المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالم الطفل الأطفال و التلفاز ، صغارٌ بإدراكٍ محدود ، و شاشة تجمع كل المتناقضات ،،



أحْـــــمَـدْ
14-05-2008, 05:55 PM
بِسْمِ اللـَّهِ الرَّحـْمـَنِ الرَّحِـيمِ
السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُه


ينتـابني قلـقٌ كلما أبصرت طفلاً مجرداً يطرق باب المجهول ، يحاول أن يشُدّ الخطى في عالم يرتابه الغموض ، يحثّ السير في طرقه ممتلئاً بوقود الفضول ، لا يفرق بين ممنوع أو لا ممنوع ، و لايحذر خطره أو يشده المسموح .

يؤرقني منظر صغير يفترش أرضاً ، متسمّراً أمام شاشة تلفاز تستغل إدراكه المحدود ، فتخترق به بوابة الحياة ، و تأخـذه بعـيداً بعيـداً في العوالم و الآفاق كلها ، لا تفرق بين ما ناسب طفولته البريئة و بين ما يشوه صفحته البيضاء ، تنشيه بِأَلَق الألوان و براعة الصور و صخب الأصوات ، تسامره كلما أراد ، و لا تجد أعذاراً البتة تمنعها من مجالسته كلما امتنع الآخرون .

لا يزعجني التلفاز بصندوقه الصغير الذي يعرف الأمور كلها ، و لا بتفاصيله الدقيقة التي تحشر الأنف في كل ذرات الحـياة ؛ لكنــه يزعجـني عندما يفتح الباب واسعاً أمام أطفال أو حتى كبار لايعرفون التحكم بمقود التفكير ، و لا التوقف أمام الخطير ، و لا يؤازرهم في مشاهدته مرشدٌ أو ناصح ٌحكيم ، فتراهم يتشربون كل ما يرون دون مصفاةٍ تمنع عنهم حصى الأضرار و اللامحمود.

فالتلفاز مثله مثل كل مافي الحياة .. سلاحٌ بحدّين ، هالكٌ ومنجٍ ، قاتلٌ ومحيٍ ، فكيف نجنب أطفالنا دماره ؟ و أنّى نجنيهم ثماره ؟ أسئلة لا بدّ أن نبحث لها عن إجابات ، في عالمٍ قلّما يخلو فيه بيتٌ ـ مهما كان صغيراً ـ من صندوق تلفازيّ يتسع العالم كله ، ويجتذب إليه الجميع !

ولا نستطيع إلا أن نعترف بأن التلفاز حاز بجدارة على مرتبة الامتياز ، منافساً بذلك وسائل الإعلام الأخرى كلها التي تحدَّاها دون بذل جهد كثير ، رابحاً بذلك رهان فوزه ، داخلاً كل بيت من البيوتات العربية و الأجنبية ، متصدراً غرف معيشتها ، لامّاً من حوله أفراد أسرها ، جاذباً انتباه أهلها ؛ ليكون الحبيب المنشود في الحضر ، و المعشوق المشتاق إليه ، و المتكلّم عنه ، وعن أخباره و سِيَرِه في السّفر .

حتى الأطفال استطابوا حلاوته ـ و إن كانت هذه الفئة العمرية لا تستطيع التمييز كثيراً بين الحلو و الدميم ـ فكان أن أدمن كثيرون ؛ ممن لم يتوفر لديهم أهالٍ بإدراك عالٍ ، و توجيه تربوي رفيع المستوى ؛ مشاهدته ، عاشقين خِدرَه اللذيذ الذي ينأى بهم عن عالم المتاعب ، و يأخذهم إلى عالم الأحلام ، عالم (سوبرمان) و (غريندايزر) و الرجل الوطواط.

و من الأمور التي يعشق الأطفال بسببها إدمان مشاهدة التلفاز ، يمكننا أن نذكر:

1 ـ حلاوة الاستعراضات و تألقها ، و إبداعها المرئي والسمـعي بكل ما تحمله من صور فتّانة ، و أصوات عذبة ، و إيقاع سريع تؤثر في طفل لا يجـد صـدراً بشـرياً ـ أمـه أو أبـيه أو حتى الأصدقاء ـ يتسع وقته له ؛ فالأب الغائب في العمل ، و الأم المشغولة بـأمورها و المنزل ؛ كلُّها أمورٌ تثير ملل الصغير ، الذي ينسى شكواه أمام صندوقه التلفازيّ السحري بألق استعراضاته المبدعة .

