المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحليل اقتصادي - الوديعة السعودية والاقتصاد اللبناني



إسلامية
11-02-2008, 11:23 AM
ميشال مرقص الحياة - 11/02/08//



تحليل اقتصادي - الوديعة السعودية والاقتصاد اللبناني





اهتمّت أوساط مصرفية ومالية، بتحويل المملكة العربية السعودية، وديعة مالية بقيمة بليون دولار إلى حسابِ مصرف لبنان، الأسبوع الماضي. ولحظت هذه الأوساط أن الوديعة أشاعت أجواء ارتياح في أسواق المال، وعبّرت عن مدى اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وانشغاله بشأن الوطن الصغير. هذا الاهتمام متوارثٌ في المملكة التي ما حجبت فيئها عن حاجات لبنان واللبنانيين. وإذا توافر في لبنان واقعٌ سياسي تطمئن له المملكة وتوليه ثقةً وتقدّم المساعدة من خلاله، فلا يعني أن الوديعة هي لفريقٍ دون آخر، ولا تصطبغ بالألوان السياسية التي شوّهت البلد.
منذ عودة لبنان إلى أحضان الهدوء، رعت دولٌ عربية أحواله وتطلّعت إلى أوضاعه باهتمام، نظراً للود القائم بين اللبنانيين وأبناء دول الخليج، بعيداً من الاصطباغ السياسي. وساهمت دول مجلس التعاون تتقدمها السعودية، بأموال وفيرة، هباتٍ وقروضاً وودائع لدى البنك المركزي اللبناني بهدف مساعدة الاقتصاد الوطني على تخطي حواجز الصعوبات، وتعزيز قدرات المواطنين في إعادة إعمار ما تهدم، وتقوية عزيمة الدولة لتنشئ مشاريع تواكب بها المتطلبات المتنامية الملحّة وتكون في مستوى الحداثة التقنية. وعندما تزعزعت الثقة في آلية إنفاق الأموال، حرصت دولٌ عربيةٌ مانحة على عدم تبديد مال الإعمار، وأخذتْ على عاتقها تنفيذ المشاريع في صيغةٍ عرفت بقوانين «الاستصناع» ـ يُحول القرض المالي إلى مشروع منجز تتسلمه الدولة وتسدد ثمنه ـ لذا عندما تريد الدول أن تقدّم مساعداتٍ مالية، فإنها تبحث عن ثقةٍ ضامنة لعدم تبديد هذه الأموال، أو قادرة على الوفاء بتعهداتها. وبدا الوضعُ جلياً عندما تجاوبت الدول المانحة مع حاجات لبنان المالية في مؤتمرات باريس الثلاثة، لثقتها بالحكومة اللبنانية من جهة وبالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك من جهة ثانية.
وتأتي الوديعة السعودية الأخيرة، ترجمةً لحرص الملك عبدالله على المحافظة على استقرار الوضع المالي والنقدي الداخلي، بعد أن هزّته الأوضاع السياسية السائدة. فالبلد فقد نشاطه الاقتصادي منذ أكثر من عامين، واستهدفته حربٌ إسرائيلية مدمّرة لم ينهض من تحت ما خلّفته من ركامٍ بعد. وشوّه التباين حول مستقبل الحكم واقع النشاط الاقتصادي، فناءَ قطاع الإنتاج بأعباء تكلفةٍ عالية جداً، وارتفعت أسعار المحروقات، تتلازم في الارتفاع معها أسعار المنتجات الوسيطة والمواد الأولية، فضلاً عن أسعار العملات الأجنبية الرئيسة تجاه الدولار، ما زاد فاتورة الاستيراد وجعل عائدات الضريبة على القيمة المضافة مقرونة بالعائدات الجمركية النسبية، تتجاوز سقوف الأعوام السابقة، في ما يعرف بالعائدات الورمية.
