alamid
18-04-2008, 03:00 AM
الخِلاف الإسلامي-الإسلامي ،عندما يصِل إلى الدم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
"وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"،سورة آل عمران 103 .
إنَّ النَّاظِر اليوم إلى حالِ البِلادِ الإسلامية وما يجري فيها سواء من الأحوال السياسية والإقتصادية أوحتى الإجتماعية ،ليسوءه الأمر ،حتَّى ليخالُ أنَّهُ لا يوجدُ بين المُسلمين رجلٌ رشيد ،أو شُجاعٌ يصدعُ بِالحق في زمنِ الظُّلم والمهانة التي لحِقت بِالمُسلمين وبالعالم الإسلامي مِنْ قِبلِ بني جلدتهِم قبل الأغراب ،وما مؤتمر أنابوليس الذي هرعت إليه الدول الإسلامية طالبةً رضا الصهاينة فيه مِنَّا ببعيد هذا من الناحية السياسية ،أمَّا من الناحية الإقتصادية فالفقرُ المُدقِع والغلاءُ المهول وتدني الدُّخول وكثرة البطالة مع وجود فوارق طبقية كبيرة بين أفراد المُجتمع حتَّى أنك لا تكاد ترى طبقة وُسطى في كثيرٍ من دول العالم الإسلامي ،فهُم ما بين طبقةٍ ثريةٍ ثراءً فاحشا ،وأُخرى فقيرةٍ فقرًا مُدقِعا وهي الأغلبية ،أمَّا فيما يخُص الحالة الإجتماعية فهي من اسوأ ما يكون ،فإرتفاع عدد حالات الطلاق ،وإنتشارُ المُوبِقات مِنْ زِنى ومُمارساتٍ غير أخلاقيةٍ لم تعرفها المُجتمعات الإسلامية من قبل ،كُل ذلِك هو دليلٌ على وجودِ خلل في العالم الإسلامي ،رُبما هُنالِك عدة أمور تُخلخل العالم الإسلامي ،لكن على رأسها أمرُ الدين ،فالفهم السيء للدين وأخذ ما يتَّفِقْ مع الهوى ،وتوظيف الدين لِأغراض سياسية ومصالِح خاصة ،أو لِمصلحة الحُكَّام ،كل هذه الأمور تجعل من الدين عامِلًا سلبيًا يضُر بِالمُجتمعات ،بدلًا من وظيفته الأساسية في إصلاح المُجتمعات وتنظيمها وقيادتها إلى الطريق ،طريقِ ربِّ العالمين الذي لا ترتفِعُ الغُمَّة عن العالم الإسلامي والمُجتمعات الإسلامية إلا بِالأخذ به والسير على طريقه ،وأيُّ إصلاحٍ في المُجتمعات الإسلامية لا يكونُ إلا عن طريق الدين ،ليس الدين المُزيف الذي جاء به اهلُ البُهتان من أصحاب المصالِح والمناصب والباحثين عن السُلطةِ والجاه ،بل الدين الذي جاءَ بِه مُحمدٌ بن عُبد الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم فَأخرج بِه البشرية من الظُّلم إلى العدل ومن الباطل إلى الحق ومن الجهل إلى العلم ،ولا أُريدُ أنْ أُطيلَ في المُقدِّمة ،لكني مُنذ زمنٍ لم أكتُب ،لِذا كان لزامًا عليَّ وضعُ مثل هذه المُقدمة لِتُعبِّر عمَّا في النفس من الألم تجاه الحال المريرة التي تمرُّ بِها هذه الأمة ،فقد طالتْ بِالمرء فترة الهروب ،وأنَّى لِلمرءِ أن يهرُب من واقِعه ؟! .
ثُمَّ فعودةٌ إلى عُنوانِ الموضوع ،وهو موضوعٌ مؤلِم ،ويُثير في النفس الحُرقة فمنْ ينظر حوله ويُشاهِد ما يحصُل في العِراق ولبنان وغيرها من دول العالم الإسلامي التي وصل فيها الخِلاف بين المُسلمين إلى الدم أو تِلك الدول التي بلغَ فيها التشنج الطائفي والتعصب المذهبي مبلغه ،حتَّى أنَّها لا تحتاجُ إلَّا إلى شرارةٍ بسيطة لِيبدأ القِتال فيها وسفك الدم بدعوى أنَّ المُخالِف مُشرك أو مُنافق أو مُدَّعٍ للإسلام أو كافِرٌ بالعقيدة الصحيحة ،والمُحرِّضون كُثرٌ والسُّفهاء التابعون لهم أكثر ،فيا لله إلى أينَ سيصِلُ الحالُ بِالمُسلمين مع علو صوت المُغالين المُتطرفين وقِصرِ صوتِ المُعتدلين وصمتهم في كثيرٍ من الأحيان ؟.
