S A T A N
02-02-2008, 11:50 PM
دمشق ـ * تهامة الجندي
يقول المخرج دوشان فوكتش: «تبدأ سينما الكرتون حيث تنتهي جميع الفنون», وفي العبارة تأكيد استقلالية هذا الفن وأهميته كأحد أبرز أدوات التعبير في العالم.
سينما الكرتون أو «الرسوم المتحركة» كانت قد ظهرت منذ أوائل القرن العشرين, وطوّرت أدواتها وشخوصها التي وظّفتها في تناول مختلف الموضوعات السياسية والاجتماعية والتعليمية, ليس لدى الأطفال فقط, بل في أوساط الكبار أيضا, لكن هذه التطورات لم تجد صداها في العالم العربي, فما زالت تجارب الرسوم المتحركة محدودة, وقد جاءت متأخرة جدا, واقتصرت في الغالب, ليس على الإنتاج المحلي, بل على دبلجة الإنتاج الأجنبي.
ومقارنة بهذا السياق فقط, تبدو التجربة السورية واحدة من التجارب العربية التي حققت خطوة متقدمة على صعيد الإنتاج, فمنذ تسعينيات القرن العشرين وجهود القطاعين العام والخاص تسعى بهذا الاتجاه, وقد أثمرت عن عدة أفلام كرتون قصيرة وفيلمين طويلين: الاول بعنوان «الجرة» وجاء بمبادرة رائدة من شركة «نجم» الخاصة, والثاني «خيط الحياة» الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما بالاشتراك مع شركة «تايغر» الألمانية.
بالعودة إلى البدايات, نقول إن سوريا أنتجت أول فيلم رسوم متحركة في نهاية السبعينات, حين قدّم نزار غازي وسمير جبر €العام 1979€ شريط «شارة مرور» للتلفزيون السوري, ولم تتكرر تجربة الإنتاج هذه حتى بداية التسعينيات, حين أدخلت المؤسسة العامة للسينما ضمن خططها إنتاج هذا النوع من الأفلام. وخلال خمسة عشر عاما من ذلك التاريخ, اقتصر إنتاج المؤسسة على أفلام الكرتون القصيرة وبمعدل فيلم واحد كل عام أو عامين, إلى أن قامت في العام 2005 بتقديم أول فيلم كرتون طويل في قائمة إنتاجاتها وكان بعنوان «خيط الحياة».
وكان من أبرز إنتاجات المؤسسة العامة للسينما في إطار أفلام الكرتون القصيرة: أفلام موفق قات «حكاية مسمارية» €العام 1991€ €نال جائزة النقاد العرب وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان دمشق السينمائي€, و«ألف صورة وصورة» €العام 1996€ €فاز بالجائزة الأولى في مهرجان القاهرة لسينما الأطفال, والبرونزية في مهرجان قرطاج, والذهبية في مهرجان الفنون التشكيلية بتونس€, و«مذكرات رجل بدائي» €العام 2005€.
أيضا من انتاجات المهمة للمؤسسة, أفلام الراحل ناصر نعساني «العصا» €1994€ وفيلم «هو وهي» €العام 1995€ €نال الجائزة الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي في العام ذاته€ وفيلما عبد المعين عيون السود «فيتو» €1991€ و«عفوا سيد اكس» €1993€ وفيلم «ديجيتال» للمخرج منير جباوي €العام1002€.
وبالتوازي مع ذلك في أواسط التسعينيات, تأسست شركة «نجم» لإنتاج الرسوم المتحركة بجهود خاصة, وفي العام 1999 أنتجت أول فيلم رسوم متحركة سوري طويل بعنوان «الجرة»... أي أنها سبقت المؤسسة العامة بست سنوات, وكذلك قامت في السنوات التالية بإنتاج مجموعة حلقات تلفزيونية تتراوح مدتها ما بين الخمس والعشر دقائق, بعنوان «باح يا باح» وتتناول قصصاً من التراث الشعبي, كذلك أنجزت فيلما قصيرا بعنوان «مغامرة السلحفاة», اضافة الى أن الشركة أقامت عدة دورات تدريبية للراغبين والمهتمين بهذا الفن.