2 ـ قدرة التلفاز على حمل الصغير على بساطٍ سحري ، و أخذه بعيداً بعيداً عن عالم الممنوعات التي يعيشها إلى عوالم الأحلام المذهلة التي لا تتأتّى له إلا عبر شاشة التلفاز ، فها هو يعيش في حياته الواقعية ضمن قيود تكبِّله بكثير من الممنوعات ، كلمس بعض الأشياء ، و إتيان بعض الأمور ، و نهج بعض أنواع السـلوك ... إلخ ، أما مـن خلال التلفاز فالعالم رحبٌ واسع ؛ لأنه عالم تتحقق فيه الأحلام كلها دون زجرٍ أو منع .

3 ـ منح التلفازُ الطفل فرصةً للتخلص من قيد قدراته الجسمية و الفكرية و المعنوية و المادية المحدودة ، التي طالما حلم بتخطيها لتحقيق ذاته ، فها هو ما إن يرى الأبطال التلفازيين و النجوم ، في حالاتِ تَفَوُّقِهم الجسدي و الفكري و المعنوي و المادي ، حتى ينتقل بروحه و جسده الضعيفين إلى عالَـمِهم ليشاركهم انتصاراتهم وك أنه واحد منهم ، قادراً على تخطي كل الصعوبات التي تحيط به ، و تعيق انطلاقه في عالمه الصغير .

4 ـ فضول الأطفال و تعطّشهم للمعلومات و المعرفة أيّاً كان نوعها أو شكلها ؛ فكيف إن كانت المعلومة مقدمة على طبق فني شهي مبهر ؟! فيه من الألوان و الأصوات و الحركة ما يذهل كيان الطفل و يثري خياله ؛ ليتباهى بما تعلمه أمام أبناء جيله ، غير واع ٍ صِدقَ أو كذبَ المعلومة التي تُقدم إليه على طبقٍ من ذهب ، إذ ليس كل ما ينقل عبر الشاشة هو حقيقة أو واقع.

وليست الحقائق كلها التي تتعلق بمشاهدة الأطفال للتلفاز غايةً في السـوء ، و لا هـي ـ أيضاً ـ مثـالٌ للإيجابية المطلقة ، إنما الأمر كما أسلفنا : سلاح ذو حدين ، به نقتل و به نحمي أنفسنا ، و بواسطته ندمر أو نبني أمجادنا .

فها هو التلفاز ـ إن شوهد حسب المعايير المسموح بها ـ يعمل على تنمية الجوانب الأخلاقية و الاجتماعية، و روح التعاون و العمل الجماعي عند الأطفال، كما يبثّ الروح الإنسانية و يمنح الطفل الثقة بنفسه و قدراته ، كل ذلك عن طريق المواد التلفازيّة الطفولية الهادفة و المدروسة بعناية ، كما يسهم التلفاز في صنع لغة اجتماعية مشتركة بين أطفال البيئة الواحدة الذين يتلقّون البثّ و البرامج نفسها ، إذ ينمي بينهم الحوارات الاجتماعية التي تدور حول ما شاهدوه على شاشة التلفاز ، مذيباً بذلك الكثير من الفوارق الاجتماعية التي كانت قبل عائقاً فيما بينهم .

ناهيك عن دور التلفاز في توجيه الأطفال إلى سلوكيات و منهجيات اجتماعية إيجابية ، و إبعادهم عن السلوكيات السلبية .

كما بإمكان التلفاز مدّ الجسور الاجتماعية بين عالمي الأطفال و الكبار ؛ عن طريق تعويد الصغار على قواعد سلوكية تنظم العلاقات الاجتماعية بين العالَـمَيْن : كـتعليم الطاعة و الاحترام والحوار و المجالسة ، كل ذلك ضمن الحدود المقبولة .