تجاه هذا الواقع المقلق، تراجعت قيمة العملة الوطنية تراجعاً مزدوجاً. فخسرت من قدرتها الشرائية لتلازمها في السعر مع العملة الأميركية، وخسرت أيضاً من عشرة إلى 15 في المئة بسبب تدني النشاط الاقتصادي عامّةً. ومهما ارتفع في المقابل احتياط مصرف لبنان من النقد والذهب، بفعل ارتفاع أسعار المعدن الأصفر، فإن قيمة النقد الأجنبي بالدولار تقلّصت، خصوصاً أن موجوداتها تراجعت 459 مليون دولار في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) عنها في كانون الثاني (يناير) 2007. ويقود التبصر في الواقع المالي وحركة رؤوس الأموال الخارجية، إلى احتمال عجزٍٍ كبير في ميزان المدفوعات، يشبه ما كان عليه في الأزمات السياسية المشابهة، كانت تعوّضه، ودائع عربية سعودية وكويتية وإماراتية وقطرية، فضلاً عن أموال المانحين في مؤتمرات باريس الثلاثة.
من هنا تأتي الوديعة السعودية الراهنة، لتسهم في تعزيز قدرات مصرف لبنان وتحفيز الثقة بالنظام المالي اللبناني. وهذا النظام يشمل اللبنانيين كلّهم، ويعزّز الثقة بأوضاعهم الاقتصادية، بعدما طاولتها معاول الهدم. فالعطاءات العربية، وأكبرها عطاءات السعودية، لا تفرّق بين اللبنانيين على رغم اصطفافهم المنوّع. فإثر حرب تموز (يوليو) 2006 أودعت المملكة مصرف لبنان بليون دولار أيضاً وساهمت بمبلغ 500 مليون دولار، مرسيةً تأسيس صندوقٍ لإعادة إعمار لبنان، ولم تميّز بين الانتماءات السياسية والمذهبية عندما تولّى خادم الحرمين الشريفين تأميـــن رسوم التسجيل عن التلاميذ والطلاب في القطاع التعليمي الرسمي. وهي في مقدم دول مجلس التعاون، احتضنت اللبنانيين العاملين لديها والمستثمرين في أراضيها والمساهمين في نهضتها من دون تمييز. ويأتي الحدث، ليؤكد سياسة المملكة ودول مجلس التعاون، في رعاية الدول الصغيرة غير المنتجة للنفط وتحتاج إلى عمودٍ فقري اقتصادي لوته أو شلّته الصراعات الداخلية والخصومات الإقليمية، وتمثّلت في مساعدة دول إسلامية كثيرة إضافةً إلى لبنان، وفي الاهتمام بالشأن الإنساني العالمي خصوصاً على صعيد حماية البيئة.
وتشكّل الوديعة قارب إنقاذٍ للاقتصاد اللبناني. فالبلد لم يحقق نمواً منذ 2005، وكلّما لاحت آمالٌ باندفاع عجلة نشاطه الاقتصادي، حدث ما يوقفها. الودائع المصرفية التي تزيد على 80 بليون دولار (نهاية تشرين الثاني)، لا يعود مصدرها إلى شريحةٍ واسعة من المواطنين العاملين في الداخل. هؤلاء، بحسب إحصاءات الحسابات الوطنية، يتقلّصُ حجم دخلهم عن مستوى إنفاقهم ويحول دون تحقيق أي ادخار محلّي. تحويلات العاملين في الخارج، خصوصاً في الدول العربية، تعوّض الحاجة وتزيد قيمة التوفير في الودائع المصرفية. وعلى رغم زيادة التسليف المصرفي 15 في المئة عنه في 2006، فإن الزيادة مقارنة بفترةِ نشاطٍ معدومٍ كنتيجةٍ لحرب إسرائيل على لبنان، لا تعبّر عن نشاط اقتصادي سليم، في ظل اتساع مروحة التسليف إلى الأفراد وبات حجمها يمثل 35 في المئة من إجمالي التسليفات، وهي أكبر مما حصل عليه قطاعا الإنتاج الزراعي والصناعي. فحركة التعامل التجاري هي بدورها مشلولة على رغم ارتفاع فاتورة الواردات نظراً لاشتمالها على أثمانٍ بعملات ارتفعت تجاه الدولار.
إن طبيـعة المنفعة من الوديعة السعودية هي طبيعة اقتصادية. ولا يمكن أن تكون سياسية، إلا عندما يكون الوضع المالي سليماً معافىً في بلدٍ يحقق نمواً جيّداً. فالنهر لا يميّز بين من يرتوي وما يروي على ضفتيه!


http://www.daralhayat.com/business/02-2008/Item-20080210-0477d360-c0a8-10ed-01dd-6f826b429b32/story.html (http://www.daralhayat.com/business/02-2008/Item-20080210-0477d360-c0a8-10ed-01dd-6f826b429b32/story.html)