رفعت خالد
11-02-2008, 05:38 PM
الحلقة 5
http://up.x333x.com/uploads/be0db0aed5.gif
عملية إنقاذ
" المرجو انتباه القارئ و تركيزه "
بسم الله الرحمن الرحيم
أُعلنت نتائج امتحان (الباك) في ذلك الصباح، حيث أفواج من التلاميذ و من الاضطراب الجماعي.. و حتما بكل قلب من القلوب رعشة يتعذر على الفهم سببها الرئيس !..
يمكن القول أنها مزيج عجيب من الخوف و الرهبة و النشوة و الخيال و التردد !.. الأمر أشبه بالعيون التي تحدّق بالقاضي قبيل نطقه بالحكم.. و أقرب إلى مشهد فضّ المقدّم الأنيق للظرف الأبيض حتى يتلفّظ باسم الفائز بجائزة نوبل !..
نعم، هذه هي الحالة التي كانت تربض فوق الصدور و تشلّ العقول بينما رجل الإدارة الصّارم يُثبّت أوراقا بيضاء على لوح أسود ضخم.
لا داعي، طبعا، لوصف المشهد الموالي، فأنت قد سمعت صراخ ذلك الشاب ليؤكد للعالم نجاحه، و رأيت تلك الفتاة التي تهاوت مكانها كورقة صفراء قبل أن تهرع إليها صديقاتها و هنّ تولولن !..
إذن لا داعي للحديث.
* * *
- الحمد لله.. نجحنا بفضله سبحانه، لا بمجهودنا المتواضع.
قالها (خالد) الواقف أمام باب الثانوية، داسّا يديه بالجيب، مطأطأ الرأس في حزن لا يتوافق و ما قاله قبل قليل..
كذلك كانت حالة الثلاثة الآخرين..
(سهام) لا تكف عن التظاهر بالنظر إلى حشود التلاميذ الخارجين من الثانوية.. و (كوثر) تحرك قدمها برتابة و ترمق بثبات شيئا ما.. ثم (وليد) الذي يهرش رأسه و يقول:
- كانت الفرحة لتكتمل و تعمّ القلوب، و كنا لنحيي حفلة يذكرها التاريخ إذا ما تكلم عن الحفلات.. لولا...
- لا !.. يجب أن نجد حلا ما.. لا يمكن أن ينتهي مستقبل (كمال) هكذا !..
صرخت (كوثر) بهذا مقاطعة (وليد) و مشيرة إليه بأصبعها و كأنه السبب فيما حصل !..
تنهد (خالد) ثم غمغم بهدوء:
- مدير الثانوية هو.. أبوك يا (كوثر)... لماذا لا تحدثينه بالأمر ؟
* * *
- لا.. كمال !... لا تفعل هذا ؟.. كماااال ؟.. لا تكن أحمقا !.. عُد..
* * *
- أوَ تظنّ أنني لم أفعل ؟.. لقد تضّرعتُ إليه و بكيتُ بين يديه.. لكنه، صدقوني، أقسى من أن يقبل !..
- لا حول و لا قوة إلا بالله.. لم يبق لنا إذن إلا الدّعاء و سؤال الله تعالى..
تمتم (خالد) مخاطبا الثلاثة الذين أومئوا برؤوسهم متفهمين.
* * *
بالطبع كانت صدمة قوية !..
فلن تقبل بيسر، و أنت تتثاءب، رؤية مستقبلك يتداعى أمام ناظريك !.. ذلك المستقبل الذي استغرقت في رسم ملامحه سنين طوال و لوّنته بالمثابرة و زينته بالجهد و توّجته بالتضحيات.. لا، قطعا لن تقبل.
ثم هو ليس متأكدا إن كان ما قام به يعدّ شجاعة أم غباء أم شيئا آخر.. هو سماه تضحية.
أحيانا يجب أن تخسر شيئا كي تنقذ الآخر.. كالمتبرع بالدم، و كشأن رجل الإطفاء الذي يقتحم النيران، عالما أن في ذلك خطرا فادحا قد يقتلع حياته.
هكذا أقنع (كمال) نفسه و زادها تأكيدا و توثيقا إيمانه بالله.. فهو كان يقول دائما أن الخير فيما اختاره الله و أن ما حدث له لم يكن ليخطئه.. فالأمر أكبر من أن يُناقَش.. إنها إرادة الله.
رفع رأسه أخيرا من دوامة الخواطر الغائرة و مدّ يده، يصب لنفسه كوب ماء من القنينة الجاثمة وسط المائدة الزجاجية بقلب الصالون..
تحرّك حلقومه بينما يجرع الماء من الكوب.. ثم أعاد هذا الأخير إلى مكانه فوق الزجاج الذي أطلق صوته الحاد مزعجا الهدوء السابح في المكان..
حمدَ الله و هو يتراجع في مكانه متنهدا..
- (كمال) يا بني !.. أنتَ تشرد كثيرا جدا... أرجوك يا حبيبي، لا تحزن و لا تقنط من رحمة الله، يجد لك مخرجا.