زد على ذلك دور التلفاز في تعميق انتماء الأطفال الاجتماعي إلى عالمهم الذي يعيشون فيه ، و إشعارهم بالأمان ، من خلال تقديم الأفكار المألوفة التي تعرض في الكثير من البرامج المدروسة بعلمية متقنة .

كما يساعد التلفاز في تكوين اللغة عند الطفل و نموها تدريجياً ، حيث يرتبط النمو اللغوي باستماع الطفل إلى كلام الآخرين في المرحلة الأولية من تعلمه اللغة ، ويظهر أثر التلفاز في النمو اللغوي لدى الأطفال في العمر بين ثلاث و أربع سنوات ، حيث أثبتت الدراسات أن الطفل في هذا السن يستوعب 20% من مسار الأحداث الواردة في البرامج .

إلا أنّ الأمـر ليس سواء أمام كل ما يعرض على شاشة التـلـفـاز ، إذ أن هــناك مـن الـبرامج غـيـر المخصصة للأطفال ، أو تلك المخصصة لهم دون فائق دراسة و عناية بمحتواها ، تلك البرامج تؤثر في تأخر تعلم اللغة عند الأطفال ، و كذلك تؤخر نموها في المرحلة الأولى من حياتهم ، خصوصاً في البرامج التي يتعدد فيها الأشخاص المتحاورون في المشاهد ، و الذين يدور الحوار بينهم بسرعة نسبية تفوق قدرة الصغير على استيعابها .

كما أن اللغة التي تحتاج لتثبيتها و نموها محادثات حوارية بين الأشخاص ؛ لا يتأتى للأطفال الاستفادة منها أمام التلفاز ؛ حيث لا حوار بينهم و بين تلك الشخصيات في صندوقهم السحري ، و تتضافر هذه الأمور مع أخرى فيسيولوجية لتؤثر سلباً في انطلاق النطق السليم و المبكر عند الأطفال .

و للحيلولة دون هذا الأمر ، على الأهل و المربين ترك أطفالهم يتكلمون أمام الشاشة بدلاً من الطلب منهم الصمت و الإصغاء أمامها ، على العكس ، يجب أن يتكلم الطفل و أن يشرح شفوياً تصرفات الأشخاص ، و مجرى الأحداث التي تدور أمام ناظريه ، أو أن يقوم الكبار بهذا الدور ؛ بالإضافة إلى توقع الأحداث اللاحقة ، و تسمية الأشياء المشاهدة على الشاشة بمسمياتها .

أما من ناحية النمو المعرفي عند الطفل ، فللتلفاز أثر إيجابي في ذلك خصوصاً عند الأطفال في سن 3 ـ 4 سنوات ، و ذلك إن شاركت الأم أو المربي أطفالهم في مشاهدة البرامج المدروسة بعناية مع مناقشتهم حول معلوماتها ، و خصوصاً أن التلفاز يقدم للأطفال معلومات عن أمور لم يروها ، ويُعرِّفُهم بأماكن لم يسبق أن زاروها ، كما يقدم إليهم معلومات كانوا سابقاً يجهـلونهـا .

و يعـمل التلفاز على تقديم نوع جديد من المطالعة ؛ ألا و هو المطالعة الخيالية المرئية ، و ذلك في سن مبكرة تسبق سن تعلم القراءة و الكتابة ، فالتلفاز ـ ببرامجه الإيجابية المقننة ـ يقدم مادة مشوقة مفيدة يمكن قراءتها دون قراءة ، و هضمها بصورة أكبر ؛ خصوصاً أنها لا تتطلب مجهوداً كبيراً كالذي تتطلبه كتب المطالعة لتوضيح النصوص و فكّ الخط ، إذ أن الطريق إلى النص في التلفاز مباشر ، و الصورة فيه تتحدث عن نفسها .