كم مُسلِمٍ يُقتلُ اليوم في العِراق على أيدي ميليشيات تدَّعي إتِّباع أهل البيت عليهم السلام ثُمَّ هي تسفِكُ دماء أتباعِهم وتهتِكُ أعراضهم وتهدِمُ مساجدهم وجماعات تدَّعي الجِهاد وقِتال المُحتل الكافِر ،فَإذا هي تُفجِّرُ اسواقًا لا يرتادها إلا مُسلمين ودُور عبادةٍ كُلُّ من فيها يشهدُ بِالشهادتين اللتين من نطقَ بِهما عُصِم دمهُ ومالهُ وعِرضهُ ؟.
وكم مُسلِمٍ في لبنان اليوم بلغَ منهُ "التشنج" مبلغه ليُقاتِلَ أخاهُ المُسلِم ولبنان ثغرٌ من ثغور المُسلمين تُجابه العدو الصهيوني وفيها الكثير من المُتربصين بِالإسلام والمُسلمين قديما وحديثًا ،هذا على صعيد الخِلاف الطائفي او المذهبي ،أمَّا الخِلاف السياسي الذي بلغ مرحلة "الدم" فحدِّث ولاحرج فمِنْ باكستان شرقًا إلى الجزائر غربًا مُرورًا بفلسطين والسودان والصومال وتشاد وغيرها .
إنَّ نشر ثقافة التسامُح بين المُسلمين وبعضهم البعض باتَ واجِبًا مُحتمًا ومطلبًا ضروريًّا لوقف "نزيف" الدِّماء الذي يُعاني منه العالم الإسلامي سواءٌ من جرَّاء إعتداء دول خارجية أو من جراء تصارع المسلمين فيما بينهم ،فيومًا بعد يوم ينزلِق العالم الإسلامي إلى صِراعات داخلية بسبب الطائفية المُغالية التي لا يعرفُ أهلها إلى أيِّ طريقٍ يُساقون ،فعلى المُتطرفين من سائر أبناء الفِرق الإسلامية الدينية والسياسية أنْ يعودوا إلى رُشدِهم ويُحكِّموا عُقولهم فيما يدورُ حولهم من مؤامراتٍ يُرادُ منها إيقاع المُسلمين بعضهم بِبعض .
وعلى العُلماءِ والعُقلاء أن يعلو صوتَهُم على صوت الجُهلاءِ والسُفهاء وأن يأخذوا على أيديهم بدلًا من تركِهم مطيَّةً يمتطيهم الأعداء لتدمير العالم الإسلامي من الداخل .
صحَّ عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم أنَّهُ قال : "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" ،أخرجهُ البُخاريُّ في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضيَ اللهُ عنهُما ،وصحَّ عنهُ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم : "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا" ،أخرجهُ البُخاريُّ في صحيحه عن عبد الله بن عُمر رضيَ اللهُ عنهُما .
وقبلَ ذلِكَ كُله تذكيرُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه للمُسلمين بِحُرمةِ دم المُسلم وماله وعرضه في خُطبة حجة الوداع -ونحنُ على أبواب موسم حجٍّ- ،فعن عبد اللهِ بن عباس رضيَ اللهُ عنهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ،أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " . قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ، قَالَ : "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " . قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ . قَالَ: "فَأيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ . قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا" . فَأَعَادَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ " . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ - "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" .
وهذا ينجرُّ على ثقافةِ الحِوار بينَ المُسلمين ،فما نُشاهده اليوم مِنْ "حِوارات" سواءٌ على مستوى الفضائيات أو المُنتديات أو في مجالِس المُسلمين منْ تعصُّبٍ وتشنُّج هو أمرٌ لا يُفضِي إلى خير ،فمنْ أرادَ وجهَ اللهِ عزَّ وجلْ بِكلامِه أو دعوته لِلمُخالِف وجبَ عليهِ أن يتأدَّب بِآداب الحِوار وأنْ يُحسِن في تعامُلِهِ مع المُخالِفِ من أهلِ القِبلة ،فمهما فرَّقَتْ بيننا الارآء الفقهية أو السياسية ،فالشهادتينِ التي تجمَعُنا هي أكبرُ وأعظمُ العُرى وأوثقها ،ومصلحة الإسلام التي تربطنا هي مصلحةٌ مُقدَّمة على كُلِّ مصلحة .
فهلَّا وعينَا ذلِك يا أبناء الإسلام ؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كُنتُ قد كتبت هذه "الخاطِرة" في فترةٍ مضتْ ،وعلى ما يبدو أنَّها أثناء موسم الحج الماضي كما يظهر لي ،ولا أعلم لِمَ لم أقُم بِنشرها في ذلِك الحين ،لكني أراها جيدة للنشر فالأوضاعُ لم تتغير كثيرًا مُنذُ ذلِك الحين .
