المكان نفسه ؟؟ لماذا نرى المناظر نفسها؟؟ لماذا أرى جزءًا من السماء ولا أراها كلها ؟؟ لماذا لا أرى الدنيا بأكملها؟؟ لماذا هذا السور؟؟ لماذا تـ...
قاطعه والده قائلاً: ألا تعرف لماذا؟! .. بعد كل هذه السنين وكل القصص التي سمعتها ألا تعلم لماذا؟! .. لقد قلت لك ألف مرة .. نحن نعيش هنا .. وقد عاش قبلنا آباؤنا وأجدادنا .. هذه المزرعة التي تراها ممتدة أمامك كانت ولازالت مصدر رزقنا منذ عشرات السنين.. نحن نعيش هنا بأمان وسلام.. وقد قام أجدادنا ببناء هذا السور لحمايتنا من الخطر الذي قد يتهددنا .. ماذا تريد أكثر؟؟!!!
صاح (غيث): ماذا أريد أكثر؟؟!!!!! ... قل ماذا نلت من الحياة أصلاً..!! .. كيف تستطيعون عيش حياتكم دون أن يقتلكم التفكير في .. في .. في أشياء لا حصر لها.. ألم تتساءلوا يومًا: ماذا يوجد خارج أسوار هذه القرية؟؟ كيف هو منظر الطبيعة في الخارج؟؟ ما أنواع النبات والفاكهة والزهور الأخرى؟؟ .. هل هناك أطعمة أخرى غير التي نأكلها؟؟ كيف هو مذاقها؟؟ هل يوجد بالخارج كائنات مثلنا؟؟ هل هي أصغر منا.. أم أنها عملاقة ؟؟ ..... هذا هو ما أبحث عنه ..!
أجاب الأب: بني .. هكذا عاش آباؤنا وأجدادنا .. وهكذا سنعيش نحن.. إننا......
صرخ (غيث) يائسًا: أنتم ..!! ..أنتم .. أنتم ما حبستم أنفسكم بين هذه الأسوار إلا جبنًا.. وما حرمتم أنفسكم من لذة الحياة إلا خوفًا من التغيير .. خوفًا من المجهول.. خوفًا من شيء لم تجربوه قط...... أنتم تعيشون في قوقعة صغيرة .. وتنظرون إلى الحياة من زاوية واحدة.. وبمنظار واحد .. منظار ورثتموه عن أجدادكم .. إنه منظار الخوف.. تخافون رؤية شيءٍ لم تروه أو يروه هم ... لكنني لن أكون مثلكم لن أضيع حياتي هباءً بين المزرعة والمنزل .. بل سأكسر حاجز الخوف وأكون أول من يخرج من هذه القوقعة..!!
أنا لا أريد أمانًا ... أنا أريد حرية ....!!!
وما أن فرغ (غيث ) من كلامه حتى ضج المكان بالضحك.. الكل يضحك ويسخر.. أما والده فقد انهار وصعق من كلام ابنه .. وبدأت الأفكار تتضارب في رأسه..ولم يجد شيئًا ليقوله سوى: ماذا تنوي أن تفعل يا (غيث)؟ لماذا هذا الـ......
ولكن الأب لم يكمل كلامه، فقد قفز (غيث) - وسط ذهول الجميع- من البرج إلى خارج أسوار القرية ... صاح الأب مناديًا بابنه، ولكن ما من مجيب..
لم يجرؤ أحد على اللحاق به..ولا حتى أبوه..إذ أن الجميع يعتقد أن الخروج من هذه القرية يعني الهلاك..وأن محاولة اللحاق ب(غيث)، للبحث عنه واستعادته، هي مضيعة للوقت..لأنه – حسب اعتقادهم - ذهب بلا رجعة..
ظل أقزام القرية في حالة وجوم لثوان ٍ ، لكن سرعان ما تفرقوا..وعاد كل منهم إلى منزله وهو يفكر فيما حدث..
أما عن أبي (غيث ) وأمه فقد بكيا حسرة على ابنهما الذي ظنا أنهما فقداه للأبد..
* * *
- لابد أن الوحوش التهمته..!
- لقد كان مجنونًا بلا ريب .. لقد أحسست بهذا منذ أن ولد..
- إنه قزم أحمق!! لا يستحق حتى الحزن على فقدانه!
- يجب هدم هذا البرج السخيف .. لكيلا يفكر مجنون آخر بالخروج من هنا ..
ظل أهل القرية يتداولون هذه الأقاويل وغيرها لأيام عديدة ..
ومرت الأيام والأيام، ونسي معظم أهل القرية (غيث) وقصته.. لكن أباه لم ينس قط ..فقد أثرت الحادثة فيه كثيرًا، وظل يفكر أيامًا طوالاً، وأكثر ما أرقه هو سؤال واحد: أيعقل أن يكون (غيث) محقًا؟؟!! .. لا لا .. لا يمكن .. بدليل أنه لم يعد حتى الآن. واحسرتاه عليك يا بني ..