كما يشجع التلفاز على القراءة من أجل التعمق في فهم الأحداث و البرامج التي تعرض على الشاشة الصغيرة ؛ إلاّ أنّ مشاهدة التلفاز إن تجاوزت المعايير يمكن أن تقلب الأمر رأساً على عقب ؛ و ذلك بسبب استسهال الأطفال استقاء المعلومات من التلفاز ، و قضائهم وقتاً طويلاً جداً أمام شاشته ، مما يعمل على : إدمان التلفاز ـ و هذا هو الأمر الخطير ـ ، و الحدّ من المطالعة حاضراً و مستقبلاً ، و كذلك الحدّ من الاستفادة من الوسائل المعرفية الأخرى : كالنشاطات الثقافية ، و القراءة ، واللعب المثمر ، وارتياد المكتبات... إلخ .

و من ثمار مشاهدة الأطفال البرامج التلفازية الإيجابية يمكن أن نذكـر أيضاً : تنمـية خـيال الطـفل و تغـذية قـدراتـه ؛ بما شاهده من مشاهد إيجابية تزرع فيه بذور إبداع و تُهيؤه له قريباً ، و تعلمه أساليب مبتكرة و متعددة في التفكير و الأسلوب .

و لقد ظهر في السنوات العشر الماضية مصطلح جديد في صناعة التلفزة الغربية ؛ ألا و هو (التربية الترفيهية) تلك التي تُعرَّف بأنها : الدمج الناجح للتربية في بيئة التلفاز الترفيهية ؛ حيث يتفاعل التلفاز و المربون لتقديم نموذج تعليمي تفاعلي بين الطفل و التلفاز ، من خلال بث ترفيهي تعليمي يوفر أساليب فردية ممتعة و متطورة ، بل ومبتكرة تكمل طرق التعليم التقليدية ؛ مما يثري حياة الأطفال و يقدم لهم برامج تُخاطِبُ عقولهم ، و تستمطر أفكارهم ، و تؤهلهم لتبادل الأفكار ووجهات النظر مع من يكبرونهم سنّاً .

و كما للتلفاز آثار إيجابية على أبنائنا، فهو ذو آثار سلبية كثيرة عليهم أيضاً ، بل هناك من المختصين من رأى أن سلبياته تفوق إيجابياته بكثير ـ نكرر : إن لم تُتوّج مشاهدة الأطفال للتلفاز بالمعايير الإيجابية - .

إذ أثبتت الكثير من الدراسات أن الأطفال يكررون السلوك الذي يشاهدونه في التلفاز ؛ فهم بطبيعتهم ينتهجون التقليد في حيـاتهم و تعلمهم ، و إنهم بمشاهدتهم برامج العنف يترسخ عنـدهـم الـسلوك العـدواني العنـيف ، إلاّ أنّ الأمـر لا يظـهر دائماً بوضوح كبير ، إذ أنَّ هناك ظاهرة تَعَرَّف عليها كل من: (كاجان) و (موسن) في الستينات من القرن الفائت ؛ ألا وهي ظـاهـرة (التأثير النائم) و التـي بموجبها يـتأثر الطـفل بمشـاهـداته التي عاشها مع التلفاز؛ و لكن نتائج هذا التأثر قد لا تظهر عاجلاً و مبـاشـرة ، بل تظـل نائمـة فتـرة طويـلة ، منتظرة عوامل خارجية عند الطـفل كي توقـظها مـن رقـادها و سباتها العميق ، لتظـهر على السطح فيما بعد في مرحلة البلوغ أو المراهقة أو في الكبر ، أي أنها أحياناً لا تظهر إلا بعد تأثير المؤثرات بسنوات عديدة .

لذا لا نتـوقع أن نلمس السلوك العدواني في الأطفال مباشرة بعد تعرضهم لمشاهد عنف تلفازية ، و إن ظهر العنف مباشرة فليس ذلك بسبب المشاهدات الحية فحسب ؛ و إنما أيضاً هـناك عـوامـل خارجية تتعلق بالطفل ، اجتمعت مع مشاهد العنـف فولَّدت عنده السلوك العدواني ، و قد تولِّد أيضاً الانحراف والعدوان .