أصلَحَ اللهُ حالَ أُمَّةِ سيدِنا مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
"وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"،سورة آل عمران 103 .
إنَّ النَّاظِر اليوم إلى حالِ البِلادِ الإسلامية وما يجري فيها سواء من الأحوال السياسية والإقتصادية أوحتى الإجتماعية ،ليسوءه الأمر ،حتَّى ليخالُ أنَّهُ لا يوجدُ بين المُسلمين رجلٌ رشيد ،أو شُجاعٌ يصدعُ بِالحق في زمنِ الظُّلم والمهانة التي لحِقت بِالمُسلمين وبالعالم الإسلامي مِنْ قِبلِ بني جلدتهِم قبل الأغراب ،وما مؤتمر أنابوليس الذي هرعت إليه الدول الإسلامية طالبةً رضا الصهاينة فيه مِنَّا ببعيد هذا من الناحية السياسية ،أمَّا من الناحية الإقتصادية فالفقرُ المُدقِع والغلاءُ المهول وتدني الدُّخول وكثرة البطالة مع وجود فوارق طبقية كبيرة بين أفراد المُجتمع حتَّى أنك لا تكاد ترى طبقة وُسطى في كثيرٍ من دول العالم الإسلامي ،فهُم ما بين طبقةٍ ثريةٍ ثراءً فاحشا ،وأُخرى فقيرةٍ فقرًا مُدقِعا وهي الأغلبية ،أمَّا فيما يخُص الحالة الإجتماعية فهي من اسوأ ما يكون ،فإرتفاع عدد حالات الطلاق ،وإنتشارُ المُوبِقات مِنْ زِنى ومُمارساتٍ غير أخلاقيةٍ لم تعرفها المُجتمعات الإسلامية من قبل ،كُل ذلِك هو دليلٌ على وجودِ خلل في العالم الإسلامي ،رُبما هُنالِك عدة أمور تُخلخل العالم الإسلامي ،لكن على رأسها أمرُ الدين ،فالفهم السيء للدين وأخذ ما يتَّفِقْ مع الهوى ،وتوظيف الدين لِأغراض سياسية ومصالِح خاصة ،أو لِمصلحة الحُكَّام ،كل هذه الأمور تجعل من الدين عامِلًا سلبيًا يضُر بِالمُجتمعات ،بدلًا من وظيفته الأساسية في إصلاح المُجتمعات وتنظيمها وقيادتها إلى الطريق ،طريقِ ربِّ العالمين الذي لا ترتفِعُ الغُمَّة عن العالم الإسلامي والمُجتمعات الإسلامية إلا بِالأخذ به والسير على طريقه ،وأيُّ إصلاحٍ في المُجتمعات الإسلامية لا يكونُ إلا عن طريق الدين ،ليس الدين المُزيف الذي جاء به اهلُ البُهتان من أصحاب المصالِح والمناصب والباحثين عن السُلطةِ والجاه ،بل الدين الذي جاءَ بِه مُحمدٌ بن عُبد الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم فَأخرج بِه البشرية من الظُّلم إلى العدل ومن الباطل إلى الحق ومن الجهل إلى العلم ،ولا أُريدُ أنْ أُطيلَ في المُقدِّمة ،لكني مُنذ زمنٍ لم أكتُب ،لِذا كان لزامًا عليَّ وضعُ مثل هذه المُقدمة لِتُعبِّر عمَّا في النفس من الألم تجاه الحال المريرة التي تمرُّ بِها هذه الأمة ،فقد طالتْ بِالمرء فترة الهروب ،وأنَّى لِلمرءِ أن يهرُب من واقِعه ؟! .
ثُمَّ فعودةٌ إلى عُنوانِ الموضوع ،وهو موضوعٌ مؤلِم ،ويُثير في النفس الحُرقة فمنْ ينظر حوله ويُشاهِد ما يحصُل في العِراق ولبنان وغيرها من دول العالم الإسلامي التي وصل فيها الخِلاف بين المُسلمين إلى الدم أو تِلك الدول التي بلغَ فيها التشنج الطائفي والتعصب المذهبي مبلغه ،حتَّى أنَّها لا تحتاجُ إلَّا إلى شرارةٍ بسيطة لِيبدأ القِتال فيها وسفك الدم بدعوى أنَّ المُخالِف مُشرك أو مُنافق أو مُدَّعٍ للإسلام أو كافِرٌ بالعقيدة الصحيحة ،والمُحرِّضون كُثرٌ والسُّفهاء التابعون لهم أكثر ،فيا لله إلى أينَ سيصِلُ الحالُ بِالمُسلمين مع علو صوت المُغالين المُتطرفين وقِصرِ صوتِ المُعتدلين وصمتهم في كثيرٍ من الأحيان ؟.
