المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعر آكل اللحوم البشرية



مى هشام
23-04-2008, 06:24 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه قصيدة أعجبتنى للشاعر المصرى محمد مغربى مكى من ديوانه
"منمنمات على جدار العلاقة"
إن شاء الله تعجبكم






يقولون :

الأسد .. مجموعة من الخِراف ..

مهضومةً هضمًا جيدًا

فيا ترى ..

ماذا يكون الإنسان ..

آكل اللحوم البشرية ؟!!





مُنذُ أُضيفَ إلى العَدَدِ الإنسانِىِّ اللامَعْلُومْ ..
.. رَقَمٌ ..
قَاءَتْهُ على الأوراقِ دَوَاةٌ ..
منْ حِبرٍ أَسْودْ
منذُ ارتفعَ الصَّوتُ المُحتجُّ على شَىءٍ ..
لمْ يَحدثْ بَعدْ
منذُ انقطعَ الحَبْلُ المشئومْ ..
.. والرِّحلةُ صفراءُ الآفاقِ .. شِتائيَّةْ
تَحدُوها دوَّاماتُ الرَّملِ المِلحِىِّ الذَّراتْ ..
تَعوِى .. وتُشَوِّهُ شَكلَ الظِّلِّ ..
وتَمحُو رَسْمَ الخطواتْ
لا شىءَ يُهِمْ ..
.. لا شىءَ جديدٌ فى ذلكْ ..
فَأُلوفُ الرَّحلاتِ .. كذلكْ
وعَزَاءُ الرَّاحِلِ أنَّ الرِّحْلةَ .. مَحتومَةْ ..
لكنَّ المُؤلمَ .. أنَّ الماءَ المحمولَ .. دُموعٌ ودِماءْ
والزَّادَ ..
شَرَائحُ .. منْ أجسادٍ بَشريَّةْ .. !!



ما أَقسَى أنْ تتعوَّدَ صُنعَ الشىءِ .. بلا تفكيرْ
ما أقسَى أنْ تَحيَا .. مثلَ الدِّيدانْ ..
تَتقوَّتُ بالأحداقِ ..
وبالأحْشاءِ ..
وبالسِّيقانْ
يا منْ يَتمرَّغُ .. فى أحضانِ الأرضِ البورْ ..
.. ماتَتْ عيناكَ فلا تَدرِى ..
طَعمَ الألوانْ
لكنَّ الخُطوَةَ مُبصِرَةٌ ..
.. تَعرِفُ أينَ تَكُونُ الجُثثُ البيضاءُ
.. بلا عُنوانْ
تعرفُ مَسْراها .. كالدِّيدَانْ
يا مَنْ لا يَشبَعُ ..
يا مَنْ لا يَرْوَى ..
.. يا مَنْ مَاتتْ عَيناهْ
أَتَرَى فى الجُثَّةِ .. فَيضَ حَياةْ ؟؟
اللونُ الأسودُ .. يَملأُ أركانَ الصُّندوقْ ..
يَغرَقُ فيهِ القلبُ المتورِّمُ بالأحزانْ ..
يغرقُ فيهِ شُعاعُ النُّورِ المَخنوقْ ..
اللونُ الأسودُ فى الأعْماقِ .. إلهْ
يَفرِضُ معناهُ على الأبْعادِ ..
على السَّاعاتِ .. على الأشياءْ
يَتَجلَّى .. فى لَحَظاتِ الجُوعِ الشَّبَقِىِّ العَاوِى
فى خُصلاتِ الشَّعرِ الليِّنَةِ الهَفهافَةْ
فى رَائِحَةِ اللحمِ المُحتَرِقِ .. على نارِ التَّحدِيقْ
اللونُ الأسودُ ثُعبانٌ
يَتَلوَّى .. يَزحَفُ نَحوَ مَلاكْ
يَخنُقُهُ .. يَسحَقُ فيهِ الطُّهرَ ..
ويَعبَثُ .. يَعْبثُ بالأشْلاءْ
اللونُ الأسودُ فى الأعْمَاقِ
إلهٌ قَاسٍ .. كَخِيانَةْ
يَفرِضُ مَعناهُ على الأشياءْ
ويُحِيلُ الكلماتِ الصَّادِقَةَ اللحنِ .. تِلالاً فَحميَّةْ
والضِّحْكَةَ فى الحَلْقِ المَشروخِ .. تَشَنُّجَ مَسعُورٍ يَبكِى
والحُبَّ ..
طَريدًا يَتَوارَى فى كَهفِ القِيَمِ المَنسِيَّةْ !!
رَغْمَ الألَمِ المُرِّ المُنداحِ على رُوحٍ ..
تَحيا فى الظِّلْ
والرّعشاتِ الظَّمأى للطَّلْ
رَغمَ الأحلامِ المُؤتلِقاتِ الوَردِيَّةْ ..
فالرَّاحِلُ .. لا يُلقِى أبدًا ..
.. كِيسَ الأعْضاءِ البَشرِيَّةْ
رَغمَ النَّدَمِ المُتدفِّقِ فى كُلِّ خَليَّةْ ..
فالجائِعُ .. لا يَنسَى أبدًا ..
.. طَعمَ الأجْسادِ البشريَّةْ
يتألَّمُ .. لكنْ .. لا يُلقِى
يَتمزَّقُ .. لكنْ .. لا يَنسَى
يَبكِى .. يَخجَلُ ..
يَتَهاوَى فَوقَ الأرْضِ أَسَى
ويَعَضُّ على كَفَّيْهِ ..
يَذُوبُ ..
يُبَعثِرُ أَحمالَ الذِّكْرَى
لكنَّ الجَائِعَ .. لا يَنسَى
يَتَحامَلُ ..
يَهدِمُ سُورَ الحُزْنِ ..
يُفتِّشُ .. عنْ جُثَثٍ أُخرَى ..!!


- " يا كُلَّ شُهُودِى .. وقُضَاتِى ..
يا كُلَّ الباكِينَ علىَّ .. ويا أَعدائِى ..
يا كُلَّ النَّاسْ ..
لنْ أَطلُبَ شَيئًا منْ غُفرانْ
لنْ أَركَعَ ..
لنْ أَشرَبَ فى حَضرَتِكُمْ كاسَ الأحزانْ ..
لنْ آكلَ منْ جِلدِ حِذائى
يا كُلَّ شُهُودِى .. وقُضَاتِى ..
مَهمَا كانَ الحُكمُ الآتى ..
.. فَأنا لا أطلُبُ إلا شيئًا منْ حَقِّى
كَلماتٍ .. سمَّاها النَّاسُ "وَصِيَّةْ"
أَعْطَوْها صِفَةَ الحَتمِيَّةْ ..
" لا تَبكُونِى يا أحْبابِى .. بعدَ التَّنفيذْ
وهُناكَ .. على القَبرِ المُغْبرِّ الكَالِحِ شَاهِدُهُ المَنبُوذْ ..
أَرجُو ألا تَضَعُوا .. قَبضَةَ أزهارٍ بَرِّيَّةْ ..
.. لكنْ ..
بَعضَ الأعْضاءِ الغَضَّةِ ..
.. منْ أَجسادٍ .. بَشَريَّةْ ..!! "