قالتها الأم الطيبة، الجالسة جوار الأب الحكيم على أريكة من الجلد الأسود.. كانوا يشاهدون مسابقة ثقافية على قناة ما، و قد لفّهم الصمت و الشرود طويلا..
نظر (كمال) وسط تلكما العينين الواسعتين لأمه.. سبح في مياههما الدافئة و اغتسل بذوبهما فإذا به، في لحظة عابرة، نقي، طاهر بلا هموم و لا غموم !..
نفض رأسه و هو يبتسم بشحوب كدليل على الموافقة ثم حوّل نظره إلى شاشة التلفاز المستطيلة..
" الجواب صحيح.. كان العام هو 1912.. أربعون نقطة للمجموعة الثانية.. "
* * *
- اذهب بعيدا يا هذا.. و لا تلمسني مجددا !..
صاحت (سهام) بعصبية و هي تهرول رفقة صديقتها (كوثر) بشارع طويل..
كانا يتعقبانهما منذ ربع ساعة تقريبا !..
شابان من تلك الفصيلة المعروفة.. شعر منتصب أو قل أشواك فوق الرأس، حلقة في الأذن ثم ملابس تلمع و تتراقص عليها الألوان !..
- هيا يا حلوة !.. سأنتحر اليوم إن لم أحصل على رقمك.
- اذهب إلى الجحيم !..
قهقه الشاب و ابتسم صاحبه بخبث قبل أن يتوقفا و يصيح الأول بوقاحة:
- لابد أن نتكلم سويا.. تذكري هذا !..
ثم عادا أدراجهما و هما يقهقهان عاليا..
التفتت (كوثر) عدة مرات بتردد قبل أن تقول:
- لقد ذهبا !..
- أووف... أكره هؤلاء الملاعين.. أكرههم.
عادت (كوثر) تغمغم و هي تصوّب نظرها إلى صديقتها من قدميها و حتى شعرها:
- لقد حاولت إقناعك مرارا أن هذه الملابس التي ترتدينها فاتنة أكثر من اللازم و أنت تبالغين في الزينة و هذا لن يجلب لك إلا المتاعب..
- أعلم.. أعلم.. و لكني لن أصمت على هذا، سأخبر أخي !..
* * *
وقف الأربعة بمحاذاة مخدع هاتفي بشارع مزدحم، كانوا ينظرون إلى الفتاة التي ترتدي حلة حمراء، تحثّ الخطى و تلتفت بجنبيها في توتر.. إنها (كوثر)..
باشرتها (سهام) بالسؤال ما إن استقرّت أمامهم، تلهث:
- تأخرتِ كثيرا، لقد اتفقنا على العاشرة !..
أجابت و هي تلهث و تنظر بعصبية وراءها:
- نعم.. نعم.. لكني كنت مع أبي و..
- ماذا ؟.. هل من جديد ؟
تساءل (وليد) بلهفة.. و نظر (كمال) إلى فم (كوثر) منتظرا ما ستقوله..
- لقد... لقد أمضى ورقة التوقيف !..
* * *
- قل لي.. هل قرأت القوانين الجديدة للامتحانات ؟
* * *
- أنا آسفة.. لكني رجوته حتى كاد يُغمى عليّ.. صدقوني، إنه آخر مدير في العالم يمكن أن يتنازل... آسفة يا (كمال).. فعلا آسفة !
لم يرد (كمال) و إنما أشاح بوجهه بعيدا.. أما الآخرون فبدت عليهم جلية إمارات الإحباط و اليأس..
و كأنما لتهرب من سؤال آخر عادت (كوثر) تقول بسرعة:
- ثم.. أولئك الخنازير.. لقد ضايقوني من جديد و اعترضوا طريقي !..
هنا التفت (كمال) و قال و الخطورة في عينيه الذابلتين من الحزن:
- من هم ؟!..
بدا الخجل على (كوثر) و هربت ببصرها و هي تلفظ كلمات مبعثرة:
- آآ.. شابان منحرفان.. ضايقانا بالأمس.. أنا و (سهام).. و.. و يبدو أنهما يستمتعان بذلك !..
- لعنهم الله..
قالها (خالد).. و صاح (وليد) بحماس:
- تعرفينهما ؟... أقصد.. هل هما من الثانوية مثلا ؟
- لا، لم أرهما من قبل !..
تكلمت (سهام) هنا قائلة:
- حسن يا شباب.. فلننس هذا الموضوع السخيف..
نظرت خلفها بسرعة ثم عادت تقول بجدية و هي تحرك يديها:
- لم ينجح الأمر مع أبيها.. يجب أن نبحث عن طريقة أخرى.. لا تستسلموا، سنجد حلا.
تحدث الآن (كمال) دون أن يرفع ناظريه عن الأرض:
- لا داعي يا أصدقاء.. أنتم تحمّلون أنفسكم أكثر من اللازم.. إنما فعلتُ ذلك بإرادة مني، لدى.. أرجوكم دعوني أتحمّل المسؤولية كاملة.