كم مُسلِمٍ يُقتلُ اليوم في العِراق على أيدي ميليشيات تدَّعي إتِّباع أهل البيت عليهم السلام ثُمَّ هي تسفِكُ دماء أتباعِهم وتهتِكُ أعراضهم وتهدِمُ مساجدهم وجماعات تدَّعي الجِهاد وقِتال المُحتل الكافِر ،فَإذا هي تُفجِّرُ اسواقًا لا يرتادها إلا مُسلمين ودُور عبادةٍ كُلُّ من فيها يشهدُ بِالشهادتين اللتين من نطقَ بِهما عُصِم دمهُ ومالهُ وعِرضهُ ؟.
وكم مُسلِمٍ في لبنان اليوم بلغَ منهُ "التشنج" مبلغه ليُقاتِلَ أخاهُ المُسلِم ولبنان ثغرٌ من ثغور المُسلمين تُجابه العدو الصهيوني وفيها الكثير من المُتربصين بِالإسلام والمُسلمين قديما وحديثًا ،هذا على صعيد الخِلاف الطائفي او المذهبي ،أمَّا الخِلاف السياسي الذي بلغ مرحلة "الدم" فحدِّث ولاحرج فمِنْ باكستان شرقًا إلى الجزائر غربًا مُرورًا بفلسطين والسودان والصومال وتشاد وغيرها .
إنَّ نشر ثقافة التسامُح بين المُسلمين وبعضهم البعض باتَ واجِبًا مُحتمًا ومطلبًا ضروريًّا لوقف "نزيف" الدِّماء الذي يُعاني منه العالم الإسلامي سواءٌ من جرَّاء إعتداء دول خارجية أو من جراء تصارع المسلمين فيما بينهم ،فيومًا بعد يوم ينزلِق العالم الإسلامي إلى صِراعات داخلية بسبب الطائفية المُغالية التي لا يعرفُ أهلها إلى أيِّ طريقٍ يُساقون ،فعلى المُتطرفين من سائر أبناء الفِرق الإسلامية الدينية والسياسية أنْ يعودوا إلى رُشدِهم ويُحكِّموا عُقولهم فيما يدورُ حولهم من مؤامراتٍ يُرادُ منها إيقاع المُسلمين بعضهم بِبعض .
وعلى العُلماءِ والعُقلاء أن يعلو صوتَهُم على صوت الجُهلاءِ والسُفهاء وأن يأخذوا على أيديهم بدلًا من تركِهم مطيَّةً يمتطيهم الأعداء لتدمير العالم الإسلامي من الداخل .
صحَّ عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم أنَّهُ قال : "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" ،أخرجهُ البُخاريُّ في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضيَ اللهُ عنهُما ،وصحَّ عنهُ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم : "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا" ،أخرجهُ البُخاريُّ في صحيحه عن عبد الله بن عُمر رضيَ اللهُ عنهُما .
وقبلَ ذلِكَ كُله تذكيرُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه للمُسلمين بِحُرمةِ دم المُسلم وماله وعرضه في خُطبة حجة الوداع -ونحنُ على أبواب موسم حجٍّ- ،فعن عبد اللهِ بن عباس رضيَ اللهُ عنهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ،أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " . قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ، قَالَ : "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " . قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ . قَالَ: "فَأيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ . قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا" . فَأَعَادَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ " . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ - "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" .
وهذا ينجرُّ على ثقافةِ الحِوار بينَ المُسلمين ،فما نُشاهده اليوم مِنْ "حِوارات" سواءٌ على مستوى الفضائيات أو المُنتديات أو في مجالِس المُسلمين منْ تعصُّبٍ وتشنُّج هو أمرٌ لا يُفضِي إلى خير ،فمنْ أرادَ وجهَ اللهِ عزَّ وجلْ بِكلامِه أو دعوته لِلمُخالِف وجبَ عليهِ أن يتأدَّب بِآداب الحِوار وأنْ يُحسِن في تعامُلِهِ مع المُخالِفِ من أهلِ القِبلة ،فمهما فرَّقَتْ بيننا الارآء الفقهية أو السياسية ،فالشهادتينِ التي تجمَعُنا هي أكبرُ وأعظمُ العُرى وأوثقها ،ومصلحة الإسلام التي تربطنا هي مصلحةٌ مُقدَّمة على كُلِّ مصلحة .
فهلَّا وعينَا ذلِك يا أبناء الإسلام ؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كُنتُ قد كتبت هذه "الخاطِرة" في فترةٍ مضتْ ،وعلى ما يبدو أنَّها أثناء موسم الحج الماضي كما يظهر لي ،ولا أعلم لِمَ لم أقُم بِنشرها في ذلِك الحين ،لكني أراها جيدة للنشر فالأوضاعُ لم تتغير كثيرًا مُنذُ ذلِك الحين .
أصلَحَ اللهُ حالَ أُمَّةِ سيدِنا مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم .