المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال: ما هي يا ترى علاقة عبد الله بن سبأ بمذهب التشيع؟! و هل صحيح ما طرحته الشبهة عبر



طريق الحق
27-12-2001, 01:47 PM
سؤال: ما هي يا ترى علاقة عبد الله بن سبأ بمذهب التشيع؟! و هل صحيح ما طرحته الشبهة عبر شبكة الانترنيت و التي تدّعي بأن مذهب التشيّع ليس مذهباً أصيلا بل هو من مخترعات عبد الله بن سبأ اليهودي؟!

خلاصه الجواب

إن الشيعة أو التشيع ظهر في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) و قد ذكرت كتب الرجال عدد ما يقارب المائة و ثلاثة و ثلاثين من الرواد الأوائل في التشيع.([1])

فكيف يا ترى صار عبد الله ابن سبا (المزعوم)! مؤسساً لهذا المذهب خصوصاً و ان أسطورة عبد الله ابن سبأ ظهرت متأخرة عن زمن النبي (صلى الله عليه وآله) بوقت طويل و ان أول من روّج لهذه الأسطورة التي لا وجود لها واقعاً هو سيف بن عمر المعروف عند اغلب المؤرخين بأنه وضاع كذّاب و ليس ثقة و لا يأخذ أحد بروايته.

و ان الطبري فقط كثيراً ما اسند رواياته عن طريق هذا الوضاع خصوصاً فيما يتعلق بعبد اللّه ابن سبا. و قد اعترف اغلب المؤرخين و الكتاب القدامى و المتأخرين بأن أسطورة عبد الله ابن سبا أوجدها خصوم الشيعة و أنها لا وجود لها في ارض الواقع.([2])

الجواب

في مقام الجواب لابد من القول انه لا يخفى على الدارس لتاريخ الإسلام و المطالع للظروف التي دونت فيها كتب التاريخ ، أن اكثر ما كتب تتحكم فيه النظرة الضيقة بمعنى تسجيل و تدوين الظاهرة أو الحدث دون إبداء الاهتمام اللازم أو ملاحقة لجذورها و اسبابها، او يسيطر عليه الهوى المذهبي و التعصب البغيض و التزلّف للحكام. فكان المؤرخ لا يدون إلا ما يتوافق مع هوى السلطان و ينسجم مع ميوله مهما كان ذلك مخالفاً للحقيقة و الواقع. من هنا نجد أن عمليات التزوير و التشويه و الوضع و الافتراء قائمة على قدم وساق في أسفار التاريخ، فلا تنقل لنا الوقائع و الأحداث بصورة أمينة.

من هنا فلا بُدّ لمن يريد الاستفادة من كتب التاريخ و البحث فيها و...أن يطالعها بدقة و حذر و وعي و أن يفتح عينيه و قلبه على كل كلمة فيها و يحاول أن يستنتج و يستخلص منها ما ينسجم مع الواقع بحسب ما يملك من أدوات معرفية، و مما يهون الخطب أن تاريخنا ليس كله ظلمة بل فيه و مضات مشرقة بإمكان الإنسان إذا تبعها أن يصل إلى الحقيقة المطموحة إذا امتلك التجرد العلمي و و روح النقد الموضوعي.

و من جمله الحقائق التاريخية التي شُوّهت و لعبت بها أيدي الأهواء، هي حقيقة الشيعة و أصالة مذهبهم الإسلامي، فحاول المغرضون و المتعصبون أن ينسبوهم إلى أشخاص لم تقع أرجلهم على ارض هذا الكوكب كعبد اللّه بن سبأ هذه الخرافة التي لا وجود لها على ارض الواقع و مع ذلك ينسبون التشيع إليها.؟!

و نحن إن شاء اللّه تعالى سوف نثبت بضرس قاطع زيف هذا الادعاء و كذبه و أن ما ذكر في هذا الباب ما هو إلا محض افتراء و أن مذهب الشيعة مذهب إسلامي أصيل في أصوله و فروعه و جذور نشأته و تكونه. ثم لا بد أن ننوه هاهنا إلى أن من الغريب و نحن نعيش في هذا العصر و هو عصر الانفتاح و العلم و الموضوعية أن يوجد بعض الفئات التي تكرر نفس التفاهات التي ذكرها السابقون من دون تمحيص و لا تدقيق مستهدفين إلغاء طائفة كبيرة من المسلمين كانت و لازالت ملتزمة بالإسلام فكراً و سلوكاً وقد بذلت الغالي و الرخيص في سبيل بقاءه و الحفاظ على أصالته فلماذا كل هذا؟ و لا جل من كل ذلك؟ و في حساب و مصلحة من يصب هذا؟!



التشيّع ، من حيث اللغة: هو المشايعة و المتابعة، و المناصرة و الموالاة([3]). فالشيعة بالمعنى اللغوي هم الأتباع و الأنصار، و قد غلب هذا الاسم على أتباع علي (عليه السلام) حتى اختص هذا الاسم بهم و اصبح إذا أطلق هذا الاسم ينصرف إليهم.

و بهذا المعنى استعمل القرآن الكريم لفظ الشيعة كما في قوله تعالى ] و إن من شيعته لإبراهيم [([4]) وكقوله تعالى ] هذا من شيعته و هذا من عدوه[ ([5]) و التشيع اصطلاحاً ، الاعتقاد بآراء و أفكار معينة و لكونه كذلك فقد ذهب العلماء و الباحثون إلى تعريف التشيع كما يأتي:

· تعريف الشهيد في كتاب شرح اللمعة حيث قال: و الشيعة من شايع علياً أي أتبعه و قدمه على غيره في الإمامة و إن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة فيدخل فيهم الإمامية، و الجارودية من الزيدية و الإسماعيلية غير الملاحدة منهم و الواقفية.([6])

· تعريف الشهرستاني في الملل و النحل حيث قال: الشيعة هم الذين شايعوا علياً و قالوا بإمامته و خلافته نصاً و وصاية. اما جليا و اما خفياً و اعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده و إن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده.([7])

· تعريف النوبحتي في كتابه الفرق حيث قال: الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) و من وافق مودة علي .([8]) و هناك تعاريف كثيرة أخرى تركناها تجنباً عن الإطالة في البحث.([9])

و يمكن أن نستخلص من جميع هذه التعاريف نتيجة و هي أن جوهر التشيع هو الالتزام بإمامة علي (عليه السلام) و أولاده و تقديمه على غيره، و ذلك لوجود نصوص عندهم في ذلك أو وجود صفات اختص بها الأمام علي (عليه السلام) و لم تتوفر بغيره.

متى ظهر التشيع؟

إن المؤرخين و الباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع فانهم يحددونه في فترة ما بين زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ما بعد مقتل الأمام الحسين (عليه السلام) و سوف نذكر نماذج من آرائهم في ذلك.

· الرأي الأول: و هو الرأي الذي يرى أن ظهور التشيع كان و بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) و من المعتقدين بهذا الرأي:

1- ابن خلدون في تاريخه حيث قال: إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول (صلى الله عليه وآله) و كان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر و أن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش و لما كان جماعة من الصحابة يرون لعلي الأولوية و الاستحقاق في الخلافة دون غيره تأففوا و عارضوا لما عدل به إلى غيره.([10])

2- اليعقوبي حيث قال: و يعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع و من أشهرهم، سلمان الفارسي و أبو ذر و عمار و المقداد بن الأسود الكندي و العباس بن عبد المطلب.([11])

3- و من أصحاب هذا الرأي كذلك المستشرق جولد تسيهر حيث يقول: إن التشيّع نشأ بعد وفاة النبي و بالضبط بعد حادثه السقيفة.

و هناك أقوال أخرى تميل إلى هذا الرأي تركناها تجنباً من الإطالة في البحث.([12])

· الرأي الثاني:و هو الذي يذهب إلى أن التشيع نشأ في أيام عثمان بن عفان، و من الذين ذهبوا إلى هذا الرأي جماعة من الباحثين و المؤرخين منهم ابن حزم و جماعة آخرون. و ذكرهم بالتفصيل يحيى هاشم فرغل في كتابه (عوامل و أهداف نشأة الكلام) في الجزء الأول الصفحة (105) و قد استند إلى مبررات و أسباب قد اجهد نفسه فيها و ذكرها.

· الرأي الثالث: و هو الرأي الذي يذهب إلى أنّ تكون و نشوء الشيعة كان في أيام خلافة الأمام علي (عليه السلام). و من الذين ذهبوا إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة الصفحة (16) . و ابن النديم في الفهرست الصفحة 175 حيث حدده بفترة واقعة البصرة و ما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور الشيعة و نشوئها.

· الرأي الرابع: و هذا الرأي يذهب إلى أن ظهور التشيّع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية.

· الرأي الخامس: و هو الرأي الذي يرى أن التشيع ظهر في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) و هو رأي الشيعة و غيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى . حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي (صلى الله عليه وآله) و أن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي و ردت على لسانه (صلى الله عليه وآله) و كشف عمّا لعلي (عليه السلام) من مكانة في مواقع متعددة و قد رواها الثقاة من أهل السنة فضلا عن الشيعة و من هذه الأحاديث ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة و السابعة من سورة البينة بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فاقبل علي (عليه السلام) فقال (صلى الله عليه وآله) « و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة » فنزل قوله تعالى ] إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية[([13]) و اخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى ] إن الذين آمنوا و عملوا...[ ([14])الآية، قال لعلي «هم أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غراً محجلين».([15])

و من هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلى أن أول اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو مذهب الشيعة و كان هذا اللقب لأربعة من الصحابة و هم ابوذر، و عمار، و المقداد و سلمان الفارسي و بعد صفين اشتهر موالي علي (عليه السلام) بهذا اللقب([16]) و لهذا فقد ذهب الباحثون إلى تخطئة كل من يؤرخ للتشيع و ظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام النبي (صلى الله عليه وآله).

يقول محمد عبد الله عفّان في كتابه( تاريخ الجمعيات السرية )عند تعليقة على الحادثة التي دونتها كتب التاريخ و السيرة([17]) حين جمع النبي (صلى الله عليه وآله) عشيرته عند نزول قوله تعالى ] وانذر عشيرتك الأقربين[([18]) و دعاهم إلى اتبّاعه و نصرته فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فاخذ النبي (صلى الله عليه وآله) برقبته و قال: هذا أخي و وصي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا... هنا علّق محمد عبد الوهاب بقوله: من الخطأ أن يقال أن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة و ظهورهم في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) حين أُمر بإنذار عشيرته بهذه الآية.

و يقول النوبختي عند تحديده للشيعة: فالشيعة فرقة علي بن أبي طالب (عليه السلام) المسمّون بشيعة علي في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ثم عدد جماعة منهم و قال : هم أول من سُمي باسم التشيع لان اسم التشيع كان قديماً لشيعة إبراهيم (عليه السلام)([19]).

إذا بعد ذكر هذه الأدلة على وجود و نشوء الشيعة خصوصاً مع التمحيص و التدقيق لها نجد أن الإنصاف هو أن الشيعة قد كانوا موجودين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) و لا يبقى مجال لمناقشة الأدلة الباقية. و حتى لو أردنا المناقشة فإننا يمكن أن نثبت بان الشيعة قد نشأت في زمن النبي (صلى الله عليه وآله). فمثلا: الرأي الذي حدد ظهور الشيعة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) و حادثة السقيفة و هو ما عليه جمهور الباحثين و المؤرخين فإن هذا الرأي يمكن أن ينهض دليلا على أن وجود و نشوء الشيعة كان في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه من غير المعقول أن ينشأ و يتبلور التشيع في أسبوع واحد أو اقل (أي المدة بين وجود النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته بحيث يتخذ جماعة من الناس مواقف معيّنة و يتضح لهم اتجاه له ميزاته و خواصه فإن مثل هذه الآراء تحتاج في تكوينها و نضوجها إلى وقت ليس بالقليل.!





--------------------------------------------------------------------------------

[1]- الكامل للمبرد، هامش رغبة الأمل، ج 7، ص 130. أسد الغابة، ج 1، ص 35، طبعة أوفست، حرف الألف و ج 1، ص 61، طبع دمشق. فجر الإسلام ص 267. الاستيعاب، ص 280 و غيرها من المصادر.

[2]- الفتنة الكبرى لطه حسين.

[3]- صحاح الجوهري، ج 3، ص 156، و تاج العروس و لسان العرب مادة تشيع.

[4]- الصافات / 83.

[5]- القصص / 15.

[6]- شرح اللمعة، ج 2، ص 228.

[7]- الملل و النحل، ص 228.

[8]- فرق الشيعة.

[9]- راجع مثلا تعريف محمد فريد وجدي في كتابه دائرة المعارف، ج 5، ص 424.

[10]- تاريخ ابن خلدون.

[11]- تاريخ اليعقوبي.

[12]- راجع مثلا رأي الدكتور احمد أمين و الدكتور حسن إبراهيم.

[13]- البيّنة / 7.

[14]- نفس الآية.

[15]- الدر المنثور للسيوطي، جزء 6، ص 376.

[16]- الخوارزمي، روضات الجنات، ص 88.

[17]- حياة محمد، هيكل طبعة، مصر، المؤرخة قم، 1354هـ ، ص 104.

[18]- الشعراء / 214.

[19]- الفرق و المقالات للنوبختي، باب تعريف الشيعة.

أنور2
28-12-2001, 03:08 PM
ممتاز