وعلى حد تعبير الفنان موفق قات, فقد أصبح في سورية كم كبير من الأشخاص الذين يعملون في مجال الرسوم المتحركة, وهم شباب جيدون, لكنهم يتجّهون إلى أسلوب «الأنيمية» دون سواه, وهو الأسلوب الياباني في الكرتون, وبذلك, فهم يكتفون بالأسهل, وهذا أمر مزعج, فإن انتفت الخصوصية من الفن لا يبقى فنا.
خيط الحياة
وعلى خلاف أفلام الكرتون الموجهة للأطفال, والتي تقوم عادة على بؤر الصراع بين ممثلي قوى الخير وقوى الشر, الجمال والقبح... على خلاف ذلك, يقوم فيلم «خط الحياة» على فكرة الصراع مع الزمن انطلاقا من أمنية يحملها كل طفل في أعماقه, وهي الرغبة في تجاوز عمره والوصول إلى سن الشباب مبكرا, وقد كتبت سيناريو الفيلم ديانا فارس بالاعتماد على قصة من التراث الشعبي العالمي بعنوان «الخيط السحري», وقامت رزام حجازي بإخراجه في تجربة أولى لها.
تدور أحداث الفيلم حول طفل صغير تعيله أمه التي تعمل بحياكة الأقمشة, وهو يتمنى أن يكبر سريعاً كي يشتغل ويحمل العبء عنها, وان يتجاوز مصاعب الحياة ويكتشف مستقبله. وتأخذه أمنياته إلى عوالم متخلية ينسجها وهو يجالس حيواناته الأليفة التي يعيش معها, حيث يفترض وجود ساحرة تختبئ تحت الأرض وتمتلك حلاً للزمن, فيمضي إليها برحلة مملوءة بالمغامرة والتشويق, عبر سرداب طويل يرمز إلى دروب الحياة المنوعة المضيئة والمظلمة, حتى يصل إليها, فتعطيه علبة صغيرة تحوي على خيط يمثّل سنوات حياته, وبإمكانه تجاوز المرحلة التي يعيشها كلما سحب الخيط قليلا, لكنه لا يمكنه أن يعود إليها. هكذا, وبسحبات عدة من الخيط يمضي الزمن مسرعا بالصغير, فيكبر ويتزوج وينجب أطفالا بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات, حتى يصل إلى نهاية المطاف, إلى الشيخوخة, فيكتشف أن ذاكرته لم تكن دقيقة بما يكفي, وأنه لم يعش حياته كما يعيش الآخرون, وهنا يدرك أن الحياة قصيرة جدا, وعلينا أن نقبلها كما هي, ونعيشها بكل حواسنا, لأنها تُعطى لنا مرة واحدة على هذه الأرض, فيرجو الساحرة أن تستعيد علبة الزمن وأن تعيده إلى طفولته, حيث نراه في المشهد الأخير طفلا من جديد, في عربة تقله إلى دمشق ليدّرس هناك, وليقضي بقية عمره في الاجتهاد والعمل والبناء كما تتطلب سنّة الكون.
ولا شك في أن حكاية الفيلم الناعمة تنطوي على الكثير من القيم الأخلاقية والتربوية العالية, كما أنها تمتلك مقومات التشويق وعناصر تخيلية مهمة مستقاة من واقع الطفولة ذاتها, ومن مفردات لغتها الخاصة, وقد تضافرت جهود الكاتبة والمخرجة على تأكيد هوية الفيلم المحلية العربية, من خلال استلهام الموروث الشعبي في الكثير من المفاصل الرئيسة, كإدخال حياكة النسيج كمصدر من مصادر الرزق, وهي صناعة عريقة في سوريا, أو كإدخال الكتّاب والشيخ في مقام المدرسة, وذكر بعض آيات القرآن, أو استلهام الأسواق الشعبية القديمة. وإلى ذلك, فإن الفيلم منفّذ برسوم جميلة وألوان مشرقة وأغان مناسبة أكسبته بيئة جمالية خاصة, عّبرت عن حالة السلام التي تتميز بها مفردات حياتنا البسيطة قبل أن تغزوها الثقافات من كل صوب.
بطاقة
إنتاج: المؤسسة العامة للسينما وTiger Production 2005.
سيناريو: ديانا فارس.
إخراج: رزام حجازي.
اشراف على العمليات الفنية: وليد حريب.
مدير الانتاج: يوسف دك الباب.
مستشار درامي: سمير ذكرى.
تنفيذ: Tiger Production.
يقول المخرج دوشان فوكتش: «تبدأ سينما الكرتون حيث تنتهي جميع الفنون», وفي العبارة تأكيد استقلالية هذا الفن وأهميته كأحد أبرز أدوات التعبير في العالم.
سينما الكرتون أو «الرسوم المتحركة» كانت قد ظهرت منذ أوائل القرن العشرين, وطوّرت أدواتها وشخوصها التي وظّفتها في تناول مختلف الموضوعات السياسية والاجتماعية والتعليمية, ليس لدى الأطفال فقط, بل في أوساط الكبار أيضا, لكن هذه التطورات لم تجد صداها في العالم العربي, فما زالت تجارب الرسوم المتحركة محدودة, وقد جاءت متأخرة جدا, واقتصرت في الغالب, ليس على الإنتاج المحلي, بل على دبلجة الإنتاج الأجنبي.
ومقارنة بهذا السياق فقط, تبدو التجربة السورية واحدة من التجارب العربية التي حققت خطوة متقدمة على صعيد الإنتاج, فمنذ تسعينيات القرن العشرين وجهود القطاعين العام والخاص تسعى بهذا الاتجاه, وقد أثمرت عن عدة أفلام كرتون قصيرة وفيلمين طويلين: الاول بعنوان «الجرة» وجاء بمبادرة رائدة من شركة «نجم» الخاصة, والثاني «خيط الحياة» الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما بالاشتراك مع شركة «تايغر» الألمانية.
بالعودة إلى البدايات, نقول إن سوريا أنتجت أول فيلم رسوم متحركة في نهاية السبعينات, حين قدّم نزار غازي وسمير جبر €العام 1979€ شريط «شارة مرور» للتلفزيون السوري, ولم تتكرر تجربة الإنتاج هذه حتى بداية التسعينيات, حين أدخلت المؤسسة العامة للسينما ضمن خططها إنتاج هذا النوع من الأفلام. وخلال خمسة عشر عاما من ذلك التاريخ, اقتصر إنتاج المؤسسة على أفلام الكرتون القصيرة وبمعدل فيلم واحد كل عام أو عامين, إلى أن قامت في العام 2005 بتقديم أول فيلم كرتون طويل في قائمة إنتاجاتها وكان بعنوان «خيط الحياة».
وكان من أبرز إنتاجات المؤسسة العامة للسينما في إطار أفلام الكرتون القصيرة: أفلام موفق قات «حكاية مسمارية» €العام 1991€ €نال جائزة النقاد العرب وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان دمشق السينمائي€, و«ألف صورة وصورة» €العام 1996€ €فاز بالجائزة الأولى في مهرجان القاهرة لسينما الأطفال, والبرونزية في مهرجان قرطاج, والذهبية في مهرجان الفنون التشكيلية بتونس€, و«مذكرات رجل بدائي» €العام 2005€.
أيضا من انتاجات المهمة للمؤسسة, أفلام الراحل ناصر نعساني «العصا» €1994€ وفيلم «هو وهي» €العام 1995€ €نال الجائزة الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي في العام ذاته€ وفيلما عبد المعين عيون السود «فيتو» €1991€ و«عفوا سيد اكس» €1993€ وفيلم «ديجيتال» للمخرج منير جباوي €العام1002€.
وبالتوازي مع ذلك في أواسط التسعينيات, تأسست شركة «نجم» لإنتاج الرسوم المتحركة بجهود خاصة, وفي العام 1999 أنتجت أول فيلم رسوم متحركة سوري طويل بعنوان «الجرة»... أي أنها سبقت المؤسسة العامة بست سنوات, وكذلك قامت في السنوات التالية بإنتاج مجموعة حلقات تلفزيونية تتراوح مدتها ما بين الخمس والعشر دقائق, بعنوان «باح يا باح» وتتناول قصصاً من التراث الشعبي, كذلك أنجزت فيلما قصيرا بعنوان «مغامرة السلحفاة», اضافة الى أن الشركة أقامت عدة دورات تدريبية للراغبين والمهتمين بهذا الفن.