وفي يوم من الأيام .. وبينما كان الأب يعمل في المزرعة كالمعتاد؛ إذ به يسمع صوتًا من خلفه، إنه صوت يعرفه... التفت ليجده (غيث).....
غيث: مرحبًا يا أبي!
صعق الأب عند رؤيته لابنه، بعدما فقد آخر أمل في أن يعود، وظن أنه فقده للأبد، وفي تلك اللحظة لم يسعه سوى أن يحضنه باكيًا ويقول: (غيث)!! بني.. لم فعلت ذلك!! حمدًا لله على عودتك..!
غيث: لقد اشتقت إليك كثيرًا يا أبي .. وقد جئت لأخبرك بأنني فعلت عين الصواب!!
وما أن مرت دقائق معدودة حتى انتشر خبر عودة (غيث) في القرية كما تنتشر النار في الهشيم.. وتحلق حوله أقزام القرية؛ ناظرين إليه بدهشة وتعجب، ولسان حالهم يقول: ياللعجب!! كيف عاد دون أن يصيبه مكروه!!!
قال (غيث) مخاطبًا الجميع: ها قد خرجت من قريتكم - أو بالأحرى من قوقعتكم- وعدت دون أن يصيبني مكروه، بل على العكس... لقد رأيت ما لم تره عينيّ قط .. رأيت الحدائق الغناء.. والأزهار الفاتنة.. والطيور المغردة.. رأيت أنهار الماء العذب تسري في كل وادٍ.. رأيت شموخ الجبال، وسعة الصحراء.. رأيت روعة شروق الشمس، وبهاء غروبها.. رأيت كل هذه العناصر تتجمع وتترتب في تناسق بديع، لتكون لوحة الكون الفاتنة..
رأيت مخلوقات شتى ..كبيرة وصغيرة .. ذقت ألوانًا مختلفة من الطعام والشراب والفاكهة..وشممت عبير ورود لم تستنشق رئتاي مثله من قبل... قضيت خارج القرية فترة تعتبر قصيرة، لكن يومًا منها كان أعظم وأجمل من حياتي كلها في هذا الحيز المحدود ..
ظل الأقزام يحدقون فيه فاغري أفواههم دهشةً.. لا يستطيعون تخيل ما يقوله ويصفه..
لقد شعروا بالإثارة والفضول.. ودّوا لو يخرجون للخارج ويرون ما رآه.. لكن الخوف مجددًا هو ما منعهم .. عرف (غيث) في تلك اللحظة ما يفكرون فيه، عرف أن عليه التصرف بحزم في موقف كهذا؛ لقد أيقن أن هذه هي اللحظة الحاسمة التي لن تتكرر مرة أخرى .. فوجوه الأقزام تبدو عليها – ولأول مرة - مسحة من الاقتناع بما يقول، فما كان منه إلا أن أخذ فأسًا واتجه نحو سور القرية العريق.. وأخذ يضربه بكل ما أوتي من قوة .. لم يمنعه أحد، ولم يستطع أحد أن يمنعه أصلاً ..لقد شلّتهم الصدمة عن الحركة..ربما كان تحطيم جزءٍ من السور هو دفعة من الشجاعة التي يحتاجونها.. وربما كان هدم السور رغبة دفينة في نفوسهم يخافون تحقيقها..
ظل (غيث) يضرب السور بالفأس حتى تكونت فجوة كبيرة ، تسللت خلالها أشعة الشمس فخرج (غيث ) منها إلى الخارج وصاح بهم : هيا!! .. إلى متى سيمنعكم جبنكم من الخروج من هذه القرية؟!!
ظلت الصدمة مؤثرة فيهم لثوان ٍ.. إلى أن شعروا بأقدامهم تتحرك بتلقائية لتدفعهم للخروج من تلك الفجوة.. فتحركوا ببطء وبدأوا بالخروج منها ليشاهدوا منظرًا خلابًا يعبق جمالاً وحسنًا وروعةً.. فبدأوا بالتراكض في أرجاء ذلك المكان ليتمتعوا -ولأول مرة في حياتهم- بجمال الطبيعة الغناء..
نظر إليهم (غيث) والنشوة تغمره.. وصاح يحثهم قائلاً:
هيا .. هيا .. هيا لنخرج من القوقعة..!!
هيا أيتها البشرية.. لتتحرري من سجن الخوف والروتين، إلى حرية التغيير والإبداع...!!
- تمت بحمد الله تعالى وبعونه -
"الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله"
:biggthump شكرًا جزيلا لقراءتكم القصة .. وأرجو عدم نقلها لمنتديات أخرى قبل أن تظهر نتائج المسابقة التي اشتركت فيها..(أخاف يتحسبوني نقلتها من النت!!!)
مع تحياتي.. أختكم الغريبـــــــة:)