و من تلك العوامل التي تتضافر مع مشاهد العنـف المعروضة على التلفاز فتؤثر في الطفل سلبياً ، نذكر : الفقر الحادّ ، معـدل الذكاء المنخـفض للطـفل ، الوضع العائلي أو النفسي أو الجسدي غير الطبيعي للطفل ، طبع الطفل الهجومي الشرس ، و كذلك استحسان الأهل لبرامج العنف وإدمان مشاهدتها ، كل ذلك مع المشاهدات التلفازيّة العنيفة يودي بأطفالنا إلى عنفٍ سلوكيِّ عمليِّ آنيِّ ، أو مستقبليِّ ممكن .

كذلك هناك عامل هام آخر يمكن أن يؤثر في اكتساب الأطفال السلوكيات العنيفة و اللامحمودة في حياتهم ؛ ألا و هو عامل التكرار ، فتكرار حدوث المثيرات لفترة طويلة ولمرات عديدة هو الذي يُحدِثُ التأثير السلبي (أو الإيجابي إن كان المثير إيجابياً) في الطفل، فيظهر في سلوكه .

ناهيك عن أن كثافة العنف المشاهد على التلفاز يمكن أن تؤدي إلى طمس الإحساس الإنساني بآلام الآخرين ، أو على الأقل إضعافه .

و ينسحب تأثير مشاهدة الأطفال لمشاهد العنف على مشاهدتهم الأمور السلبية الأخرى على شاشة التلفاز، مثل: مشاهد الجنس ، و إدمان المخدرات ، و شرب الخمور ، والتدخين ... إلخ .

كما يُعد التلفاز من الوسائل التي تهدر وقت الأطفال إن تجاوزت المشاهدة الحدود المسموح بها ، إذ ينصح الأطباء على : ألاَّ يزيد وقت المشاهدة على ساعة و نصف يومياً في أمريكا ، فكيف إن تجاوز الأربع ساعات يومياً في حياة أطفالنا؟! إنّ هذا الأمر يؤثر سلباً على الأمور الأخرى التي بإمكان الطفل التمتع بها لو تجنب إدمان التلفاز لأوقات طويلة ، مثل : المطالعة و الرياضة، و اللعب ، و المشاركات الاجتماعية ... إلخ ، تلك الأمور التي من شأنها تعزيز النمو السويّ لمخ الأطفال و بزوغ المواهب ، و على رأسها التفاعل الاجتماعي مع الآباء و الإخوة و الأقران .

ولقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يمكثون أمام التلفاز لفترات طويلة أكثر عرضة لزيادة الوزن ؛ بسبب قلة الحركة ، و تناول المكسرات و الوجبات الخفيفة و المشروبات ، دون اكتراث أثناء مشاهدته .

كذلك، فإن الاستثارة الزائدة للمخ الصغير في الكثير من برامج التلفاز سريعةِ الإيقاع و الصاخبة ترهق خلايا المخ ، و تعيق نمو الطفل السويّ ؛ بل و تعيق استفادة المخ من المؤثرات ذات الإيقاع العادي في باقي نشاطات الحياة ؛ حيث يكون المخ قد اعتاد الإيقاع السريع و الصاخب ، فلا تحظى المؤثرات عادية الإيقاع بمستوى التركيز والاهتمام ذاته عند الطفل ، خصوصاً عند مشاهدة برامج العنف ، أو المشاهدات الليلية الأخرى التي تسـبق النـوم مباشـرة ، و يكون تأثير التلفاز أكبر في أطفال ما قبل المدرسة الابتدائية ، حيث توصل العلماء إلى : أن الطفل في سن الثالثة يكون عاجزاً عن التمييز الدقيق بين الشخص و الموقف الذي يوجد فيه ، حيث لايزال الأنا غير ناضج ، لذا فكثيراً ما يُعمِّمُ الطفل تجاربه على الآخرين ، فيكون عنده خلط بين المشاهد التلفازيّة و الواقع ، و بذلك نجد أنّه كلما كان سن الفرد صغيراً كلما صعب عليه ـ لقلة خبرته ـ الفصل بين واقعه و الخيال الذي يشاهده على شاشة التلفاز ، ممّا يجعل الأشياء الخيالية التي يعرضها التلفاز أمام الأطفال صغيريّ السن عالماً حقيقياً و واقعياً بالنسبة لهم ، فيصبح ما يشاهده جزءاً من حياته الخاصة ، لذا فالقصة المخيفة و الفيلم المرعب قبل النوم يؤدي به إلى كوابيس و توترات ليليّة تؤرق نومه ، و تؤثر على صحته ، و ممّا لا شك فيه أن تكرار و استمرارية هذه التوترات أمام الطفل يؤدي إلى أن تصبح من مكوناته السيكولوجية في الطفولة ، و بالتالي جزءاً من سلوكه و شخصيته في الكبر ، ناهيك عن أن الإفراط في مشاهدة التلفاز يؤدي إلى قصر زمن الانتباه لدى الأطفال ، و يقلل من قدرتهم على التعليم الذاتي .