وعلى حد تعبير الفنان موفق قات, فقد أصبح في سورية كم كبير من الأشخاص الذين يعملون في مجال الرسوم المتحركة, وهم شباب جيدون, لكنهم يتجّهون إلى أسلوب «الأنيمية» دون سواه, وهو الأسلوب الياباني في الكرتون, وبذلك, فهم يكتفون بالأسهل, وهذا أمر مزعج, فإن انتفت الخصوصية من الفن لا يبقى فنا.
خيط الحياة
وعلى خلاف أفلام الكرتون الموجهة للأطفال, والتي تقوم عادة على بؤر الصراع بين ممثلي قوى الخير وقوى الشر, الجمال والقبح... على خلاف ذلك, يقوم فيلم «خط الحياة» على فكرة الصراع مع الزمن انطلاقا من أمنية يحملها كل طفل في أعماقه, وهي الرغبة في تجاوز عمره والوصول إلى سن الشباب مبكرا, وقد كتبت سيناريو الفيلم ديانا فارس بالاعتماد على قصة من التراث الشعبي العالمي بعنوان «الخيط السحري», وقامت رزام حجازي بإخراجه في تجربة أولى لها.
تدور أحداث الفيلم حول طفل صغير تعيله أمه التي تعمل بحياكة الأقمشة, وهو يتمنى أن يكبر سريعاً كي يشتغل ويحمل العبء عنها, وان يتجاوز مصاعب الحياة ويكتشف مستقبله. وتأخذه أمنياته إلى عوالم متخلية ينسجها وهو يجالس حيواناته الأليفة التي يعيش معها, حيث يفترض وجود ساحرة تختبئ تحت الأرض وتمتلك حلاً للزمن, فيمضي إليها برحلة مملوءة بالمغامرة والتشويق, عبر سرداب طويل يرمز إلى دروب الحياة المنوعة المضيئة والمظلمة, حتى يصل إليها, فتعطيه علبة صغيرة تحوي على خيط يمثّل سنوات حياته, وبإمكانه تجاوز المرحلة التي يعيشها كلما سحب الخيط قليلا, لكنه لا يمكنه أن يعود إليها. هكذا, وبسحبات عدة من الخيط يمضي الزمن مسرعا بالصغير, فيكبر ويتزوج وينجب أطفالا بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات, حتى يصل إلى نهاية المطاف, إلى الشيخوخة, فيكتشف أن ذاكرته لم تكن دقيقة بما يكفي, وأنه لم يعش حياته كما يعيش الآخرون, وهنا يدرك أن الحياة قصيرة جدا, وعلينا أن نقبلها كما هي, ونعيشها بكل حواسنا, لأنها تُعطى لنا مرة واحدة على هذه الأرض, فيرجو الساحرة أن تستعيد علبة الزمن وأن تعيده إلى طفولته, حيث نراه في المشهد الأخير طفلا من جديد, في عربة تقله إلى دمشق ليدّرس هناك, وليقضي بقية عمره في الاجتهاد والعمل والبناء كما تتطلب سنّة الكون.
ولا شك في أن حكاية الفيلم الناعمة تنطوي على الكثير من القيم الأخلاقية والتربوية العالية, كما أنها تمتلك مقومات التشويق وعناصر تخيلية مهمة مستقاة من واقع الطفولة ذاتها, ومن مفردات لغتها الخاصة, وقد تضافرت جهود الكاتبة والمخرجة على تأكيد هوية الفيلم المحلية العربية, من خلال استلهام الموروث الشعبي في الكثير من المفاصل الرئيسة, كإدخال حياكة النسيج كمصدر من مصادر الرزق, وهي صناعة عريقة في سوريا, أو كإدخال الكتّاب والشيخ في مقام المدرسة, وذكر بعض آيات القرآن, أو استلهام الأسواق الشعبية القديمة. وإلى ذلك, فإن الفيلم منفّذ برسوم جميلة وألوان مشرقة وأغان مناسبة أكسبته بيئة جمالية خاصة, عّبرت عن حالة السلام التي تتميز بها مفردات حياتنا البسيطة قبل أن تغزوها الثقافات من كل صوب.
بطاقة
إنتاج: المؤسسة العامة للسينما وTiger Production 2005.
سيناريو: ديانا فارس.
إخراج: رزام حجازي.
اشراف على العمليات الفنية: وليد حريب.
مدير الانتاج: يوسف دك الباب.
مستشار درامي: سمير ذكرى.
تنفيذ: Tiger Production.