قالها و دار على نفسه مغادرا بصمت.. رمقته الأبصار بذهول، ثم نظروا إلى بعضهم قبل أن يهمس (وليد):
- يبدو أنه حزين و محطّم للغاية.. سنحاول، أنا و (خالد)، مواساته قليلا.. نراكما فيما بعد.. سلام عليكم.
- سلام..
* * *
- الله أكبر.. ثلاث سنوات !.. استر يا رب..
* * *
داخل سيارة سوداء مال أحدهم من المقعد الخلفي و أشار بأصبعه قائلا لزميله الذي أمام المقود بصوت أجش، مستهتر:
- هاهما.. رأيت ؟.. السكّرتان !.. هيا.. فلنتعقبهما بهدوء.. و لننجز العملية بسرعة !..
* * *
- (كمال).. لقد كنت رصينا، هادئا قبل قليل.. ماذا دهاك ؟.. هيا، لا تخيب أملنا فيك !..
قالها (وليد) مربّتا على كتف (كمال) بلطف..
لم يجب و إنما هرب ببصره بعيدا و ارتفع صدره، متنهدا بحرقة..
مشى الثلاثة مطرقين على رصيف شارع (محمد الخامس) المديد.. صوت السيارات الرتيب و الصياح و الضحكات المبهمة القادمة من كل مكان و من لا مكان !..
وسط هذه الغوغاء، تناهى لمسامعهما صوت يختلف عن باقي الأصوات.. صوت يبدو أنه يعنيهم !..
تبادلوا النظرات فيما بينهم ليؤكدوا إحساسهم بنفس الشعور، ثم التفتوا دفعة واحدة.. و تصلّبت وجوههم دفعة واحدة كذلك و هم يرون (كوثر) تركض باتجاههم و هي تصيح متجاهلة الناس من حولها:
- (كماااال)، (وليييد)، (خااااالد)... النجدااا..
! ! !
* * *
- اللهم استر !.. ماذا هناك يا (كوثر) ؟..
تساءل (وليد) و قد كادت عيناه تلتصقان بزجاج عويناته !..
- لقد.. لقد... اختطفاها !..
و صاح (خالد) كأنه لا يعرف الجواب:
- من هييي ؟..
- سهاااااام !..
قال (كمال) بنبرة سريعة، مخيفة:
- و من هما ؟
- لا وقت لدينا لجلسة استماع الآن.. لكنهما.. الشابان اللذان ضايقانا أمس، لقد.. اختطفاها.. في سيارة سوداء.. و.. و حاولوا اختطافي أنا الأخرى لكني تملّصت و نجحت في.. الفرار..
- في أيّ اتجاه ؟.. بسرعة !
- من هنا.. رأس الشارع، إلى اليمين !
و قبل أن تنهي كلمتها الأخيرة جرى الثلاثة في الاتجاه إياه..
قال (كمال) و هو يركض متجاوزا (خالد) و (وليد)..
- فليتصل أحدكما بالشرطة.. حالا !
و عَبرَ الشارع للجهة الأخرى و قد لمح شيئا ما..
كانت دراجة نارية.. سوداء، ضخمة.. يقف صاحبها بجانبها و قد أسند إليها مرفقيه.. يدخن بشرود..
دفع (كمال) هذا الأخير بقوة حتى أسقطه، و امتطى الدراجة قبل أن يقول و هو يزيل القضيب الحديدي من الأرض:
- آسف يا صاحبي، لكني مضطر !..
و انطلق بسرعة مخلفا سحابة من الدخان الأبيض !
* * *
أعاد (خالد) السماعة لمكانها و قال:
- ماذا نفعل الآن بعد إبلاغ الشرطة ؟..
عضّ (وليد) على أصابعه و هو ينظر للأرض برهة ثم أجاب:
- سيارة أجرة.. نعم، فلنطلب سيارة أجرة.
ركضا وسط الشارع.. وسط المنبهات و سباب السائقين المستعجلين ليركبوا (التاكسي) التي وقفت تنتظرهما من الجهة الأخرى..
قال السائق شيئا ما عن سبب استعجالهما، لكن (وليد) قاطعه بعصبية مشيرا بيده:
- شارع النصر.. بسرعة !
نظر له السائق بثبات.. ثم داس البنزين..
* * *
كان امتلاكه لدراجة نارية قد ساعده كثيرا في القيادة بكل تلك السرعة بين صفوف السيارات، مشرئبا بعنقه، ينظر من خلال نافذة كل سيارة سوداء !..
وقف الآن و قد توهج الضوء الأحمر آمرا بالوقوف.. تأملت عيناه الجاحظتان كل العربات الواقفة، فلم تكن بينها واحدة سوداء..
زفر بعصبية و نظر إلى شرطي المرور الذي ينظف أذنه بملل.. ثم تنهد بعمق و أدار الأسطوانة فزمجرت الدراجة وسط صمت السيارات.. و انطلق كالقذيفة !..
تقلّص وجه الشرطي شططا و قرّب هاتفه الأسود ليغمغم ببعض كلمات صارمات و عيناه لا تفارقان (كمال) الذي ذاب وسط الشارع و لم يزل صوت الدراجة يمزّق الجو كما الرعد !..
* * *
" امممم... ممممم !.. ممم "
كان هذا كل ما تقوله (سهام) المكمّمة و المقيّدة بين شابان بأريكة
السيارة الخلفية..
- لا تخافي عزيزتي.. ستستمتعين معنا كثيرا !..
ثم انحنى ليقبلها على خدها بوحشية !..
" ممممم... مممممممممم ! "
* * *
التصق وجه (خالد) بزجاج النافذة اليمنى و وجه (وليد) باليسرى، و نظر السائق بنصف عين إلى المرآة أمامه ليرى الشابين غريبي الأطوار.. و مطّ شفتيه متعجبا !..
ثم..
- انتظر.. انتظر، قف هنا.. حالا !..
- ماذا ؟
- قلت قف هنا !..
- لماذا ؟..
- اللعنة.. ألا تفهم العربية ؟.. قف هنااا !..
* * *
رنّ الهاتف فجأة و اهتز بجيب (كمال) الذي يشق الطّريق بجنون..
أولج يمناه في جيبه بصعوبة و أخرج الهاتف المتلهّف ليضعه على أذنه و عيناه مثبتتان على الطريق..
- من ؟؟..
- كمال ؟.. هل وجدتموها ؟.. هه ؟.. أرجوكم أسرعوا، يعلم الله ما يفعلونه بها الآن.. أرجوك..
- كوثر.. اسمعي.. كوثر !.. لازلنا نبحث عنها.. لكن قولي لي ؟.. كيف يبدو الذين اختطفوها ؟..
- آ... أحدهم يرتدي نظارة زرقاء و..
هنا قطع (كمال) الاتصال و أعاد الجهاز لجيبه و هو ينحرف متجاوزا بعض العربات..
قد لمحه شرطي آخر و هو يتكلم بالهاتف فأشار له أن يتوقف قبل أن يحمل هاتفه الأسود هو الآخر !..
* * *
فُتح الباب بعنف قبل أن تستقر سيارة الأجرة مكانها و اندفع (وليد) يجري بسرعة و (خالد) وراءه يخرج من السيارة ببطء، غير مستوعب تصرف صديقه الغريب !..
تجاوز (وليد) الطريق و هو يركض متناسيا السيارات التي أطلقت العنان لمنبهاتها.. كان يقصد زقاقا صغيرا !..
و فجأة فهم (خالد) ما يريده (وليد).. إن هناك سيارة سوداء مركونة بجانب الزقاق !..
ثم ركض وراء صديقه و قد علت وجهه الخطورة !..
* * *
- لم يعد أمامنا، حوّل... تششششش..
- تشششش... سنعلم كل الوحدات بسين 16، 17 و 18.. واصلوا البحث،
حوّل،.. تششش..
- تشششش... عُلم.
* * *
وقف (وليد) أمام السيارة لاهثا.. و شهق بعمق و هو يتقدم الهوينى قبل أن يتوقف و قد سمع...
- وليييد.. انتظر.. ماذا تنـ ؟....
- ششششت... يا أحمق، لا تجعلنا نفقد عنصر المفاجأة !..
همس (وليد) في وجه (خالد) بصوت كالفحيح ثم أشار بيده إشارة ذات معنى..
و هكذا تقدم الاثنان إلى حيث السيارة السوداء الجاثمة مكانها ببرود..
لا حركة بالداخل و لا صوت !..
حمل (خالد) حجرا لا بأس به و نظر إلى (وليد) في عينيه برهة قبل أن يومأ برأسه فيمد هذا بيده إلى مقبض الباب و يفتحه و قد تأهبت كل ذرة فيه !..
* * *
- تبا !..
قالها (كمال) بسخط لما رأى طابورا طويلا أمامه، ما اضطره إلى التوقف..
لابد أنه جدار أمني !..
راح (كمال) يلتفت حوله بعصبية، ثم يطل من حين لآخر على الشرطي في مقدمة الطابور، الذي يراقب أوراق السيارات واحدة بواحدة..
و طال وقوفه، كما بدأ يقوده الصف إلى المقدمة و هو مختبئ وراء سيارة (لاند روفر) ضخمة !..
يجب أن لا يراه الشرطي، فهو حتما لديه تعليمات و معلومات حول شاب في العشرينات يمتطي دراجة سوداء تعدت سرعتها الحد المسموح !..
و هكذا وجد (كمال) نفسه محاصرا من كل جهة، فالطابور وراءه و أمامه و الشرطة تغلق الطريق بسلسة مسامير !..
" لا حول و لا قوة إلا بالله "
و أتبعها بزفرة حارة..