و في هذا السياق ، يقول باحثون أمريكيون : إن كل ساعة يشاهد فيها الأطفال ـ قبل سن المدرسة ـ التلفاز يومياً تُعَرِّضُهم لاحتمال الإصابة بقصور في الانتباه مستقبلاً بنسبة 10% ، كما يمكن أن تساهم أشعة التلفاز بالإضرار بصحة العينين ، و تعويد الكسل و الخمول ، و تعويد الطفل ـ أيضاً ـ التلقي دون المشاركة ، أي التعليم السلبي الذي يأتي للطفل بكل شيء جاهزٍ، دون أن يدع الفرصة له بأن يشارك و يحاور ، أو يقدم الأفكـار... إلـخ ، و بذلك يمـكن لبعـض البرامج ـ في حال إدمان التلفاز و عدم مشاهدته وفقاً للمعايير المنصوح بها علمياً ـ أن تعيق النمو المعرفي الطبيعي ، و ذلك ؛ لأنّ العلم لا يتأتّى إلاّ بالمشاركة و البحث و الطلب و الحوار .

كما أن للتلفاز دوراً في إضعاف روح المودة و التقارب بين أفراد الأسرة ، حينما ينشغلون عن طقوسهم الاجتماعية بمتابعة التلفاز ، هذا و إن إهمال الأطفال و حثهم على مشاهدة التلفاز كلما ضاق ذرع الأهل بهم يجعل من التلفاز مربياً ثالثاً بعد الأب و الأم ، لكـنه مـربٍٍ مجهـول غامـض ، لا نضمن حُسْنَ تربيته ، و لا صدق معلوماته ، و لانواياه الصالحة ، فها هي الدراسات تثبت أن التلفاز يتمتع بقدرة فائقة على انحراف الأطفال و الناشئة عن ممارسة بعض أنواع السلوك التي تعتبر عناصر أساسية في عملية التنشئة و التطبع الاجتماعي ، كما يلعب التلفاز دوراً مهماً في زيادة حدة صراع القيم بين عالمهم و مجتمعهم ، و المجتمعات الأخرى ؛ و ذلك بسبب القيم و المعتقدات و السلوكيات الخاصة بمجتمعات بعيدة عنّا اجتماعياً تعرض على شاشاتنا باستمرار ، خصوصاً في زمن العولمة التلفازيّة و عصر الفضائيات ، و يرى الأستاذ سعد لبيب في مقال حول (الدور التثقيفي للإذاعة والتلفاز) : أن التلفاز والمداومة على مشاهدته من شأنها أن تؤثر سلبياً على ثقافة المشاهدين و سلوكهم ، و أن تسلبهم القدرة على التفكير الصحيح ، فإدراكهم للعالم يكون من خلال ما تعرضه الشاشة الصغيرة ، فهي التي تفكر لهم ، و هي التي تختار لهم الموضوعات التي تحظى باهتمامهم ، و هذا الذي يعرضه التلفاز في كل أقطار الدنيا ليس منزهاً عن الغرض دائماً ، فالبرامج تصاغ وفقاً لرؤية أصحاب السلطة ، أو أصحاب المال الذين يتولون شؤون إنتاج هذه البرامج .

هذا، و تؤثر الإعلانات التي تعرض على شاشة التلفاز كثيراً على أطفالنا ، فالإيجاز في الإعلان يتلاءم مع مَلَكَةِ انتباه الأطفال التي لاتتحمس ، و لا تهتم بالتفاصيل و التوسعات المطولة ، كما أنّ التكرار الذي يحدث في اللقطات الإعلانية و يتردد كل يوم ، ينقلب بسرعة إلى لعبة مسليّة بالنسبة للمشاهد الصغير .

وقد أصبح واضحاً أثر الإعلانات التجارية الجذابة و الملحة ، التي يقدمها التلفاز على مدار الساعة ، على سلوك الطفل الغذائي و الشرائي ، إذ يعمل الطفل على ترويج غايات الإعلان في أشكال متنوعة ، إما بانتظاره بلهفة ، أو بطلبه ، أو ببكائه الملحّ عند تخطي الإعلان ، أو عند إقفال جهاز التلفاز في موعد بثّه .

كما يعمل الطفل على إلزام الآخرين بتنفيذ غايات الإعلان ؛ إذ يستغل عاطفة محبيه ليحصل على ما يسعده و يرضيه من أمور شاهدها خلال الإعلانات .

كل هذه الأمور يترتب عليها من النتائج السلبية على الأطفال ما يفوق تصورنا ، و لمقاومة الخطر ، و لأننا لا نستطيع غالباً تجنب وجود التلفاز في بيوتنا ، و لأن للتلفاز بعض المزايا الإيجابية الجديرة بالاعتبار ، بسبب ذلك كله ؛ وضع المختصون مجموعة من النصائح و المعايير التي من شأن التَقيُّدِ بها لجمُ ضرر التلفاز ما أمكن ، و فتح باب محاسنه ، و من هذه المعايير ، نذكر :

1 ـ احترام رأي الطفل الذي يرغب بمشاهدة التلفاز ؛ لكن بتحديد وقت المشاهدة ، و عدم تركه ساعات طويلة أمام التلفاز ، كل ذلك عن طريق الحوار والنقاش و الابتعاد عن الإجبار و الإكراه ، مع العلم بأنّ هناك العديد من الدراسات العلمية الحديثة التي توصلت إلى الحد الأقصى المسموح به للأطفال لمشاهدة التلفاز حسب أعمارهم ، و ذلك كالتالي :
من سنتين إلى 4 سنوات ، 20 دقيقة .
من سن 3 إلى 5 سنوات ، 30 دقيقة .
من سن 10 إلى 13 سنة ، 60 دقيقة .
و إنّ تجاوز هذه الفترات يمكن أن تتسبب في زعزعة توازن مشاعر الطفل ، و انخفاض مستواه العلمي... إلخ .

2 ـ عدم استخدام التلفاز كأسلوب عقاب أو مكافأة ؛ لأن هذا الأمر يجـعل من التلفـاز شيـئاً بالغ الأهمية في نظر الطفل ، ممها يزيد اهتمامه به، و يعطيه أكثر مما يستحقه .

3 ـ يجب عدم التعامل مع التلفاز على أنه جليس أطفال ؛ بل على الأهل مشاركة أطفالهم مشاهدة البرامج المخصصة لهم ، و مناقشتهم حولها ، و مساعدة الأطفال على تجاوز الجوانب الضارة للبرامج دون ترك بصمات سلبية في العقل أو الوجدان ، و يجب أن يختار الأهل البرامج التي يشاهدها أطفالهم بالتوافق معهم ، مع محاولة توجيههم للبرامج التعليمية و تجنب البرامج المحتوية على مضامين غير مناسبة : كالعنف ، و الجنس ، و القيم، و العادات التي تتنافى مع قيمنا .

وعلينا عندما نشاهد برامج تلفازيّة مع أطفالنا مساعدتهم على التفاعل الحسي مع ما شاهدوه ، و إيضاح العلاقة بين ما يقدمه التلفاز و حياتنا اليومية ،
و إن كان لا بد من ترك الطفل بمفرده أمام التلفاز ، فيمكن أن يكون ذلك بعد التأكد من أن البرنامج الذي يشاهده يساعده ، وينمي مهاراته و لايؤذيه .

4 ـ تجنــب جميع أفراد الأسرة تناول الطعام أو الوجبات الخفـيـفة أمـام التـلـفاز ، إلا مـا حـدّد منـها بمـقـادير و كميات لا ُيسمح تجاوزها .

5 ـ تشجيع الأطفال على القيام بنشاطات متنوعة ؛ لتنمية قدراتهم العقلية و الوجدانية كبديل لمشاهدة التلفاز .

6 ـ تعليم الأطفال أنّ الهدف من الإعلانات التجارية هو الترويج لبضائع قد لا تكون جيدة ، و أن ليس كل مانراه على الشاشة علينا أن نقتنيه ، فليس كل ما يلمع ذهباً .

7 ـ عدم السماح للأطفال أن يقتنوا جهاز تلفاز خاص بهم في غرفهم ، فمن شأن هذا أن يطلق العنان لهم في استخدامه و مشاهدته كلما أرادوا دون رقيب .

8 ـ أثبتت الدراسات أن التلفاز لا يفيد الطفل الذي يقل عمره عن سنتين ، و أنه من المفضل أن يقضي الطفل في ذلك العمر وقته في تنمية المهارات اللغوية و التفاعل الإيجابي مع المجتمع الذي يعيش فيه ، لذلك توصي (الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال) بعدم تشجيع تلك الفئة العمرية من الأطفال على مشاهدة برامج التلفاز ، حتى و لو كانت رسوماً متحركة ، بل و ذهبت بعض الدراسات إلى منع هؤلاء الأطفال منعاً باتاً من مشاهدة التلفاز ؛ لما يسببه في استثارة انتباههم لفترة طويلة ، مما يؤثر سلبياً على تركيزهم و صحتهم الدماغية مستقبلاً .

و بعد ، علينا أنْ نعلم أنْنا ـ الأهل و المربين ـ القدوة لأطفالنا في مشاهدة التلفاز ، فما يثير اهتمامنا يثير اهتمامهم ، و تعلقنا الكبير بالتلفاز يخلق التعلق نفسه عندهم .
و يجب أنْ نعي قبل أي شيء : أن الحب ، و العاطفة ، و التربية السليمة من قبل الوالدين و أفراد الأسرة هي الكفيلة بحفظ توازن شخصية الطفل لمنعه من الانحراف ، و من الإصابة بالأمراض الاجتماعية ، و تجنيبه أخطار التلفاز ؛ بل و أخطار الحياة كافة .

فلنخـلق من بيوتنا واحاتٍ تربوية وتعليمية واجتماعية صالحة لنمو الخير في نفوس أطفالنا ، و لنكن لهم المثل الصالح و المنهل الصافي في كل ما يتعلمونه في حياتهم ، قاصدين من ذلك تربية نشء سليم من النواحي كلها نعوّل عليه في بناء المجتمعات الصالحة .

عبير العقاد ، مجلة البيان ، العدد 229


... وَ السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُهْ ...

ابتسامــــــه
17-05-2008, 02:46 PM
و عليكم السلام والرحمه

بالبداية أسعدني تواجدك أخويه أحمد بقسم الطفل عسى الله يرزقك الذرية الصالحه :)
نرجع لـ موضوع التلفاز
إلي عجبني بالكاتبه إنها تطرقت للسلبيات وما نست الإيجابيات >> بالعاده نتشكى و نتذمر بس :09:

أعرف ناس ما عندهم تلفاز بالبيت
ولما أطفالهم يشوفون التلفزيون في بيت أقاربهم .. كأنهم شايفين شي غريب و نادر !
الأطفال الباقين يلعبون بألعاب ووو و هم قاعدين عند التلفزيون يشوفون الرسوم المتحركه إلي انحرموا منها في بيتهم !! ..
و الإعلام المرئي له دور كبير بتوعية الطفل و تثقيفه
يعني مره سألت ولدهم عمره 5 سنوات قلت له شنو هذا .. ؟؟ " كانت عندي صورة صقر "
قال لي كلب !! :blackeye: " الله يعزك "
رغم إن والدتهم تحاول تغطي النقص بكتب الأطفال التعليميه والطفل هذا بالروضه
إلا إني حسيت إنهم فعلا فاقدين التلفاز

يعطيك العافيه أخويه أحمد

:)