* * *
http://up.x333x.com/uploads/be0db0aed5.gif
عملية إنقاذ
" المرجو انتباه القارئ و تركيزه "
بسم الله الرحمن الرحيم
أُعلنت نتائج امتحان (الباك) في ذلك الصباح، حيث أفواج من التلاميذ و من الاضطراب الجماعي.. و حتما بكل قلب من القلوب رعشة يتعذر على الفهم سببها الرئيس !..
يمكن القول أنها مزيج عجيب من الخوف و الرهبة و النشوة و الخيال و التردد !.. الأمر أشبه بالعيون التي تحدّق بالقاضي قبيل نطقه بالحكم.. و أقرب إلى مشهد فضّ المقدّم الأنيق للظرف الأبيض حتى يتلفّظ باسم الفائز بجائزة نوبل !..
نعم، هذه هي الحالة التي كانت تربض فوق الصدور و تشلّ العقول بينما رجل الإدارة الصّارم يُثبّت أوراقا بيضاء على لوح أسود ضخم.
لا داعي، طبعا، لوصف المشهد الموالي، فأنت قد سمعت صراخ ذلك الشاب ليؤكد للعالم نجاحه، و رأيت تلك الفتاة التي تهاوت مكانها كورقة صفراء قبل أن تهرع إليها صديقاتها و هنّ تولولن !..
إذن لا داعي للحديث.
* * *
- الحمد لله.. نجحنا بفضله سبحانه، لا بمجهودنا المتواضع.
قالها (خالد) الواقف أمام باب الثانوية، داسّا يديه بالجيب، مطأطأ الرأس في حزن لا يتوافق و ما قاله قبل قليل..
كذلك كانت حالة الثلاثة الآخرين..
(سهام) لا تكف عن التظاهر بالنظر إلى حشود التلاميذ الخارجين من الثانوية.. و (كوثر) تحرك قدمها برتابة و ترمق بثبات شيئا ما.. ثم (وليد) الذي يهرش رأسه و يقول:
- كانت الفرحة لتكتمل و تعمّ القلوب، و كنا لنحيي حفلة يذكرها التاريخ إذا ما تكلم عن الحفلات.. لولا...
- لا !.. يجب أن نجد حلا ما.. لا يمكن أن ينتهي مستقبل (كمال) هكذا !..
صرخت (كوثر) بهذا مقاطعة (وليد) و مشيرة إليه بأصبعها و كأنه السبب فيما حصل !..
تنهد (خالد) ثم غمغم بهدوء:
- مدير الثانوية هو.. أبوك يا (كوثر)... لماذا لا تحدثينه بالأمر ؟
* * *
- لا.. كمال !... لا تفعل هذا ؟.. كماااال ؟.. لا تكن أحمقا !.. عُد..
* * *
- أوَ تظنّ أنني لم أفعل ؟.. لقد تضّرعتُ إليه و بكيتُ بين يديه.. لكنه، صدقوني، أقسى من أن يقبل !..
- لا حول و لا قوة إلا بالله.. لم يبق لنا إذن إلا الدّعاء و سؤال الله تعالى..
تمتم (خالد) مخاطبا الثلاثة الذين أومئوا برؤوسهم متفهمين.
* * *
بالطبع كانت صدمة قوية !..
فلن تقبل بيسر، و أنت تتثاءب، رؤية مستقبلك يتداعى أمام ناظريك !.. ذلك المستقبل الذي استغرقت في رسم ملامحه سنين طوال و لوّنته بالمثابرة و زينته بالجهد و توّجته بالتضحيات.. لا، قطعا لن تقبل.
ثم هو ليس متأكدا إن كان ما قام به يعدّ شجاعة أم غباء أم شيئا آخر.. هو سماه تضحية.
أحيانا يجب أن تخسر شيئا كي تنقذ الآخر.. كالمتبرع بالدم، و كشأن رجل الإطفاء الذي يقتحم النيران، عالما أن في ذلك خطرا فادحا قد يقتلع حياته.
هكذا أقنع (كمال) نفسه و زادها تأكيدا و توثيقا إيمانه بالله.. فهو كان يقول دائما أن الخير فيما اختاره الله و أن ما حدث له لم يكن ليخطئه.. فالأمر أكبر من أن يُناقَش.. إنها إرادة الله.
رفع رأسه أخيرا من دوامة الخواطر الغائرة و مدّ يده، يصب لنفسه كوب ماء من القنينة الجاثمة وسط المائدة الزجاجية بقلب الصالون..
تحرّك حلقومه بينما يجرع الماء من الكوب.. ثم أعاد هذا الأخير إلى مكانه فوق الزجاج الذي أطلق صوته الحاد مزعجا الهدوء السابح في المكان..
حمدَ الله و هو يتراجع في مكانه متنهدا..
- (كمال) يا بني !.. أنتَ تشرد كثيرا جدا... أرجوك يا حبيبي، لا تحزن و لا تقنط من رحمة الله، يجد لك مخرجا.
قالتها الأم الطيبة، الجالسة جوار الأب الحكيم على أريكة من الجلد الأسود.. كانوا يشاهدون مسابقة ثقافية على قناة ما، و قد لفّهم الصمت و الشرود طويلا..
نظر (كمال) وسط تلكما العينين الواسعتين لأمه.. سبح في مياههما الدافئة و اغتسل بذوبهما فإذا به، في لحظة عابرة، نقي، طاهر بلا هموم و لا غموم !..
نفض رأسه و هو يبتسم بشحوب كدليل على الموافقة ثم حوّل نظره إلى شاشة التلفاز المستطيلة..
" الجواب صحيح.. كان العام هو 1912.. أربعون نقطة للمجموعة الثانية.. "
* * *
- اذهب بعيدا يا هذا.. و لا تلمسني مجددا !..
صاحت (سهام) بعصبية و هي تهرول رفقة صديقتها (كوثر) بشارع طويل..
كانا يتعقبانهما منذ ربع ساعة تقريبا !..
شابان من تلك الفصيلة المعروفة.. شعر منتصب أو قل أشواك فوق الرأس، حلقة في الأذن ثم ملابس تلمع و تتراقص عليها الألوان !..
- هيا يا حلوة !.. سأنتحر اليوم إن لم أحصل على رقمك.
- اذهب إلى الجحيم !..
قهقه الشاب و ابتسم صاحبه بخبث قبل أن يتوقفا و يصيح الأول بوقاحة:
- لابد أن نتكلم سويا.. تذكري هذا !..
ثم عادا أدراجهما و هما يقهقهان عاليا..
التفتت (كوثر) عدة مرات بتردد قبل أن تقول:
- لقد ذهبا !..
- أووف... أكره هؤلاء الملاعين.. أكرههم.
عادت (كوثر) تغمغم و هي تصوّب نظرها إلى صديقتها من قدميها و حتى شعرها:
- لقد حاولت إقناعك مرارا أن هذه الملابس التي ترتدينها فاتنة أكثر من اللازم و أنت تبالغين في الزينة و هذا لن يجلب لك إلا المتاعب..
- أعلم.. أعلم.. و لكني لن أصمت على هذا، سأخبر أخي !..
* * *
وقف الأربعة بمحاذاة مخدع هاتفي بشارع مزدحم، كانوا ينظرون إلى الفتاة التي ترتدي حلة حمراء، تحثّ الخطى و تلتفت بجنبيها في توتر.. إنها (كوثر)..
باشرتها (سهام) بالسؤال ما إن استقرّت أمامهم، تلهث:
- تأخرتِ كثيرا، لقد اتفقنا على العاشرة !..
أجابت و هي تلهث و تنظر بعصبية وراءها:
- نعم.. نعم.. لكني كنت مع أبي و..
- ماذا ؟.. هل من جديد ؟
تساءل (وليد) بلهفة.. و نظر (كمال) إلى فم (كوثر) منتظرا ما ستقوله..
- لقد... لقد أمضى ورقة التوقيف !..
* * *
- قل لي.. هل قرأت القوانين الجديدة للامتحانات ؟
* * *
- أنا آسفة.. لكني رجوته حتى كاد يُغمى عليّ.. صدقوني، إنه آخر مدير في العالم يمكن أن يتنازل... آسفة يا (كمال).. فعلا آسفة !
لم يرد (كمال) و إنما أشاح بوجهه بعيدا.. أما الآخرون فبدت عليهم جلية إمارات الإحباط و اليأس..
و كأنما لتهرب من سؤال آخر عادت (كوثر) تقول بسرعة:
- ثم.. أولئك الخنازير.. لقد ضايقوني من جديد و اعترضوا طريقي !..
هنا التفت (كمال) و قال و الخطورة في عينيه الذابلتين من الحزن:
- من هم ؟!..
بدا الخجل على (كوثر) و هربت ببصرها و هي تلفظ كلمات مبعثرة:
- آآ.. شابان منحرفان.. ضايقانا بالأمس.. أنا و (سهام).. و.. و يبدو أنهما يستمتعان بذلك !..
- لعنهم الله..
قالها (خالد).. و صاح (وليد) بحماس:
- تعرفينهما ؟... أقصد.. هل هما من الثانوية مثلا ؟
- لا، لم أرهما من قبل !..
تكلمت (سهام) هنا قائلة:
- حسن يا شباب.. فلننس هذا الموضوع السخيف..
نظرت خلفها بسرعة ثم عادت تقول بجدية و هي تحرك يديها:
- لم ينجح الأمر مع أبيها.. يجب أن نبحث عن طريقة أخرى.. لا تستسلموا، سنجد حلا.
تحدث الآن (كمال) دون أن يرفع ناظريه عن الأرض:
- لا داعي يا أصدقاء.. أنتم تحمّلون أنفسكم أكثر من اللازم.. إنما فعلتُ ذلك بإرادة مني، لدى.. أرجوكم دعوني أتحمّل المسؤولية كاملة.
قالها و دار على نفسه مغادرا بصمت.. رمقته الأبصار بذهول، ثم نظروا إلى بعضهم قبل أن يهمس (وليد):
- يبدو أنه حزين و محطّم للغاية.. سنحاول، أنا و (خالد)، مواساته قليلا.. نراكما فيما بعد.. سلام عليكم.
- سلام..
* * *
- الله أكبر.. ثلاث سنوات !.. استر يا رب..
* * *
داخل سيارة سوداء مال أحدهم من المقعد الخلفي و أشار بأصبعه قائلا لزميله الذي أمام المقود بصوت أجش، مستهتر:
- هاهما.. رأيت ؟.. السكّرتان !.. هيا.. فلنتعقبهما بهدوء.. و لننجز العملية بسرعة !..
* * *
- (كمال).. لقد كنت رصينا، هادئا قبل قليل.. ماذا دهاك ؟.. هيا، لا تخيب أملنا فيك !..
قالها (وليد) مربّتا على كتف (كمال) بلطف..
لم يجب و إنما هرب ببصره بعيدا و ارتفع صدره، متنهدا بحرقة..
مشى الثلاثة مطرقين على رصيف شارع (محمد الخامس) المديد.. صوت السيارات الرتيب و الصياح و الضحكات المبهمة القادمة من كل مكان و من لا مكان !..
وسط هذه الغوغاء، تناهى لمسامعهما صوت يختلف عن باقي الأصوات.. صوت يبدو أنه يعنيهم !..
تبادلوا النظرات فيما بينهم ليؤكدوا إحساسهم بنفس الشعور، ثم التفتوا دفعة واحدة.. و تصلّبت وجوههم دفعة واحدة كذلك و هم يرون (كوثر) تركض باتجاههم و هي تصيح متجاهلة الناس من حولها:
- (كماااال)، (وليييد)، (خااااالد)... النجدااا..
! ! !
* * *
- اللهم استر !.. ماذا هناك يا (كوثر) ؟..
تساءل (وليد) و قد كادت عيناه تلتصقان بزجاج عويناته !..
- لقد.. لقد... اختطفاها !..
و صاح (خالد) كأنه لا يعرف الجواب:
- من هييي ؟..
- سهاااااام !..
قال (كمال) بنبرة سريعة، مخيفة:
- و من هما ؟
- لا وقت لدينا لجلسة استماع الآن.. لكنهما.. الشابان اللذان ضايقانا أمس، لقد.. اختطفاها.. في سيارة سوداء.. و.. و حاولوا اختطافي أنا الأخرى لكني تملّصت و نجحت في.. الفرار..
- في أيّ اتجاه ؟.. بسرعة !
- من هنا.. رأس الشارع، إلى اليمين !
و قبل أن تنهي كلمتها الأخيرة جرى الثلاثة في الاتجاه إياه..
قال (كمال) و هو يركض متجاوزا (خالد) و (وليد)..
- فليتصل أحدكما بالشرطة.. حالا !
و عَبرَ الشارع للجهة الأخرى و قد لمح شيئا ما..
كانت دراجة نارية.. سوداء، ضخمة.. يقف صاحبها بجانبها و قد أسند إليها مرفقيه.. يدخن بشرود..
دفع (كمال) هذا الأخير بقوة حتى أسقطه، و امتطى الدراجة قبل أن يقول و هو يزيل القضيب الحديدي من الأرض:
- آسف يا صاحبي، لكني مضطر !..
و انطلق بسرعة مخلفا سحابة من الدخان الأبيض !
* * *
أعاد (خالد) السماعة لمكانها و قال:
- ماذا نفعل الآن بعد إبلاغ الشرطة ؟..
عضّ (وليد) على أصابعه و هو ينظر للأرض برهة ثم أجاب:
- سيارة أجرة.. نعم، فلنطلب سيارة أجرة.
ركضا وسط الشارع.. وسط المنبهات و سباب السائقين المستعجلين ليركبوا (التاكسي) التي وقفت تنتظرهما من الجهة الأخرى..
قال السائق شيئا ما عن سبب استعجالهما، لكن (وليد) قاطعه بعصبية مشيرا بيده:
- شارع النصر.. بسرعة !
نظر له السائق بثبات.. ثم داس البنزين..
* * *
كان امتلاكه لدراجة نارية قد ساعده كثيرا في القيادة بكل تلك السرعة بين صفوف السيارات، مشرئبا بعنقه، ينظر من خلال نافذة كل سيارة سوداء !..
وقف الآن و قد توهج الضوء الأحمر آمرا بالوقوف.. تأملت عيناه الجاحظتان كل العربات الواقفة، فلم تكن بينها واحدة سوداء..
زفر بعصبية و نظر إلى شرطي المرور الذي ينظف أذنه بملل.. ثم تنهد بعمق و أدار الأسطوانة فزمجرت الدراجة وسط صمت السيارات.. و انطلق كالقذيفة !..
تقلّص وجه الشرطي شططا و قرّب هاتفه الأسود ليغمغم ببعض كلمات صارمات و عيناه لا تفارقان (كمال) الذي ذاب وسط الشارع و لم يزل صوت الدراجة يمزّق الجو كما الرعد !..
* * *
" امممم... ممممم !.. ممم "
كان هذا كل ما تقوله (سهام) المكمّمة و المقيّدة بين شابان بأريكة
السيارة الخلفية..
- لا تخافي عزيزتي.. ستستمتعين معنا كثيرا !..
ثم انحنى ليقبلها على خدها بوحشية !..
" ممممم... مممممممممم ! "
* * *
التصق وجه (خالد) بزجاج النافذة اليمنى و وجه (وليد) باليسرى، و نظر السائق بنصف عين إلى المرآة أمامه ليرى الشابين غريبي الأطوار.. و مطّ شفتيه متعجبا !..
ثم..
- انتظر.. انتظر، قف هنا.. حالا !..
- ماذا ؟
- قلت قف هنا !..
- لماذا ؟..
- اللعنة.. ألا تفهم العربية ؟.. قف هنااا !..
* * *
رنّ الهاتف فجأة و اهتز بجيب (كمال) الذي يشق الطّريق بجنون..
أولج يمناه في جيبه بصعوبة و أخرج الهاتف المتلهّف ليضعه على أذنه و عيناه مثبتتان على الطريق..
- من ؟؟..
- كمال ؟.. هل وجدتموها ؟.. هه ؟.. أرجوكم أسرعوا، يعلم الله ما يفعلونه بها الآن.. أرجوك..
- كوثر.. اسمعي.. كوثر !.. لازلنا نبحث عنها.. لكن قولي لي ؟.. كيف يبدو الذين اختطفوها ؟..
- آ... أحدهم يرتدي نظارة زرقاء و..
هنا قطع (كمال) الاتصال و أعاد الجهاز لجيبه و هو ينحرف متجاوزا بعض العربات..
قد لمحه شرطي آخر و هو يتكلم بالهاتف فأشار له أن يتوقف قبل أن يحمل هاتفه الأسود هو الآخر !..
* * *
فُتح الباب بعنف قبل أن تستقر سيارة الأجرة مكانها و اندفع (وليد) يجري بسرعة و (خالد) وراءه يخرج من السيارة ببطء، غير مستوعب تصرف صديقه الغريب !..
تجاوز (وليد) الطريق و هو يركض متناسيا السيارات التي أطلقت العنان لمنبهاتها.. كان يقصد زقاقا صغيرا !..
و فجأة فهم (خالد) ما يريده (وليد).. إن هناك سيارة سوداء مركونة بجانب الزقاق !..
ثم ركض وراء صديقه و قد علت وجهه الخطورة !..
* * *
- لم يعد أمامنا، حوّل... تششششش..
- تشششش... سنعلم كل الوحدات بسين 16، 17 و 18.. واصلوا البحث،
حوّل،.. تششش..
- تشششش... عُلم.
* * *
وقف (وليد) أمام السيارة لاهثا.. و شهق بعمق و هو يتقدم الهوينى قبل أن يتوقف و قد سمع...
- وليييد.. انتظر.. ماذا تنـ ؟....
- ششششت... يا أحمق، لا تجعلنا نفقد عنصر المفاجأة !..
همس (وليد) في وجه (خالد) بصوت كالفحيح ثم أشار بيده إشارة ذات معنى..
و هكذا تقدم الاثنان إلى حيث السيارة السوداء الجاثمة مكانها ببرود..
لا حركة بالداخل و لا صوت !..
حمل (خالد) حجرا لا بأس به و نظر إلى (وليد) في عينيه برهة قبل أن يومأ برأسه فيمد هذا بيده إلى مقبض الباب و يفتحه و قد تأهبت كل ذرة فيه !..
* * *
- تبا !..
قالها (كمال) بسخط لما رأى طابورا طويلا أمامه، ما اضطره إلى التوقف..
لابد أنه جدار أمني !..
راح (كمال) يلتفت حوله بعصبية، ثم يطل من حين لآخر على الشرطي في مقدمة الطابور، الذي يراقب أوراق السيارات واحدة بواحدة..
و طال وقوفه، كما بدأ يقوده الصف إلى المقدمة و هو مختبئ وراء سيارة (لاند روفر) ضخمة !..
يجب أن لا يراه الشرطي، فهو حتما لديه تعليمات و معلومات حول شاب في العشرينات يمتطي دراجة سوداء تعدت سرعتها الحد المسموح !..
و هكذا وجد (كمال) نفسه محاصرا من كل جهة، فالطابور وراءه و أمامه و الشرطة تغلق الطريق بسلسة مسامير !..
" لا حول و لا قوة إلا بالله "
و أتبعها بزفرة حارة..
* * *